ما وراء الغياب… دراسة في شعر توفيق أحمد للباحث محمد شريف سلمون
تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT
دمشق-سانا
دراسة انطباعية بعنوان “ما وراء الغياب” للباحث محمد شريف سلمون تناول فيها ظاهرة الغياب وتجليات تلك الظاهرة في المنجز الأدبي السوري، وتحديداً بغياب الفواعل الشعرية في مجموعة “أكسر الوقت وأمشي” للشاعر توفيق أحمد، وذلك عبر قراءة انطباعية عبر فيها سلمون عما يراه في المجموعة وفق ما يرمي إليه.
وقبل أن يتناول ما يرمي إليه في شعر توفيق أحمد رجع سلمون في بحثه إلى عدد من النقاد وأصحاب المصطلحات، فكتب عن الفواعل السردية وفق ما تناوله الدكتور يادكار الشرزوري في شعر محمود درويش وغيره من باحثين نقاد وصولاً إلى ما رمى إليه في دراسته عن الشاعر أحمد.
وفي قراءة ظاهرة غياب الفاعل الشعري عند الشاعر توفيق أحمد محاولة للخروج من ظاهرة التقليد بحسب سلمون الذي سلط الضوء على دراسة هذه الظاهرة عند غيره، ولا سيما في شعر محمود درويش، مبيناً أن عند الشاعر أحمد ظواهر فكرية ومعرفية وثقافية مختلفة ومميزة.
ورأى سلمون أنه في دراسة “أكسر الوقت وأمشي” للشاعر أحمد لم يتكئ على منهج من المناهج النقدية السائدة، معتمداً التفكيك وأهميته وارتباطه بوعي المجتمع والفرد وتوضيحه كثيراً من الدراسات التي جاءت دراسته على طريقها.
وأشار الباحث سلمون إلى أن هذه الدراسات المتكررة تدور في فلك واحد وتعتمد من سبقها من دون تجديد، فهي تكرس القديم فظاهرة الحضور والغياب باتت من المستسهل في التناول في النقد الأدبي، مبيناً ما ورد عند الجاحظ في كتابه البيان والتبيين وغيره.
وقرأ سلمون في السياق عينه عدداً من نصوص “أكسر الوقت وأمشي: نظراً لوجود الصياغة الحقيقية والصورة الفنية، وامتلك ناصية الشعر ووقف عند أهم الفواعل الشعرية التي تضمنتها تلك النصوص حضوراً وغياباً وتأثيرات ما جاءت به هاتان الظاهرتان، مبيناً أن الشاعر اختار عنوان “أكسر الوقت وأمشي” لما يحمل معناه من معنى للقصائد.
واستعرض سلمون مؤثرات القرية والمدينة والمرأة والطبيعة في مكونات الشعر عند توفيق أحمد مستشهداً بالمفردات والدلالات الإيجابية والسلبية وما توصل إليه من انطباع وقناعات غالباً ما قدم خلالها اجتهاده وقناعاته الخاصة.
ولفت سلمون في ختام دراسته إلى أن محاولة القراءة والتأويل للنص الأدبي الإبداعي – الشعري – أمر يتطلب المجازفة، فقد لا يكون ما تناوله وقام بتأويله محط قبول، وقد يلاقي ما سيلاقيه من الرفض، وما رآه في نصوص أحمد قد يترتب عليه احتمالية الإصابة في مكان أو الخطأ في أماكن أخرى.
يذكر أن الشاعر توفيق أحمد كتب الشعر بأشكاله، الشطرين والتفعيلة والنثر استجابةً لانفعاله الوجداني الذي يعتبر من أهم المقومات المكونة للموهبة الشعرية دون أن يخرج من حالة الوطن والمجتمع العربي الأصيل والإنسان ودون مساومة أو تفاوض مع مغتصب أو محتل، خلافاً لبعض أسماء الواردين في المجموعة الذين اعتمدوا الجانب السياسي والتطبيع، كما ورد في كتاب رموز تحت الرحى الصادر عن اتحاد الكتاب العرب.
وتوفيق أحمد نائب رئيس اتحاد الكتاب العرب في سورية ورئيس تحرير جريدة الأسبوع الأدبي، وشغل العديد من المناصب الثقافية منها المدير العام للهيئة العامة السورية للكتاب، ومدير الإذاعات السورية ومدير التلفزيون السوري وغيرها، وله العديد من المؤلفات الشعرية، منها نشيد لم يكتمل وحرير للفضاء العاري وغيرهما.
محمد خالد الخضر
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
كلمات دلالية: توفیق أحمد فی شعر
إقرأ أيضاً:
السودان.. الحرب المنسية وخطر الغياب الدولي
المشهد الذي يعيشه السودان مؤسف جدا، ثلاث سنوات من حرب مدمرة حولت الحرب السودان إلى ساحة ترتكب فيها أبشع الكوارث الإنسانية في العالم دون أن يرى ذلك أحد.
وما بدأ أنه صراع على السلطة بين الجيش الحكومي وقوات الدعم السريع تحوّل بسرعة إلى حرب مفتوحة ضد المدنيين، وأنتج مآسي جماعية مزقت النسيج الاجتماعي السوداني وحولت البلد المتقدم في الكثير من المجالات والذي يملك ثروات طبيعية وغذائية كبيرة إلى بلد يعيش في مجاعة فظيعة.
أرقام الكارثة تروي القصة بمرارتها: عشرات الآلاف من القتلى، مئات الآلاف يواجهون الجوع الكارثي، وملايين أجبروا على الفرار من ديارهم. فيما البنية التحتية، التي كانت أصلا هشة، تهاوت تحت وطأة المعارك المستمرة، وسط غياب أي أفق لحل سياسي حقيقي.
ورغم خطورة المشهد، تبدو استجابة المجتمع الدولي خجولة ومجزأة. النداءات الإنسانية لا تجد تمويلا كافيا، والمؤتمرات الدبلوماسية لا تتجاوز حدود البيانات الرمزية. في غضون ذلك، تتسع مأساة دارفور مجددا، ويُهدد الانقسام الجغرافي والعسكري بخطر تقسيم السودان إلى كيانات متناحرة، مع احتمالات صعود تيارات متطرفة من بين إنقاذ الصراع.
وما يزيد المشهد تعقيدا أن بعض الأطراف الإقليمية لا تكتفي بالمراقبة، بل تساهم بشكل أو بآخر في إذكاء الصراع، إما بدعم مباشر للأطراف المتحاربة، أو بصمت يحفز الاستمرار. وفي ظل هذه التدخلات، تقل فرص الحل السلمي، وتتراجع أولويات إنقاذ السودان من حافة الانهيار الشامل.
لا يمكن تصور حل عسكري لهذا الصراع. بل إن الإصرار على الحسم بالقوة يعمّق النزيف ويدمر القليل المتبقي من مقومات الدولة السودانية. المطلوب اليوم تحرك دولي جاد، لا يقتصر على الدعم الإنساني بل يشمل أيضا، فرض مسار سياسي واضح يربط بين إنهاء الحرب وحماية المدنيين، وتوفير ضمانات لانتقال سياسي حقيقي لا يُقصي أحدا ولا يعيد إنتاج الاستبداد مرة أخرى.
كما أن على القوى الإقليمية، وخاصة الدول العربية والأفريقية، مسؤولية مضاعفة للعمل على تهدئة الصراع ودعم مبادرات حقيقية للحوار الوطني الشامل. فالخراب في السودان لن يقف عند حدوده الجغرافية؛ بل ستمتد تداعياته إلى دول الجوار، كما أن موجات النزوح والجوع ستشكّل تحديا إقليميا متصاعدا.
إن صمود السودانيين رغم المأساة، عبر مبادرات محلية لإغاثة المنكوبين وإعادة بناء الحياة اليومية تحت القصف، يستحق دعما سياسيا وإنسانيا أوسع.
ذلك أن استمرار الحرب بصورتها الحالية لا يهدد السودان وحده، بل يمثل جرحا مفتوحا في ضمير الإنسانية جمعاء، وسؤالا حرجا عن مصداقية النظام الدولي في حماية الشعوب الضعيفة وقت المحن.
السودان لا يحتاج إلى بيانات تضامن عابرة، بل إلى خطة إنقاذ متكاملة تضع إنهاء الحرب وإعادة بناء السلام أولوية إنسانية لا تحتمل مزيدا من التأجيل.