في الذكرى الـ٥٣ لرحيل الرئيس جمال عبد الناصر، نحاول أن نناقش فى هذا المقال ثلاث مراحل مهمة، لنصل إلى خلاصة ما حققته الثورة للاقتصاد المصرى.
أولا: واقع الاقتصاد المصري قبل ثورة يوليو ١٩٥٢: 
ساد النظام الاقتصادي المصري قبل الثورة ملكية خاصة لأدوات الإنتاج، وتركيز الملكية في أيدى قلة من الإقطاعيين وتحول معظم الفلاحين المصريين إلى عمال مستأجرين يتحكم فيهم كبار الإقطاعيين، وسيطرت فئة لا تتعدى ٢٪ من رجال أعمال القطاع الخاص المحلى مع  المستثمرين الأجانب على المنشآت الصناعية والتجارية والائتمانية والعقارية، وكانت صناعة الغزل والنسيج نموذجًا لذلك، مما دفع قيادات عمال هذه المصانع خاصة في مصانع شبرا الخيمة والمحلة وحلوان  ليكونوا عناصر قيادية فاعلة في الحراك السياسي للشعب المصري ما قبل ثورة يوليو ١٩٥٢ في المظاهرات والانتفاضات الشعبية، وبرز هذا الدور بوضوح في لجنة الطلبة والعمال في ٤ مارس سنة ١٩٤٦ والتي شكلت إلى جانب فضيحة الأسلحة الفاسدة في حرب ١٩٤٨ المقدمة الأولى التمهيدية لانطلاق ثورة يوليو ١٩٥٢.


ويضاف إلى ما سبق سيطرة أجنبية شبه كاملة على شركات تكرير السكر وحلج القطن وشركة سكة حديد الدلتا وأنشطة البورصة المالية وبورصات المحاصيل والغلال الزراعية إلى جانب البنك الأهلي (بنك الإصدار في مصر – وظيفة من وظائف البنك المركزي).
ثانيا: برنامج السنوات الخمس للتصنيع من ١٩٥٧ حتى ١٩٦٠ 
كان هدف هذه المرحلة، مضاعفة نصيب الفرد من الدخل القومي ونمو الصناعة خلال عشرين سنة، وإعطاء فرصة للقطاع الخاص بالمشاركة في عملية التنمية الأقتصادية، والاهتمام بالصناعة.
ويمكن تلخيص أهم إنجازات هذه المرحلة فيما يلى: 
سمحت الثورة للرأس المال الأجنبي بالمشاركة بـ٥١٪ من رأس المال، وأفسحت المجال للقطاع الخاص، وظل الإقبال على المشروعات الصناعية ضعيفا. ولذلك تقرر إنشاء وزارة للصناعة، ووضع برنامج خمس سنوات للتصنيع، وتم في ١٩٥٧ إنشاء المؤسسة الاقتصادية لإدارة الشركات والمنشآت الأجنبية التي تم ُتمِصّيرها. وتم دمج مجلسي الإنتاج والخدمات فيها.
وفى عام ١٩٥٧ أنشئت الهيئة العامة للسنوات الخمس والمؤسسة الاقتصادية وركزت استثماراتها في البنوك وشركات الثروة المعدنية والتجارة والنقل والغزل والنسيج. ولذلك تعتبر سنة ١٩٥٧ بداية لسياسة صناعية جديدة في مصر من ناحية كم الاستثمارات وكذلك من جهة التوزيع الإقليمي للصناعة، في ضوء اقتصاديات التوزيع الجغرافي للخامات والطاقة والمرافق والعمالة المطلوبة.
وأنشئت مؤسسة النصر لتتولى إدارة الشركات العامة في مواجهة تلاعب الرأسماليين بأسعار التصدير والاستيراد لتهريب رؤوس أموالهم. وعندما طالبت الحكومة بالاكتتاب في سندات الإنتاج بنسبة ٥٪ من صافي الأرباح تعمد معظمهم المبالغة في حجم الأرباح الموزعة. وكان من أسوأ مجالات الممارسات التلاعب في أسعار الأدوية عن طريق وكلاء في دول غير منتجة كاليونان، لتهريب الأموال برفع الأسعار.
وتبرز هنا أهم السياسات والقرارات التي اتخذتها حكومة الثورة لمواجهة تلاعب وعدم جدية رجال الأعمال وشركات القطاع الخاص والشركات الأجنبية، ومنها على سبيل المثال: التمصيــر لمواجهة النفوذ الأجنبي، حيث تم تمصير البنوك وشركات التأمين وعمليات التجارة الخارجية، كما قامت المؤسسة بشراء موجودات ١٩ شركة أخرى من الشركات الخاضعة للحراسة.
وتكونت نواة قطاع عام في مجال الائتمان والتمويل والصناعات الثقيلة مثل الحديد والصلب والكيماويات وغيرها وكذلك في بعض الصناعات الخفيفة الهامة، حيث سيطرت المؤسسة الاقتصادية على شركات السجائر "الشركة الشرقية للدخان" و"السكر والتقطير المصرية". وتمت السيطرة على أربعة بنوك تجارية تمثل في مجموعها حوالي ٤٥٪ من نشاط الجهاز المصرفي وعلى كبرى شركات التأمين في مصر. ومارس القطاع العام دورا مهما في صناعة التعدين واقتحم مجال التنقيب عن البترول.
ومن العقبات التي واجهت برنامج الخمس سنوات تعمد بعض الدول الأوروبية تجميد أرصدة مصر وفرض حصار اقتصادي على البلاد.
وقدم الاتحاد السوفيتي أكثر من ثلث التمويل اللازم لتمويل هذا البرنامج. وارتبط نقل رؤوس الأموال بنقل التكنولوجيا ومنتجات التكنولوجيا أيضا، أي ارتبط بنقل كل من المعرفة والخبرة الفنية من جهة، والآلات والمعدات من جهة أخرى..
واتخذت الدولة خطوة حاسمة وجذرية، وذلك بتأميم كل من بنك مصر والبنك الأهلي المصري حيث يسيطر بنك مصر على نحو ٢٠٪ من الإنتاج الصناعي وكانت أصوله تبلغ حوالى ثلث أصول البنوك التجارية مجتمعة وودائعه أكثر من ٤٠٪ من مجموع ودائعها، أما البنك الأهلي المصري فقد كان بمثابة البنك المركزي الذى يشرف على الجهاز المصرفي ويقوم بإصدار البنكنوت وتحديد سياسة الائتمان وتحتفظ الحكومة لديه بحساباتها. 
ثالثا: التخطيط والتأميم منذ ١٩٦١ حتى ١٩٧١
استهدفت هذه المرحلة مضاعفة الدخل القومي عن طريق تنمية كافة القطاعات مع التركيز على التصنيع، وزيادة الدخل القومي بنسبة (٣٩.٧ ٪)، وقد تحققت أهداف الخطة بنسبة (٩٧٪)، وكذلك تحققت خطة رأس المال عموما بنسبة (٩٦٪). وفي نفس الوقت تعدت الزيادة في العمالة والأجور بالنسب المحددة لها في الخطة، واستكملت الخطة بزيادة الدخل القومي بنسبة (٨٩.٩ ٪).
وبفضل الخطة الخمسية الأولى تفوقت مصر بمؤشراتها الاقتصادية على كوريا الجنوبية حيث بلغ الناتج المحلى الإجمالي المصري ٥.١ مليار دولار وبلغ نصيب الفرد منه ١٧٣ دولارا، في حين بلغ الناتج المحلى الإجمالي الكوري الجنوبي ٣ مليارات دولار وبلغ متوسط نصيب الفرد منه ١٠٥ دولارات.
وكان من أهم العقبات التي واجهتها الخطة الخمسية الأولى ١٩٦٠-١٩٦٥، تلف محصول القطن عام ١٩٦١/١٩٦٢، ثم التوقف كنوع من الضغط السياسي للمعونات الغذائية التي تقدمها أمريكا في عام ١٩٦٤/١٩٦٥، وكان لذلك تأثير سلبي على الخطة.
أهم إنجازات الخطة الخمسية الأولى ١٩٦٠-١٩٦٥: 
أولا: تحقيق متوسط لمعدل النمو الاقتصادي السنوي في مصر في الخمس سنوات إلى (٦.٥٪). وهذا يعني أنها تخطت معدلات النمو في كثير من الدول النامية والتي كانت بين (٣-٥٪).
ثانيا: تحقيق سيطرة الدولة على الإنتاج وخاصة الصناعي، وتم إنشاء مؤسسة مصر، ومؤسسة النصر، وبذلك وجدت ثلاث مؤسسات رئيسية للقطاع العام هي: المؤسسة الاقتصادية، ومؤسسة مصر، ومؤسسة النصر.
ثالثًا: صدر قانون لتنظيم سوق القطن والذي ألغي بورصة العقود وحظر الاشتغال بتصدير الأقطان على غير الشركات المساهمة الوطنية بما لا يقل عن ٣٥٪ من رأسمالها ثم رفعت النسبة إلى ٥٠٪ بهدف تمصير سوق القطن وضمان تدخل الدولة في هذا الموقع الذي كانت تسيطر عليه القوى الأجنبية والاحتكارية المحلية.
رابعًا: تأميم ٨٠ شركة، منها البنوك وشركات التأمين والتجارة الخارجية وتجارة الأخشاب والنقل والمياه والأراضي العقارية وعدد من الشركات الصناعية مثل مصانع النحاس، والدلتا للصلب، والأهلية للصناعات المعدنية، وأبو زعبل، وكفر الزيات للأسمدة، وشركات الأسمنت. وساهمت الحكومة بمقدار ٥٠٪ من رأسمال ٨٣ شركة أخرى تضم أساسا شركات مقاولات وتجارة، وبعض الشركات الصناعية مما يعنى تأميم هذه الشركات تأميمًا جزئيًا.
خامسًا: تحديد الحد الأقصى للملكية الفردية الزراعية بما لا يزيد على مائة فدان، وإعفاء الفلاحين من نصف الثمن ومن كل الفوائد، وتم إعفاء الفلاحين من ثلاثة أرباع أقساط الأرض.
سادسًا: تخصيص ٢٥٪ من الأرباح الصافية للشركات للموظفين والعمال، على أن توزع نسبة ١٠٪ منها في شكل أرباح نقدية، ويخصص الباقي للخدمات الاجتماعية والإسكان.
النتائج التنموية المباشرة لهذه المرحلة:
١ - بلغت قيمة الاستثمارات نحو ١١٤٨ مليون جنيه بمتوسط سنوي قدره ٢٨٧ مليون جنيه، وتحمل القطاع العام وحده تنفيذ ٩١٪ من هذه.
٢ - بلغت الزيادة المقدرة للأجور في عام ٦٤/٦٥ وقدرها ٩١ مليون جنيه فقد تمثل إسهام القطاع العام بنحو ٧٣.٦ مليون جنيه بنسبة ٨١٪.
٣ - زيادة إجمالي الدخل المحلى في فترة الخطة الخمسية بنسبة ٣٧.١٪ أي بمعدل سنوي قدره ٦.٥٪ في المتوسط، وذلك بتنفيذ استثمارات قدرها ١٥١٣ مليون جنيه.
٤ - زيادة العمالة بنحو ١٣٢٧ ألف عامل أي بمتوسط سنوي يبلغ ٢٦٥ ألف عامل.
٥ - شهدت الفترة بين ١٩٦٥ و١٩٧٠ إقامة ١٥٥ مصنعا وارتفعت قيمة الإنتاج الصناعي بالأسعار الجارية من ٦٦١ مليون جنيه عام ١٩٦٠ إلى ١١٤٤ مليون جنيه عام ١٩٦٥ واستمرت الزيادة في الإنتاج الصناعي إلى ١٦٣٤ مليون جنيه عام ١٩٧٠ وإلى ١٨٠٩ ملايين جنيه عام ١٩٧١.
ملاحظة هامة:  الأداء للاقتصاد المصري المتميز كان يتم في ظل خسائر عالية من جراء نسف إسرائيل لمصانع منطقة قناة السويس وتسخير معظم الإنتاج الصناعي لسد احتياجات الجيش وذلك يجعلنا ننظر للتجربة الناصرية بكثير من الفخر والاعتزاز. 
٦ - في عام ١٩٦٩ حقق الميزان التجاري ولأول مرة في تاريخ مصر زيادة لصالحه مقدارها (٤٦.٩ مليون جنيه) الأمر الذي يؤكد كفاءة الإدارة الناصرية للأوضاع الاقتصادية.
الخلاصة:
إن ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ حققت إلى جانب الإنجازات الاقتصادية الكثير من التقدم على محور النمو والعدالة الاجتماعية حيث تجاوزت نسبة ٧٥٪ في الاستيعاب لمرحلة التعليم الإلزامي، وارتفع عدد تلاميذ المرحلة الابتدائية من ١.٦ مليون إلى ٣.٨ مليون، وعدد تلاميذ المدارس الإعدادية والثانوية من ٢٥٠ ألفا إلى ١.٥٠٠.٠٠٠ وعدد طلاب الجامعات من ٤٠ ألفا إلى ٢١٣ ألفا.
وتحققت هذه النتائج الإيجابية رغم تحمل الاقتصاد المصري تكاليف بناء مجمعات صناعية عملاقة كمجمع الألومنيوم في نجع حمادي والحديد والصلب في حلوان على سبيل المثال، وكذلك إتمام بناء السد العالي والذي اعتبرته الأمم المتحدة عام ٢٠٠٠ أعظم مشروع هندسي تنموي بالقرن العشرين.


أستاذ الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية
 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: يوليو ١٩٥٢ المؤسسة الاقتصادیة الإنتاج الصناعی الخطة الخمسیة الدخل القومی هذه المرحلة یولیو ١٩٥٢ ملیون جنیه جنیه عام فی مصر

إقرأ أيضاً:

«الزراعة الدقيقة».. خيار مستقبلي لتحسين إدارة المحاصيل العمانية وزيادة الإنتاج

تعد التقنيات الحديثة ركيزة أساسية في تطوير القطاع الزراعي، خاصة في مناطق تواجه تحديات بيئية، وقد تبنت وزارة الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه تقنيات مبتكرة لتحسين إدارة الموارد الطبيعية وتعزيز الأمن الغذائي، ويمكن لسلطنة عُمان أن تحقق فوائد كبيرة من تبني تقنيات الزراعة الدقيقة خاصة في ظل تحديات المناخ الجاف وندرة الموارد المائية، حيث تمكن هذه التقنيات من تحسين كفاءة الري عبر أجهزة استشعار ترصد رطوبة التربة وتحدد الاحتياجات المائية الدقيقة للمحاصيل، مما يقلل الهدر ويعزز الاستدامة.

ويعكس استخدام هذه التقنيات التزام سلطنة عمان بالابتكار لمواجهة التحديات البيئية وتعزيز القطاع الزراعي وضمان استدامة الموارد وتحقيق الأمن الغذائي للمستقبل.

التقنيات الحديثة

أوضح الدكتور سيف بن علي الخميسي مدير مركز بحوث النخيل والإنتاج النباتي أن التقنيات الحديثة يمكن أن تسهم بشكل كبير في تحسين إنتاجية المحاصيل الزراعية في سلطنة عمان، خاصة في ظل التحديات المناخية مثل ندرة المياه وارتفاع درجات الحرارة، حيث إن أنظمة الري الذكية مثل الري بالتنقيط والري الأوتوماتيكي المزود بمستشعرات رطوبة التربة يمكن أن تساعد في ترشيد استهلاك المياه وتوزيعها بكفاءة، مما يقلل الهدر ويُعزز نمو المحاصيل.

وأضاف: تستخدم تقنيات الزراعة الدقيقة عبر الأقمار الصناعية والطائرات المسيرة (الدرون) لمراقبة صحة النباتات وتحليل التربة، مما يمكن المزارعين من تحديد المناطق التي تحتاج إلى أسمدة أو مبيدات بشكلٍ دقيق، كما تدعم البيوت المحمية المجهزة بأنظمة تحكم مناخي زراعة محاصيل عالية الجودة على مدار العام، حتى في المناطق ذات الظروف الجوية القاسية، وتلعب التكنولوجيا الحيوية دورًا في تطوير أصناف محاصيل مقاومة للجفاف والآفات، مما يزيد من قدرتها على التكيف مع بيئة سلطنة عمان.

وأشار الخميسي إلى أن أنظمة الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية تساهم في تشغيل مضخات المياه ومرافق الزراعة بشكلٍ مستدام خاصة في المناطق النائية كما تسهِم منصات البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي في تحليل أنماط الطقس وتوقعات السوق مما يساعد المزارعين على اتخاذ قرارات استباقية.

كما يشير إلى أنه يجب أن لا ننسى دور الزراعة الرأسية والتقنيات الحضرية في توفير مساحات زراعية محدودة وإنتاج محاصيل سريعة النمو.

وأضاف الخميسي: تعمل تطبيقات الهاتف المحمول على ربط المزارعين بالخبراء والبائعين مباشرةً مما يحسن الكفاءة التسويقية ويقلل الفاقد، حيث إنه بدمج هذه الحلول يمكن لسلطنة عمان أن تحقق أمنًا غذائيًا مستدامًا وتعزز مكانتها كواحة زراعية متطورة في المنطقة.

وقال الخميسي: تساهم الزراعة الدقيقة في زيادة الإنتاجية عبر تحليل البيانات الزراعية لتحديد أفضل المواقع لزراعة المحاصيل المناسبة، مما يُعظّم الاستفادة من الأراضي المحدودة، كما يمكن استخدام الطائرات المسيرة (الدرون) وخرائط GPS لمراقبة الحقول واكتشاف الأمراض أو الآفات مبكرًا، مما يحد من استخدام المبيدات الكيميائية ويخفض التكاليف، بحيث يمكن أن تساعد الزراعة الدقيقة (Precision Agriculture) في التخصيب الدقيق بناءً على احتياجات التربة، مما يعزز جودة المحاصيل ويقلل التلوث البيئي.

مشيرا إلى أنه يمكن لسلطنة عُمان من خلال تبني هذه الأساليب تعزيز الأمن الغذائي عبر زيادة الإنتاج المحلي، خاصة في محاصيل استراتيجية مثل النخيل والتمور، حيث توفر الزراعة الدقيقة بيانات تساعد المزارعين على اتخاذ قرارات مدروسة، مما يدعم تحول القطاع الزراعي نحو الاقتصاد الرقمي، ويمكن لهذه الخطوة أن تجذب استثمارات تكنولوجية وتُطور الكفاءات المحلية في مجال الزراعة الذكية، مؤكداً أن الزراعة الدقيقة تعد ركيزة مهمة لتحقيق أهداف «رؤية عُمان 2040» في التنويع الاقتصادي والاستدامة، حيث يتطلب النجاح تطوير بنية أساسية رقمية وتدريب المزارعين على استخدام الأدوات الحديثة ذات العلاقة بالزراعة الدقيقة (Precision Agriculture)، كما ستعزز هذه الخطوة مكانة سلطنة عمان كدولة رائدة في تبني حلول مبتكرة لتحديات الزراعة في المناطق الجافة، مما يسهم في بناء مستقبل زراعي أكثر مرونة وازدهارًا.

استدامة الزراعة

وأوضح الدكتور سيف الخميسي أن أنظمة الري الحديثة مثل الري بالتنقيط تسهم في توفير المياه بنسبة تصل من 50 إلى 80% مقارنة بالطرق التقليدية، خاصة في محاصيل النخيل بمحافظات السلطنة، حيث توزع المياه مباشرة على جذور النباتات دون هدر، فقد تتيح أنظمة الري الذكية المزودة بمستشعرات رطوبة التربة تحديد الاحتياجات المائية بدقة، كما تلك المستخدمة في مزارع البحوث الزراعية بالرميس، مما يمنع الإفراط في الري ويحافظ على الموارد المائية.

وأضاف: كما يمكن أن يُقلل استخدام الري بالرش المحوري (مثل الموجود في مزارع محافظة الظاهرة) من تبخر المياه، ويُناسب المحاصيل العلفية كالبرسيم، مما يعزز كفاءة الاستهلاك في المناطق الواسعة، حيث تسمح تقنيات الري تحت السطحي (Subsurface Drip Irrigation) بتغذية التربة مباشرة في مزارع شركة تنمية نخيل عمان، حيث تُستخدم لزراعة الخضروات في الترب الرملية، مما يحد من تسرب المياه والأملاح.

ويشير إلى أن أنظمة الري المُدارة بالذكاء الاصطناعي قد تدعم تحليل بيانات الطقس والتربة لتحديد أوقات الري المثلى مما يُحسن إنتاجية المحاصيل، حيث تُستخدم الطاقة الشمسية لتشغيل مضخات الري في قرى جبال الحجر مما يُخفض تكاليف الكهرباء ويُعزز الاستدامة البيئية. حيث تعتمد مزارع الليمون في نيابة قلهات (مثلا) على أنظمة الري بالفقاعات (Bubble Irrigation)، التي توفر توزيعًا متجانسًا للمياه مع تقليل التبخر في المناطق الحارة، وفي محافظة جنوب الشرقية تُسهم مشاريع معالجة المياه العادمة وإعادة استخدامها للري (مثل مشروع بركاء) في توفير مصدر مائي مستدام لمحاصيل الأعلاف، بحيث تُطبق تقنيات الري التكيفي في واحات الجبل الأخضر لزراعة الفواكه مثل الرمان، حيث تُعدّل كميات المياه تبعًا للمراحل الزراعية مما يُحسن جودة المحصول ويقلل الهدر، حيث إن تبني هذه الأنظمة عبر مشاريع مثل استراتيجية الأمن الغذائي 2040 يمكن أن تدعم بشكل كبير تركيب أنظمة ري حديثة في المزارع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة على حد سواء.

مقاومة التغييرات المناخية

كما قال الخميسي: يمكن تعزيز مقاومة المحاصيل للتغيرات المناخية في سلطنة عُمان من خلال دمج تقنيات مبتكرة تلائم تحدياتها البيئية، مثل استخدام التعديل الوراثي (GM) لتطوير أصناف محاصيل تتحمل الجفاف والملوحة ودرجات الحرارة المرتفعة. كما يمكن أن تسهم أنظمة الزراعة الذكية القائمة على أجهزة استشعار وإنترنت الأشياء IoT في مراقبة العوامل المناخية والتربة لحظيًا، مما يتيح إدارة دقيقة للري والتسميد وفقًا للظروف المتغيرة. بالإضافة إلى تحليل البيانات المناخية للتنبؤ بموجات الجفاف أو الأمطار وتوجيه المزارعين لاختيار المحاصيل المُناسبة لكل موسم، ولا يقتصر الأمر على ذلك بل تشمل الحلول تطبيق تقنيات حيوية لتحسين التربة، مثل استخدام الميكروبات المُثبِّتة للنيتروجين أو إضافة مواد عضوية كالبيوتشار لتعزيز خصوبتها وقدرتها على الاحتفاظ بالمياه، حيث يعتبر إنشاء بنوك جينية لحفظ البذور التقليدية المقاومة طبيعيًا للمناخ خطوة حيوية لإحياء هذه الأصناف ودمجها في برامج التهجين المستقبلية، بحيث يسهم تبني هذه الحلول المترابطة في بناء قطاع زراعي مرن يتكيف مع تحديات سلطنة عُمان المناخية، ويُحقق أمنًا غذائيًا مع الحفاظ على الموارد المحدودة.

«الدرون » ومراقبة المحاصيل

كما أوضح مدير مركز بحوث النخيل والإنتاج النباتي أن الطائرات بدون طيار (المسيرة) ليست تقنية جديدة لكن استخدامها بدأ بالتزايد نتيجة للاستثمارات والتحرر في البيئة التنظيمية، حيث إن القطاع الزراعي من أكثر القطاعات الواعدة في هذا المجال وبالتالي يمكن للطائرات دون طيار أن تحل العديد من التحديات الرئيسية ويمكن أن تساهم الطائرات دون طيار في تجديد قطاع الزراعة باستخدام التكنولوجيا، حيث يمكن استخدامها خلال دورة المحاصيل: (من حيث تحليل التربة والحقول والتخطيط لزرع البذور، ويمكن أن تؤدي دورا عبر رسم خرائط دقيقة ثلاثية الأبعاد لتحليلات التربة الأولية، وجمع البيانات لإدارة عملية الري ومستويات النتروجين، كما يمكن للطائرات دون طيار أن تقوم بمسح الأرضي والرش في الوقت الفعلي وبشكل متساو، وترش المحاصيل أسرع بخمس مرات من الآلات التقليدية، ويمكن للصور الملتقطة على فترات زمنية منتظمة عن طريق الطائرات دون طيار أن تبين تطور المحاصيل وتكشف عن أي خلل في الإنتاج لتسمح بإدارة أفضل، ويمكن للطائرات دون طيار المزودة بأجهزة استشعار أن تحدد الأجزاء الجافة من الحقل أو تلك التي تحتاج إلى تحسين الري).

وأضاف مدير مركز بحوث النخيل والإنتاج النباتي أن الوزارة قامت بتطبيق استخدام الطائرات المسيرة (Drones) في تنبيت النخيل باستخدام التلقيح السائل وغبار الطلع، حيث تم تنبيت النخيل باستخدام غبار الطلع المخزن على صنفين هما المبسلي والخصاب وكانت النتائج واعدة وأدت إلى تحديد التركيز المثالي لمعلق حبوب اللقاح وكانت نسبة العقد جيدة أدت إلى تخفيف الاعتماد على القوى العاملة في تلقيح النخيل إضافة إلى توفير الوقت والجهد.

كما أن هناك جهودا مبذولة في المسوحات الجوية عن طريق الأقمار الصناعية والطائرات المسيرة للكشف المبكر عن حشرتي دوباس وسوسة النخيل الحمراء، باستخدام تكنولوجيا المسح الطيفي، وتسعي الوزارة إلى تطوير تقنيات رش المبيدات والمسوحات الجوية للكشف المبكر عن الآفات الزراعية ومكافحتها.

تقنيات الزراعة المائية

وأوضح أن الوزارة ممثلة بالمديرية العامة للبحوث الزراعية والحيوانية بعمل العديد من الدراسات البحثية ذات العلاقة باستخدام التقنيات الحديثة في البيوت المحمية والزراعة المائية، وإيجاد أصناف من محاصيل الخضر والفاكهة والمحاصيل الحقلية ذات إنتاجية وجودة عالية، إضافة إلى استخدام تقنيات التحسين والتهجين للحصول على الأصناف المتحملة للظروف المناخية للسلطنة. كما تم تنفيذ تجارب تتعلق بإنتاج الخضار في غير موسمها للتغلب على التحديات المرتبطة بالمناخ وذلك باستخدام التقنيات الزراعية للبيوت المحمية المبردة وتقنية الزراعة المائية والأحيومائية وذلك بهدف تحسين الإنتاجية والتقليل من استهلاك المياه، حيث تم نقل هذه التقنيات لدى المزارعين في مختلف المحافظات.

ومن بين البحوث التي تم تنفيذها تبريد المحلول المغذي المستخدم في الزراعة المائية لتقليل تأثير ارتفاع درجات الحرارة على المحاصيل التي ساهمت بشكل كبير في رفع الإنتاجية إلى حوالي 40% من خلال تهيئة الظروف الملائمة للنباتات لامتصاص الأسمدة بكافة مكوناتها، وقد تم نشر هذه التقنية لدى المزارعين من خلال برامج نقل التقنية الذي تقوم به الوزارة في مختلف أنحاء السلطنة.

وأكد الخميسي أنه في الزراعة المائية التي تعرف بـHydroponic التي هي إحدى الأساليب الزراعية القائمة على استبدال التربة بمحلول يحتوى على العناصر الغذائية التي تحتاجها النبتة، ويتم استخدامها لزراعة الخس، والطماطم، والفلفل، والخيار، والفراولة، الخ.. يتم في هذه التقنية تزويد الماء بالعناصر الغذائية المناسبة حسب نوع المحصول المراد إنتاجه. حيث تم إجراء دراسة في المديرية العامة للبحوث الزراعية والحيوانية حول تأثير المحاليل المغذية على إنتاجية الخيار تحت ظروف البيوت المحمية المبردة باستخدام تقنية الزراعة بدون تربة (النظام المفتوح)، وقد أشارت الدراسة إلى أن المحلول المغذي الجديد قد تفوق في إنتاجية ‏أصناف الخيار بنسبة (8%)، وتم نشر هذه التقنية مع المزارعين من خلال برنامج نقل تقنيات الزراعة المحمية.

تقليل استهلاك المياه

ويشير الدكتور سيف الخميسي انه يمكن للتقنيات الحديثة أن تُسهم بشكل كبير في خفض استهلاك المياه بالزراعة العُمانية التي تعتمد حاليًا على الري التقليدي بنسبة 80% من مواردها المائية (وفقًا لوزارة الزراعة، 2022). فعلى سبيل المثال يقلل الري بالتنقيط الذكي (المُدمج مع أجهزة استشعار رطوبة التربة) الاستهلاك بنسبة تصل إلى (60%) مقارنة بالري السطحي، كما في مشروع تجريبي بمنطقة الباطنة حقق وفورات مائية بلغت (40%). أما الزراعة بدون تربة (الهيدروبونيك) فتوفر (90%) من المياه، وهو ما طُبق في مزارع محلية بإنتاجية أعلى بنسبة (30%). كما تُشير تقديرات منظمة الفاو إلى أن استخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ باحتياجات الري قد يخفض الهدر المائي بنسبة (25-30%) في المناطق الجافة، ومن الأمثلة الواقعية مشروع «الزراعة الذكية» في ظفار الذي يعتمد على أنظمة مراقبة بالطاقة الشمسية، ووفر (35%) من المياه خلال عام 2023، هذه الحلول ليست ضرورية فقط لمواجهة ندرة المياه (حيث يبلغ متوسط هطول الأمطار السنوي في عُمان (100 ملم)، بل إنها تعزز أيضًا استدامة القطاع الزراعي في ظل تغير المناخ.

الأسمدة الحيوية والتكنولوجيا

وأوضح الدكتور سيف الخميسي أن استخدام الأسمدة الحيوية والتكنولوجيا البيئية يُسهم في تعزيز الإنتاجية الزراعية بشكل مستدام، حيث تعتمد الأسمدة الحيوية (مثل البكتيريا المُثبِّتة للنيتروجين والفطريات المُسهِّلة لامتصاص العناصر) على تعزيز خصوبة التربة دون تلويثها بالمواد الكيميائية، فعلى سبيل المثال أظهرت تجارب في محافظة الظاهرة أن استخدام بكتيريا -Rhizobium- زاد إنتاج محاصيل البقوليات بنسبة (20%)، وفقًا لتقارير وزارة الزراعة (2023). أما التكنولوجيا البيئية مثل إضافة البيوتشار (فحم نباتي) إلى التربة، فقد حسّن احتباس الماء بنسبة (40%) في مزارع النخيل بمنطقة الباطنة، مما خفف آثار الجفاف.

وأكد أن تطبيق تقنيات التحلل الحيوي للمخلفات الزراعية أدى إلى تحويلها إلى أسمدة عضوية، مما خفض تكاليف الزراعة بنسبة (15%) وقلل الاعتماد على الأسمدة الكيماوية، حيث ساهمت تقنيات (المعالجة الميكروبية) للتربة المالحة في إعادة تأهيل (500 هكتار) من الأراضي المتدهورة في محافظة ظفار، وفقًا لدراسة محلية عام 2022. وفي دراسة أخرى قللت التكنولوجيا الحيوية من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري؛ حيث خفضت مزارع عُمان التي تعتمد على الأسمدة الحيوية انبعاثات الميثان بنسبة (12%). ولا تُعزز هذه الحلول الإنتاجية فحسب، بل تحمي التنوع البيولوجي؛ فقد يساعد استخدام الفطريات المفيدة (Mycorrhiza) في زيادة نمو أشجار الليمون مع الحفاظ على الكائنات الدقيقة في التربة.

تحسين جودة المحاصيل

كما أكد الخميسي أنه يمكن تعزيز جودة المحاصيل الزراعية في سلطنة عُمان عبر دمج التقنيات الحديثة التي تحسن القيمة الغذائية والتسويقية، مثل استخدام الزراعة الدقيقة التي تعتمد على بيانات وأجهزة الاستشعار عن بعد، مما يرفع جودة محصول التمور (مثلا) بنسبة (25%) عبر تحسين عمليات التلقيح والري التسميد. كما يمكن أن تساهم الطائرات المسيرة في رش المغذيات الدقيقة بدقة على مزارع الليمون العُماني، مما يزيد حجم الثمار وحمضيتها وبالتالي تعزيز قيمتها التصديرية، أما تقنيات التعديل الجيني (GM Food) غير الضارة، فقد طورت أصنافًا من القمح المقاوم للإجهادات الحيوية واللاحيوية، مع زيادة محتوى البروتين بنسبة (15%) كما تشير الدراسات في المديرية العامة للبحوث الزراعية والحيوانية. كما يمكن للزراعة المائية أنتاج خضروات عضوية (مثل الخيار والطماطم) خالية من المبيدات، بجودة تفوق المنتجات التقليدية، مما يرفع سعرها في الأسواق المحلية بنسبة (30%). كذلك، يمكن أن يحسن استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في مراقبة نضج الفواكه، عبر تحديد الوقت الأمثال للحصاد مما يقلل الفاقد على الأقل بنسبة 20% ويزيد عمرها التخزيني. ومن خلال التقنية الحيوية يمكن إنتاج أصناف من النخيل مقاومة لآفة السوسة الحمراء، مع تحسين مذاق التمور وزيادة حجمها، أما التعبئة الذكية المزودة بمستشعرات لرصد الجودة، فقد ترفع قيمة تصدير الرمان العُماني إلى أسواق الخليج بنسبة (40%)، كما قد تساهم تقنيات التجفيف بالطاقة الشمسية في إنتاج الفواكه المجففة بالتجميد (مثل المشمش والتين) بجودة عالية وحفظ العناصر الغذائية مما يجعلها تباع بأسعار أعلى بنسبة (50%)، ونستطيع القول: إن دمج هذه التقنيات قد يعزز السمعة العالمية للمنتجات العُمانية، ويفتح أسواقًا جديدة، مثل تصدير العسل الجبلي الذي يمكن أن يراقب بتقنية البلوك تشين لضمان أصالته، مما يرفع طلبه في أوروبا وبقية دول العالم بنسبة قد تصل إلى( 60%) في الأعوام القادمة.

مقالات مشابهة

  • «الزراعة الدقيقة».. خيار مستقبلي لتحسين إدارة المحاصيل العمانية وزيادة الإنتاج
  • بتكلفة 13.5 مليون جنيه.. محافظ الدقهلية يشهد استلام معدات جديدة ضمن الخطة الاستثمارية
  • شعبة الذهب والمعادن: 14% ارتفاعاً في أسعار الذهب من بداية 2025
  • محافظ الدقهلية يشهد استلام معدات جديدة ضمن الخطة الاستثمارية الجديدة بـ13.5 مليون جنيه
  • محافظ الدقهلية يشهد استلام معدات جديدة ضمن الخطة الاستثمارية بتكلفة 13.5 مليون جنيه
  • تطوير سوق العتبة بتكلفة 28 مليون جنيه من الخطة الاستثمارية لوزارة التنمية المحلية
  • صعود جماعي لمؤشرات البورصة في بداية تعاملات الأحد
  • منذ بداية شهر رمضان.. ضبط 60 مليون قطعة ألعاب نارية متنوعة
  • بتكلفة 13 مليار جنيه.. زيادة الدعم النقدي لبرنامج «تكافل وكرامة» بنسبة 25% بداية من أبريل
  • المملكة تحقق الاكتفاء الذاتي من البطيخ بنسبة (98%)