لجريدة عمان:
2025-03-06@13:45:28 GMT

إصلاح الحوكمة العالمية

تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT

بعد قمة مجموعة العشرين التي استضافتها الهند واجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر، سوف يحضر قادة العالَـم اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي المشتركة في مراكش، قبل أن يتوجهوا إلى مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (مؤتمر الأطراف 28) في دبي. لكن التفاؤل ليس كبيرا بنجاح هذه القمم في تحقيق تقدم ملموس في التصدي لأعظم تحدياتنا، ليس بسبب أي افتقار إلى العزيمة، بل لأن كتاب القواعد العالمي الذي كنا نعمل وفقا له منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لم يعد صالحا لتحقيق الغرض منه.

وفي قمة مجموعة العشرين، تأكدت حالة التفتت المتنامية التي تبتلي العالَـم الآن. فبرغم أن الاجتماع أشار إلى وصول الهند بصفتها قوة عظمى، كانت لحظة انتصار رئيس الوزراء الهند ناريندرا مودي عابرة. فلم تفعل القمة الكثير لمنع عشرينات القرن الحالي من التحول على نحو شبه مؤكد إلى عقد منخفض النمو. على الرغم من قبول الاتحاد الأفريقي كعضو كامل العضوية في مجموعة العشرين، لم يحصل الجنوب العالمي على أي تخفيف يُـذكَـر لديونه الساحقة. وعلى الرغم من مسؤولية أعضاء مجموعة العشرين عن 75% من الانبعاثات الكربونية العالمية، فقد فشلت القمة في معالجة حجم فجوة تمويل العمل المناخي. بالعمل بناء على نتائج مراجعة مجموعة العشرين لكفاية رأس المال، تعهدت إدارة بايدن بتأمين مبلغ إضافي قدره 25 مليار دولار للبنك الدولي؛ لكن هذا الرقم أقل كثيرا عن المبلغ الذي أوصى به وزير الخزانة الأمريكي السابق لورنس سمرز (260 مليار دولار) في تقرير سينج-سمرز المقدم إلى مجموعة العشرين هذا العام.

بدلا من هذا، تختتم القمة عاما حيث عكفت الصين والغرب على إقامة «ستائر حديدية» في كل من التكنولوجيا، والتجارة، والاستثمار، والبيانات ــ وهذا يؤذن بمستقبل يتألف من «عالَـم واحد، ونظامين». في ظل هذه النزعة الجديدة إلى فرض سياسات الحماية، جاء خفض منزلة مجموعة العشرين. وفي حين اعترف الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما بمجموعة العشرين باعتبارها المنتدى الرئيسي للتعاون الاقتصادي العالمي، يرى مستشار الأمن القومي الأمريكي الحالي جاك سوليفان أن مجموعة الدول السبع (أوروبا، وأمريكا، واليابان) هي «اللجنة التوجيهية للعالَـم الـحـر».

الواقع أن خفض منزلة مجموعة العشرين جاء كنتيجة ثانوية للتحول من عالَـم أحادي القطبية إلى عالَـم متعدد الأقطاب، من اقتصاد مفرط العولمة إلى اقتصاد يمكن تسميته «العولمة الخفيفة»، ومن النيوليبرالية إلى النزعة التجارية الجديدة. على مدار السنوات الثلاثين الأخيرة، كان الاقتصاد هو الذي يحدد عملية صنع القرار السياسي. الآن، تقود السياسة ــ والسياسة الوطنية على وجه التحديد ــ عملية صنع السياسات. وانتصرت سياسة المحصلة صِـفر على اقتصاد «الربح للجميع». وفي عام 1999، عندما حضرت أول اجتماعات مجموعة العشرين (التي كانت تتألف آنذاك من وزراء المالية)، كانت الهيمنة الأمريكية بلغت أوجها، وكان بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وخزانة الولايات المتحدة سعيدين بأن يطلق عليهما مُـسمى « لجنة إنقاذ العالَـم».

عندما انهار الاقتصاد العالمي في عام 2008، وجهت المملكة المتحدة ودول أخرى الدعوة إلى رؤساء حكومات الدول الأعضاء للاجتماع معا لأول مرة. وفي قمة مجموعة العشرين في لندن في عام 2009، كنا حريصين على انضمام الصين إلى الغرب في دعم الاقتصاد العالمي بمبلغ تريليون دولار. كان بوسعنا بالفعل أن نرى أن العالَـم يتحرك نحو اتجاه أكثر تعددية.

كما كلفت قمة لندن رئيس وزراء الهند آنذاك مانموهان سينج بالإشراف على عملية مراجعة البنية الدولية الغالِـبة. ثم في إطار قمة بيتسبرج في خريف 2009، وافقت مجموعة العشرين على ميثاق عالمي للنمو، بقيادة صندوق النقد الدولي، الذي سيقوم بنشر تقييمات سنوية لتحديد المخاطر التي تواجه الاقتصاد العالمي وفرص العمل المنسق. لكن مع تقهقر الغرب إلى سياسات التقشف وتبنيه لأشكال جديدة من تدابير وسياسات الحماية، تلاشت هذه المبادرات. في عهد دونالد ترامب، خرجت الولايات المتحدة عن تقليدها المتمثل في العمل (عادة) ضمن أطر متعددة الأطراف، ولاحقت نهجا أحاديا حتى في حين بدأ العالـم المتعدد الأقطاب يظهر إلى الوجود. بيد أن أزمات مثل تغير المناخ، وجائحة كوفيد-19، وأزمات الطاقة والغذاء في عام 2022، تؤكد أن القضايا التي نواجهها اليوم هي مشكلات عالمية حقا وتحتاج إلى حلول عالمية. ولن يتسنى تحقيق التقدم من خلال التدخلات الثنائية والإقليمية وحدها؛ بل يتطلب الأمر عملا منسقا على مستوى العالَـم.

في رفع مستوى مجموعة السبع على حساب مجموعة العشرين، يجب أن نسأل أنفسنا ماذا قد يحدث في المرة القادمة التي تندلع فيها أزمة مالية عالمية فنعجز عن إيجاد طريقة للجمع بين كل اللاعبين الأساسيين. ما هي الفرصة التي قد نحظى بها لتحقيق التقدم في الحد من الانبعاثات العالمية ومنع «رُكّـاب المجان» في عالَـم حيث «يعمل كل شخص لنفسه»؟ ما هي الفرصة المتاح لنا في التعامل مع فجوة التفاوت العالمية إذا كانت البلدان ترى العالَـم فقط من منظور «نحن في مواجهة هم»، وحيث تغيب أي منتديات يمكن من خلالها إيجاد أرضية مشتركة؟ صحيح أن الرئيس الأمريكي جو بايدن اعترف بالحاجة إلى التعاون العالمي وأنه الأكثر ميلا إلى النزعة الدولية بين رؤساء الولايات المتحدة في الآونة الأخيرة. ولكن برغم أن أجندته الخاصة في مجموعة العشرين لم تكن في الاتجاه الخاطئ، فإنها كانت فاترة، حيث فضلت التحالفات الثنائية على العمل المنسق عالميا.

على نحو مماثل، تقدم الصين نفسها باعتبارها نصيرا للنظام العالمي القائم على القواعد، وتَـعِـد بدعم ميثاق الأمم المتحدة؛ ومع ذلك لم يحضر زعيمها، شي جين بينج، قمة مجموعة العشرين أو الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا الشهر. نحن نعيش لحظات نادرة حيث يلتقي الاستعداد بالفرصة وحيث يتعين علينا أن نعمل معا. لقد أظهرت معاهدة حظر التجارب النووية التي أقرها الرئيس الأمريكي جون ف. كينيدي، واتفاق خفض التسلح النووي الذي أقره رونالد ريجان وميخائيل جورباتشوف، واتفاق 1987 التاريخي لمعالجة استنفاد طبقة الأوزون، أن الزعماء الأقوياء قادرون على ضمان إحداث تغيرات جذرية في الاتجاه. ولا يجوز لزعماء العالَـم اليوم أن ينتظروا وقوع الكارثة قبل أن يضطروا إلى التحرك.

جوردون براون رئيس وزراء المملكة المتحدة الأسبق، ومبعوث الأمم المتحدة الخاص للتعليم العالمي.

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: قمة مجموعة العشرین العال ـم عال ـم فی عام

إقرأ أيضاً:

عبد الرحيم علي يعزي الزميل جمال عبد العال في وفاة جد زوجته

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

تقدم الكاتب الصحفي الدكتور عبدالرحيم علي، رئيس مجلسي إدارة وتحرير «البوابة نيوز»، بخالص العزاء والمواساة للزميل جمال عبد العال فى وفاة المغفور له بإذن الله جد زوجته.

كما تقدمت أسرة التحرير، بخالص العزاء لأسرة الفقيد رحمه الله، داعين المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يُلهم أهله الصبر والسلوان.

مقالات مشابهة

  • "الجارديان": تهديدات ترامب تقوض إصلاح النظام الضريبى الدولى.. تشكيل جبهة موحدة داخل الأمم المتحدة لصياغة نظام ضريبى عالمى أكثر عدالة
  • رفض أممي لاستهداف اليمن عبر التصنيف الأمريكي وسط مخاوف شركات الشحن العالمية
  • لماذا يجب على زيلينسكي إصلاح علاقته بترامب بعد المشادة العاصفة؟
  • «الأغذية العالمي»: مليون صومالي في خطر
  • نائب وكيل الملك: شبكة التشهير والابتزاز المعلوماتي التي تنشط انطلاقا من كندا تضم مشتبه فيهم تلقوا تحويلات مالية من ضحايا الابتزاز
  • 62.7% حصة آسيا من الشركات متعددة الجنسيات التي استقطبتها غرفة دبي العالمية في 2024
  • هيئة المنافذ الحدودية تؤكد على تطوير وإعمار المنافذ وفرض الحوكمة الالكترونية
  • عبد الرحيم علي يعزي الزميل جمال عبد العال في وفاة جد زوجته
  • لينوفو تكشف عن حواسيب محمولة مدعومة بالذكاء الاصطناعي في المؤتمر العالمي للجوال MWC
  • بعد إيقاف تمويله الأمريكي.. الغذاء العالمي يغلق مكتبه في جنوب افريقيا