الحوثي يعلن بداية مرحلة جديدة في اليمن
تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT
أعلن زعيم جماعة "أنصار الله" عبد الملك الحوثي، عن مرحلة التغيير الجذري وتصحيح السياسات وأساليب العمل في السلطات التابعة لجماعته بمناطق سيطرتها في اليمن.
وأكد الحوثي في خطابه اليوم، أن المرحلة الأولى من التغيير الجذري، تتضمن تحديث الهيكل المتضخم وتغيير الآليات والإجراءات المعيقة وتصحيح السياسات وأساليب العمل بما يحقق الهدف منها، في خدمة الشعب ويساعد على التكامل الرسمي والشعبي في العمل على النهوض بالبلاد ومعالجة المشاكل الاقتصادية.
وأوضح الحوثي أن التغييرات تشمل إعادة تشكيل حكومة الإنقاذ في صنعاء بحكومة كفاءات تجسد الشراكة الوطنية، من خلال إقالة مسؤولين في حكومة "الإنقاذ الوطني" المشكلة من "أنصار الله"، حسب قوله.
ولفت إلى أن المرحلة الأولى تتضمن أيضا العمل على تصحيح وضع القضاء ومعالجة اختلالاته وفتح مسار فعال لإنجاز القضايا العالقة، مؤكدا أن مسار التغيير الجذري وإصلاح مؤسسات الدولة يعتمد على الهوية الإيمانية للشعب اليمني.
وأضاف: "التغيير الجذري كان ضرورة منذ البداية وانتصار ثورة 21 سبتمبر لكن الأولوية الكبرى كانت في التصدي للعدوان فقد كاد شعبنا أن يفقد حريته وأن يتحول لبلد محتل خاضع للسيطرة الخارجية كليا".
وأشار إلى أن "مسألة التغيير الجذري تعود لأسباب قديمة، وأن الخلل قديم يعود للعمق"، لافتا إلى "أن هناك الكثير من الأنظمة والقوانين واللوائح والمفاهيم السلبية المترسخة في الأداء الرسمي لمؤسسات الدولة"، مبينا أنه "لا ينبغي أن يستمر الحال في مؤسسات الدولة كما هو عليه".
وأكد أن التغييرات القادمة ستنعكس إيجاباً في الجانب الاقتصادي بمناطق سيطرة الجماعة، بالقول: "الشعب اليمني يستطيع أن يغير واقعه الاقتصادي بشكل تام، وأن يتحول إلى بلد منتج، ويغير سياسته الاقتصادية ويزيح من أمامه العوائق في وضعه الداخلي سواء العوائق في مؤسسات الدولة من قوانين أو أنظمة أو سياسات خاطئة، أو من بعض المسؤولين الذين يعملون لمصلحة العدو في إعاقة أي نهضة".
وشدد على "ضرورة أن يترافق مع التغيير توجه شعبي وتحرك فاعل لتغيير الواقع".
المصدر: السومرية العراقية
كلمات دلالية: التغییر الجذری
إقرأ أيضاً:
السلم الاجتماعي في مرحلة ما بعد الحرب
على فراشِ الموت
يرسمُ الوطن خارطةً جديدة.
لكن الخطوط ترتعش،
كأنها تخشى أن تكون بدايةً،
لنهايةٍ أخرى.
(قصيدة: وطن معلق على حافة النسيان للشاعر ادوارد كورنيليو)
في مرحلة ما بعد الحرب، تبرز أهمية السلم الأهلي والاجتماعي كأولوية قصوى لإعادة بناء المجتمع والدولة في السودان، لا سيما في دارفور، حيث مزقت الحرب النسيج الاجتماعي وأضعفت الثقة بين المكونات السكانية. ولأن الدولة المركزية ومؤسساتها الرسمية (superstructure) باتت عاجزة، أو غير موجودة عملياً، في أغلب مناطق النزاع، فإن العبء الأكبر يجب أن تتحمله الإدارات الأهلية، كجزء من البنية التحتية الاجتماعية (substructure) التي ما زالت تتمتع بشرعية اجتماعية وقدرة على الوساطة والتأثير المحلي.
يمكن لآلية تقودها الإدارات الأهلية، إذا ما توفر لها الإطار الأخلاقي والمنهجي السليم، أن تلعب دوراً محورياً في رأب الصدع، خصوصاً في ملف دار مساليت الذي أصبح جرحاً مفتوحاً قابلاً للاستغلال من قبل أطراف متعددة. فبينما تعمدت بعض النخب المركزية على مدار عقود إلى بث الفتن بين مكونات المنطقة، ها هي اليوم تعمل على تجنيد شباب المساليت لأغراض التعبئة القبلية، وليس من أجل نزع الألغام المجتمعية والسياسية التي ظلت الاستخبارات العسكرية تستزرعها بوعي ممنهج.
أما الجهات الغربية، فقد اختزلت ما جرى في دار مساليت في سردية الإبادة الجماعية، متناسية أن الجريمة وقعت نتيجة لصراعات مركبة غذتها الدولة المركزية وأدارتها ضمن سياسة “فرّق تسد”، فتمّت عسكرة الهوية وتسييسها من أجل إضعاف أي إمكانية لبناء تحالفات محلية قادرة على فرض معادلة حكم عادلة أو إحداث اختراقات تنموية ذات طابع جهوي.
ولا يغيب عن أي متابع لتاريخ دارفور السياسي والاجتماعي التداخل العميق بين السودان وتشاد، خاصة في البعد العسكري. فزغاوة دارفور هم من اقتلعوا حسين هبري ومكّنوا إدريس دبي من الحكم، ومع ذلك فإن زغاوة تشاد اليوم يتحفظون على دعم مني أركو مناوي وجبريل إبراهيم، لسببين اثنين: أولاً، إدراكهم أن النخب العسكرية في المركز تريدها حرباً قبلية تُضعف الزغاوة والزرقة معاً وتخرجهم من معادلة الحكم. وثانياً، لعلمهم أن جبريل ومني لا يمثلان الهامش بصدق، فقد قبض الأول ثمن صفقة أبوجا ورهن نفسه لتجار الحروب، بينما استخدم الثاني حركة العدل والمساواة كأداة لتنفيذ أجندة الإسلاميين، لا سيما خلال تحالفه مع خليل إبراهيم الذي أدخل دارفور في أتون صراع لصالح مركز الخرطوم، لا لصالح أبنائها.
اليوم، دفعت ذات الحركة الإسلامية بالكادر التنظيمي صالح عبد الله، رئيس مجلس شورى الزغاوة، بهدف توظيف فصيلي جبريل ومناوي واستخدامهما لتفجير صراع بين أهل دارفور، وهو صراع لا يخدم الزغاوة بل يخدم المركز، وتحديدًا يخدم "عصابة الإنقاذ" التي تسعى للهيمنة على أي محاولة لبناء كتلة سياسية جديدة تنطلق من الهامش.
ما لم تعمل النخب الواعية بقضايا الدولة وأسس البناء السياسي على رأب الصدع بين مستويات الحكم والسلطة، بين الـsuperstructure والـsubstructure، فإننا نخاطر بإعادة إنتاج دولة فاشلة. ومجرد انفصال دارفور أو أي إقليم آخر عن السودان لا يضمن بالضرورة الخلاص من أمراض الفساد والاستبداد، ما لم تكن هناك مراجعات حقيقية للمنظومة السياسية والقيمية التي زرعها نظام الإنقاذ وأدمنتها نخب ما بعد الإنقاذ.
الحذر كل الحذر من اختزال تحرير الفاشر في كونه مناجذة قبلية، بل هذه انتفاضة شعبية يجب أن تعقبها مساومة تاريخية تقيم لكل قبيلة وزنها من مساهمتها في التنمية والسلام الأهلي والاجتماعي. هنالك دور مهم يجب أن تقوم به نخب الرزيقات والزغاوة خاصة، سيما أنهما الكيانان اللذان تم استغلالهما وتوظيفهما من قبل المركز العروبي الإسلامي، ولذا فهما يتحملان مسؤولية أكبر في محاولتهما لخلق السلام ورتق النسيج الاجتماعي.
وإذا ما ورثت حكومة التأسيس القادمة نظام المحاصصة الراهن، فإنها ستخفق في استقطاب الكادر المؤهل القادر على بناء الدولة، وسندخل ذات الدائرة الشريرة التي غرقت فيها دولة جنوب السودان. لا بد من تجاوز معيار كبر القبيلة أو صغرها، والانحياز بدلاً من ذلك إلى معيار العدالة والمشروعية، وتأسيس بنية قاعدية تشجع على الانتقال التدريجي من الوعي القبلي إلى الممارسة المدنية.
وإذ تعمد بعض نخب المركز إلى الدفع نحو خيار الانفصال لإحساسها بأن الكفة الديمغرافية والاقتصادية لم تعد في صالحها، فإن المطلوب اليوم هو مقاومة هذا الاتجاه الضيق، والانخراط في مشروع وطني يغلّب الخيار المدني الديمقراطي. فغرب السودان يمتلك الموارد البشرية والمادية، لكن عليه ألا يركن فقط إلى منطق السلاح، بل أن يقود مسار التحول الديمقراطي، مسلحاً بالفكر والرؤية الأخلاقية والسياسية العميقة.
auwaab@gmail.com