رأي.. بشار جرار يكتب عن تطبيع بين السعودية وإسرائيل: تمام السلام على خير
تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT
هذا المقال بقلم بشار جرار، متحدث ومدرب غير متفرغ مع برنامج الدبلوماسية العامة - الخارجية الأمريكية، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.
مضى أسبوع على مقابلة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان التي سبقها وتلاها كلام ما كان بعضه من على منبر الأمم المتحدة، وما زالت الصورة غير واضحة فيما يخص اتفاق تطبيع يرجح إن تم، فإنه سيكون من نصيب الإدارة الأمريكية المقبلة، بقت أم تغيرت.
.
"هو أقرب كل يوم"، ردا على سؤال تتابعيّ حول اتفاق تطبيع بين السعودية وإسرائيل، لمذيع فوكس نيوز، الصحفي المخضرم بريت بير. خلافا لما تردد عن قطع المفاوضات التي أطلقتها وترعاها واشنطن منذ مدة من الواضح أنها ليست قصيرة، فإن كل يوم تمر فيه تلك المفاوضات تحرز تقدما، بحسب إجابة قائد السعودية الشاب، في كنف الملك سلمان بن عبد العزيز، الرجل الذي خدم عن قرب ملوكا سبقوه في التعامل مع ملفات السلام والقضية الفلسطينية، زهاء ثلاثة أرباع القرن.
أبرز أولئك الملوك، فهد وعبدالله، وقد كانا السبّاقين في مبادرات لا تقتصر على ما يعني المصالح السعودية الوطنية، مبادرة فهد عندما كان وليًا لعهد الملك خالد الذي تولى الحكم خلفا للملك فيصل، كانت مبادرة عربية، تبلورت بقرار اعتمادها في قمة بيروت كمبادرة عربية -لا سعودية- للسلام. وقد تعاملت إدارات سعودية متعاقبة وكذلك عربية، مع إدارات من الحزبين، من الرئيس الأسبق (الديمقراطي) جيمي كارتر (عراب كامب ديفيد، أول اتفاق سلام بين العرب وإسرائيل) والرئيس الراحل (الجمهوري) رونالد ريغان، والحالي الرئيس جو بايدن (ديمقراطي) الذي بدا منه خلال الحملة الانتخابية وبدايات رئاسته ما لا ينطبق على حاله منذ القمة التي حضرها في الرياض قبل عامين، ثلاثيا مع السعودية، والقادة العرب والقادة الخليجيين. لم تعد السعودية "منبوذة" كما هدد وتوعّد، بل موضع ما وصفته رسمات فناني الكاريكاتور الأمريكيين وسواهم، بـ "المتسول طلبا لودّ ولي العهد السعودي.
لكن -وباختصار- فإن رمزية اتفاق تطبيع -أي اتفاق- لن يكون الأول لا شرق أوسطيا ولا عربيا ولا إسلاميا ولا خليجيا ولا حتى سعوديا. تركيا و-إيران قبل الخميني-، سبقت بما هو أكثر من التطبيع إلى ما يعني عمليا التحالف العسكري والتكامل الاقتصادي (انظر تصريحات الرئيس التركي الأخيرة في نيويورك) وكذلك التطبيع في عدد من الدول العربية والفلسطينيين الذي أبرموا اتفاقات سلام فيها تطبيع اقتصادي بلغ حد التكامل لا مجرد التعاون، انظر إلى قطر خليجيا، ومرة أخرى الفلسطينيين كمنظمة بجميع فصائلها، حتى حماس وحزب الله وبكل ارتباطاتهما بالحرس الثوري الإيراني، قامتا بالتطبيع الذي تسارعت خطاه على أمل اتفاق إيران الجديد مع إدارة بايدن، وعلى هامش تداعيات الضمان الصيني للاتفاق الإيراني السعودي. التطبيع لبنانيا، حاصل برسم الحدود المائية والتفاهم حول حقول الغاز البحرية، والآن التقدم جار فيما يخص الحدود البرية، على قدم وساق.. حتى سعوديا، كانت المؤشرات الجلية في التطبيع، بشكل أولي وتدريجي عبر مبادرات حوار الأديان ومن بينها اليهودية، ثم تلك الفيديوهات الرائجة عبر منصات التواصل الاجتماعي بين "مؤثرين" غير رسميين من الجانبين، يؤكدون قرب السلام وليس مجرد التطبيع بين السعودية وإسرائيل. فتح الأجواء بين البلدين أمام الطيران المدني الإسرائيلي والتجاري الدولي تم في عهد إدارتي دونالد ترامب السابقة وبايدن الحالية. فيما موقف الرياض الداعم لجميع ما أثمرت عنه اتفاقات إبراهيم خاصة الإمارات والمغرب، تشير بوضوح إلى أن الهدف هو السلام الإقليمي لغايات تنموية لا مجرد تطبيع مرحلي أو منفرد..
في المقابل، ثمة إشارات لافتة قبل مقابلة الأمير محمد فيها الكثير الذي ستجلّيه السنوات ولربما الأشهر المقبلة. لمَ خلت كلمة الرئيس الفلسطيني في الأمم المتحدة، من الإشارة للوصاية الهاشمية والرعاية الأردنية للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس؟ لمَ خلت مقابلة ولي العهد السعودي من استخدام مصطلح "دولة" عند الحديث عن شرط تحقيق العدل للفلسطينيين واستردادهم حقوقهم؟ لم حذّر العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني من "القفز" على حقوق الفلسطينيين في المشاريع التنموية القائمة أو المستقبلية في الشرق الأوسط؟ ماذا تعني إشارة ملك الأردن إلى ما يمكن فهمه احتمال أو قرب تشكّل أو تشكيل "قيادة" جديدة للفلسطينيين؟ الأهمية تكمن هنا في فهم السياق لا اجتزائه، فكل ما جرى على مدى قرن، وليس منذ اتفاق غزة أريحا أولا، وفي ظل الانقسام الفلسطيني والاحتراب الذي ما زال عصيا على المصالحات كلها حتى في ظلال أستار الكعبة في اتفاق مكة بين حماس وفتح قبل سنوات، كل ذلك من شأنه الدفع ذاتيا، وليس بالضرورة تحفيزيا أو رعويا، بقيام من أو ما، سيرث الوضع الراهن في أراضي السلطة الفلسطينية.
في ضوء اللاءات الأردنية، واستمرار الرفض العربي الرسمي أو الظاهريّ لصفقة القرن، فإن الأحوال قد تتغير في حال عودة ترامب والتي هي الأخرى تبدو "أقرب" كل يوم في حال نجاته، قضائيا وسياسيا.
الرابح في كل ما تقدم، هو ذلك الذي لا يعاني من ضغوط على الإطلاق، أو ذلك الذي يستطيع مقاومتها وتوظيفها لصالح بلاده. وهذا تماما ما يعني تمام السلام أو التطبيع على خير، هل يحقق سيادة الدول المعنية به أم لا؟ لم يتغير شيء منذ فهم جوهر الصراع وقدرات أطرافه قبل زهاء قرن، منذ عهد الملك المؤسس للمملكة الأردنية الهاشمية، عبدالله الأول بن الحسين بن علي، الذي نصح العرب بقبول قرار التقسيم الأممي، الذين يتفاوضون ويتناحرون الآن على ما هو أقل، منه بكثير، وبتآكل يزداد كل يوم أكثر..
المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: الأمير محمد بن سلمان القضية الفلسطينية بنيامين نتنياهو رأي کل یوم
إقرأ أيضاً:
بعد معارضة اتفاق أوباما.. لماذا تدعم السعودية اتفاق ترامب مع إيران؟
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرًا سلّطت فيه الضوء على التحوّل اللافت في موقف السعودية من البرنامج النووي الإيراني، إذ انتقلت من معارضة شديدة لاتفاق إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما إلى دعم المفاوضات التي تقودها إدارة دونالد ترامب الثانية، رغم التشابه الكبير في ملامح الاتفاقين.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن السعودية عبّرت قبل عشر سنوات عن استيائها من الاتفاق النووي الذي وقّعه أوباما مع إيران، واعتبره المسؤولون السعوديون "اتفاقًا ضعيفًا" عزّز من نفوذ خصمهم الإقليمي. وحين قرر الرئيس دونالد ترامب لاحقًا الانسحاب من الاتفاق، قوبل قراره بترحيب سعودي واسع.
أما اليوم، ومع انخراط إدارة ترامب الثانية في مفاوضات جديدة مع إيران حول اتفاق مشابه، فقد بدا أن الموقف السعودي قد تغيّر جذريًا؛ إذ أصدرت وزارة الخارجية بيانًا أعربت فيه عن أمل المملكة في أن تُفضي المحادثات، التي تجري بوساطة سلطنة عُمان، إلى تعزيز "السلام في المنطقة والعالم".
وأشارت الصحيفة إلى أن ولي العهد محمد بن سلمان أرسل شقيقه، وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان، في زيارة رسمية إلى طهران، حيث استُقبل بحفاوة من قبل مسؤولين إيرانيين يرتدون الزي العسكري، وسلّم رسالة شخصية إلى المرشد الأعلى علي خامنئي، الرجل الذي سبق أن شبّهه محمد بن سلمان بـ “هتلر".
وأفادت الصحيفة أن ما تغيّر هو تحسّن العلاقات بين الرياض وطهران خلال العقد الأخير، بالإضافة إلى تحوّل الأولويات السعودية نحو التنمية الاقتصادية وتقليل الاعتماد على النفط، وتحويل المملكة إلى مركز عالمي في مجالات الأعمال والتكنولوجيا والسياحة. غير أن التهديد المحتمل لهجمات إيرانية باستخدام طائرات مسيّرة أو صواريخ في ظل تصاعد التوترات، يمثل خطرًا حقيقيًا على هذه الرؤية.
ونقلت الصحيفة عن كريستين سميث ديوان، الباحثة في معهد دول الخليج العربي في واشنطن، قولها: "الذهنية تغيّرت اليوم؛ ففي عهد أوباما، كانت دول الخليج تخشى تقاربًا أمريكيًا–إيرانيًا يعزلها، أما اليوم، فهي تخشى من تصعيد بين الطرفين يجعلها في قلب الاستهداف".
وأضافت الصحيفة أن إيران والولايات المتحدة اختتمتا مؤخرًا جولة ثانية من المحادثات النووية، واتفقتا على جدول أعمال لتسريع وتيرة التفاوض، بينما لا تزال أهداف ترامب غير واضحة سوى تأكيده المستمر على أن إيران "يجب ألا تمتلك سلاحًا نوويًا". وفي المقابل، تقول طهران إن الاتفاق الجاري بلورته لا يشترط تفكيك بنيتها النووية الحالية.
وبيّنت الصحيفة أن دولًا عربية، مثل السعودية ومصر والأردن وقطر والبحرين، أعلنت تأييدها للمحادثات، مفضّلة المسار الدبلوماسي على الدخول في صراعات عسكرية جديدة.
وكتب وزير خارجية سلطنة عمان، بدر البوسعيدي، على منصة "إكس" قائلاً: "هذه المحادثات تكتسب زخمًا، وحتى ما كان يُظن مستحيلًا أصبح ممكنًا".
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه المفاوضات تجري في ظل تصاعد حاد في التوترات الإقليمية، حيث تواصل الولايات المتحدة شنّ ضربات جوية على الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، بينما تشتدّ الضربات الإسرائيلية على قطاع غزة. وفي الوقت نفسه، هدّد الرئيس ترامب الشهر الماضي بقصف إيران إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن برنامجها النووي.
وأضافت الصحيفة أن "إسرائيل" كانت قد وضعت خططًا لتوجيه ضربات إلى منشآت نووية إيرانية اعتبارًا من الشهر المقبل، إلا أن ترامب أقنعها بالتراجع مؤقتًا، مفضلًا إعطاء فرصة للمفاوضات مع طهران بهدف تقييد برنامجها النووي، بحسب ما نقله مسؤولون أميركيون ومطلعون على المحادثات.
وقالت الصحيفة إن فراس مقصد، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة أوراسيا للاستشارات السياسية، يرى أن "دول الخليج، أكثر من أي وقت مضى، باتت تسعى إلى الحفاظ على الاستقرار والوضع القائم، باعتباره شرطًا أساسيًا لتحقيق رؤاها الاقتصادية الطموحة. ولذلك فهي تفضّل التعامل مع إيران دبلوماسيًا للحد من أنشطتها المزعزعة وبرنامجها النووي".
وأفادت الصحيفة بأن السعودية ذات الأغلبية السنية وإيران ذات الأغلبية الشيعية لطالما دعمتا أطرافًا متصارعة في نزاعات المنطقة، أبرزها الحرب في اليمن، التي أسفرت عن واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. ولم تكن بينهما أي علاقات دبلوماسية منذ عام 2016 وحتى المصالحة في 2023، وقد اتّسمت علاقاتهما خلال تلك الفترة بالعداء العلني.
وأشارت الصحيفة إلى أن ولي العهد محمد بن سلمان كان قد هدّد مرارًا بأن بلاده ستسعى لامتلاك سلاح نووي إذا ما حصلت إيران عليه. كما أعادت إدارة ترامب من جانبها إحياء محادثات بشأن اتفاق نووي يسمح للسعودية بالوصول إلى التكنولوجيا النووية الأميركية، وربما تخصيب اليورانيوم.
غير أنه في سنة 2023، أعلنت السعودية وإيران عن مصالحة رسمية بوساطة صينية، بعد أن تحوّل تركيز السياسة الخارجية لولي العهد السعودي نحو تهدئة التوترات في المنطقة.
وقالت الصحيفة إن السعودية، بصفتها حليفًا رئيسيًا للولايات المتحدة، تُعدّ هدفًا مباشرًا لأي ردود إيرانية حين تسعى طهران لاستهداف المصالح الأميركية. ويجعل قربها الجغرافي من إيران من السهل على وكلاء طهران تنفيذ هجمات داخل أراضيها. ففي عام 2019، تعرّضت إحدى أبرز منشآت النفط السعودية لهجوم معقّد نفذته جماعات مدعومة من إيران. وقد عبّر المسؤولون السعوديون حينها عن خيبة أملهم من الحماية الأميركية، وهو ما دفعهم إلى تفضيل المسار التفاوضي مع إيران بدلاً من المواجهة المستمرة.
وقالت الباحثة كريستين ديوان: "اليوم، تبدو المكاسب المحتملة من التفاوض أكثر جاذبية من مخاطر اندلاع حرب إقليمية شاملة".
وذكّرت الصحيفة أنه قبل عقد من الزمن، شعر قادة الخليج بأنهم مستبعدون من المفاوضات مع إيران، إلا أن الوضع تغيّر، إذ قامت إيران مؤخرًا بتكثيف التواصل الإقليمي، بحسب سنام وكيل، مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في معهد "تشاتام هاوس".
وفي الختام، نقلت الصحيفة عن وكيل قولها: "ما كان لافتًا بعد الجولة الأولى من المفاوضات هو أن وزير الخارجية الإيراني تواصل مع نظرائه، بمن فيهم وزير خارجية البحرين". وأضافت: "إيران تسعى إلى كسب دعم إقليمي، ودول الخليج لا تكتفي بتأييد المفاوضات، بل تسعى أيضًا إلى تجنّب أي تصعيد قد يُهدد أمنها الاقتصادي والوطني".