لجريدة عمان:
2024-11-23@19:07:14 GMT

حين تُقرر أجسادنا عنا

تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT

يجلس الواحد منا - وقد أصبحت الشتوية وشيكة- مستمعا إلى الموسيقى الشجنة، وإذا بنا ونحن نُدرك ضربات العود في متتالية آسرة، أو صعود الصوت وهبوطه، نجد أجسادنا تختلج.

يصعب أحيانا تحديد ما يحدث أولا: شعور المرء بقشعريرة وهو يستمع إلى الموسيقى (يشاهد فيلما أو يقرأ شعرا) أم توصله لأن الشيء الذي يسمعه/ يُشاهده/ يقرأه يعجبه.

وحتى لو كانت تنبه المرء لأن النغمة تمسه وتعجبه، يبقى أن تلك الرجفة -بما فيها من مادية وحسية- دلالة إضافية على أن تلك المقطوعة تروق له، تروق له جدا. ومثل ذلك نتنبه إلى إعجابنا بشخص ما عبر قلوبنا التي تخفق بسرعة، ونتنبه عبر مغص المعدة، أن الحدث المرتقب يُقلقنا ويُوترنا.

عندما نتحدث عن اتخاذ القرارات، تكوين رأي حول موضوع أو شخص، نعرف أننا لا نفعل ذلك معتمدين على قدراتنا المنطقية والتحليلية وحدها، بل أيضا على أجسادنا. تُخبرنا أجسادنا إن كنا نثق بشخص ما أو لا، أن موضوعا يُثيرنا، أن خيارا ما سيهلكنا. نحن نعرف كل هذا، ونعرف أن أجسادنا -على عكس أقوالنا- لا تكذب. لذا نهتم بقراءة لغة الجسد، والاستشفاف من الإشارات غير المنطوقة مواقف الآخرين منا ومن العالم.

يُخبرنا علماء الوعي أننا نُدرك الأشياء ونكون آراءً عنها قبل أن نعي إدراكنا لها. إنهم يستندون إلى التجارب العديدة التي يُمكن وصفها على نحو تجريدي كالآتي: يُطلب من المشاركين في التجارب تحديد موضوع، أو الشعور الذي تُثيره صورة تظهر لأجزاء من الثانية. لا يكاد يُدرك المشاركون ما رأوا، لكنهم ينجحون في التخمين على نحو ملفت. أو يصفون شعور الراحة أو عدم الارتياح دون القدرة على تبرير شعورهم، إذ أن الوقت أقصر من أن يسمح لهم بإدراك ما رأوا.

أحيانا نقول إن حدسنا يُخبرنا أن هذا شيء علينا اجتنابه، أو شيء يستحق العناء. من جهة نعلم أن الحدس تقوده تجاربنا السابقة، وبهذا المعنى فهو أداة حكيمة يُمكن الوثوق بها. من جهة أخرى نعرف أننا مبتلون بأنماط تفكير معيبة، تُوقعنا في الفخاخ نفسها. ربما علينا إذا الاحتكام إلى الوقائع -والوقائع وحدها- وعدم الانقياد لمشاعرنا التي تُخبرنا أن نهلع حين لا يكون ثمة داعٍ للخوف، وأن نندفع حين لا يكون لدينا الأسباب الكافية لتبرير المخاطرة. إنها تُوقعنا في شباك أقدم الحيل الخبيثة التي تضمن بؤسنا: التوق للبعيد الذي لا يمكن الوصول له، الرغبة في الأشياء متى ما أصبحت خارج متناولنا، السعي المستميت للقبول والاعتراف. وغيرها من العلل التي تستديم تعاستنا.

ثمة مسائل أخرى لا تتعلق بالسلوك واتخاذ القرارات، أو تكوين آراء (يُمكن أن تُدان، أو يُطرى عليها)، أعني مسائل الذوق. فالإعجاب بقطعة موسيقية ليس أمرا مستحقا لا للوم ولا الثناء. لكن القول أن مسائل الذوق لا تحتاج إلى تبرير، يعني أننا نأخذ الموضوع بشكل سطحي. فحتى مسائل الذوق يُمكن أن تنطوي على أحكام أخلاقية. ثمة موسيقى فاحشة، وكلمات تذكي الكراهية، وفنانون لا نتفق مع مواقفهم السياسية. وفي الحالات التي يحصل فيها النفور، يُمكن أن يتجلى النفور جسديا. لكن لا تعنينا كثيرا المواقف التي تتفق فيها ردات الفعل الجسدية مع التأملات الذهنية. يعنينا عدم اتفاقهما: ماذا أفعل عندما لا يتفق حدسي مع الوقائع؟ أو حين لا يكون بمقدوري دعم مشاعري بأدلة ملموسة؟

يُمكن القول أن ثمة سيناريوان لذلك. الأول، هو أن يكون لدى الإنسان مشاعر لا تستند إلى وقائع، هذه المشاعر مدعومة بنمط تفكير متكرر، هذه المشاعر تُعرقل حياة صاحبها، وتمنعه من أداء بعض الوظائف «الطبيعية». مثل أنواع الفوبيا المختلفة. في هذه الحال يتوجب تغيير الطريقة التي يشعر بها المرء، عبر العلاجات النفسية المتخصصة. السيناريو الثاني، يتمثل في أن يكون لدى الإنسان مشاعر لا تستند إلى وقائع، لكن ذلك لا يعود إلى كون المرء عالقا في نمط تفكير معيب، ولكن لأن المرء يفتقر إلى المعلومات التي تؤهله للتفكر في الموضوع. أعني أن السيناريو الأول يتفق مع الثاني في عدم الاستناد إلى وقائع، لكن الفارق أن الحالة الأولى تأتي من تجاهل المرء للحقائق، مثلا يُمكن لمن لديهم وساوس التفكير بأن عالمهم سينهار إذا لم يلتزموا بروتين معين (يغلقون الإضاءة عددا معينا من المرات). بينما الحالة الثانية تأتي من افتقار المرء للمعلومات بالأساس، ومن انعدام الطريقة للتأكد، كأن يُحس المرء أن المكان الذي هو فيه مشبوه، أو الشخص الذي يتعامل معه مشبوه. عادة ما يكون ثمن الخطأ في هذه الحالات مرتفعا، فإذا صدق الإحساس أن المكان مشبوه قد يعني هذا تعرض المرء للأذى.

حين يرتجف الجسد، يقشعر، أو يتألم، يستحق أن نستمع إليه. تُوفر لنا المشاعر، ويُوفر لنا الحدس طريقة بديلة لسبر العالم. التجاهل التام لهذه الأدوات قد يعود على المرء بعواقب غير محمودة. دعونا إذا نُشرك أجسادنا في صناعة القرار، فقد يكون معها الحق هذه المرة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التی ت

إقرأ أيضاً:

هل يكون ترامب وزير خارجية نفسه؟

أشار أستاذ التاريخ الحديث في جامعة إيست أنغليا، ديفيد ميلنه، إلى ما سماها فكرة غريبة تدور حول أن اختيارات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب للمسؤولين عن صياغة السياسة الخارجية، تكشف شيئاً عن نهجه المحتمل في التعامل مع الشؤون الدولية.

ليس من المبالغة تخيل استخدام خط هجوم ترامب على بولتون ضد روبيو



يطمئن أفراد المؤسسة إلى أن المرشحين الصقور، مثل السناتور ماركو روبيو إلى منصب وزير الخارجية، والنائب مايك والتز إلى منصب مستشار للأمن القومي، سوف ينصحونه في نهاية المطاف بالشيء الصحيح، عندما يتعلق الأمر بمواجهة روسيا والصين.
ويشعر أنصار مقاربة الانضباط وأنصار ماغا واليساريون بالراحة، لأن النائبين السابقين تولسي غابارد، مرشحة ترامب لمنصب مدير الاستخبارات الوطنية، ومات غيتز، مرشح لمنصب المدعي العام، (سحب ترشيحه ليلة أمس) سيشكلان سياسة ترشيد تقنع الرئيس بسحب الموارد من مناطق لا مصالح أمريكية فيها على المحك. خيط واحد حزين

وكتب ميلنه في مجلة "فورين بوليسي" أنه إذا كان القارئ يشعر وكأنه سبق أن شاهد هذه الصورة في السابق فشعوره مبني على أساس صلب. في سنة 2016 وما بعدها، كان النوع نفسه من المقالات الفكرية منتشراً في كل مكان، حيث عكس كتاب الرأي قلقهم وآمالهم وأحلامهم في استقراء المعنى من موجات التعيينات والطرد التي قام بها ترامب. كان مايك فلين وريكس تيلرسون وجيمس ماتيس وهربرت ماكماستر بمثابة "أوراق شاي" جماعية قُرِئت للكشف عن مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية. كلهم عملوا بناء على فرضية أن ترامب كان قابلاً لأخذ النصيحة. حالياً يجب أن يكون ثمة معرفة أفضل.

 

Trump selects Sen. Marco Rubio to serve as secretary of state in historic appointment: report https://t.co/AJ3rTnGpEb pic.twitter.com/2lyNRX8kl6

— New York Post (@nypost) November 12, 2024


لم يكن هناك تأثير استشاري كبير على رئاسة ترامب الأخيرة، ومن غير المرجح أن تكون ولايته الثانية مختلفة. في بعض الأحيان، تداخلت غرائزه مع نصائح مستشاريه - مثل تيلرسون حول تحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية أو مع مستشار الأمن القومي جون بولتون بشأن الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني الذي تفاوضت عليه إدارة أوباما. لكن هذه اللحظات من الوحدة كانت عابرة. إذا كان هناك خيط واحد مشترك حزين ينسج عبر مذكرات من عيّنهم ترامب في ولايته الأولى، فهو الإحباط من المعاملة المزدرية من قبل رئيس لم يصغِ ببساطة.

"غبي كالصخرة" استمر تيلرسون 13 شهراً بصفته وزيراً للخارجية قبل أن يطرده ترامب في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي. اصطدم الاثنان بشأن كوريا الشمالية وروسيا والصين وإيران واتفاقية باريس للمناخ. بعد طرده، نشر ترامب على أكس المعروف آنذاك باسم تويتر، أن تيلرسون "لم يكن لديه القدرة العقلية اللازمة. كان غبياً كالصخرة ولم أستطع التخلص منه بالسرعة الكافية. كان كسولاً للغاية". يُزعم أن تيليرسون وصف ترامب بأنه "أحمق لعين". وكانت هذه واحدة من علاقات العمل الأكثر إنتاجية لترامب. لا مسامحة

لم يستطع ترامب أن يغفر لماكماستر افتراضه بأن روسيا تدخلت في انتخابات 2016. ووصف ماكماستر اجتماعات المكتب البيضوي بأنها "تمارين في التملق التنافسي"، في كتاب نُشر في وقت سابق من هذه السنة.

 

Trump selects Sen. Marco Rubio to serve as secretary of state in historic appointment: report https://t.co/AJ3rTnGpEb pic.twitter.com/2lyNRX8kl6

— New York Post (@nypost) November 12, 2024


"لم يكن ترامب يتبع أي استراتيجية دولية كبرى، أو حتى مساراً متناسقاً"، كما كتب بولتون في كتابه الصادر سنة 2020. "كان تفكيره أشبه بأرخبيل من النقاط التي تترك لبقيتنا مهمة تمييز - أو إنشاء - السياسة". رد ترامب بوصف بولتون في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي بأنه "أحمق ممل ساخط أراد فقط الذهاب إلى الحرب. لم يكن لديه أدنى فكرة (عن أي شيء)، وتم نبذه، والتخلص منه بسعادة. يا له من غبي!".

لا مبالغة حسب الكاتب، ليس من المبالغة تخيل استخدام خط هجوم ترامب على بولتون ضد روبيو بعد طرد مرير له. يعتنق روبيو فكرة مادلين أولبرايت بأن الولايات المتحدة "أمة لا غنى عنها" وكان تدخلياً ثابتاً منذ وصوله إلى السياسة الوطنية. انتقد ترامب هذه الغرائز المتشددة عندما سحق "ماركو الصغير" في حملته سنة 2016. إنهما يتفقان على نهج أكثر مواجهة لبكين، ولكن من حيث الجوهر والمزاج، علاقتهما متوافقة تماماً مع علاقة ترامب وماكماستر. وينتمي والتز إلى فئة مماثلة.

الخيار النهائي بصرف النظر عن الأشخاص، إن خيار ترامب النهائي لمناصب مستشار الأمن القومي ووزير الدفاع ووزير الخارجية سيكون هو نفسه. لن يكون هناك أي شخص مؤثر من خلف الستارة أو دين أتشيسون أو هنري كيسنجر يوجهونه ويكبحون أسوأ غرائزه. كل ما حدث خلال فترة ولايته الأولى يشير إلى أن هذا سيكون هو الحال.

مقالات مشابهة

  • شاهد الشخص الذي قام باحراق “هايبر شملان” ومصيره بعد اكتشافه وخسائر الهايبر التي تجاوزت المليار
  • هيئة الأدب والنشر والترجمة تطلق فعالية “أسبوع الطفل الأدبي” في بريدة
  • ناتشو: كنا على ثقة أننا سنفوز على النصر
  • التأفيف حين يكون إيجابياً
  • هل يكون ترامب وزير خارجية نفسه؟
  • الوكالة الذرية تصدر قرارا يأمر إيران بتحسين التعاون معها
  • سفير تونس بالقاهرة: ندعم مصر في تطبيق القانون على المهاجرين واللاجئين لسُلطة القانون ونشترك معها في أننا دولة عبور
  • طرق مختلفة يدمر بها الطقس البارد أجسادنا
  • حتى يكون ممكناً استعادة الدولة
  • مانع: المباراة مع المغرب كانت على طراز عال والأمل موجود