ناصر.. السيرة أطول من العمر.. 23 يوليو والتنمية.. نموذج للحاكم القومى والزعيم الوطني وتحول إلى بطل شعبي على غرار أبطال سيرنا الشعبية (2)
تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT
لقد كان من علامات اعتبار المصريين عبد الناصر واحدًا منهم، وأن مصاب فقده كبير، وبأن العزاء واحد، ما قام به المصريون، كلٌ في قريته بإقامة جنازات رمزية، يحمل فيها الأهالي نعوشًا رمزية، وكأنهم يحملون فيها زعيمهم الراحل. ولم يتمكن الرجال من إخفاء دموعهم، مما ترتب عليه- في أحيان كثيرة- إصابتهم بأمراض في عيونهم لكثرة البكاء والحزن.
في اليوم الذي تم فيه إعلان نبأ وفاة جمال عبد الناصر كان إيذانًا بميلاد بطل شعبي، على غرار أبطال سيرنا الشعبية، المخلصين والمخلصين لمجتمعاتهم من كل أشكال الظلم والفساد. لقد نسج الشعب المصري حول بطله الشعبي عبد الناصر الكثير من الحكايات الشعبية، التي تؤكد انتماءه إلى عامة الشعب، وإلى قيمهم التي يؤمنون بها، وبأنه تحول إلى بطل شعبي على غرار أبطال سيرنا الشعبية، عنترة وأبو زيد الهلالي.
ومن بين الحكايات الشعبية التي يتناقلها الوجدان الشعبي المصري عن عبد الناصر تلك الحكاية التي تنتصر لعبد الناصر في مواجهة رئيس أمريكا؛ دفاعًا عن كرامة المصريين وذكائهم. "تحكى الحكاية أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كـان مدعوًا لزيارة رئيس أمريكا. وقد استقبله الرئيس الأمريكى فى البيت الأبيض، وكان يجلس على كرسي، وقد تم تصميم الباب بشكل يجعل الشخص الداخل عليه فى وضع المنحنى أمامه، وهي كانت خديعة من هذا الرئيس لينحني أمامه عبد الناصر، وبمجرد أن وصل عبد الناصر البيت الأبيض تفهم ـ لشدة ذكائه ـ الخديعة، فدخل مقدمًا رجله قبل رأسه، فكأنه وضع قدمه فى وجه الرئيس الأمريكى، وهو ما زاد من غيظه".
إن الحكاية السابقة سبق أن تناقلتها كتب الأدب والتاريخ القديمة، ولعل أقدم شخصية اقترنت بها الحكاية ـ حسب قراءاتي ـ هو الشاعر الأندلسي يحيى بن حكم الغزال، وذلك عندما أرسله حاكم الأندلس على رأس وفد لزيارة إمبراطور الرومان، الذى فعل نفس الخديعة السابقة، والتى تفهمها الشاعر الغزال، فدخل مقدمًا رجله فـى وجـه الامبراطور، الذى أعجب ـ هو وزوجته ـ بذكاء الغزال وسرعة بديهته، فقربه إليه دونًا عن بقية الأعضاء. والمقارن بين الحكايتين، سيجد أنه باستثناء أسماء الشخصيات والأماكن لا يوجد تغيير سوى فى رد فعل كلٍ من الرئيس الأمريكى والإمبراطور الروماني. بل إن أسماء الشخصيات والأماكن ليس بينها اختلاف تام. فهناك وفد إسلامي/ عربى يزور امبراطورية غربية (رومانية ـ أمريكا). واختلاف رد الفعل لاختلاف الظروف السياسية والدينية والاجتماعية والتاريخية. فوفد الغزال كان فى فترة ازدهار الدولة الإسلامية (شرقًا وغربًا)؛ ومن ثم فإنه حظى بكل تقدير واحترام؛ رغم إهانة الغزال للإمبراطور، فما كان منه إلا أن يعجب به ويزيد فى إكرامه، دون أن يسئ إليه، رغم أنه مجرد شاعر، ولكن قوة الدولة ـ وقتئذ ـ فرضت عليه ذلك، بل إن احترامهم لإنجازات الحضارة الإسلامية جعلتهم تقدر رد فعل الغزال، وتؤمن بأحقية المسلمين لما وصلوا إليه. أما وفد عبد الناصر فيأتى فى فترة تراجع للدور العربى على كافة المستويات؛ ومن ثم كان رد الفعل غاضبًا لقوة الطرف الأجنبى، وضعف الطرف العربى.
لقد اختار الوجدان الشعبى شخصية عبد الناصر فأسقط عليها أهم القيم الواردة فى الحكاية القديمة؛ وذلك نظرًا لما يمثله عبد الناصر بالنسبة للشعب. فهو نموذج للحاكم القومي والزعيم الوطنى؛ إذ يمتلك من العزة والكرامة ما يجعله يقف مثل هذا الموقف أمام الاستعمار (ممثلًا فى الرئيس الأمريكى وفى البيت الأبيض)، وقد ساعد عبد الناصر ـ للوصول إلى الدور القيادى ـ حسن اختياره لبعض الجمل فى خطبه، التى صارت شعارات براقة، ثم أغاني يتغنى بها الشعب. أيضًا فهو أول رئيس مصرى ـ بعد محمد نجيب الذى تناساه الشعب ـ من أبناء مصر. كل هذا جعل عبد الناصر نموذجًا للبطل والعزة والكرامة، ومدافعًا عن قضايا قومه. وهو الأمر الذى جعل الشعب يكن له ـ حتى الآن ـ كل تقدير واحترام. كل ما ذكرناه يؤكد ارتباط الوجدان الشعبي المصري، بل العربي، بشخصية الزعيم المصري، خالد الذكر، جمال عبد الناصر، وبسيرته الطيبة، فالعمل والإخلاص والتفاني كان كفيلا ببقاء سيرته الطيبة في وجدان المصريين، متحققًا فيه مقولة المثل الشعبي المصري "السيرة أطول من العمر".. فسيرة الإنسان وعمله أبقى وأكثر خلودًا من عمر صاحبها.
أستاذ الأدب الشعبى - كلية الآداب، جامعة القاهرة
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: رئيس امريكا جمال عبد الناصر الرئیس الأمریکى عبد الناصر
إقرأ أيضاً:
أ.د. بني سلامة يعلّق على مذكرة حبس بحق رئيس المجلس الوطني لأحد الأحزاب الأردنية
#سواليف
كتب .. أ.د #محمد_تركي_بني_سلامة
الخبر المنشور على عدد من المواقع الإخبارية الأردنية ، بتاريخ 29 أكتوبر 2024 يكشف عن #مذكرة_حبس صادرة بحق رئيس المجلس الوطني لأحد #الأحزاب الوسطية في #الأردن، إثر دعوى حقوقية ضخمة تصل قيمتها إلى 71 مليون و782 ألف دينار. هذه القضية، التي أشرف عليها قاضي تنفيذ الأحكام في دائرة تنفيذ محكمة غرب عمان، أثارت تساؤلات عدة حول مدى صدق وشفافية المشهد الحزبي في البلاد.
يبدو أن #العمل_الحزبي في الأردن يفتقد إلى الجوهر الحقيقي الذي يربطه بالشعب واحتياجاته. فهل يمكن للمواطن أن يثق بأحزاب يقودها أشخاص يظهرون أن المصلحة العامة لا تشكل أولوية لهم؟ بعض القادة الحزبيين، بدلاً من خدمة المجتمع وتحقيق طموحاته، يشغلون مواقعهم ليزينوا بها واجهة المشهد السياسي ويمنحوه بُعداً ديمقراطياً سطحياً، بينما تظل الديمقراطية الحقيقية غائبة عن أرض الواقع.
مقالات ذات صلة الحاجة أم الاختراع.. سيدات غزة يبتكرن طريقة لتحويل البطانيات إلى ملابس دافئة للنازحين (صور) 2024/10/30إن الأحزاب الحقيقية لا تنشأ بأوامر عليا أو من قاعات السلطة الفارهة، بل تولد من رحم الشعب، من تفاعله واهتمامه بمستقبله. ولكن، ما نشهده اليوم هو أحزاب تكاد تكون ديكورية، ليست سوى وسيلة لتزيين المسرح السياسي وإيهام المواطن بوجود تنوع حزبي، بينما تظل الأفكار متكررة والوجوه ذاتها تتصدر المشهد.
منذ لحظة تأسيس هذه الأحزاب، كانت محكومًا عليها بالفشل، وكأنها مشاريع ولدت لتتوقف قبل أن تبدأ. السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل سنشهد يومًا أحزابًا تنبثق من تطلعات الشعب وتستمد قوتها من نبض الشارع؟ أم أن العمل الحزبي سيظل محصورًا في دائرة مغلقة، يتحرك فيها نفس القادة ونفس الأفكار دون تجديد أو تطور، ليبقى المشهد السياسي أسيرًا للجمود ويفتقد إلى ديناميكية حقيقية؟
من الواضح أن العمل الحزبي الذي يعبر بصدق عن طموحات الشعب يحتاج إلى قيادة تفهم وتلامس هموم المواطن، لا أن تكون أدوات في يد السلطة تستخدمها لتجميل صورتها. فالشعب اليوم بحاجة إلى أحزاب حقيقية، قادرة على حمل قضاياه والسعي لتحقيق مطالبه.