طوفان بشري غير مسبوق في الحديدة بذكرى المولد
تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT
تجلّى الفرح اليماني الأكبر لأبناء حارس البحر الأحمر، بالمشهد المحمدي البديع الذي تميزت به ساحة الاحتفال، إكمالا للفرحة الغامرة بتعظيم هذه المناسبة الدينية العظيمة وإجلالا ليوم مولده الأغر في أبهى صورة إيمانية.
فاضت ساحة الشهيد الصماد بألق الاحتفال وعبق العشق والمحبة للرسول الأعظم التي عبرت عنها الحشود التهامية القادمة من كل حدب وصوب وهي تردد بكل لهفة وشوق أناشيد الحب لأعظم وأقدس مناسبة في تأريخ الأمة.
وتُوّج الحشد التهامي، المشهد الفرائحي بيوم الـ12 من ربيع الأول بالأهازيج الصادحة بالولاء الصادق لسيد الرسل وخاتم الأنبياء، من خلال عناوين جامعة بزهو كاسح للمكان بما حمله المشاركون من رايات ولافتات مرفرفة بيقينهم بالنصر وبما تكتنزه نفوسهم بعمق ارتباطهم الوثيق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ورسم ضيوف رسول الله في الفرح البهيج الذي فاق التوقعات، أيقونة الصمود الأسطوري للشعب اليمني رغم الظروف الصعبة، وتداعيات العدوان والحصار، في رسالة إيمانية يمانية، مفادها بأن اليمنيين هم أهل الإيمان والمدد وعنوان العزة والبأس، والانتصار للعقيدة وللرسول الأكرم والاعتزاز بإحياء يوم مولده.
وعكست الحشود الجماهيرية التي قطعّت مسافات بعيدة من قرى وعزل مديريات المحافظة تلبية لدعوة قائد الثورة، واكتظت بهم الطرق والمداخل الرئيسية على بوابة مدينة الحديدة، صوراً مشرقة عن تجسيد المحبة والولاء والانتماء لرسول الأمة صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.
وعبرت الجموع الغفيرة من أبناء الحديدة الذين دفعهم الشوق والحب لرسول الله، عن الاعتزاز لمشاركتهم الاحتفال بيوم مولد صاحب الخلق العظيم والمقام الكريم وخير داع إلى المنهج القويم.
وأكد أبناء ساحل تهامة، أن الاحتفاء بهذا العرس المحمدي يُتوّج الصمود بأروع صور الولاء الصادق والمحبة الفطرية النابعة من صميم الوجدان لخير الأنام والرحمة المهداة والنعمة المسداة والقدوة المثلى والأسوة الحسنة، إمام الأنبياء، وسيد المرسلين الصادق الأمين خير البرايا أجمعين المبعوث رحمة للعالمين.
واعتبروا الاحتفال بهذه المناسبة الدينية الجليلة، إتماماً للنعمة الإلهية العظيمة التي أنعم بها على البشرية، وترجمة عملية للبهجة التي تزدان بها المحافظات اليمنية الحرة في ذكرى يوم ميلاده عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
كما أكدت الحشود تأييدها للتوجهات الحكيمة لقائد الثورة في التغيير الجذري التي تمثل منطلقاً قوياً يؤسس لمرحلة جديدة تلبي تطلعات الشعب اليمني، وتعزيز الصمود في وجه الأعداء وتحقيق أهداف ثورة الـ21 من سبتمبر.
وفي الحفل الجماهيري الذي حضره نائب رئيس الوزراء لشؤون الخدمات والتنمية الدكتور حسين مقبولي ووزراء المياه والبيئة المهندس عبدالرقيب الشرماني والزراعة والري المهندس عبدالملك الثور وحقوق الإنسان علي الديلمي والدولة الدكتور حميد المزجاجي، وصف محافظ الحديدة محمد عياش قحيم، المشهد اليماني المحمدي في كرنفال الاحتفاء والاحتفال بذكرى يوم مولده الأغر، بصورة لم يسبق لها نظير، وبلوحة إيمانية لأسمى مقام في حضرة الرسول الأعظم.
وقال "إن احتفال اليمنيين بذكرى مولد رسول الله هو امتداد للأنصار الذين فرحوا بالرسول وناصروه، ومحطة دينية وأخلاقية، وعودة للقيم والمبادئ، كما هي رسالة للشعب اليمني بأن يكونوا يداً واحدة في مواجهة الباطل مهما كانت المخاطر".
ولفت قحيم، إلى أن اليمنيين يبعثون بهذه الحشود المحمدية المهيبة، رسالة إلى كل الأعداء بأنهم ماضون بعزم وإيمان وإرادة لا تقهر في مواجهة التحديات، وسيظلون متمسكين بالرسول الأكرم وبالدين ومسيرة الإسلام.
ورحب محافظ الحديدة، بخطاب قائد الثورة بهذه المناسبة، والامتثال لقرارات التغيير الجذري وإصلاح مؤسسات الدولة المركزية والمحلية كضرورة وطنية ومطلباً شعبياً.
وأشار إلى أن الاحتفاء والحشد المشرف في هذه المناسبة يأتي كرد على أعداء الأمة ممن حاولوا طمس هذه الذكرى وسعوا بقوة إلى التشكيك فيها وإفراغها من أهميتها ودورها كنقطة انطلاق لإعادة تجديد الولاء لله ورسوله والاقتداء بأثره والسير على نهجه.
واعتبر المحافظ قحيم، الاحتفاء بذكرى المولد النبوي ثقافة يمانية راسخة لها دلالتها في تعزيز ارتباط الأمة بالنبي الخاتم ورسالته التي خصّه الله بها رحمة وهدى للعالمين، وتجسيداً عملياً لمواجهة حملات التضليل التي تستهدف ذكرى مولد سيد البشرية.
ونوه بتفاعل الحشود الجماهيرية من مديريات المحافظة، لتعبر عن الارتباط الوثيق وهويتها الإيمانية الأصيلة التي خص بها الرسول الكريم أهل اليمن عن غيرهم، حينما قال "الإيمان يمان والحكمة يمانية".
وخاطب الحشود المحتفلة واللجان المنظمة للفعالية بالقول "بوركت الجهود التي بذلت في الإعداد والتحضير والمشاركة التي تليق بمقام الرسول الأعظم"، معتبرا هذه الذكرى مناسبة لتوحيد الأمة حول قائدها ومعلمها ولم شملها تحت راية دين الإسلام.
وشهد الحفل الذي حضره أعضاء من مجلسي النواب والشورى ونائب وزير النقل ووكيل أول المحافظة ووكلاء المحافظة قصيدتان للشاعرين أسد باشا وأحمد عطية وأوبريت ووصلات انشادية متنوعة.
وتميز الحفل الجماهيري بمشاركة عدد من المروحيات التي حلقت في سماء مدينة الحديدة، وعروض بحرية احتفاء بالمناسبة، وقدوم مسيرة راجلة من مديرية باجل سيراً على الأقدام إلى منصة العروض بساحة الشهيد الصماد.
واستمع المشاركون في المسيرة الجماهيرية الحاشدة إلى كلمة قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي.
المصدر: ٢٦ سبتمبر نت
كلمات دلالية: هذه المناسبة
إقرأ أيضاً:
المنافقون.. الوجه الآخر للعدوان على الأمة الإسلامية
يمانيون../
في زمن لم يعد أحرار الأمة يخشون العدو الواضح بقدر ما يعانون من العدو المختبئ خلف ابتسامةٍ كاذبة، وشعارٍ مزيف، ولسانٍ يُقسم بالله ما قال، وهو للباطل ناطقٌ وسفير.
إنهم ليسوا على الحدود، ولا في متارس الخطوط الأمامية لمواجهة عدو الأمة، بل في قلب المجتمع، في صدر المسجد، وعلى منبر الإعلام… يتكلمون بلسان الدين، ويطعنون في خاصرته.
هؤلاء هم المنافقون، العدو الأخطر الذي لا يُشهر سيفًا سوى في ظهر أمتهم، لا يطلق رصاصة في نحر العدو، بل يطلق فتوى، يخذّل، ويثبط، ويزرع اليأس، ويهدم الثقة في نفوس أبناء الأمة.
لقد سلّط القرآن عليهم الضوء لا بوصفهم حالة عابرة، بل كتهديد دائم، لا يغفل لحظة عن الأمة. واليوم، إذ تتكالب قوى الطغيان على فلسطين ولبنان واليمن، يظهر المنافقون من جديد، لا ليقاتلوا، بل ليبرروا للعدو، ويهاجمون المقاومين ومن يدعمهم ويساندهم، يحرفون آيات الله ليشرعنوا طريق الاستسلام.
هذا التقرير محاولة لكشف هذا الوجه الخفي، الوجه الذي يرتدي ألف قناع، ويسير بين الناس بهيئة المصلح، وهو في حقيقته معول هدم، يعمل للعدو بأشد مما يعمل جنوده.
عدو خفي في قلب المجتمع الإسلامي
حين نقرأ القرآن بوعي وتدبر، ندرك أن أخطر تهديد يواجه الأمة لا يأتي دائمًا من الخارج، بل من داخلها، من أولئك الذين يحملون وجوهًا متعددة، ويتقنون فنّ التلون بحسب المصالح، إنهم المنافقون، الذين قال الله فيهم: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلا إِلَى هَؤُلَاءِ} (النساء:143). لا ينتمون انتماءً حقيقيًا للمؤمنين، ولا يجهرون بكفرهم، لكنهم يعيشون على هامش الإيمان، ويتغذون على ضعف الأمة، ويشتغلون لصالح أعدائها.
المنافق ليس شخصية بسيطة أو ساذجة، بل هو لاعب سياسي ومخطط نفسي. يدّعي الإيمان وهو يسخر من آيات الله، ويختبئ خلف الأقنعة. حين يعلو صوت الحق، ينطلق بوقا للباطل، يشكك، يتهكم، يثبط، يبث الشائعات والأراجيف ﴿يُريدونَ لِيُطفِئوا نورَ اللَّهِ بِأَفواهِهِم وَاللَّهُ مُتِمُّ نورِهِ وَلَو كَرِهَ الكافِرونَ﴾ [الصف: ٨]
وحين يُطلب ليتخذ الموقف ضد أعداء الله، يتحجج بأعذار واهية، أو يقدم رؤية دينية مزيفة تشوه النصوص القرآنية. هؤلاء هم من يقولون {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ}، بينما الله يرد عليهم بقوله: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـٰكِن لَا يَشْعُرُونَ} (البقرة:12).
في الواقع المعاصر، يتجلى هذا النموذج في بعض الأصوات الإعلامية والدينية التي تهاجم حركات المقاومة وتصف المجاهدين في فلسطين ولبنان واليمن بأنهم متهورون أو متطرفون. تجدهم على الشاشات يبررون العدوان على غزة بحجة تجنيب المدنيين الضرر، بينما يبرّئون العدو الصهيوني المحتل. يحذرون من رفع شعار الموت لأمريكا، ويعتبرونه خطاب كراهية، بينما هم يروّجون للتطبيع مع من يقتل أبناء الأمة ليل نهار.
المنافقون اليوم يظهرون بثياب الثقافة والإعلام والاعتدال، لكنهم يعملون على تثبيط الهمم، وتحريف وجهة المعركة، وخلخلة الثقة بين أبناء الأمة. إنهم لا يقاتلون مع العدو مباشرة، لكنهم يقاتلون معه بعناوين دينية أو وطنية، ولا يترددون حتى في تفجير أنفسهم في أوساط المسلمين في الأسواق والمساجد وغيرها، ويذبحون حتى الأطفال والنساء، وكل مسلم يواجه اليهود عندهم مشرك يجب قتله. ينخرون عظم الأمة، ويقعدون الناس عن الجهاد، وهذا في حد ذاته أعظم خطر. لذلك أمر الله بعدم القعود معهم حين يُكفر بآياته أو يُستهزأ بها: {فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حتى يخوضوا في حديث غيره إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} (النساء:140).
إن إدراك هذه الحقيقة، والتمييز بين المؤمن والمنافق، لم يعد رفاهية فكرية، بل ضرورة وجودية، لحماية الصف الداخلي للأمة، وتحصينها من الهزيمة النفسية قبل الهزيمة العسكرية.
تحريف آيات الله: سلاح المنافقين لقتل الوعي
من أخطر أسلحة المنافقين في كل زمان ومكان أنهم لا يعلنون حربًا مكشوفة على الدين، بل يأتون من حيث لا يُتوقع، من داخل ساحات الخطاب الديني نفسه، فيستخدمون آيات الله ويقدّمونها في غير سياقها، يُفرغونها من مضمونها، أو يؤولونها بما يخدم مشاريع الاستسلام والتبعية. إنها عملية تزوير ناعمة للوعي، لكنها قاتلة، لأنها تحوّل الدين من مشروع تحرر إلى أداة تخدير، ومن عقيدة مواجهة إلى خطاب تبرير.
وقد تناول الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي في درسه الرمضاني العشرين هذه المسألة الخطيرة، فكشف كيف أن المنافقين في عصرنا يرفعون آيات مثل: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} (البقرة: 256) أو {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ} (الزخرف: 89) أو {وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} (البقرة: 143) ويستخدمونها لتكريس الهزيمة، والترويج للتطبيع، وتحريم المقاومة. وهم بذلك لا يرفضون النصوص، بل يفرغونها من مقاصدها، ويجعلونها غطاءً لمشروعهم النفاقي.
وهذا ما نراه في تصريحات بعض المشايخ الرسميين والإعلاميين المدجَّنين الذين يلومون المقاومين بدل أن يلوموا المحتلين، ويخشون من الأمريكان أكثر من خشية الله، ويدافعون عن مصالح الأنظمة أكثر مما يدافعون عن الدين. وقد تطور نفاقهم لدرجة مهاجمة المقاومة صراحة، و يُضعفون ثقة الناس بها، ويحاصرون خطابها، ويجعلون القرآن نفسه أداةً لتحييد الأمة، وهذا هو الكفر بآيات الله، وتحويرها لصالح الباطل.
وقد حذَّر الله من هذه الفئة بوضوح حين قال: ﴿وَقَد نَزَّلَ عَلَيكُم فِي الكِتابِ أَن إِذا سَمِعتُم آياتِ اللَّهِ يُكفَرُ بِها وَيُستَهزَأُ بِها فَلا تَقعُدوا مَعَهُم حَتّى يَخوضوا في حَديثٍ غَيرِهِ إِنَّكُم إِذًا مِثلُهُم إِنَّ اللَّهَ جامِعُ المُنافِقينَ وَالكافِرينَ في جَهَنَّمَ جَميعًا﴾ (النساء:140)، لأنهم لا يُضعفون إيمانك فحسب، بل يجعلونك مثلهم في الخيانة إن لم تفارقهم بوضوح. والمصيبة الكبرى أن كثيرًا من الناس لا يميّزون بين التفسير الهادف والتأويل المنحرف، فيقعون فريسة لمنافقين يلبسون الحق بالباطل ويُفسدون العقول باسم الدين.
ولذلك فإن معركة المنافقين هي معركة على النصوص، وعلى الوعي الجمعي للأمة، وهي أخطر بكثير من معركة السلاح، لأن من تُهزم نفسه، ويضطرب يقينه، لن يصمد في أي ساحة من ساحات المواجهة.
النفاق الإعلامي والسياسي… وجه جديد للعمالة
في عصرنا هذا اتخذ المنافقون أشكالًا أكثر تنظيمًا وخطورة، عبر مؤسسات إعلامية ومنابر سياسية ومنصات ثقافية تصوغ خطابًا مزدوجًا يخدم أعداء الأمة من حيث لا يشعر الكثيرون. إنه النفاق المنظم، الذي يرتدي عباءة الوطنية حينًا، وثوب العقلانية حينًا آخر، لكنه في جوهره انبطاح وترويج لثقافة الاستسلام، وتسويق للخضوع، وتطبيع مع العدو.
يتحدث السيد حسين بدر الدين الحوثي عن هذا النوع من النفاق، مبرزًا خطورته على الوعي الجماعي للأمة، حيث تتحول الفضائيات والمواقع الإلكترونية، بل حتى بعض المنابر الدينية، إلى أدوات يُعاد عبرها إنتاج الهزيمة، وإطفاء جذوة الجهاد، وتحطيم الثقة بأي مشروع مقاوم. يقول الله تعالى في توصيف المنافقين: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (النساء:141). وهذا التربص الإعلامي والسياسي هو أخطر ما نواجهه، لأنه يقوّض الجبهة الداخلية ويهز كيان الأمة من الداخل.
ولعل أبرز مظاهر هذا النفاق المعاصر تتجلى في التغطيات الإعلامية لبعض القنوات الناطقة بالعربية وبالذات السعودية والاذرع التابعة لها والتي باتت بكل وضوح منحازة للصهاينة وناطقة باسمهم، وفي المؤتمرات السياسية التي تصف المقاومة بالإرهاب، بينما تصف مجازر العدو بأنها حق مشروع لمواجهة إرهابيين. والأخطر من ذلك هو ما نراه من محاولات اختزال القضية الفلسطينية إلى أزمة إنسانية أو نزاع حدودي، بدل أن تُقدَّم باعتبارها قضية إسلامية مركزية تمس عقيدة الأمة وشرفها.
كما يظهر هذا النفاق في تحركات بعض الأنظمة العربية التي تستقبل الصهاينة في عواصمها، وتوقع اتفاقات أمنية واقتصادية معهم، بينما في الوقت ذاته تكمم أفواه الأحرار، وتطارد كل صوت حر يناصر فلسطين أو يهاجم أمريكا. إنه نفاق سياسي لا يمكن تبريره بالسيادة ولا بالمصالح العليا، لأنه في الحقيقة خيانة موصوفة وتولٍّ صريح للكافرين، وهو ما نهى الله عنه بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} (النساء:144).
هذا النوع من النفاق لا يواجه بالقلم فقط، بل بالبصيرة والفضح والتعرية الإعلامية، لأن تركه دون مواجهة يعني أن يصبح صوت الحق نشازًا في زمن الباطل، ويصير الولاء لله تهمة، بينما العمالة تُسوّق على أنها حنكة سياسية، ولذلك من المهم أن يهتم الأحرار من أبناء الأمة بتطوير أنفسهم وتعزيز علاقتهم بالله والثقة به والانفتاح على كتاب الله واستيعاب آياته التي هي حقائق خصوصا تلك التي تتحدث عن وعود الله للمؤمنين المستقيمين بالنصر والتمكين يقول السيد حسين بدرالدين الحوثي رضوان عليه في محاضرة [ في ضلال دعاء مكارم الأخلاق]: ((فأنت يا من أنت جندي تريد أن تكون من أنصار الله، ومن أنصار دينه في عصر بلغ فيه النفاق ذروته, بلغ فيه الضلال والإضلال قمته يجب أن تطور إيمانك، أن تعمل على الرفع من مستوى وعيك.
فإذا لم يكن الناس إلى مستوى أن يتبخر النفاق أمامهم، أن يتبخر التضليل أمامهم فإنهم هم قبل أعدائهم من سيجنون على أنفسهم وعلى الدين، وعلى الأمة، كما فعل السابقون، كما فعل أولئك الذين كانوا في ظل راية الإمام علي, وفي ظل راية الحسن، وفي ظل راية الحسين, وفي ظل راية زيد (عليه السلام).
كان الإمام زيد عليه السلام يقول: ((البصيرة، البصيرة)), يقول في ذلك القرن في مطلع القرن الثاني: ((البصيرة، البصيرة)) يدعو أصحابه إلى أن يتحلوا بالوعي، ألم ينهزم الكثير ممن خرجوا معه؟ ألم يتفرقوا عنه؟ لأنهم كانوا ضعفاء البصيرة, كانوا ضعفاء الإيمان، كانوا قليلي الوعي, أدى إلى أن يستشهد قائدهم العظيم، أدى إلى أن تستحكم دولة بني أمية من جديد.))
النفاق كحالة اجتماعية ونفسية… وكيف يعطل مشروع الأمة
النفاق ليس مجرد موقف عابر أو انحراف فكري مؤقت، بل هو حالة نفسية واجتماعية مركبة، تتسلل إلى وعي الإنسان وقيمه وسلوكياته، حتى يصبح جزءًا من تكوينه اليومي. المنافق لا يعيش أزمة إيمان فحسب، بل يعيش انفصامًا داخليًا، يجعل قلبه مع الباطل ولسانه مع الحق، وهو بذلك يُربك مسار الأمة، ويعطل مشاريعها، ويفسد بنيانها الداخلي من حيث لا يشعر الناس بخطورته.
يركز القرآن الكريم على وصف نفسيات المنافقين بدقة، فيقول: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} (النساء:142)، فهم لا يتحركون بدافع إيماني داخلي، بل يحرصون على الصورة والمظهر أمام الناس، ويخشون النقد أكثر من خشيتهم لله. كما يصفهم الله بقوله: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} (النساء:143)، أي أنهم مترددون، لا يحسمون مواقفهم، ولا يملكون شجاعة الانتماء إلى الحق.
هذه النفسية تُنتج جيلاً هشًا، لا يقوى على الثبات، ويصبح أداة سهلة في يد العدو، إما عبر التخويف أو عبر الإغراء. وهذا ما نراه اليوم في كثير من الشباب الذين وقعوا فريسةً لخطاب الهزيمة واللامبالاة، لأن البيئة من حولهم تشبعهم برسائل نفاق يومية: في الإعلام، في التعليم، في الحياة العامة، حتى لم تعد لديهم ثقة بأن النصر ممكن، أو أن للحق رجالًا يقفون دونه.
يشير السيد حسين بدر الدين الحوثي إلى أن هذه النفسية المنافقة تُفرز خطابًا سلبيًا يعطل الحركة، ويثبّط الناس، ويجعلهم أسرى لتبريرات العجز والتراجع، كأن يقول أحدهم: “لن يصلح شيء، الأمور معقدة، لا طائل من الجهاد…”. في حين أن الله سبحانه وتعالى يطمئن عباده بقوله: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} (النساء:141)، أي أن النصر حتمي إذا توفر الإيمان والعمل، أما العجز فمصدره في الغالب تلبُّس الناس بالنفاق، وإن لم يصرّحوا به.
إن النفاق بهذه الصورة، لا يهدد عقيدة الفرد فحسب، بل يُصيب الأمة بالشلل، ويعطل قدرتها على المبادرة، ويجعلها تنتظر المعجزات بدل أن تتحرك بوعي وتخطيط وإيمان. ولذلك كانت المعركة ضد النفاق معركة مصيرية لا تقل خطورة عن المعركة مع الكفر نفسه، بل إنها أشد تأثيرًا لأنها تضرب من الداخل، وتُميت الروح وهي على قيد الحياة.
كيف نحصن الأمة من خطر المنافقين؟
في ظل هذا التغلغل العميق للنفاق في نسيج المجتمعات الإسلامية، يبرز السؤال الملح: كيف نخرج من هذه الدائرة؟ كيف نحصن أمتنا من اختراق المنافقين؟ وكيف نحرر وعينا من التضليل المنهجي الذي تمارسه دوائر الإعلام والفتاوى المسيسة والخطابات المزيفة؟ الجواب يبدأ من حيث أرشدنا القرآن: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} (الحديد:28).
يؤكد السيد حسين بدر الدين الحوثي أن أول خطوة للتحصين تبدأ من عزم داخلي على التسليم لله، والثقة به، والانطلاق في فهم القرآن على أساس الحركة والعمل، لا على أساس التبرك والجمود. يجب أن يكون القرآن مصدراً للوعي، لا أداة للتزيين، وأن نقرأه لنفهم دين الله وموقفه من القضايا، لا لنبحث فيه عن مبررات للسكوت والتخاذل. هذا النور القرآني هو الذي يكشف النفاق ولو لبس عمامة، ولو تحدث بلغة الشرع، لأنه – ببساطة – لا يخدم مشروع إقامة القسط، بل يعطله.
يقول الله تعالى: {فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} (النساء:146)، ويقصد من تاب وأصلح واعتصم بالله وأخلص دينه لله. فطريق الخلاص من النفاق هو الالتزام العملي بقيم الإيمان: الإصلاح، الاعتصام، الإخلاص، والارتباط بالجبهة المؤمنة الفاعلة، واتباع أولياء الله وأعلام دينه الصادقين. هذه ليست مجرد رؤى نظرية، بل برنامج عمل، وموقف مصيري لابد منه لمواجهة حركة النفاق.
ولذلك فإن مواجهة النفاق لا تكون بردّات الفعل أو بالخطاب العاطفي، بل ببناء وعي جماهيري نقي، يميز بين الحق والباطل، ويكشف زيف المتسلقين على الدين، وينصر الله بالموقف والعمل، لا بالكلام فقط. إن مجرد كلمة واعية كـالهتاف بشعار “الموت لأمريكا” حين يرددها الناس بوعي وإيمان، قد تزعج العدو وتربك أدواته أكثر من ألف سلاح، لأنها تنزع الشرعية من مشروعه وتفضح نفاق المتواطئين معه.
في زمن التلبيس، يصبح التبيين فريضة، وفي زمن النفاق، يصبح الصدع بالحق جهادًا، وفي زمن التطبيع، تصبح المقاطعة موقفًا إيمانيًا. هكذا نحمي الأمة، وهكذا نطرد النفاق من واقعها. لأن النور لا يجتمع مع الظلمة، والإيمان لا يقبل نصف ولاء، والحقيقة لا تحتمل التمويه.
المنافقون في الدرك الأسفل، ومكانة المؤمنين في وعد الله
لا توجد في القرآن الكريم فئة توعّدها الله بهذا المستوى من العقاب كما توعّد المنافقين، إذ يقول تعالى:
{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} (النساء:145).
الدرك الأسفل – بحسب تفاسير المفسرين – هو أقسى مواقع العذاب في جهنم، وهو ما يدل على أن خطر النفاق لا يقف عند حدّ الكلمة أو الموقف، بل هو خطر يهدم الدين من داخله، ويخدع الناس بمظهره، ويخنق الحق تحت شعارات باطلة.
السيد حسين بدر الدين الحوثي أشار في محاضراته إلى أن المنافقين هم أعداء في لباس اسلامي، يعملون من داخل الصف، يثبّطون العزائم، يزيّفون الوعي، يخلخلون الصفوف، وينشرون الهزيمة النفسية التي تُسقط الأمم قبل أن تُسقطها المدافع. هؤلاء لا يعطّلون فقط مسار التصدي لليهود والنصارى ومحولاتهم للهيمنة على الأمة واستلاب حقوق ابنائها وتدمير مدنهم وتدنيس مقدساتهم وضرب الهوية الإسلامية حتى يكونوا كافرين بالله، بل يحوّلون المجتمع إلى كتلة خاملة من المتفرجين، المربكين، العاجزين عن اتخاذ موقف واضح، منتظرين الظروف المثالية، وكأن الجهاد مؤجل إلى يوم لا يوجد فيه عدو ولا عائق.
لكن بالمقابل، يرفع الله من مكانة المؤمنين الصادقين الذين يتمسكون بالحق ويتولون الله ورسوله والذين آمنوا، يقول تعالى:{وَسَوْفَ يُؤْتِي اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} (النساء:146).
إنهم الفئة التي يطلب منهم الله تحمل المسؤولية بقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} (النساء:135)، أي قومة دائمة بالعدل، بالموقف، بالسلاح، بالكلمة، ضد الكافرين والمنافقين معًا. قومة تقتضي الصدع، وتحمّل العواقب، والتجرد من المصالح الشخصية، والولاء لله وحده.
في واقعنا، نرى أن المؤمنين الحقيقيين هم أول من يُستهدفون، يُعتقلون، يُشهر بهم، ويُمنعون من المنابر، لأنهم يشكلون تهديدًا للخطاب النفاقي. ومع ذلك، فهؤلاء هم من يحملون وعد الله بالنصر. يقول تعالى:{وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} (الحج:40)، وهذا وعد لا يُعطى للمنافق، ولا للمحايد، ولا للمتردد، بل لمن حمل الحق في قلبه، ونصره بلسانه وسيفه وموقفه.
وهكذا، فإن المعركة مع النفاق ليست مجرد معركة أخلاقية، بل معركة وجود، لأن النفاق هو الثقب الأسود الذي يبتلع الإيمان من داخله. ومواجهة المنافقين لا تعني فقط فضحهم، بل تعني في الأساس بناء مجتمع مؤمن، وواعٍ، ومحصّن بالقرآن، يعمل بنور الله، ويتحرك بوعي، ولا يضعف أمام الحرب النفسية والدينية والسياسية التي يقودها أهل النفاق بأوجههم الحديثة.
المنافقون، بين الأمس واليوم، من مردة المدينة إلى ذباب الشاشات
حين تحدّث القرآن عن المنافقين في عصر النبي محمد صلى الله عليه وآله، رسم لهم صورة مقلقة لفئة كادت أن تصبح من مردة الشر، لولا وحي الله ونور النبوة. كانوا يعيشون في قلب المدينة، في المسجد، في الدوائر القريبة، يتظاهرون بالإسلام وهم أشد خطرًا من اليهود والمشركين. قال الله تعالى:
{وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ} (المنافقون:4). وهم العدو الحقيقي، لأنهم لا يأتون من خارج الصف، بل من داخله، ويتقنون التمثيل والتلون والتخفي، حتى كادوا أن يفتنوا المؤمنين لولا توجيه القرآن وتحذير الله.
أما اليوم، فقد ورثهم منافقون من طراز جديد، أشد وقاحة، وأكثر جرأة، وأخطر تأثيرًا. لم يعودوا يختبئون، بل خرجوا إلى العلن، يتحدثون في الفضائيات، يتصدرون وسائل التواصل، يكتبون باسم الإسلام ليطعنوا في عقيدته، ويخدموا المشروع الأمريكي الصهيوني تحت لافتات “الإصلاح”، و“الحداثة”، و“السلام”. هم المرتزقة في اليمن، والأنظمة العربية التي هرولت إلى “التطبيع”، وجيوش الذباب الإلكتروني الذين يهاجمون المقاومين ويشيدون بقتلة الأطفال.
لقد أصبح للمنافق اليوم أدوات إعلامية هائلة، ومنصات ضخمة، وقنوات بث مباشر تُملي ما تريد واشنطن و”تل أبيب”. لم يعودوا يكتفون بالتحريض الصامت، بل يُصدرون فتاوى ضد المقاومة، ويحرضون على المجاهدين، ويحرفون القرآن عن مواضعه. إنهم أكثر وقاحة من أسلافهم، وأكثر خدمةً للعدو من جواسيس الاحتلال.
إن وصف القرآن لهذه الفئة لا يزال صالحًا: {هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ}. المنافق لا يمكن أن يُؤتمن، ولا يمكن أن يكون محايدًا. هو العدو الأخطر، لأنه يُخدّر الأمة من الداخل، ويستنزف وعيها ومواقفها وإرادتها. ولذلك فإن مسؤولية كشف هؤلاء وتعريتهم والتصدي لهم لا تقل أهمية عن مقاتلة الجنود الصهاينة أو مواجهة البوارج الأمريكية.
و ما أبلغ ما قاله الشهيد القائد في محاضرة [الصرخة في وجه المستكبرين]: (( أتعرفون؟ المنافقون المرجفون هم المرآة التي تعكس لك فاعلية عملك ضد اليهود والنصارى؛ لأن المنافقين هم إخوان اليهود والنصارى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ}(الحشر: من الآية11) فحتى تعرفوا أنتم، وتسمعوا أنتم أثر صرختكم ستسمعون المنافقين هنا وهناك عندما تغضبهم هذه الصرخة، يتساءلون لماذا؟ أو ينطلقون ليخوفوكم من أن ترددوها.))
إنهم في الماضي كانوا يوشكون أن يُفسدوا المجتمع النبوي، واليوم هم بالفعل يُخربون وعي الأمة، ويمهّدون للعدو طريق الانتصار، ما لم نقف لهم بالمرصاد. فهل آن أوان المواجهة الشاملة مع النفاق الحديث؟
موقع أنصار الله . تقرير صادق البهكلي