سودانايل:
2025-05-02@13:51:05 GMT

رسائل متناقضة من السودان

تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT

asmaalhusainy@hotmail.com

استبق قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) زيارة القائد العام للجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لنيويورك وخطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بتوجيه خطاب مصور للمجتمع الدولي أبدى فيه استعداده لوقف إطلاق النار والدخول في محادثات سياسية شاملة، في محاولة لإظهار نفسه كمدافع عن السلام والتهدئة، وربما للضغط على خصمه البرهان وإحراجه أو التشويش على مواقفه وتحركاته التي بدأها الأخير منذ خروجه من حصار الحرب في الخرطوم بعد قرابة خمسة أشهر من القتال الذي بدأ في 15 أبريل الماضي.



بينما سعى البرهان في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لتبرئة الجيش من الانتهاكات التي ارتكبت خلال الصراع الدامي المدمر الوحشي الذي راح ضحيته حتى الآن وفقا للتقديرات الرسمية حوالي 5 آلاف قتيل، وتشرد بسببه أكثر من سبعة ملايين ما بين نازحين داخل السودان ولاجئين في دول الجوار.

ودعا قائد القوات المسلحة السودانية في كلمته المجتمع الدولي إلى تصنيف قوات الدعم السريع منظمة إرهابية والتعامل الحاسم معها، ومنع المرتزقة والأطراف التي تزودها بالسلاح والدعم، وهو ما بدا مرضيا لأنصار البرهان، مخيبا لآمال قوى سياسية أخرى وقطاعات واسعة من الشعب السوداني، كانوا يأملون في خطوة أكثر أهمية نحو السلام وإنهاء المعاناة والموت والخراب والدمار الذي يعاني منه السودان، لكن سرعان ما طرأ تغيرا ملحوظا في لغة البرهان خلال الأحاديث التليفزيونية التي أدلي بها لعدد من القنوات التليفزيونية العربية والدولية في نيويورك، حيث أعرب عن استعداد للدخول في مفاوضات مع قائد قوات الدعم السريع والقبول بالحلول السلمية.

ويثير هذا التحول تساؤلات حول أسبابه، وحجم الضغوط الدولية والإقليمية، والمواقف الحقيقية للأطراف المتصارعة، وهل الانفتاح الذي أبداه البرهان وحميدتي على التفاوض هو موقف مبدئي أم تكتيكات ومناورات، وما إذا كانت رسائل الاستعداد للتفاوض تعني نهاية وشيكة لهذه الحرب أم شكل من أشكال الخداع يهدف إلى تضليل وإيهام المجتمع الدولي والمنطقة والشعب السوداني بشأن نواياهم وخططهم الحقيقية، ومحاولة إلقاء اللوم على المعسكر الآخر في المسئولية عن استمرار الحرب.

وعلى الرغم من خطابات السلام هذه، فإن الواقع على الأرض يروي قصصا مختلفة، حيث يثير احتدام المعارك التساؤلات بشأن ما إذا كانت تلك التصريحات مؤشرا لتوسيع الصراع واستراتيجية لإطالة أمده مقدمة أم بداية للتوجه إلى تفاوض تؤكد العديد من التكهنات أنه ربما يتم استئنافه قريبا.

وتسلط مؤشرات مختلفة الضوء على الضغوط الدولية العديدة من أجل وقف الحرب وعودة الطرفين المتقاتلين إلى طاولة المفاوضات، وقد تجلى ذلك في كلمات وتصريحات عدد من زعماء خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك في العديد من الأنشطة التي جرت في مقر الأمم المتحدة على هامش الجمعية العامة.

وكان من بين الأحداث المهمة الاجتماع الوزاري رفيع المستوى الذي شاركت في تنظيمه نظمته الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، وحضرته السعودية ومصر وقطر تحت عنوان "تكلفة التقاعس في السودان".

وأكد المسئولون الدوليون المشاركون في الاجتماع عن اعتقادهم بأنه لا الجيش السوداني ولا قوات الدعم السريع قريبة من تحقيق النصر، وأنهما يواصلان الانخراط في قتال وحشي أدى إلى أعمال عنف واسعة، وأن الصراع في السودان يتفاقم بسبب تدفق المقاتلين والأسلحة والذخيرة، مما يهدد بإغراق المنطقة في صراع أوسع، وحذروا من التكاليف الباهظة إذا فشل المجتمع الدولي في اتخاذ خطوات أكثر حسما لوقف القتال وتمهيد الطريق لحل سياسي، وشددوا على أهمية العودة إلى منبر جدة لإرساء وقف حقيقي ومستدام لإطلاق النار، وأضافوا أن تحقيق ذلك يتطلب عزيمة سياسية وآليات مراقبة وتحقق قوية، والقدرة على محاسبة الأطراف المتحاربة على أفعالها.

وعقد لقاء مهم بين البرهان وكريم خان المدعي العام للمحكمة الجنائية ، وعقب الاجتماع أوضح خان أنه أبلغ البرهان أن تحقيقات الجنائية الدولية بشأن الجرائم المرتكبة في السودان ستشمل جميع الأطراف دون استثناء، بما في ذلك القائد العام للجيش.

وفي تحرك لافت، احتج رئيس الوزراء السوداني المستقيل الدكتور عبد الله حمدوك على دعوة الأمم المتحدة للبرهان للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة، معتبرا أن دعوته ترسل إشارات خطيرة للغاية ومشجعة للانقلابات العسكرية في القارة الأفريقية، وتسهم في إطالة أمد الحرب الجارية في السودان، ووقع على الرسالة ثلاثة من أعضاء مجلس السيادة هم محمد حسن التعايشي ومحمد الفكي سليمان والطاهر حجر، كما وقع عليها وزراء بارزون في حكومة حمدوك أبرزهم وزير شئون مجلس الوزراء خالد عمر يوسف.

واعتبرت الرسالة أن دعوة البرهان تتناقض مع المواقف الدولية الرافضة للانقلاب الذي أوقف به البرهان عملية التحول الديمقراطي في 25 أبريل 2021، والذي أدى لحدوث انهيار دستوري كلي في السودان، وترتب عليه حكومة أمر واقع، انهارت هي الأخرى باندلاع الحرب في 15 أبريل الماضي التي كانت نتيجة مباشرة للانقلاب على الحكومة المدنية.

وفي الوقت نفسه، يحشد الجانبان ويسعيان للحصول على الدعم داخل السودان، وما يثير القلق أن هذه الجهود تجري على أسس عرقية وقبلية ومناطقية وكذلك سياسية، وكان لافتا حديث رئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة ناصر عن اعتقاده بأن الدعم السريع تبدو أكثر التزاما بإنهاء الحرب مقارنة بالقوات المسلحة السودانية، وهو ما أيدته بعض قيادات قوى الحرية والتغيير.

وواصلت المجموعات المساندة للجيش أنشطتها منذ انعقاد مؤتمر أركويت في شرق السودان، وأعرب بعض قادتهم عن تطلعهم لتشكيل حكومة لقيادة البلاد خلال هذه المرحلة، لكن تصريح البرهان في نيويورك بعدم تشكيل حكومة إلا بعد انتهاء الحرب قد يضعف آمال هؤلاء القادة.

وبينما تتواصل الرسائل المتناقضة والتحركات التكتيكية والمناورات والمواقف السياسية لقادة المعسكرات المتحاربة في السودان، لا يجب أن نغفل المعاناة الهائلة للشعب السوداني في العاصمة الخرطوم وولايات دارفور وكل أنحاء السودان الذين يموتون كل يوم آلاف المرات، ويتحملون أعباء مروعة ومصاعب لا توصف ومآس لا حصر لها، وكذلك معاناة النازحين واللاجئين الذين تقطعت بهم السبل، وعز عليها الأمان والاستقرار.

وقد حذر برنامج الأغذية العالمي أن ثلث السكان في السودان يعانون انعداما حادا في الأمن الغذائي، وحذرت الأمم المتحدة أن أكثر من 6 ملايين شخص في السودان على حافة المجاعة، مشددة على أن هذه الأعداد ستستمر في الازدياد إذا لم تصمت الأسلحة.

كما تصاعدت التحذيرات في السودان من خطورة انتشار الكوليرا وحمى الضنك والملاريا وغيرها من الأمراض التي تؤدي إلى حالات وفيات كبيرة في ظل استمرار الصراع في السودان والانهيار شبه الكامل للنظام الصحي، حيث أعلنت منظمة الصحة العالمية تفشي وباء الكوليرا وحمى الضنك في شرق السودان، ومن جانبها أكدت منظمة "أطباء بلا حدود" أن الأزمة الصحية في السودان تقتضي بذل جهود أكبر، وأن النظام الصحي ينهار في السودان تحت وطأة العنف المدمر والاحتياجات الهائلة، فيما دعت نقابة الأطباء في السودان إلى وقف الانتشار الكارثي لهذه الأمراض الذي تسبب في مئات الوفيات، والمؤكد أن حجم الكارثة الإنسانية يفطر القلب، وهو ما يتطلب اهتماما وعملا عاجلين .

فإلى متى يجب على الشعب السوداني أن يتحمل عذاب هذه الرسائل المتضاربة والمناورات السياسية والأجندات الخفية التي تتلاعب بحاضره ومستقبله، بل تعرض وحدة أمته ومصير مواطنيه للخطر.

إن هذا الوضع الخطير يعرض أمن السودان واستقرار المنطقة لخطر شديد، ويترك الباب مفتوحا على مصراعيه أمام التدخلات والصراعات الدولية، ولابد أن يعمل المعنيون بأمن السودان وسلامه على إنهاء دوامة الحرب والخراب والتدمير بوقف فوري لإطلاق النار، والالتزام الصادق بمفاوضات هادفة غير مشروطة عبر منبر جدة بالتعاون والتنسيق مع كافة المبادرات المطروحة لتضييق الخناق على المتآمرين على السودان في الداخل والخارج.

ويقف السودان الآن على مفترق طرق، فإما الدخول في مفاوضات سياسية مباشرة لإنقاذ البلاد أو الإنزلاق إلى هاوية الاضطرابات، وسيكون على الجميع الآن تحديد مواقفهم بدقة، إما مع إنهاء الحرب أو تأجيجها، مع حقن دماء السودانيين أو استمرار نزيفها، مع وحدة السودان أو تقسيمه، مع وجود السودان أو إفنائه، ففي المعارك الكبرى والقضايا المصيرية لا منطقة وسطى ولا مواقف رمادية، فالتاريخ يسجل ولن يرحم، والجميع الآن على المحك، وسيكون من يشعلون النار أول من يكتوون بها أو تلتهمهم.
Tarig Algazoli  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع الجمعیة العامة الأمم المتحدة فی السودان

إقرأ أيضاً:

المراحل العشر التي قادت فيتنام إلى عملية الريح المتكررة ضد أميركا

في ظهيرة يوم شديد الصعوبة من أبريل/ نيسان عام 1975، بثت إذاعة الجيش الأميركي خبراً مفاده أن "درجة الحرارة في سايغون تبلغ 105 درجات وترتفع"، كانت تلك رسالة مشفرة تعني أن الوضع قد وصل إلى حد الانفلات التام في أعقاب هجوم واسع لقوات حكومة فيتنام الشمالية، وأنه قد بدأ الإجلاء الفوري لجميع الأميركيين المتبقين في فيتنام، بعدما كانت الولايات المتحدة قد سحبت قواتها القتالية من فيتنام وفقا للاتفاقية الموقعة في باريس عام 1973، تاركة نحو 5000 أميركي في مهام دبلوماسية واستخباراتية.

وخلال ساعات؛ وثقت الكاميرات مشهد عشرات الأميركيين والجنود الفيتناميين الجنوبيين واقفين على سطح مبنى في سايغون (عاصمة فيتنام الجنوبية)، أعينهم معلقة بطائرة هليكوبتر أميركية تهبط على عجل. رجال ونساء وأطفال يصطفون على درج معدني ضيق، يتدافعون بحذر وخوف نحو الطائرة التي لا تسع إلا عدداً قليلاً.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2نصف مليون جندي و8 ملايين طن من القنابل.. لماذا هُزمت أميركا في فيتنام؟list 2 of 2في حال وقع المحظور النووي هل ستنحاز أميركا للهند أم باكستان؟end of list

كان ذلك المشهد ذروة عملية الإجلاء السريع التي عُرفت باسم "عملية الريح المتكررة" (Operation Frequent Wind)، وأصبحت رمزًا مريرًا لنهاية أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة في القرن العشرين.


لكن كيف وصلت فييتنام إلى هذه اللحظة؟ وكيف تحوّل بلد زراعي صغير على هامش خريطة آسيا إلى ساحة صراعٍ دوليّ دمويّ، وإلى اختبارٍ عسير لطموحات القوى الكبرى ومرآة لانكساراتها؟ ولفهم هذه التحولات التي باتت تمثل واحدة من أهم المعارك العسكرية في القرن العشرين؛ لا بد من العودة إلى البدايات؛ إلى الحسابات الجيوسياسية لحقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية وماقبل ذلك في زمن الاستعمار القديم، تلك الحسابات التي تجاوزت حدود فيتنام الضيقة وجعلت منها ساحةً لصراع استمر أكثر من عقدين من الزمن.

منذ القرن التاسع عشر؛ كانت فيتنام جزءًا من المستعمرات الفرنسية (الفرنسية) المحطة الأولى: فيتنام تحت الظل الاستعماري

منذ القرن التاسع عشر؛ كانت فيتنام جزءًا من المستعمرات الفرنسية، إلى جانب لاوس وكمبوديا (كانت الدول الثلاث تعرف باسم الهند الصينية). وكانت البلاد أشبه بساحة خلفية للإمبراطورية الفرنسية، حيث نُهبت ثرواتها الطبيعية، وقُمعت حركاتها الشعبية، وزُرعت فيها بذور الانقسام الطبقي والثقافي.

إعلان

لم تكن فيتنام تحديدا مجرد مستعمرة بعيدة، بل كانت عقدة حيوية في خريطة النفوذ الفرنسي في آسيا. ميناء "هايفونغ" التجاري الأهم في فيتنام، والمزارع التي كانت تنتج الأرز والمطاط، وخطوط السكك الحديدية التي تربط الهضاب بالمرافئ، كلها كانت تُدار لخدمة باريس، وليس لخدمة هانوي.

المحطة الثانية: فرصة خاطفة للاستقلال

في منتصف القرن العشرين، ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية؛ بدأ التوازن الاستعماري القديم يتصدع. اجتاحت اليابان الهند الصينية عام 1940، تاركة الإدارة الاسمية لفرنسا الفيشية، لكنها عمليًا أضعفت القبضة الفرنسية وأفسحت المجال لنمو تيارات المقاومة المحلية. من بين هذه التيارات، برزت شخصية استثنائية ستغيّر وجه آسيا، ويحمل الفيتناميون صورته اليوم وهم يحتفلون بالذكرى الخمسين لتوحيد بلادهم: هو تشي منه.

أسّس هو تشي منه "رابطة استقلال فييتنام" أو "الفييت مينه"، وهي حركة قومية شيوعية، مزجت بين الكفاح المسلح والتحريض الشعبي. وعندما انتهت الحرب العالمية الثانية عام 1945، وإعلان استسلام اليابان، كانت الفرصة سانحة أمام هو تشي منه، فأعلن استقلال فيتنام عن الامبراطورية اليابانية في ساحة "با دينه" بهانوي.

جنود فيتناميين خلال حرب الهند الصينية الأولى (غيتي) المحطة الثالثة: عودة الاحتلال الفرنسي

لم يعمر حلم الاستقلال طويلًا. فرنسا، التي خرجت مدمّرة من الحرب العالمية الثانية، أرادت استعادة "هيبتها" من خلال إعادة بسط نفوذها على مستعمراتها القديمة. تجاهلت إعلان الاستقلال في هانوي، ونزلت قواتها مجددًا إلى الأراضي الفيتنامية، لتبدأ بذلك حربًا دموية جديدة. وبذلك؛ وُلدت حرب الهند الصينية الأولى، والتي ستُشكّل الأساس لحرب فيتنام القادمة.

لم يكن الاستعمار هذه المرة مثل الاستعمار القديم منحصرا فقط في استغلال الموارد؛ بل برز في قلبه صراع أيديولوجي ناشئ حول رؤيتين للعالم: فرنسا التي تمثّل الغرب الرأسمالي الإمبريالي، وفيتنام التي بدأت تتجه نحو الفكر الشيوعي، مدفوعة بإرث الاحتلال، وبحلم العدالة الاجتماعية.

إعلان

كانت التربة الفيتنامية قد تشبعت بما يكفي من الغضب، وكان المشهد الإقليمي والعالمي مهيأً لانفجار طويل الأمد، لن ينتهي إلا بعد ثلاثة عقود من الدم والنار.

المحطة الرابعة: "ديان بيان فو" حيث دفنت فرنسا رايتها وورثت أمريكا عبء الإمبراطورية

في وادٍ بعيد تحيط به التلال شمالي غرب فيتنام، خسرت فرنسا آخر رهاناتها الاستعمارية الكبرى. بدأت المعركة في مارس 1954، واستمرت 57 يومًا من القصف والحصار والنار. حاصرت المقاومة الفيتنامية بقيادة  فو نغوين جياب الجنود الفرنسيين. واعتبرت المعركة لاحقا  أحد الدروس التاريخية المذهلة في فنون وتكتيكات حرب العصابات وقدرتها على التفوق على الجيوش النظامية.

وفي السابع من مايو 1954، استسلمت القوات الفرنسية في ديان بيان فو، بينما كانت قادة فرنسا يبحثون في جنيف عن مخرج مشرّف. وفي يوليو 1954، اجتمع القوى الكبرى في العالم في مؤتمر جنيف، حيث تقرر تقسيم فييتنام مؤقتًا على طول خط العرض 17، الشمال بقيادة هو تشي منه الشيوعي، عاصمته هانوي. والجنوب بقيادة نظام مدعوم من الغرب، برئاسة إمبراطور صوري ثم رئيس فعلي هو نغو دينه ديم. لكن الاتفاق نص أيضًا على إجراء انتخابات وطنية موحدة عام 1956، لكنها لم تحدث، لأن الولايات المتحدة خشيت من فوز الشيوعيين.

من هنا، بدأت واشنطن تتدخل في فييتنام. لم يكن هناك إنزال عسكري بعد، وكانت الولايات المتحدة آنذاك تخشى من ما يسمى "تأثير الدومينو": إذا سقطت فييتنام في يد الشيوعية، ستتبعها لاوس وكمبوديا وتايلاند، وربما تصل العدوى إلى أستراليا! وهكذا، تحوّلت فييتنام من ساحة استعمار قديم إلى مسرح للصراع الأيديولوجي العالمي الذي تصاعد بعد الحرب الباردة.

كانت الولايات المتحدة آنذاك تخشى من ما يسمى "تأثير الدومينو"، فإذا سقطت فييتنام في يد الشيوعية، ستتبعها لاوس وكمبوديا وتايلاند، وربما تصل العدوى إلى أستراليا (غيتي) المحطة الخامسة: تقسيم البلاد وصعود ديان دينه ديم

انتهى الوجود الفرنسي رسميًا في جنوب فييتنام في أبريل 1956، وبقيت البلاد منقسمة بحكم الواقع بين حكومة “جمهورية فييتنام” في الجنوب، وحكومة “جمهورية فييتنام الديمقراطية” بقيادة هو تشي منه في الشمال.

إعلان

دشن ديان دينه ديم (حليف أمريكي) سياسة أيديولوجية قومية وعنيفة ضد المعارضين داخليًا، معطياً امتيازات واسعة للكاثوليك وهو ما أشعل اضطرابات اجتماعية وانتفاضات بوذية ضد حكمه. عام 1960 تأسست «جبهة التحرير الوطني» المعروفة بـ"الفيت كونغ" لإعادة توحيد كل قوى المعارضة في الجنوب تحت قيادة الشمال​. اعتمدت الفيت كونغ على تكتيكات حرب العصابات وبنية تحتية سرية في الدول المجاورة من الهند الصينية لتأمين الإمداد اللوجيستي.

المحطة السادسة: خليج تونكين؛ الذريعة التي فتحت أبواب الجحيم

في أغسطس من عام 1964، زعمت البحرية الأمريكية أن مدمّرتها يو إس إس مادوكس تعرّضت لهجوم من زوارق طوربيد فيتنامية شمالية في خليج تونكين. لم تكن التفاصيل واضحة، والصور غير حاسمة، لكن الرئيس ليندون جونسون لم يحتج لأكثر من هذه الشرارة لطلب تفويض مطلق من الكونغرس لاستخدام القوة في فييتنام. وهكذا، صدر قرار خليج تونكين، الذي منح البيت الأبيض يدًا طليقة لشن الحرب دون إعلان رسمي.

كانت الحادثة التي لا يزال الجدل قائمًا حول صحتها الكاملة نقطة تحوّل فاصلة، إذ انتقلت أمريكا من دور المستشار والراعي في الظل إلى قوة محتلة، تمطر الأدغال الفيتنامية بعشرات الآلاف من الجنود والقنابل.

وبحلول عام 1965، بدأ التصعيد العسكري الكبير: إرسال أولى وحدات القتال، ثم القصف الجوي المكثف على شمال فييتنام في حملة سُمّيت "رعد متواصل" (Operation Rolling Thunder).

مع تصاعد عدد القتلى، وغياب أفق النصر، بدأ الرأي العام الأميركي ينقلب تدريجيًا على الحرب (أسوشيتد برس) المحطة السابعة: أميركا ضد نفسها

مع تصاعد عدد القتلى، وغياب أفق النصر، بدأ الرأي العام الأميركي ينقلب تدريجيًا على الحرب. اللحظة المفصلية جاءت عام 1968، بعد هجوم مفاجئ شنّه الفيتكونغ في رأس السنة القمرية (هجوم تيت) على عشرات المدن في الجنوب، بما فيها سايغون نفسها. ورغم أن الهجوم ألحق خسائر هائلة بالمقاومين الفيتناميين وربما يعتبر خسارة عسكرية، إلا أنه زلزل ثقة الأمريكيين بقدرتهم علي تحقيق النصر. فقد بدا لهم كأن العدو "المنهك" لا يزال قادرًا على الضرب بقوة في عمق المناطق الآمنة، سيظل كذلك.
المحطة الثامنة: "فتنمة الحرب".

إعلان

حين تولّى ريتشارد نيكسون الرئاسة في الولايات المتحدة عام 1969، كانت فييتنام قد أصبحت كابوسًا سياسيًا وعسكريًا. أدرك نيكسون أن النصر الكامل مستحيل، لكنه لم يشأ الانسحاب فجأة. فطرح استراتيجية سمّاها: "فتنمة الحرب" (Vietnamization)، أي تحويل عبء القتال إلى الجيش الفيتنامي الجنوبي، بينما تبدأ القوات الأمريكية بالانسحاب التدريجي.

المرحلة التاسعة: رحيل آخر الجنود المقاتلين

لم تكن "فتنمة الحرب" أكثر من محاولة لتأجيل الهزيمة، لا تجنّبها. فالجيش الجنوبي كان ضعيف التدريب، ويفتقر للحافز القتالي، في حين كان الشمال يزداد صلابة. في الوقت نفسه، وسّع نيكسون الحرب عبر قصف كمبوديا ولاوس بحجة ضرب خطوط الإمداد الفيتنامية (طريق هو تشي منه)، ما أدى إلى توسيع رقعة الصراع، وخلق المزيد من الفوضى في المنطقة، وأشعل المعارضة داخل الولايات المتحدة.

لم يستجب الفيتناميون لرغبة الأمريكان في التفاوض مباشرة، واستمروا في إلحاق الخسائر بهم، حتى عام 1973 حين وقّعت أميركا اتفاقية باريس للسلام مع حكومة فيتنام الشمالية، معلنة انسحابها الرسمي من الحرب، بعد أن خسرت أكثر من 58 ألف جندي، وأبقت على نحو 5000 آلاف جندي فقط في مهام غير قتالية.

 

المحطة العاشرة: سقوط سايجون

في ربيع عام 1975، بدأ الجيش الشمالي الزحف النهائي نحو العاصمة الجنوبية سايغون. كانت القوات الفيتنامية الشمالية مدعومة بخبرة طويلة، وعقيدة قتالية متماسكة، بينما كان الجنوب، رغم الأسلحة الأمريكية المتروكة، منهارًا معنويًا. سقطت المدن الواحدة تلو الأخرى، بلا مقاومة تُذكر. أما واشنطن، فقد اكتفت بالمراقبة، بعد أن قطعت المساعدات العسكرية.

في 30 أبريل 1975، دخلت دبابات الشمال سايغون. لم تكن هناك معركة حقيقية. رفع الجنود علمهم الأحمر بنجمة صفراء فوق القصر الرئاسي، وانتهت الجمهورية الفيتنامية الجنوبية إلى الأبد. لم يُعلن عن هزيمة أمريكية رسميًا، لكنها بقيت محفورة ومستقرة في التاريخ العسكري والاستراتيجي: أن الفيتناميين هزموا الولايات المتحدة.

إعلان

 

مقالات مشابهة

  • وزير العدل يؤكد مواصلة ملاحقة كل الدول التي اجرمت في حق الشعب السوداني
  • الحرب السودانيه تفاهمات العودة لمنبر جدة واخفاقات مؤتمر لندن
  • حرب السودان في عامها الثالث: الجيش يتقدم وانتهاكات جديدة بواسطة الدعم السريع
  • مفوض حقوق الإنسان: الرعب الذي يتكشف في السودان لا حدود له
  • ???? من أشعل الحرب في السودان ؟ الجيش السوداني أم الدعم السريع؟
  • البرهان يعين "الحاج" رئيسًا جديدًا للحكومة في السودان
  • المراحل العشر التي قادت فيتنام إلى عملية الريح المتكررة ضد أميركا
  • السودان.. تكليف السفير عمر محمد أحمد صديق وزيرًا للخارجية
  • البرهان يعين دبلوماسيا سودانيا سابقا رئيسا جديدا للحكومة
  • تصريحات البرهان حول «اللساتك» تثير غضب ثوار ديسمبر في السودان