واشنطن - طهران.. ماذا بعد إتمام صفقة تبادل الرهائن؟
تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT
5 رهائن أميركيين خرجوا من السجون الإيرانية، مقابل 5 سجناء إيرانيين أطلقت أميركا سراحهم. فهل انتهت المشكلة؟ وهل يشكل اتفاق التبادل هذا جزءاً من مفاوضات أكبر لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015؟ والأهم، برأي الجمهوريين، هل سيكون النظام الإيراني حراً، حسبما قال الرئيس الإيراني، في صرف المليارات الـ6 التي حررها نظيره الأميركي بموجب الصفقة، لتُصرف حصراً على الغذاء والدواء لا على السلاح والميليشيات التابعة لإيران؟
برنامج "عاصمة القرار" من الحرة بحث تفاصيل وظروف وآفاق صفقة تبادل الرهائن بين واشنطن وطهران، مع ضيوفه: نايل غاردينر، مدير برنامج في "مؤسسة هيريتدج" الأميركية.
يحتل ملف الرهائن، وتحديداً مع الولايات المتحدة الأميركية، مساحة مهمة في الصراع الإيراني الغربي منذ 44 عاماً. فباكورة أعمال النظام كانت باحتلال طلاب ثورة الخميني للسفارة الأميركية في طهران في 4 نوفمبر 1979، واعتقال 52 دبلوماسياً أميركياً لمدة 444 يوماً، وهي القضية التي انتهت بتحرير الرهائن الأميركيين بوساطة جزائرية في 20 يناير 1981، أي يوم تسلّم الرئيس الجمهوري رونالد ريغان مهامه الدستورية، خلفاً للرئيس الديمقراطي جيمي كارتر، الذي قضت إيران على حظوظ إعادة انتخابه.
والآن، تمت صفقة الثامن عشر من سبتمبر الجاري عبر وساطة دولة قطر وسلطنة عمان. ويقضي الاتفاق، إضافة للإفراج عن المعتقلين، بالإفراج عن ستة مليارات دولارات هي أرصدة إيرانية مجمدة لدى كوريا الجنوبية منذ عام 2018، وأودعت الأموال في حساب خاص في الدوحة، وستُصرف على الغذاء والدواء، باشراف قطر ووزارة الخزانة الأميركية.
ويصف نواب وخبراء أميركيون النظام الإيراني بأنه "نظام احتجاز رهائن". فاحتجاز مواطنين غربيين لأجل كسب المال هي معادلة النظام الإيراني الرابحة مع أميركا والغرب.
أين ستذهب المليارات الـ6؟يقول وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن: "لسوء الحظ، وجد النظام الإيراني دائماً طريقة لإنفاق الأموال على الأعمال الشائنة التي يتورط فيها. لقد فعلوا ذلك قبل العقوبات، وأثناء العقوبات، وبعد العقوبات. وهذا سوف يستمر. لكن ما نواصل القيام به هو: أولاً، التأكد من أننا نتخذ اجراءات، مع فرض عقوبات عندما تتصرف إيران في أيّ مكان بطريقة خطيرة ومزعزعة للاستقرار وتدعم الإرهابيين، ونتخذ إجراءات مع فرض قيود على السفر، وأيضاً، نتخذ إجراءات مع الدول الأخرى لمعاقبتهم".
وفي الكونغرس انقسام بين الديمقراطيين والجمهوريين بشأن الصفقة، بل تعدّى الانقسام مسألة تبادل الرهائن إلى البحث في أهلية إدارة الرئيس جو بايدن لإدارة العلاقات مع إيران.
ويقدم النائب الديمقراطي جايسون كرو هذه التفاصيل بشأن الصفقة "لتصحيح الإلتباس"، كما يقول: "ما حصلت عليه إيران ليست أصولا مجمدة من قبل الولايات المتحدة، بل أموال من صندوق في إطار اتفاق أبرمته إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب مع دول عدة، مما سمح لها بشراء النفط الإيراني مقابل المعدات الطبية والأغذية والأدوية. ما فعلته إدارة بايدن هو إدراج قيود إضافية على كيفية إنفاق هذه الأموال، بالإضافة إلى القيود المفروضة سلفاً. وأن تكون هناك مراقبة من قبل وزارة الخزانة لضمان أن هذه الأموال سيتم إنفاقها للأغراض المخصصة لها".
لكن، يبدو أن التفسير الديمقراطي لم يُقنع الجمهوريين. ويقول النائب الجمهوري مايكل مكول ، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب: "إنهم (إدارة بايدن) ساذجون جداً، ولا يعرفون كيف يقومون بمفاوضات استرداد رهائن. ويقولون لأغراض إنسانية فقط. نعلم جميعا أن المال قابل للاستبدال. وقد قال رئيس إيران للتو: سأنفق الأموال كيفما أريد. وهو سيفعل ذلك. سوف تذهب الأموال لدعم عمليات إرهابية بالوكالة. وسوف يستخدمون الأموال في بناء برنامجهم النووي، الذي هو برنامج هجومي لا دفاعي، نظام هجومي لحرب نووية".
"سيكون لهذه الصفقة تأثير ضار في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وقد بدأ ذلك. تخيلوا ماذا سيفعل النظام الإيراني بستة مليارات دولار قبضها من جراء هذه الصفقة الساذجة".
وبين دفع "فدية" للنظام الإيراني، و"واجب" أيّ إدارة في تحرير مواطنين أميركيين، انقسم الباحثون الأميركيون بشأن الصفقة، بحسب لونهم السياسي.
يقول نايل غاردينر، إن قرار الرئيس بايدن باتمام هذه الصفقة "قرار خاطئ، مفعم بالمجازفة وخطير على مصالح واشنطن، وسيشجع كل الأنظمة الإرهابية على احتجاز رهائن أميركيين في المستقبل".
ويرى الباحث الأميركي أن قرار إدارة بايدن دفع 6 مليارات دولار لإيران هو "فدية دفعتها واشنطن لنظام إرهابي".
بالمقابل، يعتقد إدوارد جوزيف، أن قرار الرئيس بايدن إتمام هذه الصفقة مع إيران "قرار صعب، لكن بايدن اتخذ قراره لدوافع إنسانية بضرورة تحرير أميركيين معتقلين ظلماً وفي ظروف سيئة في إيران".
ويضيف الأستاذ الجامعي الأميركي: "كلنا نعرف أنه لا يمكن الوثوق بالنظام الإيراني، لكن تفاصيل الاتفاق لا تسمح للنظام الإيراني بوضع يده على الأموال".
ومن جهته يقول الباحث الإيراني صالح القزويني، إن الاتفاق بمثابة "وقف إطلاق نار بين طرفين متحاربين. فيما يسعى كلّ منهما للحصول على تنازلات أكثر من الطرف الآخر".
وتخوفت الصحافة الأميركية من أن تؤدي صفقة التبادل إلى تشجيع النظام الإيراني على احتجاز المزيد من الأميركيين مستقبل.
وتساءلت افتتاحية صحيفة وول ستريت جورنال: "كيف سيتمكن بايدن من منع إيران من انتزاع فدية في المستقبل بعدما دفع لها 6 مليارات دولار"؟
وتضيف أن إدارة بايدن "لن تستطع منع النظام الإيراني من أخذ رهائن جدد في المستقبل، لأن هذه هي طريقته المربحة في العمل مع واشنطن والغرب. وستستمر الأنظمة المارقة والبلطجية في خطف وسجن الأميركيين، حتى يخشون من أن تكون مخاطر القيام بذلك أكبر من الفدية التي يسعون إليها. لذلك على بايدن والدول الغربية تهديد النظام الإيراني وأمثاله من مغبة خطف أميركيين وغربيين في المستقبل. وكذلك على بايدن تحذير الأميركيين من خطورة الذهاب إلى إيران، وبأنه لن يدفع فدية مرة أخرى للنظام الإيراني لتحرير أي أميركي محتجز لديه".
وعنونت الواشنطن بوست افتتاحيتها: "صفقة الأسرى مع إيران تواصل دورة بائسة من احتجاز الرهائن".
وتشير الافتتاحية إلى أن صفقة تحرير الرهائن الأميركيين من إيران "تدل على طبيعة الحكم الاستبدادي في طهران، الذي يهتم قليلاً بالقانون وبحياة الإنسان. هذا النظام الإيراني الذي يستمر في احتجاز الرهائن برعاية الدولة، وهي ممارسة بربرية تزدهر على المكافآت والتنازلات من الولايات المتحدة ودول أخرى".
وتضيف الصحيفة أن الولايات المتحدة "تعتمد البراغماتية لتحرير مواطنيها، لكن هذه الأنواع من الصفقات تُكافئ الأنظمة المارقة مثل روسيا وإيران وفنزويلا وسوريا، التي تعتبر الإنسان سلعة للتداول".
وتختم الصحيفة بدعوة المسؤولين الأميركيين إلى "عدم الانخراط مجددا في مفاوضات تحرير رهائن من إيران أو غيرها، رغم صعوبة اتخاذ هكذا قرار. وأيضاً، الانتباه إلى خطورة تحالف النظام الإيراني مع الرئيس الروسي في حربه على أوكرانيا إن فكّرت إدارة بايدن في إحياء المفاوضات بخصوص الاتفاق النووي مع إيران".
وفي جدال يعكس السياسة الحزبية الأميركية، بمساهمة مسؤولين سابقين في إدارة ترامب، انقسم خبراء واشنطن بشأن الصفقة، فكتب وزير الخارجية السابق مايك بومبيو: "ليس مفاجئا أن يعارض أغلب الأميركيين تقديم بايدن 6 مليارات دولار أميركي للإرهابيين. سيصبح المزيد من الأميركيين رهائن بعد موافقة إدارة بايدن على دفع أموال للإرهابيين".
وفي إطار الجدال نفسه، كتب خبير ديمقراطي بارز، هو جو سيرينسيوني: "أفرجت إيران عن المواطنين الأميركيين الذين سجنتهم ظلماً. وبينما يسافرون إلى الحرية ، يهاجم الأيديولوجيون اليمينيون إدارة بايدن التي حررتهم. أعتقد أن هذا الاتفاق هو انتصار دبلوماسي كبير للولايات المتحدة وأفضل صفقة يمكن أن نحصل عليها".
هل يحدث تقدم بإحياء الاتفاق النووي؟تعتبر نادين إبراهيم، في موقع شبكة "سي إن إن"، أن اتفاق تبادل السجناء بين واشنطن وطهران، "مثال على تفاهمات غير مكتوبة تسمح للطرفين بالقيام بتنازلات في غياب تفاهم كبير، على غرار الاتفاق النووي المبرم عام 2015. لكن ذلك غير كافٍ لإذابة جليد الخلاف بين الطرفين، لأن طبيعة العلاقات الثنائية لم تتغير".
ولا يتوقع إدوارد جوزيف "إي اختراق دبلوماسي بين أميركا وإيران في المفاوضات بشأن الملف النووي. لأن بايدن أعطى فرصة لإحياء الاتفاق الذي انسحب منه ترامب، لكن النظام الإيراني رفضها بشروطه التعجيزية. وها هو بايدن اليوم يفرض عقوبات على (الرئيس الإيراني الأسبق) محمود أحمدي نجاد وغيره بالتزامن مع تبادل الرهائن".
من ناحيته يعتبر نايل غاردينر أن "الاتفاق النووي ميّت ولا يمكن إحياؤه، رغم الثغرات الكثيرة في استراتيجية بايدن تجاه إيران".
ويقول بريت ماكغور، منسق شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي: "إن صفقة تبادل السجناء ليست مرتبطة بالدبلوماسية النووية مع إيران. لقد أوضحنا لإيران مراراً وتكراراً، وبعبارات لا لبس فيها، أن الدبلوماسية لا يمكن أن تتقدم بشكل هادف إذا تم احتجاز مواطنين أميركيين ظلماً، وإذا كانت إيران تصعد الصراعات في المنطقة، وتزود روسيا بطائرات من دون طيار في حربها على الشعب الأوكراني. المحادثات النووية مع إيران متوقفة حتى الآن، وبينما لن نغلق الباب أمام الدبلوماسية تماما، فإننا مستعدون أيضا لأي ولجميع الحالات الطارئة فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي. هذا الاتفاق لا يغير علاقتنا مع إيران. إيران دولة راعية للإرهاب. وسنحاسبهم حيثما أمكن ذلك. وقد فرضنا مؤخراً 30 تصنيفاً جديدا للعقوبات، وهذا سيستمر".
يعتقد بعض الخبراء في واشنطن أن صفقة تبادل الرهائن مع إيران قد تفتح الباب لمزيد من الدبلوماسية بين البلدين، لكن ذلك "لن يصل لحد إحياء" الاتفاق النووي لعام 2015. فهل يسمح "الباب المفتوح قليلاً" للوسطاء العرب بإتمام صفقات "صغيرة" بين واشنطن وطهران تتعلق بقضايا شرق أوسطية عالقة؟.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة النظام الإیرانی الاتفاق النووی ملیارات دولار فی المستقبل بشأن الصفقة إدارة بایدن هذه الصفقة صفقة تبادل مع إیران
إقرأ أيضاً:
هل زرع ترامب الرعب في قلوب الأميركيين في أقل من 100 يوم؟
واشنطن- عبّر أحد مديري الصناديق المالية، الذي جاء من مدينة نيويورك إلى واشنطن قبل أيام للمشاركة في دورة "اجتماعات الربيع" لصندوق النقد والبنك الدوليين، عن رعبه مما تشهده بلاده.
وقال المدير، الذي تحفّظ على ذكر اسمه ومحل عمله، للجزيرة نت "ربما تكون هذه الاجتماعات الأخيرة من نوعها؛ ما يقوم به الرئيس دونالد ترامب، عمدا أو جهلا، كفيل بتدمير النظام المالي العالمي المرتكز على أعمدة عدة من بينها أعمدة التنظيم المالي المؤسسي العالمي الذي تلعب فيه منظمات كصندوق النقد والبنك الدولي دورا رئيسا، إلا أن إدارة ترامب تحتقر هذه المؤسسات وتتبع سياسات معادية لها".
ولكن أهم ما أشار إليه المدير المالي هو ما حدث أمس من إلقاء ضباط مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI) القبض على هانا دوغان، القاضية بمدينة ميلواكي بولاية ويسكونسن، على خلفية اتهامها بإعاقة عملية احتجاز مهاجر غير نظامي.
ومثّلت الحادثة نقلة كبيرة ونوعية في طبيعة المواجهة بين إدارة الرئيس ترامب والقضاء. واعتبر المدير المالي أن ترامب "جاد جدا في ترحيل مواطنين أميركيين إلى السلفادور، وأنه يفكر في الترشح لفترة حكم ثالثة".
إعلانوأشار المدير المالي إلى خطاب ألقاه، أمس الأول، وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت، أمام معهد التمويل الدولي في واشنطن العاصمة، ودافع فيه عن فرض إدارته رسوما جمركية عالية للغاية على الصين بنسبة 145%.
وحدد بيسنت ما سماه "مخططا لإعادة التوازن إلى النظام المالي العالمي والمؤسسات المصممة للحفاظ عليه"، وتحديدا البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
وقال بيسنت إن "صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لهما قيمة دائمة، لكن ابتعدت هذه المؤسسات عن مسارها الصحيح. يجب أن نسنّ إصلاحات رئيسية لضمان أن مؤسسات بريتون وودز تخدم أصحاب المصلحة وليس العكس".
غياب الكونغرس والحزبين
وفاجأ المدير المالي مراسل الجزيرة بالقول "أنا مرعوب مما تشهده أميركا! ما نراه يعد استثنائيا وخطيرا بصورة لا يمكن قبولها. والأخطر هو عدم وجود رد فعل من أي من الجهات المنوط بها دستوريا مواجهة توغل السلطة التنفيذية. الكونغرس بحزبيه، الجمهوري والديمقراطي، ليسا حاضرين؛ لا يقومان بما يطالبهما به الناخبون من ضرورة وقف تهور إدارة ترامب وتنمّرها".
وأوضح "أتخيل أنني في كابوس، وأننا في دولة دكتاتورية غريبة، لكن مع كل صباح جديد أكتشف أنني لا أزال في أميركا، بلد الحريات، وسيادة القانون، والفصل بين السلطات". وأضاف أن ترامب "يهدد ذلك كله ويدمره، وهو لم يكمل بعد 4 أشهر من بدء حكمه".
وتابع "لقد نجح ترامب في كشف عورة القضاء الذي لا يملك آلية عملية لتنفيذ قراراته، لذلك تشجع الرئيس وتمادى في إهانة القضاء وتجاهل قراراته، وهذا لم يحدث من قبل مع أي رئيس أميركي" كما قال المدير المالي.
كذلك أشار إلى حالة المهاجر السلفادوري كيلمار أبريغو غارسيا، المتزوج بمواطنة أميركية، والذي تم ترحيله إلى السلفادور بطريق الخطأ، وقرار المحكمة العليا بضرورة قيام إدارة الرئيس دونالد ترامب باتخاذ الإجراءات اللازمة لتأمين عودته إلى عائلته القاطنة بولاية ماريلاند، وهو ما تجاهلته إدارة ترامب.
إعلانوتتجاهل إدارة ترامب أيضا عشرات من قرارات المحاكم القاضية بوقف القبض على الطلاب الأجانب أو ترحيلهم على خلفية مشاركتهم في الحركة الاحتجاجية ضد موقف واشنطن من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وبدئها إجراءات لمعاقبة الجامعات الأميركية في محاولة للسيطرة عليها.
الطريق إلى الاستبداد
حتى الآن فشلت الضوابط التي يعجّ بها الدستور الأميركي في إيقاف ترامب. واعتبرت خبيرة قانونية، تحفظت على ذكر اسمها، في حديث للجزيرة نت، أن "الدساتير ما هي إلا نصوص من حروف وكلمات، ولا تعني معانيها الشيء ذاته عند الجميع. من هنا من الأهمية بمكان أن يوفر الدستور آليات لمنع استغلاله ولتنفيذ نصوصه، وهذا ما تفتقده الولايات المتحدة في ظل "الاستقطاب الحاد بين الحزبين، والتقارب الشديد بينهما في نسب التمثيل في مجلسي الكونغرس".
وسهّل ذلك من توغل البيت الأبيض والرئيس ترامب عن طريق إصدار أكثر من مائة أمر تنفيذي في مختلف القضايا والسياسيات وتجاهل الآلية التشريعية بصورة شبه كاملة رغم سيطرة الجمهوريين على مجلسي الكونغرس.
وكتب الأكاديميان ستيفن ليفيتسكي من جامعة ييل ولوكان واي من جامعة تورونتو مقالا في دورية "شؤون خارجية" (فورين أفيرز) يحذران فيه من انزلاق الولايات المتحدة إلى استبداد من نوع جديد.
وقال المقال إن مواقف ترامب في فترة رئاسته الأولى دفعت إلى وجود رد فعل قوي ومقاوم من المؤسسات السياسية الأميركية. لكن ما يقوم به منذ عودته للبيت الأبيض يقابل بلامبالاة مذهلة.
وبينما اعتبر العديد من السياسيين والنقاد والشخصيات الإعلامية وقادة الأعمال ترامب تهديدا للديمقراطية قبل 8 سنوات، يتعاملون الآن مع هذه المخاوف على أنها مبالغ فيها؛ فبعد كل شيء، نجت الديمقراطية من فترته الأولى في المنصب.
انتهك ترامب أسس العملية الديمقراطية بعدم اعترافه بنتائج انتخابات 2020، والتي خسرها لمصلحة جو بايدن؛ إذ حاول ترامب قلب نتائج الانتخابات وفشل، وحاول منع الانتقال السلمي للسلطة وفشل. ومع ذلك، لم يحاسبه الكونغرس ولا القضاء، وأعاد الحزب الجمهوري ترشيحه للرئاسة.
إعلانأدار ترامب حملة انتخابية استبدادية علنية في عام 2024، وتعهد بمقاضاة خصومه ومعاقبة وسائل الإعلام الناقدة له، ونشر الجيش لقمع الاحتجاجات إذا اضطر إلى ذلك. ورغم كل ذلك فاز بأصوات أكثر من 77 مليون أميركي، وبفضل قرار استثنائي للمحكمة العليا، سيتمتع بحصانة رئاسية كاملة خلال سنوات حكمه الأربع.
وخلال ولايته الأولى، نجت أميركا بديمقراطيتها لأنه لم يكن لدى ترامب خبرة أو خطة أو فريق. ولم يسيطر على الحزب الجمهوري عندما تولى منصبه في عام 2017، وكان معظم القادة الجمهوريين لا يزالون ملتزمين بالقواعد الديمقراطية للعبة.
حكم ترامب مع الجمهوريين والتكنوقراط المؤسسيين، وقاموا بتقييده إلى حد كبير. لكن لم يعد أي من هذه الأشياء صحيحا بعد الآن. هذه المرة، اختار ترامب الاعتماد كليا على من لديهم ولاء كامل له، ويوافقون على ما يقرره من دون نقاش، حتى لو كان موقفا استبداديا غير دستوري.
تكلفة المعارضةأوضحت تحركات ترامب في الأشهر الماضية، من خلال سيل الأوامر التنفيذية المشكوك في دستوريتها، أن تكلفة معارضة ترامب سترتفع بشكل كبير. وبعد اختياره لحليفه مايكل فولكندر، ليترأس مصلحة الضرائب الأميركي (IRS)، يُخشى من استهداف مانحي الحزب الديمقراطي من قبل مصلحة الضرائب.
وقد تواجه الشركات التي تموّل جماعات الحقوق المدنية تدقيقا ضريبيا وقانونيا مشددا، أو تجد مشاريعها محبطة من قبل الجهات الحكومية.
في الوقت ذاته لم يخفِ ترامب رغبته في ترويض وسائل الإعلام المعارضة له، وبدأ بالفعل في رفع دعاوى تشهير مكلفة أو إجراءات قانونية أخرى ضد الشركات الأم المالكة لها.
وبعدما نجح في تعيين موالين له وعلى رأسهم وزيرة العدل بام بوندي، وزوكاش باتال مديرا لمكتب التحقيقات الفدرالي، ومايكل فولنكندر مديرا لهيئة الضرائب، ضمن ترامب استخدام أجهزة الدولة لتحقيق غايات شخصية مناهضة للديمقراطية من خلال التحقيق مع المنافسين ومقاضاتهم، واستمالة المجتمع المدني، وحماية الحلفاء من الملاحقة القضائية.
إعلانوأثمرت إستراتيجية ترامب عن اتخاذ شبكة "إيه بي سي" (ABC) قرارا صادما بتسوية دعوى تشهير رفعها الرئيس، ودفعت له 15 مليون دولار لتجنب محاكمة ربما كانت ستنتصر فيها. ويقال إن مالكي شبكة "سي بي إس" (CBS) يعملون أيضا على تسوية دعوى قضائية من قبل ترامب، وهو ما يدل على فاعلية لجوئه إلى سلاح مطاردة منتقديه.