محاطة بالسيئين والنجاح معهم أراه مستحيل
تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT
تحية طيبة للجميع، وطاب يومكم، سيدتي، مؤلم جدا أن يرى أيا منا أحلمها ترحل أمام عينيه الواحدة تلوى الأخرى. خاصة بعد أن يكون قد بلغ أشواطا في تحقيقها، فانا فتاة في العشرينات من عمري. كافحت ونجحت في الدراسة بتفوق وتحصلت على شهادة عليا، بالإضافات إلى تربصات أخرى عديدة. تتناسب مع تخصصي، لكن للأسف كلما وجدت عملا لا امكث فيه كثيرا، ففي كل تجربة أصادف في طريقي أناس يتميزون بالمكر والحيلة.
سيدتي انا حقا أعيش ضغطا نفسيا لا أجد الكلمات لوصفه، وحتى اعثر على السلام انسحب رافعة الراية البيضاء. متخلية عن حلم التألق والنجاح، لكن إلى متى..؟ فالعمر يتقدم، الفرص تذهب، انصحوني ماذا أفعل؟
صوريا من الوسط
الــرد:
تحية جميلة لقلبك الطيب، ولك متابعي هذا المنبر، أتمنى أن نرد عليك بما يفيدك ونستفيد جميعا بإذن الله. أنت لم تقدمي تفاصيل كثيرة عن الأسباب التي كانت وراء انسحابك من كل تجربة عمل جديدة. لكن مهما كانت تلك الأسباب فهذا يعتبر استسلاما وليس بحثا عن السلام.
أعجبني كثيرا رقيك ومعدنك النفيس الذي يمنعك أن تكوني سيئة مثلهم، وهذا دليل على انك تتمتعين بحكمة كبيرة. فلست أدري كيف كنت تنسحبين في كل مرة، أختي الفاضلة.اجعلي لك هدفا في الحياة وركزي فقط على كيفية تحقيقه، أختي الفاضل، ببساطة عاملي الناس ومهما كانوا. بمثل ما تحبين أن يعاملونك أنت، وضعي بالحسبان أنه في الحياة كما تدين تُدان.
سواء في الخير أو الشر، فلو أن كل شخص قابل الإساءة بالإساءة لصار يحكمنا قانون الغاب. لكننا بشر والله أعطانا عقلا نفكر بيه، وقلبا هو موطن الرحمة، فالإساءة بالإساءة لن ترشد الناس طريق الفلاح. والإحسان مقابل الإساءة تصرف تأكدي أنه سيريحك ويلهمك راحة البال. لهذا أنصحك أختي أن لا تفكري أبدا بطريقة ماكرة، فأنت لست أهلا لها على ما يبدو، وحاولي أن تهدئي من روعك. ولا تسمحي لشرهم أن يشعل فتيل الحقد ويثير غضبك ويؤثر على تعاملك مع الآخرين، فكلنا نعاني من أشخاص سيئين في حياتنا، وما علينا سوى أن نعاملهم بذكاء وفطنة.
ولا تقولي أنك فشلت في اختيار الطريق، أنت اخترتي تخصصك واجتهدت فيه، لذا ركزي على السير قدما. لان مشكلتك ليس الطريق الذي اخترته وإنما طريقة تعاملك مع الأشخاص. التي يجب أن تراجعي فها حساباتك فقط، عزيزتي الحياة معكرة لابد خوضها بذكاء فقط، والله ولي التوفيق.
إضغط على الصورة لتحميل تطبيق النهار للإطلاع على كل الآخبار على البلاي ستور
المصدر: النهار أونلاين
إقرأ أيضاً:
الحياة لمن عاشها بعقل.. خمسٌ تؤدي إلى خمسٍ
سلطان بن ناصر القاسمي
الحياة ليست مجرد أيام تمضي ولا أحداث تتكرر؛ بل هي كتاب مفتوح يخط فيه كل إنسان قصته الخاصة، وفي "كتاب الحياة"- إن جاز التعبير- تأتي الخيارات مثل مفترقات الطرق، بعضها يضيء الدرب ويقود إلى النماء والسعادة، وبعضها ينحدر إلى ما يطفئ البصيرة ويثقل القلب بالندم.
وبين هذه الطرق، تظهر لنا تلك الخمس التي تؤدي إلى خمس أخرى، كأنَّها معادلات الحياة الدقيقة التي يجب أن نتعامل معها بحكمة ووعي. فكما أنَّ العين ترى وتفتح أبوابًا للفرح أو الحزن، فإنَّ الطمع يقود إلى الندم، والقناعة تحمل بين طياتها الراحة والرضا، وكثرة السفر تضيف إلى رصيد المعرفة، والجدل الذي لا يُحسن ضبطه قد ينتهي بالخصام.
إنَّ فهم هذه الخمس ليس مجرد ترف فكري؛ بل هو البوصلة التي تساعدنا على الإبحار في أمواج الحياة المتلاطمة. ولأن الحياة لا تُعاد، فإن استيعاب ما قد تقودنا إليه هذه الخيارات يُعد واحدًا من أعظم أشكال الحكمة التي يُمكن أن يتحلى بها الإنسان. ومن هنا، تصبح هذه الخمس علامات مضيئة، تُرشدنا إلى كيفية العيش بعقل وإدراك، بعيدًا عن التشتت والغفلة. فالحياة تُمنح لنا مرة واحدة، وما نفعله بها هو ما يُحدد قيمتنا ومعناها. فلننطلق في رحلة تأمل هذه الخمس وتأثيراتها، لنفهم كيف يمكن أن نصنع من حياتنا لوحة متقنة مليئة بالألوان البراقة.
أولًا: العين تؤدي إلى التأثير.. إن العين هي نافذة الروح وأداة الإدراك الأولى، وما تراه يمكن أن يبني أو يهدم. فعندما تُستخدم العين بحكمة لتأمل الجمال ونعم الله، فإنها تؤدي إلى شكر النعمة وتعميق الإيمان؛ حيث يصبح الإنسان أكثر تقديرًا لما يمتلكه. كما أن النظر إلى خلق الله بتأمل يعمق الفهم، إذ يقول الله تعالى: "أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ" (الغاشية: 17). وعلى النقيض، إذا تُركت العين بلا رقابة، فإنها قد تنجرف نحو المحرمات، مما يؤدي إلى عواقب وخيمة مثل الزنا أو الحسد. بالإضافة إلى ذلك، العين قد تتسبب في الفرح المفرط الذي يُضر بالآخرين عندما تظهر النعم أمام من يفتقر إليها. لذا، فإن غض البصر عن المحرمات ورؤية الخير بعين الرضا هو السبيل الأمثل لجعل العين وسيلة لبناء حياة مليئة بالطهارة والسكينة. وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "غض البصر يحفظ القلب".
ثانيًا: الطمع يؤدي إلى الندم؛ حيث إنَّ الطمع هو آفة النفس التي تدفع الإنسان للسعي المستمر وراء المزيد دون أن يشعر بالرضا. ومن يسيطر عليه الطمع يجد نفسه عالقًا في سباق لا ينتهي مع الرغبات، مما يؤدي إلى التعب والخذلان. بالإضافة إلى ذلك، الطمع لا يقتصر على الجوانب المادية فحسب؛ بل قد يمتد ليشمل العلاقات والطموحات غير المبررة، مما يُفسد سلام النفس ويؤثر سلبًا على الروابط الاجتماعية. فالطمع يُزيل البركة من الرزق ويزرع الخصومات، ويُشوه العلاقات بين الناس. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو كان لابن آدم واديان من ذهب لأحب أن يكون لهما ثالث" (رواه مسلم). لذا، فإن الرضا بما قسمه الله والتحلي بالقناعة هو السلاح الأقوى ضد الطمع، وهو مفتاح للسلام الداخلي والرضا. وكما يقول المثل: "القناعة كنز لا يفنى".
ثالثًا: القناعة تؤدي إلى الرضا.. إن القناعة هي الجوهرة التي تمنح الإنسان السعادة الحقيقية. فعندما يرضى الإنسان بما لديه، يعيش حياة هادئة مليئة بالطمأنينة؛ حيث يشعر بأنه يمتلك كل ما يحتاجه بغض النظر عن كميته. كذلك القناعة تجعل الإنسان يركز على ما يملك بدلًا من أن يحزن على ما ينقصه. والأهم من ذلك، أنها تزيد من حب الناس لمن يتحلى بها؛ حيث يصبح شخصية محبوبة بعيدة عن التنافس والحسد. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس"؛ فالقناعة هي مفتاح للسكينة وسبب لنشر المودة بين الناس، وهي قيمة أساسية لتحقيق الرضا النفسي والتوازن. كما أن الرضا هو جنة الدنيا التي يعيش فيها الإنسان بحالة من السلام الداخلي.
رابعًا: كثرة السفر تؤدي إلى المعرفة؛ فالسفر ليس فقط انتقالًا من مكان إلى آخر؛ بل هو مدرسة متنقلة تعلم الإنسان دروسًا لا تُقدر بثمن. فعندما يسافر الإنسان، يتعرض لثقافات مختلفة وتجارب متنوعة توسع أفقه وتزيد من إدراكه للعالم من حوله. كذلك السفر يعزز من مرونة التفكير؛ حيث يواجه الإنسان طرقًا جديدة للتفكير والحياة. كما أنه يُضيف لرصيد الإنسان خبرات حياتية تُعمق من فهمه لذاته وللآخرين. علاوة على ذلك، السفر يُسهم في تنمية الذكاء الاجتماعي من خلال التفاعل مع الآخرين وتعلم لغاتهم وثقافاتهم. يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ" (العنكبوت: 20). ويقول المثل: "في السفر سبع فوائد"، ومن أبرزها المعرفة التي تُنير العقول وتُثري الأرواح، وتمنح الإنسان مرونة نفسية تجعله أكثر تقبلًا للتغيرات.
خامسًا: الجدل يؤدي إلى الخصام، وهو أخطر النتائج التي يمكن أن تترتب على حوارات غير مدروسة. فعندما يتحول النقاش إلى جدل عقيم، فإنه يُفسد العلاقات ويزرع مشاعر الكراهية والغضب بين الأطراف. والخصام الناتج عن الجدل قد يتطور إلى فجور وعداوة، وهو ما ينهى عنه الإسلام بشدة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا" (رواه أبو داود). إضافة إلى ذلك، الجدل المستمر يستهلك طاقة الإنسان العقلية والنفسية، ويُفقده التركيز على الأمور الأكثر أهمية. لذلك، فإن السعي للحوار البناء وتجنب الجدال العقيم هو المفتاح للحفاظ على العلاقات الاجتماعية وتحقيق السلام الداخلي. كما أمرنا الله تعالى: "وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" (النحل: 125).
وفي الختام.. تتجلى الحكمة في كيفية إدارة هذه المسارات الخمس؛ إذ إننا عندما نختار أن نعيش بعقل، نكتشف أن الحياة تصبح أكثر وضوحًا وتوازنًا؛ حيث ندرك أهمية توجيه حواسنا ورغباتنا نحو ما يُرضي الله ويُحقق الخير لنا وللآخرين. فلنحرص على أن نعيش حياتنا بوعي وإدراك، ونستثمر كل لحظة في بناء أنفسنا ومجتمعاتنا، لنحقق التوازن بين أفعالنا ونتائجها، ونزرع في طريقنا ما يُثمر خيرًا وسلامًا.
الحياة لمن عاشها بعقلٍ ليست مجرد رحلة؛ بل هي لوحة فنية تُرسم بالحكمة، وتُلوَّن بالإيمان، وتُكلَّل بالنجاح والسكينة، لتبقى أثرًا خالدًا في قلوب من عاشوا معنا ومن سيأتون بعدنا.