لجريدة عمان:
2025-04-02@09:01:21 GMT

السعادة، علم النفس.. وأشياء أخرى

تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT

كوب من مشروب ساخن أو بارد أو مُتخيَّل أمام البحر أو في قُلة جبل ما، سهرة مع أصدقاء هم مرآة لذاتك القصية التي لا تعدو أن تكون شبحا هلاميا يختبئ خلف سحابة من الضباب الهائل ينقشع فور لقائك بهم، العودة إلى المنزل بعد أسبوع عمل شاق.. العودة إلى «البلاد» يوم الخميس؛ جرعات من السعادة المجزأة التي نتمنى استمرارها لنستقر ذاتيا وتهجع نيران التشتت المضطرمة بدواخلنا، ويشعر بها كل إنسان في مرحلة ما من حياته.

تتجسد لحظات السعادة والبؤس في حياة كل إنسان، وتُعاد على مدى سيرورة حياته، ولا تمتد لحظة إلا وتنحسر عن نقيضتها متأرجحة بين الضفة والضفة المعاكسة لها. يعجبني في الأدب أنه خالد لا يتغير، وذلك لأن الأدب الذي يناقش ويوصِّف لحظات النفس الإنسانية بتقلباتها وتأرجحها وبنائها وانهيارها؛ هُوَ هُوَ مذ بدأت الخليقة حتى يومنا. الثابت في التاريخ البشري هو التغيُّر والتغيُّر المستمر، فما كان يعد فتحا طبيا، ينقلب خرافة وخزعبلات في الزمن الذي يليه. وما كانت نظرية علمية، تتهاوى أمام نظرية علمية أخرى مناقضة لها أو مكملة لنقصها. وما كانت فكرة فلسفية عبقرية تتحول إلى واقع عملي ملموس طافح بالبؤس والفشل، تتهافت أمام فكرة فلسفية أخرى تأتي بعدها وتهدم صرحها على رأسها. أما الأدب؛ فمنذ النصوص المنقوشة على الألواح الطينية لحضارة بلاد الرافدين، مرورا بالإلياذة والأوديسة الإغريقيتين، والشاهنامة الفارسية، والشعر السامق العالي فيما يعرف اليوم بالشعر الجاهلي، وصولا إلى الأدب الحديث عربيِّهِ ومترجمه؛ كلها تلامس شغاف قارئها، وتمثل بلسما خاصا لعذابات الروح القديمة والحديثة، أو لنقل لعذابات الإنسان القديم والحديث. وتقترب من مشاكله وهمومه الوجودية والنفسية، فبيت شعر جاهلي -أستدل به هنا لأنني أشد التصاقا بالشعر ولغته من النصوص الخالدة بلغات أخرى- يفجؤنا أمام نظريات علم النفس الحديثة التي تعب علماء النفس حتى يتوصلوا إليها، وجملة نثرية من كتاب قديم، تحلل مشكلة نفسانية كما لم يستطع الطب السلوكي فعله بتلك الدقة. فقول أبي الطيب المتنبي رغم كونه من المتأخرين عن مرحلة الشعر الجاهلي:

إذا ساء فعلُ المرء ساءت ظنونه

وصدّق ما يعتاده من توهمِ

وعادى محبّيه بقول عداته

وأصبحَ في ليلٍ من الشك مُظلمِ

نجد نظيرا له في قول معن بن أوس المزني المخضرم الذي عاصر العصرين الجاهلي والإسلامي:

كَأَنَّكَ تَشفي مِنكَ داءً مَساءَتي

وَسُخطي وَما في رِيثَتي ما تَعَجَّلُ

وهما يشرِّحان حالة المصاب بـ«مرض الشك» كما نعرفه اليوم في الطب السلوكي، قبل أن نعرف ما الطب السلوكي أصلا!. وهلم جرا من الدلائل الكثيرة التي لو جمعناها من الأدب القديم حتى يومنا لحصلنا على مجلد ضخم يربو على حمل بعير أو شاحنة عملاقة من نوع بيك-أب.

يتمثل جوهر الأدب في شموليته الإنسانية وتجاوزه للزمان والمكان على السواء، وتتمثل في هذا الأمر عظمته كذلك.

يقول لك الناصح، اقرأ كل شيء فستنتفع بما تقرؤه في يوم ما؛ أما الجاهل والمتجاهل فيقولان لك «احذر أن تقرأ» «احذر أن تعرف»، وما بين هذين النقيضين؛ تظهر شخصية وسطية، ذلك هو الصديق.

فالصديق الحقيقي، هو الذي تتجرد أمامه من الفذلكات اللغوية والمماحكات اللفظية وتصبح أمام المرآة الصافية التي لم يتيسر لك النظر إلى دواخل نفسك عبرها قبلُ.

تكمن مشكلة البشر في كونهم بشرا؛ فالإنسان مهما ادعى التجرد والحيادية، لا بد له من جانب يركن إليه ويميل بكلِّيَّته نحوه. وهنا تكمن فائدة الصديق أيضا، ذلك الآخر الذي لا يرجو نفعا ولا ضرا منك ويحب لك ما يحبه لنفسه.

السعادة حالة إنسانية عالية، قد نجنيها من حوار صادق، كتاب عذب، بيت شعري حالم، علاقة إنسانية صافية، صلاة خاشعة صادقة؛ فهي حالة ما في فترة ما، وليست خطا مستقيما لا اعوجاج فيه.

أما تلك التي تكون ثابتة مستقرة، فهي الطمأنينة. ويقع اللبس بينها هي الثابتة الراسخة وبين الحالة التي تشبه الانتشاء في لحظة ما وفق ظرف ما والتي نصطلح عليها باسم السعادة. من هنا يقع اللبس لقراء كتب التنمية البشرية ومراجعة الذات بين الحال الراسخة واللحظة التي تشبه الومضة الشعرية.

فالطمأنينة هي الرضا والرسوخ والتجلد أمام نوائب الدهر وحوادثه، كما في قوله تعالى: (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا). وكذا قول رَسُولُ الله: «عَجَبًا لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْرًا لَهُ».

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

لماذا يجعلنا البحث عن السعادة أكثر تعاسة؟

شمسان بوست / متابعات:

حذر باحثون من أن السعي وراء السعادة يجعلنا أكثر تعاسة. فمن خلال محاولتنا الدائمة لتحسين مزاجنا، نستنزف مواردنا العقلية، ما يجعلنا أكثر عرضة لاتخاذ قرارات تزيد بؤسنا بدلا أن تخففه.

وكشف فريق من جامعة تورنتو عن الآلية المثيرة التي تجعل محاولاتنا اليائسة لتحسين المزاج تحولنا إلى أشخاص منهكين، أقل تحكما، ما يدفعنا لاتخاذ قرارات تزيد بؤسنا بدلا من تخفيفه.

ويطلق على هذه الظاهرة اسم “مفارقة السعادة”، حيث وجدوا أن محاولات تعزيز السعادة تستهلك الموارد العقلية وتؤدي إلى تراجع القدرة على ممارسة الأنشطة التي تسبب السعادة فعلا وتزيد الميل للسلوكيات الهدامة، مثل الإفراط في تناول الطعام.


وقال البروفيسور سام ماجليو، المشارك في الدراسة: “السعي وراء السعادة أشبه بتأثير كرة الثلج، فحين تحاول تحسين مزاجك، يستنزف هذا الجهد طاقتك اللازمة للقيام بالأشياء التي تمنحك السعادة فعلا”.


وخلص البروفيسور إلى أن كلما زاد إرهاقنا الذهني، أصبحنا أكثر عرضة للإغراء والسلوكيات الهدامة، ما يعزز الشعور بالتعاسة الذي نحاول تجنبه أصلا. وضرب مثالا بالعودة إلى المنزل بعد يوم عمل طويل ومتعب، حيث نشعر بالإرهاق الذهني فتتضاءل قدرتنا على تحمل المسؤوليات (مثل تنظيف المنزل) لصالح أنشطة أقل فائدة (مثل التمرير عبر وسائل التواصل الاجتماعي).

وفي إحدى التجارب، كان المشاركون الذين عرضت عليهم إعلانات تحمل كلمة “سعادة” أكثر ميلا للانغماس في سلوكيات غير صحية (مثل تناول المزيد من الشوكولاتة) مقارنة بمن لم يتعرضوا لهذه المحفزات.

وفي تجربة أخرى، خضع المشاركون لمهمة ذهنية لقياس قدرتهم على ضبط النفس. توقف المجموعة التي كانت تسعى للسعادة مبكرا، ما يشير إلى استنفاد مواردهم العقلية بعد محاولات تحسين المزاج.

ويختتم البروفيسور ماجليو من جامعة تورنتو سكاربورو بالقول: “المغزى هو أن السعي وراء السعادة يكلفك طاقتك الذهنية. بدلا من محاولة الشعور بشكل مختلف طوال الوقت، توقف وحاول تقدير ما لديك بالفعل”. ويضيف ناصحا: “لا تحاول أن تكون سعيدا بشكل مبالغ فيه دائما، فالقبول قد يكون طريقك الأفضل”.

المصدر: ديلي ميل

الوسومالبحث عن السعادة

مقالات مشابهة

  • عمسيب: السرقة التي تتم أمام أعيننا!
  • لماذا يجعلنا البحث عن السعادة أكثر تعاسة؟
  • ما حقيقة ارتباط السعادة والاكتئاب بدخل الفرد؟
  • كيف يجعلنا السعي وراء السعادة أكثر بؤسا؟
  • الخارجية الأمريكية تصف غارات إسرائيل على لبنان: دفاع عن النفس
  • نفحات رمضان بمنزلة الهدايا القيِّمة
  • المملكة تدشّن مشاركتها في معرض بولونيا الدولي للكتاب 2025
  • خلال الفترة من 31 مارس لـ3 أبريل.. المملكة تشارك بمعرض بولونيا الدولي للكتاب 2025
  • خطبة العيد من الجامع الأزهر: ما يحدث في غزة يدعو إلى وحدة الأمة لننتصر لإنسانيتنا وعروبتنا وديننا
  • (140) عامًا على ميلاد صاحب "الرسالة"