لجريدة عمان:
2025-03-07@03:05:15 GMT

أدب السجون الجديد في فلسطين.. ظاهرة تستحق التفكير

تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT

ثمة ظاهرة ثقافية واضحة ما زالت تثير العديد من التساؤلات، في أوساط المثقفين الفلسطينيين والأدباء والمهتمين، وهي تزايد صدور روايات تتحدث عن التجربة الحياتية والنضالية لمؤلفها في السجون الإسرائيلية، وتزايد اهتمام القراء بها، وكتابة مقالات نقدية عنها وعقد أمسيات توقيع لمؤلفيها، وما يلفت انتباه المهتمين والنقاد هو ملاحظتهم نضج الأدوات وحداثة المضمون في بعض هذه الروايات، بعيدا عن النبرة الشعارية المتشنجة واللغة العاطفية الحنينية، التي وسمت معظم روايات ودواوين أدب السجون، والتي تعّود عليها القارئ الفلسطيني.

يقول الشاعر الفلسطيني طارق العربي: فرحت كثيرا وأنا أقرأ أخيرا أدب سجون فلسطيني راقيا وبعمق ونوعة تأملية عالية، لطالما تساءلت مع جيلي عن سبب غياب العمق في كتابات السجون، رغم أن تجربة السجن بتركيبها وتعقيد فكرتها وامتداداتها وهواجسها الشخصية و الوجودية تستطيع مساعدة الكاتب على الشطح والذهاب إلى مناطق جديدة في التفكير والسرد والتعامل مع الحبكات برؤية غير سطحية.

ويجيب الدكتور عادل أسطة وهو ناقد معروف، ومتابع دقيق لأدب السجون على سؤالنا بخصوص هذه الظاهرة:

(كثرت إصدارات السجناء القابعين في السجن والمحررين منهم في السنوات الأخيرة كثرة لافتة لم نعهدها في العقود الأربعة الممتدة منذ ١٩٧٠ حتى ٢٠١٠، ولم تعد مقتصرة على فن الرسائل والشعر والقصة القصيرة، وهو ما غلب منذ ٧٠ القرن ٢٠ وكتبه أدباء سجنوا.

قبل ١٩٩٠ كتب الروائيون عن السجن من خلال ما سمعوه عنه من سجناء وهو ما نلاحظه في "المتشائل" لحبيبي و "الصبار" و "عباد الشمس" لسحر خليفة.

منذ ١٩٩٠ بدأ السجناء غير الأدباء يكتبون عن تجارب سجناء في المعتقلات كما فعل السجين هشام عبد الرازق في روايته "الشمس في معتقل النقب".

لم تكن الكتابة مجرد حنين.. كانت تصويرا لعالم السجن وحياة السجناء.

منذ العام ٢٠٠٠ بدأ السجناء يكتبون عن تجاربهم الخاصة في السجن ومن أوائل من كتبوا عائشة عودة في "أحلام بالحرية" و "ثمنا للشمس" وتوالت بعد ذلك كتابة السير الذاتية والروايات التي تأتي على تجارب الكتاب السجناء، ولكن هذه الكتابة لم تقتصر دائما على تدوين التجربة الشخصية لصاحبها، فهناك من كتب الرواية التاريخية التي لا تمت لعالم السجن بصلة مثل باسم الخندقجي، وهناك من استرجع تجارب حياته خارج السجن وكتب في رواياته عنها)..

كثيرة هي الأسباب التي أدت إلى انتعاش ظاهرة أدب السجون في فلسطين، وإلى نضج عوالمها ولغتها، منها السبب الأساس الذي يتفق عليه الجميع وهو هوس الفلسطيني بالتوثيق، وهو المحاصر بالمحو والإلغاء وطمس الوجود،، فكلما واجه الفلسطيني أزمة حصار أو اعتقال، يذهب فورا إلى تسجيل ما حدث سواء على شكل يوميات أو أدب، هذا ما تؤكده وقائع الانتفاضات الفلسطينية التي مرّت على الشعب الفلسطيني، فقد قرأت عشرات الكتب غير المنشورة والتي يطمح كتابها إلى نشرها، توثق لحظات المواجهة مع الإسرائيليين وهم يقتحمون قراهم ومخيماتهم ومنهم، ويفضفض فيها كاتبوها عن مشاعرهم وآرائهم، وقد فوجئت أن عديدا من طلابي في المدارس الفلسطينية وثّقوا بالقصص والمقالات والتأملات كثيرا من وقائع المواجهة مع المحتل، إذن يبدو أن ازدياد شراسة المحتل في محاولاته كسر إرادة الشعب الفلسطيني، يقابلها حماسة في تدوين الوجود الفلسطيني بكافة مستوياته، وردا على سؤالنا عما يعتقده أسبابا أخرى لتوسع ظاهرة أدب السجون، يجيب أحد أهم كتّاب أدب السجون الروائي محمد البيروتي الذي أمضى سنوات طويلة قي سجون الاحتلال وله عدة روايات:

(دون شك لوحظ ازدهار للإنتاج الأدبي وشبه الأدبي للسجناء في الفترة الأخيرة، مع أن هذا الإنتاج ليس جديدا فقد صدر العديد من الكتب بعضها تمكن من اجتياز بوابات السجن مثل روايات فاضل يونس العديدة وبعض الكتب التي تمكن كاتبوها من إخراجها ونشرها، وهناك عدد من الكتاب ممن وضعوا كتبا لكنها ضاعت في الفترات الأولى وبالذات في الفترة بين بداية السبعينات ومنتصف الثمانينات جراء المصادرة وصعوبات تهريبها.

خلال الفترة القديمة كانت الكتابة رهنا على بعض المثقفين وذوي المقدرة الكتابية ولم تكن أمرا عاما، وهذا هو الوضع الطبيعي، ما حدث في السنوات اللاحقة هو ازدهار واضح للكتابات أوجز أسبابها بالعوامل التالية:

مرتبط ببضعة عوامل أوجزها قدر المستطاع، أولها: نسبة السجناء من المتعلمين في الفترة الأخيرة كبيرة أي بعد الانتفاضة الثانية وما تلاها،

العامل الثاني انتشار التعليم الجامعي وحصول المعتقلين الفلسطينيين على فرص الحصول على الدرجة الجامعية الأولى وبعضهم حصل على الدرجة الثانية داخل السجن وبتشجيع داخلي.

العامل الثالث – ولا أعلم إذا كان هذا واقعيا أم لا، في الفترات الأولى كانت الثورة في حالة تقدم وازدهار وهذا حدث كان يطغى على أفكار المعتقلين ويرفع من معنوياتهم ويجعلهم وكأنهم في حالة انتظار. في حين أن فترة ما بعد منتصف العقد الثاني من القرن الحالي سادها الركود مما دفع المعتقلين الى الانشغال في التعلم والإنتاج.

العامل الرابع: وجود عدد من المعتقلين في مختلف السجون لهم دور كبير في حث كل من لديه تجربة تستحق الكتابة أن يقوم بكتابتها مع توفر الأدوات لذلك، مثل المساعدة اللغوية على وجه الخصوص.

العامل الأخير هو العامل الحاسم: توفر وسيلة إخراج الإنتاج إلى النور عبر الخلويات المتواجدة في مختلف السجون رغم سعي إدارات السجون إلى مصادرتها.

ربما يضاف إلى ذلك توفر آليات وموازنات الطباعة لدى بعض المؤسسات مثل اتحاد الكتاب ووزارة الثقافة وهيئة شؤون الأسرى.

بقي أن أضيف إن الجانب الشكلي في معظم هذه المنتجات يعتوره الخلل، حيث يجري التركيز على المضمون وتجاهل القيم الشكلية في العمل الفني).

ينقسم أدب السجون سواء كان يوميات أو روايات أوشعر الى قسمين، الأول يكتبه الفلسطيني داخل السجن، والثاني يكتبه خارجه، وقد أجابنا الشاعر المتوكل طه الذي أمضى سنوات طويلة متقطعة داخل المعتقلات الإسرائيلية محللا بشكل دقيق وشاف الفرق الجمالي بين الأدب الذي يكتبه السجين داخل السجن والآخر الذي يكتبه بعد تحرره:

(أدب المعتقلات، عامّة، هو أقرب إلى المباشرة، وينتمي إلى كتابة الضرورة، في لحظات الاشتباك المتواصل الساخن، وقلّما تجد أدبا "تأمّلياً عميقاً" إلا في عدد قليل من الروايات، وبعض الدراسات الفكرية المعمقة.

لكن الكتابة خارج المعتقل،عن المعتقل والأسرى، بمجملها، ترى المشهد على رحابته، وتدرك العديد من التفاصيل، لم يكن يراها وهو محشور خلف القضبان، لأن شدّة القرب حجاب. والكتابة في الخارج تتحرّر من "التابوات والممنوع والمُحرّم" داخل الغرف المغلقة، ولديها القدرة لتبحث عن البلاغة والصورة، وتنجح أكثر لتشتقّ صيغا جديدة وأساليب تشكّل أرضا أكثر عافية وجمالا للكتابة.

إن الروائي، مثلا، في روايته داخل السجن، يكتبها تحقيقا لضرورة مُلحّة، واجبة الوجود، وهي إثبات الذات، وقدرتها على "الحياة" والنهوض والاستمرارية، حتى لا تذوب في الهزيمة أو تندفن تحت أسداف العتمة وتروح إلى العدم.. أما في الخارج فالكتابة تتغيّا أهدافا أوسع وأبعد، فتنطلق لتسجيل التجربة، وتستعير الجَماليات، ولو عبر استقدامها من الذاكرة، لتكون سدّاً منيعا في وجه أسئلة الحياة الأكثر شمولية.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: داخل السجن

إقرأ أيضاً:

المحاضرة الرمضانية الرابعة للسيد القائد.. دروس وعبر تستحق التأمل

يمانيون../
في المحاضرة الرمضانية الرابعة التي ألقاها السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي، تناول موضوعًا محوريًا يتعلق بالمسيرة البشرية وانحرافاتها، مع التركيز على قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام ودور التوحيد في حياة البشر.

كانت المحاضرة مليئة بالدروس والعبر التي تستحق التأمل والتحليل، حيث سلط الضوء على أهمية التوحيد وضرورة التمسك بنهج الله سبحانه وتعالى، وكيف أن الانحراف عن هذا النهج يؤدي إلى الضلال والشرك.

التوحيد كأساس للمسيرة البشرية

بدأ السيد القائد محاضرته بالحديث عن المسيرة البشرية منذ بدايتها، مؤكدًا أن التوحيد لله سبحانه وتعالى هو الأساس الذي يجب أن تُبنى عليه حياة البشر.

وأشار إلى أن البشرية لم تُترك دون هدى منذ بداية خلق آدم عليه السلام، الذي كان نبيًا وحظي بالوحي الإلهي. وبالتالي، فإن الانحراف عن نهج الله هو الطارئ على حياة البشر، وليس التوحيد.

وأوضح السيد القائد أن الانحراف عن نهج الله يبدأ من المخالفات الأخلاقية والشرعية، وصولًا إلى الشرك بالله، الذي يعتبر أسوأ حالات الانحراف.

وأكد أن الشرك ليس مجرد اعتقاد خاطئ، بل هو انحراف شامل يشمل الأخلاق والقيم والمعاملات، مما يؤدي إلى انتشار الظلم والفساد في المجتمع.

الشرك وانحراف المجتمعات

تحدث السيد القائد عن كيفية وصول المجتمعات البشرية إلى حالة الشرك، وكيف أن هذا الشرك ليس مجرد معتقدات جامدة، بل يمتد إلى واقع الحياة اليومية.

وأشار إلى أن الشرك يؤدي إلى انحرافات أخلاقية واجتماعية، حيث يتحول المجتمع إلى حالة من الظلمات، تسيطر عليه القوى الظالمة والمفسدة.

وأكد أن الشرك بالله ليس مجرد عبادة الأصنام، بل هو انحراف شامل يشمل التوجه بالعبادة لغير الله في كل جوانب الحياة.

وأوضح أن التوحيد لله ليس مجرد شهادة باللسان، بل هو التزام كامل بنهج الله في كل جوانب الحياة، من الأخلاق إلى المعاملات.

قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام

تناول السيد القائد قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام كمثال على كيفية مواجهة الشرك والانحراف، مشيرا إلى أن نبي الله إبراهيم نشأ في مجتمع سيطر عليه الشرك والضلال، حتى إن أباه آزر كان من عبدة الأصنام.

وذكر كيف أن إبراهيم بدأ دعوته من محيطه الأسري، محاولًا إنقاذ أبيه وقومه من الضلال.

وأوضح السيد القائد أن نبي الله إبراهيم واجه قومه بسؤال استنكاري: {أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً}، مؤكدًا أن هذا السؤال يظهر مدى الانحطاط الفكري والثقافي الذي وصل إليه المجتمع الذي يعبد الأصنام.

وأشار إلى أن عبادة الأصنام كانت منتشرة في مجتمعات كثيرة، وكانت تمثل أسوأ حالات التخلف الفكري والانحراف عن الفطرة.

الضلال ودور المضلين

تحدث السيد القائد عن دور المضلين في نشر الضلال والشرك بين الناس، مؤكدا أن الضلال ليس مجرد أفكار خاطئة، بل هو انحراف شامل يشمل كل جوانب الحياة، مشيرا إلى أن المضلين هم الذين يقنعون الناس بعبادة الأصنام والتماثيل، ويجعلونهم يعتقدون أن هذه الأصنام قادرة على منحهم النصر أو الرزق.

وأوضح أن الضلال يصل بالناس إلى تقبل أي باطل، مهما كان سخيفًا أو فظيعًا، مشيرا إلى أن المجتمعات التي تعبد الأصنام تصل إلى مستويات من السخافة، حيث يعبدون تماثيل مصنوعة من الحجر أو الخشب أو حتى العجين، ويقدمون لها القرابين ويطلبون منها النصر والحماية.

الدعوة إلى العودة إلى الفطرة

اختتم السيد القائد محاضرته بالدعوة إلى العودة إلى الفطرة والتوحيد لله سبحانه وتعالى، مؤكدا أن التوحيد هو المبدأ الأساس الذي يجب أن تُبنى عليه حياة البشر، وأن الانحراف عن هذا المبدأ يؤدي إلى الضلال والشرك، داعيا إلى التمسك بنهج الله والابتعاد عن كل أشكال الضلال والانحراف.

مقالات مشابهة

  • إنتشال جثة الطفلة التي جرفتها سيول فيضانات داخل بالوعة بركان
  • استشهاد الأسير الفلسطيني رقم (63) في سجون كيان الاحتلال الإسرائيلي جراء التعذيب
  • الصحافة الإنكليزية تسخر من ميغان ماركل: رحلة غرور لا تستحق العناء
  • هل ‏تستحق هذه المنظومة شخصا مثل الكاظمي
  • وزارة العدل: دائرة الإصلاح العراقية تباشر بجمع بيانات ذوي النزلاء لاستكمال إجراءات فتح الحسابات المصرفية وإصدار البطاقات الخاصة بالتحويلات المالية داخل السجون
  • المحاضرة الرمضانية الرابعة للسيد القائد.. دروس وعبر تستحق التأمل
  • الإفراج عن 15 سجينًا في تعز بعد دفع 40 مليون ريال من هيئة الزكاة
  • شاهد/ فيديو للجميلي بعد مقتله تحت التعذيب في سجون مارب
  • أبو الغيط: إعادة إعمار غزة معركة تستحق أن نخوضها.. ويجب إقامة الدولة الفلسطينية
  • طرابلس | اجتماع لمتابعة قضايا السجناء الليبيين بالخارج واتفاقيات التبادل قيد التفاوض