الرسالة لم تلامس قلب أبي جهل
تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT
عيسى الغساني
"وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا".. هذه المقدمة لحقيقة أن الأنسان مثيرٌ للجدل بفكره وسلوكه الذي ينطلق من مستوى الوعي والإدراك الذي تُحرِّكه وتنظِّمه منظومة القيم الإنسانية والأخلاقية الناشئة في حيز مكاني مُحدد، وبمعنى آخر المجتمع وما يُنتجه من ظواهر اجتماعية إيجابية أو سلبية.
هناك من البشر من سطّر اسمه في سجل الخالدين وأصبح أيقونة بفكره وسلوكه، وشكّل نموذجًا إنسانيًا رفيعًا يُقتدى به، فكل الأمم والشعوب عبر تاريخها لديها شخصيات حفرت ذكراها في القلوب والعقول من نور يشع بجلال ضيائه على الروح والعقل، وهناك من بقي في ذاكرة أمته والبشرية بسوء فهمه وقلة وعيه وتموضعه في الجانب الخاطئ من المُثًل والقيم الإنسانية الرفيعة.
كُل الرسالات السماوية حملت قيمًا إنسانية وخاطبت الضمير والوجدان البشري سعيًا لبناء ضمير جمعي يتأسس على قيم الكرامة الإنسانية "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ"، والرسالة المُحمّدية الخالدة رسالة المحبة والسلام والخير للبشرية جمعاء، رسالة الرحمة "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ".. نعم هي رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، رسالة تحرِم الظُلم والعدوان بكل صورة وأشكاله أيًا كان المسوِّغ "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ".
تلك الرسالة عبرت وتعبر وسوف تعبر حاجز الزمن والمكان؛ لأنها في بذورها البقاء والنمو والديمومة؛ فهي تُلامس قلب الإنسان السَوِيْ صاحب الروح الصافية والعقل الواعي والمتجرد من قيود المادة الآنية.
لكن إذا كان هذا واقع الحال لهذه الفكرة الخالدة، فلماذا لما تُلامس الرسالة قلب أبي جهل؟ الجواب أنه قبل أبي جهل، كان هناك النمرود وهامان اللذان أعماهما وأفسد روحهما ما تحت أيديهما من طبيات ومال؛ حيث قادهما العقل الضال ليعتقدا أنهما أعلى وأسمى من الآخرين، فأنكرا وتنكّرا وحاربا قيم العدل والخير خوفًا على مكاسب مادية تجاوزها الزمن، فلا خلود إلّا للحقيقة والحق. أما أبو جهل فخوفًا على مكتسباته امتطى جواد الجهل والطغيان، قصورًا وظنًّا منه أنه يستطيع مقاومة الحقيقة الأزلية وأنه يستطيع أن يُطفئ نور الحقيقة، وهذا ما عجز عنه ويعجز عنه كل من خالف الفطرة فكرًا وسلوكًا، والتاريخ يُعيد نفسه، ومن تلك الشاكلة عبر عصور الزمن من أسقطته عدالة السماء.
طوبى لقلوبٍ وعقولٍ أنارت رسالة الحق قلوبَهُم، ووزنت عقولَهُم بميزان العدل، وطهرت قلوبهم من شوائب أسقام العقول.
وعلى الهادي محمد أزكى الصلوات والسلام في ذكرى مولده الخالدة، التي كلما حضرت، استحضرت السلام والمحبة للإنسان أينما كان.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
بين الوهم والحقيقة … نحزن ونفرح لما ليس ملكنا ؟؟
بقلم الخبير المهندس حيدر عبدالجبار البطاط ..
إن حياتنا على هذا الكوكب ليست سوى ومضة عابرة في الزمن الكوني الممتد عبر مليارات السنين.
ورغم هذه الحقيقة نجد أنفسنا غارقين في أحزان وأفراح تجاه أمور لا نملكها حقاً
وكأننا نعيش تحت وطأة وهم السيطرة على العالم من حولنا.
الحياة التي نحياها على قصر مدتها تختزلها عقولنا في مشاعر لحظية ترتبط بأشياء زائلة.
نتألم لفقد ممتلكات أو علاقات أو فرص ونبتهج بامتلاك ما قد نفقده غداً.
في النهاية ندرك أننا لم نكن نملك شيئاً منذ البداية وأن كل ما مررنا به كان مجرد ظلال لأفكار ومشاعر
وليست الحقيقة ذاتها.
رحلة قصيرة في عمر الكون
عمر الإنسان بالنسبة للكون لا يتعدى لحظة واحدة أقل حتى من أجزاء من الثانية إذا ما قسناها بمقياس الزمن الكوني.
لكننا مع ذلك نعيش وكأن هذه اللحظة هي كل شيء ونستنزف طاقة أرواحنا الكبيرة في ملاحقة أهداف لا تدوم.
هذا التعقيد المذهل في تصميم أجسادنا وعقولنا
والطاقة الهائلة التي تحملها أرواحنا
لا يمكن أن تكون قد وُجدت لتُستهلك في حياة عابرة مليئة بالانشغال بأوهام الملكية والسيطرة !!؟؟
قصة النار والعبرة الكبرى
تصور هذه القصة مشهداً مألوفاً
اندلع حريق في منزل، ووقف صاحبه يشاهد النيران تلتهمه وهو يذرف الدموع بحرقة.
فجأة اقترب منه أحد المارة ليخبره أن المنزل لم يعد ملكه، فقد باعه بالأمس.
عند سماع ذلك تبدل حزن الرجل إلى حالة من اللامبالاة وكأنه تحرر من الألم !!
لكن عندما جاء آخر وأخبره أن الصفقة لم تكتمل عاد الرجل إلى البكاء وكأن العالم انتهى بالنسبة له.
وفي النهاية حين طمأنه ابنه بأن الصفقة قد تمت بالفعل تحولت مشاعر الأب من الحزن العميق إلى السعادة ؟؟
هذه القصة تفتح الباب للتأمل في طبيعتنا البشرية.
كيف يمكن أن تتبدل مشاعرنا بشكل جذري بناءً على ما نؤمن أنه حقيقة في اللحظة.
العبثية في الحزن والفرح
عندما نحزن أو نفرح لأمر ما فإننا غالباً لا ننظر إلى الصورة الكاملة.
نحن نتعلق بأشياء نعتقد أنها لنا
بينما الحقيقة أنها عابرة مثلنا تماماً.
المنزل الذي نبكي عليه الثروة التي نخسرها أو حتى العلاقات التي نتمسك بها
كلها ليست أكثر من محطات مؤقتة في مسارنا.
هل من المنطقي أن ننفق طاقة أرواحنا على أشياء
ليست خالدة مثلنا ؟؟
هل يعقل أن نحمل هذا الكم من التعقيد في عقولنا لنستهلكه في معارك على ما ليس لنا حقاً ؟؟
دعوة لإعادة برمجة التفكير
الوعي بحقيقة أن حياتنا قصيرة جداً مقارنة بعمر الكون يدعونا إلى إعادة النظر في طريقة تفكيرنا.
علينا أن ندرك أن وجودنا هنا ليس مجرد صدفة عابرة
وأن طاقة الروح التي نحملها أكبر من أن تُهدر في الغرق في عواطف تتعلق بأشياء زائلة ؟
الروح خالدة هذا موكد !
نحن أكثر من لحظة عابرة
إن أعظم التناقضات التي نعيشها هي أننا نملك أرواحاً قادرة على إدراك الأبدية ومع ذلك نحصر أنفسنا في لحظات قصيرة من الزمن.
هذه الحياة بكل قصرها ليست عبثية لكنها أيضاً ليست مبرراً لأن نستهلكها في وهم الملكية والسيطرة.
نحن هنا لنتجاوز الزمن لنعبر عن الروح التي تسكننا ولنعيش بوعي يجعلنا ندرك أن الحقيقة ليست فيما نملك بل في ما نكون.
فلماذا نحزن ونفرح … على تخيلات لحظية
حيدر عبد الجبار البطاط