لجريدة عمان:
2025-02-04@18:18:49 GMT

حين تُقرر أجسادنا عنا

تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT

يجلس الواحد منا - وقد أصبحت الشتوية وشيكة- مستمعا إلى الموسيقى الشجنة، وإذا بنا ونحن نُدرك ضربات العود في متتالية آسرة، أو صعود الصوت وهبوطه، نجد أجسادنا تختلج.

يصعب أحيانا تحديد ما يحدث أولا: شعور المرء بقشعريرة وهو يستمع إلى الموسيقى (يشاهد فيلما أو يقرأ شعرا) أم توصله لأن الشيء الذي يسمعه/ يُشاهده/ يقرأه يعجبه.

وحتى لو كانت تنبه المرء لأن النغمة تمسه وتعجبه، يبقى أن تلك الرجفة -بما فيها من مادية وحسية- دلالة إضافية على أن تلك المقطوعة تروق له، تروق له جدا. ومثل ذلك نتنبه إلى إعجابنا بشخص ما عبر قلوبنا التي تخفق بسرعة، ونتنبه عبر مغص المعدة، أن الحدث المرتقب يُقلقنا ويُوترنا.

عندما نتحدث عن اتخاذ القرارات، تكوين رأي حول موضوع أو شخص، نعرف أننا لا نفعل ذلك معتمدين على قدراتنا المنطقية والتحليلية وحدها، بل أيضا على أجسادنا. تُخبرنا أجسادنا إن كنا نثق بشخص ما أو لا، أن موضوعا يُثيرنا، أن خيارا ما سيهلكنا. نحن نعرف كل هذا، ونعرف أن أجسادنا -على عكس أقوالنا- لا تكذب. لذا نهتم بقراءة لغة الجسد، والاستشفاف من الإشارات غير المنطوقة مواقف الآخرين منا ومن العالم.

يُخبرنا علماء الوعي أننا نُدرك الأشياء ونكون آراءً عنها قبل أن نعي إدراكنا لها. إنهم يستندون إلى التجارب العديدة التي يُمكن وصفها على نحو تجريدي كالآتي: يُطلب من المشاركين في التجارب تحديد موضوع، أو الشعور الذي تُثيره صورة تظهر لأجزاء من الثانية. لا يكاد يُدرك المشاركون ما رأوا، لكنهم ينجحون في التخمين على نحو ملفت. أو يصفون شعور الراحة أو عدم الارتياح دون القدرة على تبرير شعورهم، إذ أن الوقت أقصر من أن يسمح لهم بإدراك ما رأوا.

أحيانا نقول إن حدسنا يُخبرنا أن هذا شيء علينا اجتنابه، أو شيء يستحق العناء. من جهة نعلم أن الحدس تقوده تجاربنا السابقة، وبهذا المعنى فهو أداة حكيمة يُمكن الوثوق بها. من جهة أخرى نعرف أننا مبتلون بأنماط تفكير معيبة، تُوقعنا في الفخاخ نفسها. ربما علينا إذا الاحتكام إلى الوقائع -والوقائع وحدها- وعدم الانقياد لمشاعرنا التي تُخبرنا أن نهلع حين لا يكون ثمة داعٍ للخوف، وأن نندفع حين لا يكون لدينا الأسباب الكافية لتبرير المخاطرة. إنها تُوقعنا في شباك أقدم الحيل الخبيثة التي تضمن بؤسنا: التوق للبعيد الذي لا يمكن الوصول له، الرغبة في الأشياء متى ما أصبحت خارج متناولنا، السعي المستميت للقبول والاعتراف. وغيرها من العلل التي تستديم تعاستنا.

ثمة مسائل أخرى لا تتعلق بالسلوك واتخاذ القرارات، أو تكوين آراء (يُمكن أن تُدان، أو يُطرى عليها)، أعني مسائل الذوق. فالإعجاب بقطعة موسيقية ليس أمرا مستحقا لا للوم ولا الثناء. لكن القول أن مسائل الذوق لا تحتاج إلى تبرير، يعني أننا نأخذ الموضوع بشكل سطحي. فحتى مسائل الذوق يُمكن أن تنطوي على أحكام أخلاقية. ثمة موسيقى فاحشة، وكلمات تذكي الكراهية، وفنانون لا نتفق مع مواقفهم السياسية. وفي الحالات التي يحصل فيها النفور، يُمكن أن يتجلى النفور جسديا. لكن لا تعنينا كثيرا المواقف التي تتفق فيها ردات الفعل الجسدية مع التأملات الذهنية. يعنينا عدم اتفاقهما: ماذا أفعل عندما لا يتفق حدسي مع الوقائع؟ أو حين لا يكون بمقدوري دعم مشاعري بأدلة ملموسة؟

يُمكن القول أن ثمة سيناريوان لذلك. الأول، هو أن يكون لدى الإنسان مشاعر لا تستند إلى وقائع، هذه المشاعر مدعومة بنمط تفكير متكرر، هذه المشاعر تُعرقل حياة صاحبها، وتمنعه من أداء بعض الوظائف «الطبيعية». مثل أنواع الفوبيا المختلفة. في هذه الحال يتوجب تغيير الطريقة التي يشعر بها المرء، عبر العلاجات النفسية المتخصصة. السيناريو الثاني، يتمثل في أن يكون لدى الإنسان مشاعر لا تستند إلى وقائع، لكن ذلك لا يعود إلى كون المرء عالقا في نمط تفكير معيب، ولكن لأن المرء يفتقر إلى المعلومات التي تؤهله للتفكر في الموضوع. أعني أن السيناريو الأول يتفق مع الثاني في عدم الاستناد إلى وقائع، لكن الفارق أن الحالة الأولى تأتي من تجاهل المرء للحقائق، مثلا يُمكن لمن لديهم وساوس التفكير بأن عالمهم سينهار إذا لم يلتزموا بروتين معين (يغلقون الإضاءة عددا معينا من المرات). بينما الحالة الثانية تأتي من افتقار المرء للمعلومات بالأساس، ومن انعدام الطريقة للتأكد، كأن يُحس المرء أن المكان الذي هو فيه مشبوه، أو الشخص الذي يتعامل معه مشبوه. عادة ما يكون ثمن الخطأ في هذه الحالات مرتفعا، فإذا صدق الإحساس أن المكان مشبوه قد يعني هذا تعرض المرء للأذى.

حين يرتجف الجسد، يقشعر، أو يتألم، يستحق أن نستمع إليه. تُوفر لنا المشاعر، ويُوفر لنا الحدس طريقة بديلة لسبر العالم. التجاهل التام لهذه الأدوات قد يعود على المرء بعواقب غير محمودة. دعونا إذا نُشرك أجسادنا في صناعة القرار، فقد يكون معها الحق هذه المرة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التی ت

إقرأ أيضاً:

الضرائب: تسوية المنازعات الناتجة عن الفحص التقديري خلال الفترات المنتهية قبل 2020

أكدت رشا عبد العال رئيس مصلحة الضرائب المصرية، أن وزير المالية يدعم بقوة تنفيذ التسهيلات الضريبية، مشيرة إلى حرصه الشديد على تقديم حزمة الحوافز والإجراءات المرنة التي تهدف إلى تخفيف الأعباء عن المجتمع الضريبي، وتعزيز الثقة بين الممولين ومصلحة الضرائب، وتأكيده الدائم على أهمية تطوير النظام الضريبي ليكون محفزًا للاستثمار وشريكًا في تحقيق النمو الاقتصادي. 

قالت إن موافقة مجلس النواب على قوانين «الحوافز والتسهيلات الضريبية» تُعد خطوة رئيسية لعودة الثقة والمساندة والشراكة مع مجتمع الأعمال، في إطار مسار وزارة المالية ومصلحة الضرائب المصرية لتقديم خدمات ضريبية ميسرة وأكثر مرونة تدعم شركاءنا الممولين للنمو والتوسع، موضحةً أننا حريصون على تطبيق حزمة التسهيلات الضريبية فور صدور القوانين والقرارات التنفيذية اللازمة. 

أوضحت أن التسهيلات تتضمن عدم توقيع أية غرامات على تقديم أو تعديل الإقرارات والنماذج الضريبية عن الفترة من 2020 حتى 2024، مع السماح للممولين بتسوية المنازعات الناتجة عن الفحص التقديري خلال الفترات الضريبية المنتهية قبل ٢٠٢٠ مقابل أداء نسبة من الضريبة للحالات التي تم محاسبتها تقديريا، أما الحالات الدفتريه فيتم تسويه المنازعه من خلال سداد اصل الضريبه ويتم التجاوز عن ١٠٠٪ من مقابل التاخير والضريبة الإضافية والمبالغ الإضافية، ويتم سداد الضريبة والمستحقات الضريبية خلال سنه من تاريخ الإخطار بنموذج السداد، وذلك علي أربع فترات تبدا الفترة الاولي خلال ثلاثة شهور من تاريخ الإخطار بنموذج السداد ،ولا يتم احساب مقابل تأخير علي الضريبة الاصلية خلال فترة التقسيط . 

تابعت رئيس مصلحة الضرائب المصرية، أن الحزمة الأولى للتسهيلات الضريبية تركز على تخفيف الأعباء عن المجتمع الضريبي، حيث تشتمل على ألا يتجاوز «مقابل التأخير والضريبة الإضافية» أصل الضريبة، إضافة إلى توسيع نطاق العمل بنظام الفحص بالعينة؛ ليشمل كافة الممولين بالمراكز والمناطق والمأموريات الضريبية بدءًا من الموسم الضريبي الحالي، مشيرة إلى أننا نعمل على سرعة الانتهاء من كافة المنازعات القديمة، جنبًا إلى جنب مع العمل على دمج الاقتصاد غير الرسمي في المنظومة الرسمية وتوسيع القاعدة الضريبية بجذب ممولين جدد، وتشجيع الالتزام الطوعي. 

قالت، إنه للمرة الأولى يتم وضع نظام ضريبي متكامل مبسط ومُحفز للشركات الناشئة والصغيرة والمتوسطة وأنشطة ريادة الأعمال والمهنيين الذين لم تتجاوز ايراداتهم 20 مليون جنيه سنويا ، يتضمن حوافز وإعفاءات وتيسيرات جديدة تشمل كل الأوعية الضريبية «الدخل والقيمة المضافة والدمغة ورسم تنمية موارد الدولة»، وسيتم إثبات المحاسبة الضريبية بسعر ضريبي نسبي يبدأ من0.4% وينتهي عند 1.5% لهم، موضحةً أنه سيتم إعفاء المنضمين لهذا النظام من ضرائب «الأرباح الرأسمالية» و«توزيعات الأرباح» و«الدمغة» ورسوم الشهر والتوثيق، مع الإعفاء من تطبيق نظام الخصم أو الدفعات المقدمة، وتسهيل تقديم الإقرارات الضريبية بحيث تكون ربع سنوية وليست شهرية للقيمة المضافة. 

أضافت، أن أول فحص ضريبي يكون بعد خمس سنوات، تأكيدًا على ثقتنا فى شركائنا صغار الممولين، مضيفة أننا لدينا ثقة تامة فيما يقدمه الممول من إقرارات، ونفتح أيدينا لأصحاب الأعمال في الاقتصاد الغير رسمي؛ تحفيزًا لهم على الدخول ضمن المنظومة الرسمية والاستفادة من الدعم والمزايا المقدمة، حيث إنه لن يكون هناك مطالبات ضريبية عن السنوات قبل الانضمام للمنظومة الرسمية، ليكون تاريخ انضمامهم للمنظومة بمثابة شهادة ميلاد لمشروعاتهم.

مقالات مشابهة

  • متى يكون ‫التحدث مع النفس مرضيّا؟
  • وزير المالية: نسعى لاستمرار جهود تنويع مصادر التمويل
  • ميرفت التلاوي: نحن مجتمع ذكوري.. والمرأة العربية لم تنل كل حقوقها
  • كاد «ترامب» أن يكون..!
  • كلنا نعيش بستر الله
  • الحكومة: حزمة الحماية الاجتماعية التي يجرى إعدادها تغطي فئات المجتمع (فيديو)
  • صفحة جديدة بين «المالية» وشركات القطاع الخاص
  • الضرائب: تسوية المنازعات الناتجة عن الفحص التقديري خلال الفترات المنتهية قبل 2020
  • المالية: العمل مع وزارة الاستثمار على حصر كل الرسوم لتخفيضها
  • عاجل| المالية:حصر كل الرسوم من أجل تخفيضها وتوحيد جهة التعامل والتحصيل