جريدة الرؤية العمانية:
2024-11-07@12:39:24 GMT

الرسالة لم تلامس قلب أبي جهل

تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT

الرسالة لم تلامس قلب أبي جهل

عيسى الغساني

"وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا".. هذه المقدمة لحقيقة أن الأنسان مثيرٌ للجدل بفكره وسلوكه الذي ينطلق من مستوى الوعي والإدراك الذي تُحرِّكه وتنظِّمه منظومة القيم الإنسانية والأخلاقية الناشئة في حيز مكاني مُحدد، وبمعنى آخر المجتمع وما يُنتجه من ظواهر اجتماعية إيجابية أو سلبية.

هناك من البشر من سطّر اسمه في سجل الخالدين وأصبح أيقونة بفكره وسلوكه، وشكّل نموذجًا إنسانيًا رفيعًا يُقتدى به، فكل الأمم والشعوب عبر تاريخها لديها شخصيات حفرت ذكراها في القلوب والعقول من نور يشع بجلال ضيائه على الروح والعقل، وهناك من بقي في ذاكرة أمته والبشرية بسوء فهمه وقلة وعيه وتموضعه في الجانب الخاطئ من المُثًل والقيم الإنسانية الرفيعة.

كُل الرسالات السماوية حملت قيمًا إنسانية وخاطبت الضمير والوجدان البشري سعيًا لبناء ضمير جمعي يتأسس على قيم الكرامة الإنسانية "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ"، والرسالة المُحمّدية الخالدة رسالة المحبة والسلام والخير للبشرية جمعاء، رسالة الرحمة "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ".. نعم هي رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، رسالة تحرِم الظُلم والعدوان بكل صورة وأشكاله أيًا كان المسوِّغ "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ".

تلك الرسالة عبرت وتعبر وسوف تعبر حاجز الزمن والمكان؛ لأنها في بذورها البقاء والنمو والديمومة؛ فهي تُلامس قلب الإنسان السَوِيْ صاحب الروح الصافية والعقل الواعي والمتجرد من قيود المادة الآنية.

لكن إذا كان هذا واقع الحال لهذه الفكرة الخالدة، فلماذا لما تُلامس الرسالة قلب أبي جهل؟ الجواب أنه قبل أبي جهل، كان هناك النمرود وهامان اللذان أعماهما وأفسد روحهما ما تحت أيديهما من طبيات ومال؛ حيث قادهما العقل الضال ليعتقدا أنهما أعلى وأسمى من الآخرين، فأنكرا وتنكّرا وحاربا قيم العدل والخير خوفًا على مكاسب مادية تجاوزها الزمن، فلا خلود إلّا للحقيقة والحق. أما أبو جهل فخوفًا على مكتسباته امتطى جواد الجهل والطغيان، قصورًا وظنًّا منه أنه يستطيع مقاومة الحقيقة الأزلية وأنه يستطيع أن يُطفئ نور الحقيقة، وهذا ما عجز عنه ويعجز عنه كل من خالف الفطرة فكرًا وسلوكًا، والتاريخ يُعيد نفسه، ومن تلك الشاكلة عبر عصور الزمن من أسقطته عدالة السماء.

طوبى لقلوبٍ وعقولٍ أنارت رسالة الحق قلوبَهُم، ووزنت عقولَهُم بميزان العدل، وطهرت قلوبهم من شوائب أسقام العقول.

وعلى الهادي محمد أزكى الصلوات والسلام في ذكرى مولده الخالدة، التي كلما حضرت، استحضرت السلام والمحبة للإنسان أينما كان.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

في ذاكرة القلب: رحلة في حنايا المشاعر المختبئة

لطالما كان الحب أحد أسرار الحياة الأكثر تعقيدًا وجمالاً، سرٌّ نحاول الإمساك به، والاحتفاظ به وكأننا نخشى أن يسلبه منا الزمن، فكيف نحميه؟ وكيف نستمر في حمايته من قسوة الأيام وأطماع الغرباء؟ هذا السؤال القديم الجديد يعيد تشكيل نفسه في كل قصة حب، وكأنه تَحدٍّ دائم بين الإنسان والزمن. ربما يكون الحل في إهمال مقصود، إهمال لا يطفئ نيران الحب بل يواريها عن الأنظار، يخبئها في زاوية مهملة من ذاكرة القلب، هناك، حيث لا تطالها أعين اللصوص، ولا تصل إليها يد الزمن العابثة.

في حياتنا اليومية، نلتقي بالكثيرين ممن يمرّون أمام أعيننا ويتركون أثرًا مختلفًا فينا، بعضهم يختفي دون أن يترك خلفه شيئاً يُذكر، والبعض الآخر يرسخ في ذاكرتنا كعلامة فارقة، وكأنهم لمسات فنية صغيرة تستقر في أعماق الذاكرة. هؤلاء لا يسهل نسيانهم، بل نخفيهم بعناية في زوايا القلب كي لا يفقدوا بريقهم. كما لو أننا نخبئ صورة قديمة عزيزة، نخشى أن يبهتها الزمن إن أخرجناها للعيان كثيرًا، لذلك نتركها بعناية وسط زحام الذكريات الأخرى، تظل كما هي دون أن تتعرض لندوب الحاضر أو عوالق الأيام.

الأمر يشبه معادلة صعبة، معادلة تحمي ما هو ثمين دون أن تُظهره. هذا الإخفاء، وإن بدا للبعض خيانة لجوهر الحب، هو في الحقيقة أكبر تعبير عن الوفاء، كأنك تزرع من تحب في عمق الذاكرة حيث لا تصل إليه عواصف الأيام. فالقلوب قد تتغير، وقد تُنسى بعض الأسماء، لكن هناك من يُحفرون بعمق، من يستوطنون الزوايا الأكثر هدوءاً وخفاءً، حيث لا تنال منهم الأيام ولا تفلح رياح النسيان في محوهم.

ولعلنا نستذكر بعض القصص الواقعية التي تشهد على هذا النوع من الإهمال العاطفي المقصود، تلك القصص التي نجدها في التاريخ والأدب، حيث نجد أشخاصًا اختاروا أن يبقوا في الظل، أن يحتفظوا بمن يحبون بعيدًا عن ضوء الشهرة والأعين الفضولية، وليبقوا في مأمن من متاهات الزمن وغبار الحياة اليومية. هذا الإهمال العاطفي كان الطريقة المثلى للاحتفاظ بما  وبمن هو ثمين، بعيدًا عن أعين الحاسدين أو شتات الأيام.

لكن أحياناً نشعر برغبة ملحة في أن نبوح بحبنا للعالم، نريد أن نشاركهم مشاعرنا لعلها تمنحنا شعورًا بالأمان، وفي الوقت نفسه ندرك أن هذا التباهي قد يكون سيفًا ذا حدين. فحين يُعرض الحب على الملأ، يُصبح هدفًا للتفسيرات وسوء الفهم، وقد يتعرض للعوامل الخارجية التي تفسده وتحوله من حب خالص إلى صورة مشوهة. لهذا يفضل كثيرون أن يحتفظوا بذكرياتهم عميقة في ثنايا أرواحهم، في في مكان لا يصل إليه سوى هم، حيث تبقى الذكرى طازجة ونقية، وكأن الزمن قد توقف عندها.

ولعلَّ هذا النهج في التعامل مع الحب يعكس نوعًا من الحكمة العاطفية. يقولون إن القلب يشبه الصندوق السري، حيث لا يُدخل فيه إلا ما هو جدير بالبقاء. هذه الذاكرة الخاصة تتيح لنا الاحتفاظ بتلك اللحظات الجميلة بعيدًا عن عثرات الحياة، عن تقلبات المشاعر وحتى عن أنفسنا عندما نقرر أحيانًا أن ننساها.

إن البثاء في “ثغرات الذاكرة” يصبح، عند بعض الناس، الوسيلة المثلى للعيش بسلام مع الأحبة الغائبين، مع الذين رحلوا، أو مع الذين يفضلون البقاء بعيدًا عن ساحة الحياة اليومية.

وليس الهدف من هذا الإهمال قتل الذكرى أو إخماد شعلتها، بل على العكس، هو طريقة للحفاظ عليها. ففي زوايا القلب، حيث لا يصل ضوء الشمس ولا يعبرها سوى القليل، تظل الذكرى حيّة ونقية. هناك حيث لا يجرؤ لصوص الزمن على الاقتراب، ولا يصل أي تفسد خارجي، بل يبقى الحب كما هو، كالوردة التي تحتفظ برائحتها العذبة دون أن تتعرض لظروف الهواء والرياح.

نعم.. ربما نحتاج جميعًا إلى مثل هذا الإهمال المقصود في حياتنا، أن نتعلم كيف نخفي أحبائنا في زوايا قلوبنا، أن نبقيهم بعيدين عن ضوضاء العالم وصخبه، فنحميهم من خطر النسيان، ونعطيهم فرصة للبقاء أبديين، خالدين. فكما أن هناك حُبًا يظهر ويُعلن على الملأ، هناك أيضًا حُب يُحجب ويُخبأ، لكنه مع ذلك لا يقل جمالًا أو صدقًا، بل ربما يفوقهما قوة ونقاءً.

المقال نقلا من موقع  ميدار.نت

مقالات مشابهة

  • حرب الشرق الأوسط تُلغي معرضاً استثنائياً حول المدينة الخالدة في باريس
  • بائع السميت.. قصة تركية تتحدى الزمن
  • منال الشرقاوي تكتب: عندما يتحول الزمن إلى لغز في عالم الأفلام
  • أمير قطر يهنئ الرئيس تبون
  • مرتبات المدارس الخاصة خارج الزمن
  • دراسة طبية حديثة تكشف عن لغز طول عمر "الفئران الخالدة"
  • رسالة مجمعة من 50 دولة تطالب مجلس الأمن والأمم المتحدة بوقف بيع أو نقل الأسلحة إلى إسرائيل
  • في ذاكرة القلب: رحلة في حنايا المشاعر المختبئة
  • فيلم هنا.. رحلة في الزمان عبر زاوية واحدة
  • بصورة من الزمن الجميل.. عمر حسن يوسف يودع والده