قبل 11 شهرا شهدت منطقة عفرين السورية مواجهات بين فصائل تتبع لتحالف "الجيش الوطني السوري" و"هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة المصنفة إرهابيا)، ورغم أن مشهد الاشتباك حينها لم يكن جديدا على مناطق الشمال السوري، شكّلت طبيعة الأطراف المتصارعة "تحولا" انعكست ارتداداته بفصلٍ جديد قبل أيام.

وكانت المواجهة التي دخلت بها "تحرير الشام"، في أكتوبر 2022، لافتة، كون المناطق التي دخلت إليها لا تخضع لسيطرتها، فيما عادت لتكرر السيناريو ذاته خلال الأيام الماضية، من خلال مجموعات عسكرية متحالفة معها، تنتشر في مناطق متفرقة من ريف حلب الشمالي والشرقي.

واندلعت مواجهات عنيفة، منذ الأسبوع الماضي، بين المجموعات المتحالفة مع "تحرير الشام" وأخرى تتبع لـ"الفيلق الثاني" التابع لـ"الجيش الوطني" المدعوم تركيا، أسفرت عن 16 قتيلا من الطرفين حسب "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، وحركة نزوح للسكان في القرى والبلدات التي خاضوا الاشتباكات فيها.

وفي حين توصلوا إلى "اتفاق للتهدئة" بعد أكثر من سبعة أيام على المواجهة، ليلة الأربعاء، اعتبر مراقبون وسكان أن ما حصل قد يلقي بـ"ظلالٍ خطرة" على المنطقة، كون "تحرير الشام" لا تزال مصنفة على قوائم الإرهاب، وسبق أن أقدمت على تصفية معارضين لها وفصائل "ذات نفس معتدل".

ما القصة؟

ترتبط الشرارة الأولى للمواجهات التي خيّمت على مناطق الشمال السوري، خلال الأيام الماضية، بمعبرٍ تجاري يربط مناطق تحالف "الجيش الوطني" مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) في ريف حلب الشرقي، يسمى بمعبر "الحمران".

ومع ذلك، اعتبر مراقبون ومحللون في حديث لموقع "الحرة" أن "أبعاد المواجهة أوسع من ذلك"، وترتبط بمحاولة "تحرير الشام" وقائدها "أبو محمد الجولاني" التمدد في المنطقة، بعدما أحكم سيطرته الكاملة قبل سنوات على محافظة إدلب.

وعاد قبل 11 شهرا ليخترق منطقة عفرين، مستغلا مواجهات داخلية حصلت بين فصائل عسكرية تتبع لذات التحالف الذي تنتمي إليه، وهو "الجيش الوطني السوري".

ويواجه "الجولاني" والمجموعات المتحالفة معه رفضا شعبيا، ترجمته مظاهرات شعبية خرجت ليلة الأربعاء في مدينة الباب شرقي حلب، إذ ردد المحتجون شعارات وصفته بـ"العميل" ووصفت تشكيله العسكري بـ"الغربان السود".

ولم تتضح حتى الآن تفاصيل وبنود الاتفاق كاملة، التي أفضت إلى "التهدئة" في ريف حلب، بينما يشير الناشط الإعلامي عبد السلام إلى "إصابات حصلت بين المدنيين وأضرار مادية كبيرة"، إثر المواجهات بين الطرفين والتي اندلعت في مدينة دابق، يوم الثلاثاء.

ويقول عبد السلام لموقع "الحرة" إن "المجموعات المتحالفة مع تحرير الشام، المعروفة باسم (أحرار الشام القاطع الشرقي) و(تجمع الشهباء) تمكنت من التمدد بشكل كبير من مدينة صوران وباتجاه مدينة الباب".

ويضيف أن "مواجهات يوم الثلاثاء استخدم فيها السلاح الثقيل والحشوات القاذفة، مما أسفر عن ضرر كبير في حارات ومنازل مدينة دابق".

وينقسم الشمال السوري، الخارج عن سيطرة النظام السوري منذ سنوات، ضمن منطقتين، الأولى هي ريف حلب وتضم منطقة واسعة من عفرين وصولا إلى جرابلس والباب شرقا. وهذه تخضع لسيطرة تحالف "الجيش الوطني السوري"، الذي تدعمه تركيا.

أما المنطقة الثانية فهي محافظة إدلب، التي أحكمت "هيئة تحرير الشام" السيطرة عليها بالكامل، بعد سلسلة صدامات مسلحة مع باقي التشكيلات العسكرية الصغيرة التي كانت تنتشر في المنطقة هناك.

وما بين هاتين المنطقتين هناك اختلاف في الإدارة والتنظيم العسكري وأيضا على صعيد الاقتصاد، وتوجد أيضا حدود ومعابر داخلية، تتمركز بشكل أساسي على حدود منطقة عفرين الفاصلة.

ولم يسبق أن كسر أحد الفصائل من الطرفين هذه الحدود، خلال السنوات الماضية، ليغدو المشهد وكأن الشمال ككل مقسم ضمن "دولتين".

لكن، ومنذ مطلع 2022، تحدث ناشطون ومراقبون عن محاولات من جانب "تحرير الشام" لتحقيق اختراق عسكري أو أمني في مناطق ريف حلب الشمالي.

وجاء ذلك في الوقت الذي واصلت فيه الفصائل العسكرية هناك عمليات الانشقاق عن بعضها البعض، وتشكيل التحالفات ذات الأسماء الكثيرة.

ولطالما تعرضت فصائل "الجيش الوطني" لانتقادات بشأن ظروف الانقسام التي تعيشها، فيما لم يعرف حتى الآن الأسباب التي تقف وراء استمرار حالة "التبعثر" والانشقاقات، وعدم الانصهار في جسم عسكري واحد، رغم أنها أعلنت انخراطها ضمن "تحالف الجيش الوطني"، في عام 2017.

وكانت ظروف الانقسام ألقت بظلالها في أثناء المواجهات الأخيرة بعفرين، أكتوبر 2022، وفي المواجهات الحالية التي تتركز في ريف حلب الشرقي على نحو أكبر.

"هدف ظاهر وباطن"

ويوضح القيادي في "الجيش الوطني السوري"، الفاروق أبو بكر، أن ظاهر المواجهات التي حصلت خلال الأيام الماضية "هو نفوذ وسيطرة"، لكن "كل شباب الثورة يعرفون أن باطنها غير ذلك"، وفق تعبيره.

ويقول أبو بكر لموقع "الحرة": "في حال سيطر الجولاني على المنطقة (قاصدا ريف حلب الشمالي) ستكون في خطر"، مشيرا إلى أن "جميع المناطق التي استولى عليها فصيله في السنوات الماضية كانت عرضة للتهجير والقصف والاجتياح بذريعة الإرهاب".

"وجود الجولاني في المنطقة مخطط روسي إيراني لإيجاد الذريعة، لاسيما أن مناطق ريف حلب تعتبر أشبه بالآمنة عندما يتم قياس عدد الضربات والقصف الذي تتعرض له من قوات النظام السوري وإيران وروسيا وقسد".

ويتابع القيادي السوري: "تحرير الشام دائما تخترق الجماعات والفصائل العسكرية عندما تعجز عن مواجهتها عسكريا، والكثير من المغفلين في المنطقة ذهبوا لتحقيق أجندات الجولاني على حساب الثورة، ولكي يحققوا مصالحهم".

ولا تتوقف قصة المواجهات "على معبر"، كما يرى العقيد المنشق عن النظام السوري، عبد الجبار العكيدي، وبينما يقول إن "المعبر حجر أساس في الصراع على النفوذ والسلطة"، يتحدث عن "أهداف أخرى".

ويوضح العكيدي لموقع "الحرة": "هناك موضوع أمني سياسي يتعلق بوجود تحرير الشام أو الفصائل التي تنسّق معها على نقاط التماس مع قسد"، وأن "هذا المسعى مهم جدا لها".

ودائما ما يستغل قائد "تحرير الشام" المصنفة على قوائم الإرهاب هشاشة فصائل "الجيش الوطني"، وعدم وجود قيادة مركزية حقيقية لها يكون بإمكانها وضع الخطط العسكرية "للتصدي لهذا العدوان".

كما يستغل، وفق العكيدي: "عدم وجود الرغبة الحقيقية لدى مقاتلي فصائل الجيش الوطني في قتال الهيئة، لعدم ثقتهم بقادتهم الذين لا يعرفون أشكالهم إلا من خلال صور الولائم الفاخرة".

"مشروع خطر"

منذ تشكيل "الجيش الوطني" في ريف حلب بدعم تركي عام 2017، شارك في عدة عمليات عسكرية، أبرزها في منطقة عفرين مطلع 2018، ومؤخرا في مناطق شمال وشرق سورية في عملية "نبع السلام".  وفي السابق، ورغم أن نشاط هذا "الجيش" كان مقسّما ضمن ثلاثة فيالق، إلا أن الفصائل المكونّة له لم تخرج عن إطار الفصائلية والانفراد بالقرار، الأمر الذي شكّل فيما بينها حالة صدامية.

وهذه الحالة تمت ترجمتها على المشهد العام باشتباكات ومواجهات داخل المنطقة الواحدة التي يسيطرون عليها، فضلا عن انتهاكات وضعت قادة فصائل فيه على قوائم العقوبات الأميركية، قبل شهر.

ويرى القيادي "أبو بكر" أن "الخلافات بين  فصائل الجيش الوطني أدت إلى سهولة اختراق المنطقة من قبل الجولاني وتشكيله هيئة تحرير الشام".

ويقول إن "فصائل الجيش الوطني ليس لها إلا الاجتماع ضد هذا المشروع الخطر والسرطان الخبيث.. غير ذلك سيكون مصيرها الزوال كما حال الفصائل السابقة، وستذهب المنطقة للجولاني بداية ومن ثم لأعداء الثورة الذين يستخدموه ذريعة لاحتلال مناطقنا".

ويوضح العقيد المنشق عن النظام العكيدي أن "سيناريو شهر أكتوبر في عفرين يتكرر في الوقت الحالي"، وأن "الزمن يعيد نفسه"، ويقول إن "قائد تحرير الشام وعلى ما يبدو تمكن من اختراق أغلب الفصائل، وحقق شيئا كبيرا بكل أسف".

وتحدث "المرصد السوري" في تقرير له أن الهدوء الذي حل على مناطق ريف حلب، الأربعاء، جاء بعدما سيطرت "تحرير الشام" والمجموعات المتحالفة معها على (البورانية- شعينة- الصابونية) بريف جرابلس، وقرى (طنوزة- حج كوسا- الظاهرية بريف الباب).

بالإضافة إلى فرض سيطرتها على قرى في الريف الشمالي كـ (احتيملات- شدود- صوران- دابق- برعان).

وذكر "المرصد" أن مخيم المرج في احتيملات بريف حلب شهد حركة نزوح للأهالي باتجاه الأراضي الزراعية، بعد استهدف المخيم بقذائف الهاون، كما تعرضت منازل المدنيين في دابق بريف اخترين شمالي حلب لقصف بقذائف الهاون و"الأر بي جي".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: الشمال السوری تحریر الشام فی المنطقة فی ریف حلب

إقرأ أيضاً:

المؤتمر الوطني ليس من اصحاب اليوم التالي .. قضية فك الارتباط بين الجيش والإسلاميين

كشفت صحيفة سودان تربيون "الغراء" عن رؤية داخلية لتنظيم الحركة الإسلامية الارهابي المسماة بالمؤتمر الوطني لتأسيس مشروعية دستورية تمكن الجيش من تفويض شعبي وحملت الرؤيا عنوان (مقترح اجندة المستقبل اليوم واليوم التالي).
ان اسوأ سنوات القوات المسلحة هي السنوات التي امتطى فيها الإسلاميون ظهرها، واسلمت قيادها وقيادتها لتنظيم مجرم شره في السلطة ونهب الموارد والارهاب. عمل المؤتمر الوطني المشؤم على اختطاف الدولة ومؤسساتها وقطع أوصال الجيش قتلاً وتشريداً لخيرة ضباطه وضباط صفه وجنوده، ان مأساة الجيش الحقيقية تكمن في سيطرة تنظيم سياسي على مؤسسة تابعة للدولة والشعب. اكبر جريمة ارتكبها الإسلاميون في حق الجيش هي ادخاله والدفع به في انقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩ و٢٥ أكتوبر ٢٠٢٢ وحرب ١٥ أبريل، وقد اعترف هاشم عبد المطلب رئيس هيئة الأركان السابق في إفادته المنشورة ان ولاءه ليس للجيش بل لشيوخ الحركة الإسلامية، والإسلاميين ليس لديهم قدرة للوصول للسلطة كحزب سياسي إلا باستخدام رافعة الجيش وتسييسه وتشويهه.
ان كان اي احد يظن ان الإسلاميين يحبون الجيش فهو مخطئ، فإنهم يحبون انفسهم والسلطة والجاه قبل الله والرسول، ويعتقدون ان الجيش رزقاً ساقه الله لهم للوصول للسلطة وقد حاولوا تدميره سنوات طوال، وعلاقتهم بالجيش ملتبسة وقائمة على زواج المصلحة مع كبار الضباط.
لن يكون هناك استقرار او تنمية او ديمقراطية في السودان إلا بفك الارتباط بين الاسلاميين والجيش، فما للدولة للدولة وما للحركة الاسلامية الكسيحة فكرياً والارهابية التي شوهت مؤسسات الدولة وعلى رأسها الجيش للحركة الإسلامية، ودون حل هذه القضية على نحو صحيح لن يتقدم السودان، على قوى الثورة والتغيير ان تضع شرطاً رئيسياً في اي عملية سياسية مقبلة بوجوب تصفية تمكين الاسلاميين في الجيش واستعادة مهنيته، فنحن ضد تصفية الجيش ومع تصفية وجود الحركة الاسلامية داخل الجيش.
لابد من بناء جيش مهني يخدم الوطن ولا يخدم اي حزب، ان الجيش لا يمكن ان يكون جناحاً عسكرياً للحركة الاسلامية فهذا ضد طبيعة الاشياء وضد نزاهة وحيادية مؤسسات الدولة.
المؤتمر الوطني حزب من الماضي وما كان أمامه اصبح خلفه، ان اليوم التالي ملك للشعب وللديسمبريات والديسمبريين والمؤتمر الوطني ليس من اصحاب اليوم التالي فهو من اصحاب اليوم السابق، انه لا يتوسل للسياسة بوسائل سياسية ويريد ان يختطف بندقية الجيش، الجيش مؤسسة تابعة للدولة فكيف يملكها حزب؟ لا سيما ان هذا الحزب نفسه هو من صنع الجيوش الموازية لعدم ثقته في القوات المسلحة.
رؤية اليوم التالي هي وعد من لا يملك لمن لا يستحق، ان اليوم التالي هو يوم لوقف وانهاء الحرب وعودة الناس لبيوتهم التي اخرجوا منها بغير وجه حق وتقصير ظل الفضاء العسكري وعودة الفضاء المدني، ان امتطاء ظهر الجيش من قبل الاسلاميين سيعني انتاج الازمة التي ادخلت الجيش في الحرب وقامت على اساس تعددية الجيوش، المؤتمر الوطني حزب مفلس خالي الوفاض من فكرة جديدة او فقه سياسي رصين وهو (يلوك ويصقع الجرة) فهو عاجز سياسياً وعديم الخيال والابتكار إلا من الحلم بالسيطرة على بندقية الجيش التي ادخلت البشير للسجن، واذا عدتم عادت الثورة وعاد السجن.

٨ مارس ٢٠٢٥ وكل نساء السودان ونساء العالم بخير
والثورة والنساء أبقى من الحرب  

مقالات مشابهة

  • إذ أراد الجيش انتصار بالخرطوم عليه التصدي بشكل حاسم لظاهرة الشفشفة في المناطق التي يستعيدها
  • عمليات سرقة ونهب لبيوت المواطنيين في المناطق التي حررها الجيش
  • خبير عسكري: المشهد في سوريا يزداد تعقيدًا والتدخلات الخارجية تهدد استقرار المنطقة
  • خبير عسكري: المشهد في سوريا يزداد تعقيدا والتدخلات الخارجية تهدد استقرار المنطقة
  • تجمع قوى تحرير السودان يدعو للاصطفاف خلف الجيش وتعزيز الجبهة الداخلية
  • أمريكا تندد بالمجازر التي حدثت في الساحل السوري
  • المؤتمر الوطني ليس من اصحاب اليوم التالي .. قضية فك الارتباط بين الجيش والإسلاميين
  • أكثر الأدوية المزورة التي يتناولها الملايين
  • الجيش السوري يواصل مطاردة فلول الأسد ويعتقل قائد الدفاع الوطني للنظام السابق
  • الوهم التراكمي: هل الوعي الجمعي محض تكرار بأدوات أكثر تعقيدًا؟