هوامش ومتون :«حجر التيمّم» وغبار التساؤلات!
تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT
حين كتبت، ذات مناسبة دينية عن «حجر التيمّم» الذي هو لوح طيني مسماري مدوّن باللغة الأكادية يعود للعصر الآشوري الحديث، تيمّم به الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- بعد نزول الآية ٦ من سورة (المائدة)، «يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج، ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون»، وتيمّموا تعني «اقصدوا صعيدًا طيَّبا، ترابًا طاهرًا»، ووصلتني تساؤلات عن الحجر، والرقم الطينية، التي كانت، كما هو معروف، تصنع من تراب نقي بمواصفات خاصة، وتكبس بحيث تأخذ صلابة الحجر، ولذلك تبقى على حالها لآلاف السنين، وتتحمّل أطنانا من الضغط، ولا تتشقّق، فنقاوة تربة الرقيم تؤهّله للتيمّم، كبديل للوضوء حين يعزّ الماء، والحجر محفوظ مع مقتنيات الرسول في متحف قصر (طوب قابي) في اسطنبول، الذي يضم آثار الرسول، جاء في قراءة للدكتور محمد نور رمضان يوسف بكتاب «آثار الرسول -صلى الله عليه وسلم- في جناح الأمانات المقدّسة» لحلمي آيدين المنشورة بمجلة الكتاب الإسلامي العدد ٢١ في ٢٠١٩ «إنّ تواردَ الآثار النبوية الشريفة والمقتنيات المباركة استمر بطرق مختلفة من أماكن متفرقة ابتداءً من عهد السلطان سليم الأول (1512-1520م) حتى نهاية الدولة العثمانية؛ أي حتى بدايات القرن العشرين، ولعل آخر المقتنيات الشريفة المباركة وصولًا إلى قصر طوب قابي كان من المدينة المنورة عقب الحرب العالمية الأولى، «وذلك أن محافِظ المدينة المنوّرة فخر الدين باشا لما خاف الضياع على الأمانات المباركة والمقتنيات النفيسة الموجودة في الروضة الشريفة المطهرة.
ومقتنيات هذا المتحف، وجميع متاحف العالم الكبرى تخضع لمعايير صارمة يتابعها المجلس العالمي للمتاحف التابع لليونسكو، وكما أكّد لي د.نائل حنّون، هناك فحوصات معقّدة تجرى للتأكد من صحّة معروضاتها مع قواعد علمية دقيقة لصيانتها، والمتحف موجود منذ زمن الأتاتوركية، وليس من إنشاء تركيا الحديثة، والغرض منه حفظ مقتنيات السلاطين، أما عن كيفية وصول الحجر، إلى المدينة المنوّرة، عند نزول الآية الكريمة، فالنصوص المسمارية، كما يؤكّد المختصّون، وُجِدتْ ليس في العراق، فحسب، وإنما في بلدان الشرق الأدنى القديم، وكانت المراسلات تنقلها أيضا، والمنطقة التي تغطيها النصوص المسمارية تمتد من إيران إلى مصر، ومن تركيا إلى الجزيرة العربية، وإن بعض المدن في المملكة العربية السعودية كانت لها علاقات مع العراق القديم، ووثقت بأسمائها الحالية في النصوص المسمارية البابلية والآشورية، ومنها تيماء، وفدك، والمدينة المنورة باسمها القديم «يثرب» وتقرأ في الكتابة المسمارية بالتاء بدلا من الثاء، كما أكّد د. نائل حنّون عالم المسماريات، واللغات القديمة، مشيرا إلى أن الملك البابلي نبونائيد اتّخذ من تيماء قاعدة لحكمه وعاش فيها لسنوات وترك فيها آثارا عمرانية ووثّق إقامته فيها في نصوصه المسمارية، وهذه المعلومة تؤكّد الصلات التاريخية بين العراق وما جاوره، يقول تحسين اوز في كتابه «الأمانات المقدسة»: «إن القطعة الحجرية التي تيمّم بها الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- ذات أهمية تاريخية كبيرة؛ لأنها تعود إلى تاريخ قديم قبل الإسلام، ولعلها وصلت إلى الرسول الكريم بطريقة أو بأخرى»، وبعد ترجمة النص، التي ينوي د.نائل حنون القيام بها، سيتمّ التوصّل إلى إجابات شافية عن العديد من التساؤلات.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم
إقرأ أيضاً:
هل يجوز صلة الرحم بالرسائل على الفيسبوك؟.. الإفتاء ترد
قالت دار الإفتاء المصرية، عن ضابط صلة الرحم إن الله سبحانه وتعالى أوصى بِصِلة الأرحام، وأمر بها في كثير من آيات القرآن الكريم، ومن المقرَّر شرعًا أنَّ الصلة تختلف في كيفيتها باختلاف الأزمان والأحوال، ومن شخص إلى آخر.
وأوضحت " الإفتاء" في إجابتها عن سؤال : ( هل يجوز صلة الرحم بالرسائل على الفيسبوك وما نحوها من وسائل الاتصال الحديثة ؟)، أن صلة الرحم تكون بما تعارف عليه الناس ممَّا يتيسر للواصل.
وتابعت: كالزيارة أو أي نوع من أنواع التواصل عن طريق وسائل الاتصال الحديثة، والأصح أن الرحم هم الأقارب من جهة الأبوين، وعلى الإنسان أن يصل رحمه ويقوم بحقِّها وإن قطعته؛ لينال الأجر من الله تعالى.
صلة الرحم
ولفتت إلى أن صلة الأرحام تعد من مظاهر عناية الإسلام بتقوية أواصر الصِّلات داخل المجتمع، ونشر المحبة والسلام بين أفراده؛ حيث وجَّه الإسلامُ عنايةَ أتباعه إلى التَّواصُل والتَّقارب بشكلٍ خاص بين الأهل والأقارب؛ فالإسلام لا يقرُّ هذه النظرة الفردية التي تجعل الإنسان مهتمًّا بذاته فقط، أو على الأكثر بأسرته الصغيرة، بل يدفع الإسلام أتباعه إلى ترسيخ قيمة التَّواصل الفعَّال بين الأقارب؛ كحلقةٍ أساسيةٍ من حلقات الترابط في المجتمع؛ ولتشعب العلاقات والمصاهرة بين النَّاس؛ فإنَّ دائرةَ صلةَ الرَّحم قادرةٌ على الامتداد لتشمل المجتمع كله بطريقةٍ غير مباشرة.
ونوهت بأنه قد كانت صلةُ الرَّحم إحدى أخلاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل مبعثه وتبليغه بالرسالة، وكانت من الأسباب التي ذكرتها له السيدة خديجة رضي الله عنها؛ لتطمئنه وتهدِّئَ من رَوْعِه بعد نزول الوحي عليه، فقالت له: "كَلَّا، أَبْشِرْ، فَوَاللهِ لَا يُخْزِيكَ اللهُ أَبَدًا، فَوَاللهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ" متفقٌ عليه.
ونبهت إلى أنه نوَّه الله تعالى في القرآن الكريم إلى ضرورة الحفاظ على الأرحام واستمرار صلتها؛ قال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ﴾ [النساء: 1]، أي: واتقوا الأرحام أن تقطعوها؛ كما أوصى الله تعالى عباده بالإحسان إلى الوالدين وذوي القرابة والجيران والمحتاجين قرينَ أمره بعبادته سبحانه وتعالى؛ إشعارًا بأهمية توثيق هذه الآداب وبيان منزلتها في التصور الإسلامي.
واستندت لما قال جلَّ شأنه: ﴿وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا﴾ [النساء: 36].
وبينت أنه نفَّرَ كذلك من قطع الأرحام وذكر أنه من صفات الجاهلية والبعد عن دين الله؛ فقال تعالى: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ [محمد: 22]، أي فلعلكم إن توليتم عن تنزيل الله وفارقتم أحكام كتابه، أن تعصوا الله في الأرض، فتكفروا به، وتسفكوا فيها الدماء ﴿وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ وتعودوا لما كنتم عليه في جاهليتكم من التشتت والتفرّق بعد ما قد جمعكم الله بالإسلام، وألَّف به بين قلوبكم؟.
واستشهدت بما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «خَلَقَ اللهُ الخَلْقَ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتِ الرَّحِمُ، فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ، فَقَالَ لَهُ: مَهْ، قَالَتْ: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ، قَالَ: أَلاَ تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ، قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَذَاكِ» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: "اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾" متفق عليه.
وأضافت: ولقد حرص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على تأكيد هذه الأهمية لصلة الأرحام من مطلع الدعوة، حتى إن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه حين تحدث إلى النجاشي وبيَّن له ماهية هذا الدين الجديد عندما هاجر إلى الحبشة مع بعض الصحابة، أكد على أن من أهم ما يدعو إليه هذا الدين هو: "صلة الرحم" فقال له: "أيها الملك، كنا قومًا أهلَ جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولًا منَّا، نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحِّدَه ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار... إلخ".
فضل صلة الرحم
وأشارت إلى أنه بَيَّن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بوضوح فضل صلة الرحم وأهميتها في عدد من أحاديثه الشريفة، قال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» رواه البخاري.
ونهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قطع الرحم؛ فقال: «لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعُ رَحِمٍ» رواه مسلم.
واستطردت : كما بيَّنَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن حقيقة الصلة ليست في استمرار العلاقات القائمة المستقرة بين الأقارب، ولكن في إعادة وصل العلاقات التي قُطعت أيضًا؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «لَيْسَ الوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا» رواه البخاري.
وأفادت بأن صلة الرحم لها فضل كبير على الإنسان الذي يقوم بها، كما بيَّنَ ذلك المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، فبها بركة العمر والتوفيق للطاعات وعمارة الأوقات بما ينفع واصل الرحم في الآخرة، وكذلك بسط الرزق وكثرته والبركة فيه.
هل صلة الرحم لها أفعال محددة
أكد الشيخ عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن صلة الأرحام واجبة شرعًا وهي إحدى صفات أهل الجنة، كما في قوله تعالى: «الَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَل».
ولفت "الورداني"، في إجابته عن سؤال : ( هل صلة الرحم لها أفعال محددة؟)، إلى أن صلة الرحم هي جميع أفعال الخير من التصدق عليهم ووصلهم والوقوف بجانبهم عند المشكلات والإحسان إليهم والكلام الطيب والحفاظ على سيرتهم وسمعتهم.
وشدد على أنه لا يجوز قطيعة الرحم منعا للمشاكل، ولكن يجوز تقليل الزيارات للشخص المتسبب في ذلك، أو يجوز إطالة المدة بين الزيارات، أو تقليل المكالمات الهاتفية، لكن القطيعة نهائيًا لا تجوز شرعًا، فصلة الرحم تحتاج إلى عدم الخصام والقطيعة وعدم الإيذاء وتمني الخير للغير.