لجريدة عمان:
2024-07-06@13:07:17 GMT

فيسبوك.. وإغراء التكاذب!

تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT

لطالما كان الروائي والفيلسوف الإيطالي الراحل أمبرتو إيكو صاحب رواية «اسم الوردة» من أوائل الذين انتبهوا إلى خطورة ما يضخه فيسبوك من إغراء بامتلاء كاذب في نفوس مستخدميه متى ما نفخ أولئك المستخدمون ريشهم من أثر الأوهام التي تضخها اللايكات والتعليقات؛ حين قال ذات مرة: «أدوات مثل تويتر وفيسبوك تمنح حق الكلام لفيالق من الحمقى، ممن كانوا يتكلمون في البارات فقط بعد تناول كأس من النبيذ، دون أن يتسببوا بأي ضرر للمجتمع، وكان يتم إسكاتهم فورا.

أما الآن فلهم الحق بالكلام مثلهم مثل من يحمل جائزة نوبل. إنه غزو البلهاء».

ربما يحسب البعض هذا الكلام تعاليا من الفيلسوف على حق مطلق للبشر في أن تكون لهم منابر مجانية خاصة للتعبير، لكن متى ما تأملنا فيه سنجد أن إيكو يشير إلى أمر آخر، وهو: خطورة أثر الوهم الخادع الذي تضخه تحديثات مستخدمي فيسبوك على البسطاء بطريقة تتغير معها نفوسهم حتى عما جبلت عليه من قبل ذلك!

ربما كان فيسبوك لهذه الناحية متاهة كبيرة لا يمكن لمن يتأمل فيها أن يعرف حقا ولا باطلا حيال الهوية الحقيقية لهذه المنصة! ففي فيسبوك الذي يحاول محاكاة نثر الحياة وهوائها بكل ما فيه إلى درجة قد تشبهه بالسوق أو المقهى، لكن حالة فيسبوك حيال هذه المقارنة، إذا ما طبقنا عليها قياس إمبرتو إيكو، سنجد حتى المقهى أو السوق يعكسان هوية مادية مشخصة تمنع الحرية المطلقة لأي فرد يريد أن يمارس شتما ضد مرتادي المقهى جميعا مثلا، فهو في هذه الحالة ثمة أشياء كثيرة تمنعه من ذلك، كهويته الشخصية وخوفه من الفضيحة، وغير ذلك من الموانع التي تمنع الحرية المطلقة.

هذه الحرية المطلقة يتيحها فيسبوك كما يتيح معها خاصية إخفاء الهوية الأمر الذي يستفز في البعض أشواقا لممارسة بعض الجنون العاري، لاسيما مع الإغراء المحفز لمتابعة أصداء ذلك الجنون حين يطلقه شخص من حسابه تجاه الآخرين، فيتتبع قياس الأثر بنشوة عارمة ومتجددة عبر زيادة اللايكات والتعليقات التي تجعله متشوقا باستمرار لرصد ردود فعل الجنون الذي كتبه ضد آخرين لا يعرفونه لكنهم قد يشبهونه في فعل الجنون والتفاعل معه!

ونظرا للفضاء الأسفيري المهول في أعداد مستخدمي فيسبوك الذين يقترب عددهم حول العالم اليوم من ملياري مستخدم، سيكون ذلك الفضاء العددي العمومي العريض لمستخدمي فيسبوك هو محيط التأثير الذي يفرض مزاجه ذاك على كل من يقبل بقواعد اللعبة في فيسبوك -على ما في تلك القواعد من هوية هلامية لمعنى الحرية- في استخدامات المنصة.

وهكذا ما إن يتوهم أحد أن ثمة إمكانية لقياس ما يكتبه في فيسبوك وفق معايير الشهرة التي يمكن أن يرصد أرقامها المهولة في اللايكات والتعليقات على حسابات من يسمون بطبقة «المؤثرين» في السوشيال ميديا، إلا أصابه أمراض السوشيال ميديا بسبب ما قد توهمه ذات يوم من إمكانية للشهرة عبر أثر لايكات وتعليقات دونها أصدقاء على حسابه مرة أو مرتين ومضوا!

هكذا سيجد المتأمل في الممارسة والملاحظة لتحديثات مستخدمي فيسبوك أن ثمة مستويات دنيا بل رديئة للكتابة والمحتوى لكنها قد تغري البعض بحثا عن اللايكات والتعليقات، فلا يمنعون أنفسهم من تجريبها، ومتى ما فعلوا ذلك بدا لهم الأمر ممتعا ومحفزا للمزيد!

لذلك من المهم جدا في فيسبوك ألا يعول كاتب على قياس أثر محتوى ما يكتب بمعايير ظاهرية خارجة عن هوية المحتوى وجودته، مثل اللايكات والتعليقات التي قد لا تكون خادعة في كل الأحيان، بالضرورة.

وكما قال أمبرتو إيكو في نهاية روايته الجميلة «باودلينو» عن إغراء الأكاذيب للبشر، على لسان شخصية بافنوزيو الحكيم، ناصحا أحد مدوني الأكاذيب في الرواية: «لا تحسبن أنك مـدون الأخبار الوحيد في الكون، فعاجلا أو آجلا سيأتي من هو أكذب من باودلينو ويرويها» وعليه فإن من الخدع المتبادلة في تغذية أوهام بعض مستخدمي فيسبوك؛ رهانهم على ألا يجد خصومهم أتباعا محازبين يصدقونهم باللايكات والتعليقات، متى ما لعبوا معهم تلك اللعبة كمقاييس قيمة وهمية، فحتما إذا كنت من صانعي أكاذيب الفيسبوك ستجد من يسخو عليك باللايكات والتعليقات، فدائما ثمة في البشر معجبون ومعلقون!

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی فیسبوک

إقرأ أيضاً:

ضبط متهم بتصوير عدد من السيدات ونشر صورهن على «فيسبوك»

نجحت أجهزة وزارة الداخلية المصرية في كشف ملابسات بلاغ ورد إلى الأجهزة الأمنية بمديرية أمن المنوفية، من بعض السيدات بإحدى القرى بدائرة مركز شرطة تلا، وذلك بقيام أحد الأشخاص – مقيم بذات القرية – بتصويرهن خلسة بهاتفه المحمول حال سيرهن بالقرية محل الواقعة ونشر تلك الصور عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك».

أمكن ضبط المتهم وبحوزته (هاتف محمول بفحصه تبين احتواؤه على صور لبعض السيدات) وبمواجهته أقر بارتكابه الواقعة على النحو المشار إليه.

الوطن نيوز

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • الشارقة.. إعفاء مستخدمي المواقف العامة من الرسوم غداً الأحد
  • بعيداً عن السياسة
  • شابتان تكتشفان أنهما توأم مفترق منذ الولادة عبر تيك توك
  • اعتقل بسبب منشور على فيسبوك.. منظمة أممية تطالب الأردن الإفراج عن كاتب ساخر
  • حقيقة تدهور صحة توفيق عبد الحميد
  • الرئيس تبون.. نعم انتصرت الجزائر 
  • السنة الهجرية الجديدة..أول محرم عطلة مدفوعة الأجر
  • وقف الحرب والقرار الإنتحاري
  • أمي.. ظل لا يغيب
  • ضبط متهم بتصوير عدد من السيدات ونشر صورهن على «فيسبوك»