المقدسيون.. خط الدفاع الأول لإفشال تهويد الأقصى
تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT
القدس المحتلة - رنا شمعة - صفا
لم يتوان المقدسيون يومًا في الدفاع عن المسجد الأقصى المبارك، ووقفوا سندًا منيعًا أمام إجراءات الاحتلال الإسرائيلي ومخططاته الهادفة لفرض وقائع جديدة على المسجد، وأثبتوا برباطهم وصمودهم أنهم أصحاب الحق في هذا المكان المقدس بكامل مساحته البالغة 144 دونمًا.
وشكل انتصار المقدسيين في عديد من الهبات الشعبية التي انطلقت دفاعًا عن المسجد الأقصى، مرحلة جديدة في تاريخ الصراع الديني حول المسجد، والحفاظ على هويته الإسلامية العربية، في ظل استمرار محاولات الاحتلال لطمسها ومحوها.
ومنذ اندلاع شرارة انتفاضة الأقصى عام 2000، عقب اقتحام زعيم المعارضة آنذاك اليميني المتطرف أرئيل شارون المسجد المبارك، شكل المقدسيون نقطة تحول جديدة في التصدي للاعتداءات والاقتحامات الإسرائيلية المتواصلة، معتبرين "المساس به خطًا أحمر".
وشكلت الهبات المقدسية من "البوابات الإلكترونية"، إلى "باب الرحمة"، و"باب العامود"، والشيخ جراح، وغيرها، لحظات فارقة في تاريخ القدس والأقصى، وأفشلت مخططات الاحتلال الرامية لتهويد المسجد وتقسيمه زمانيًا ومكانيًا، وإحداث تغيير جوهري في المكان.
خط الدفاع الأول
الناشط المقدسي صالح ذياب يقول إن المقدسيين يُشكلون خط الدفاع الأول عن المسجد الأقصى، ورغم محاولات الاحتلال المستمرة لتفريغ المسجد بالاعتقال والإبعاد والملاحقة، إلا أن تمكنوا من مواجهة مشاريعه التهويدية، والتصدي لها برباطهم وتواجدهم.
ويوضح ذياب، في حديث لوكالة "صفا"، أن المقدسيين لعبوا دورًا مهمًا وفاعلًا في الدفاع عن المسجد، والعمل لأجل نصرته وتحريره من الاحتلال، ومنهم من قدم روحه في سبيل الأقصى، وحمايته من غطرسه الاحتلال وعنجهيته المتواصلة ضده.
ويضيف أن إجراءات الاحتلال بحق الأقصى، ولاسيما فترة الأعياد اليهودية أحدثت تأثيرًا كبيرًا على الأقصى ورواده، من حيث زيادة الاقتحامات، وعمليات الإبعاد وإفراغه من الفلسطينيين، بعدما حول المدينة المقدسة وبلدتها القديمة إلى ثكنة عسكرية.
ورغم هذه الإجراءات، إلا أن المقدسيين يُواصلون أداء كل الصلوات داخل الأقصى، ويُصرون على التواجد والرباط الدائم داخله، وإعداد وجبات الإفطار، ولعب كرة القدم في ساحاته، من أجل استمرار إعماره، وإفشال مشاريع التهويد بحقه.
ويتابع أن "أهل القدس يتعرضون لضغوطات إسرائيلية كبيرة، ويُبعدون ويُعتقلون وتُهدم منازلهم، في سبيل الحفاظ على الأقصى وحمايته".
ويؤكد الناشط المقدسي أن المسجد الأقصى بكامل مساحته حق خالص للمسلمين وحدهم، لا يُمكن تقسيمه أو التنازل عنه بأي شكل من الأشكال.
"سند منيع"
أما المرابطة المقدسية هنادي الحلواني فتقول: "منذ اليوم الأول لشرعنة المتطرف شارون اقتحامات الأقصى، بات وضع المسجد مرعبًا وأشد خطورة من قبل، نتيجة تصاعد وتيرة الاقتحامات، واستغلال الاحتلال للمواسم الدينية اليهودية".
وتؤكد الحلواني، في حديثها لوكالة "صفا"، أن رباط المقدسيين في ساحات الأقصى وصمودهم شكل درعًا حاميًا للمسجد، بالرغم من محاولة الاحتلال تجفيف كل ما يمكن أن يُساعد على التواجد داخله، من خلال عشرات أوامر الاعتقال الاحترازية والإبعاد.
وتضيف أن "المقدسيين جسدوا الدور الأكبر والأنجع في حماية الأقصى، عبر الرباط والتواجد في ساحاته في كل وقت وحين، وخاصة أوقات الاقتحامات، بالإضافة إلى دورهم في إفشال مخطط الاحتلال لوضع كاميرات المراقبة والبوابات الإلكترونية على أبوابه، وإعادة إغلاق مصلى باب الرحمة".
"ودائمًا يظن الاحتلال أنه وصل إلى مرحلة يستطيع خلالها الاستفراد بالمسجد الأقصى، واستكمال مخططه، والانتقال لمرحلة أعمق، إلا أن هبات الشارع الفلسطيني والمقدسي، وإرادة المرابطين تقلب المعادلة فجأة وتُغير مسار المخطط التهويدي للمسجد المبارك"، وفق الحلواني.
وتتابع المرابطة "في كل مرة يتعثر الاحتلال ويتحطم على صخرة ثبات وصمود المرابطين والمقدسيين وهباتهم الشعبية التي تعتبر حجر عثرة على طريق إفشال مخططه التهويدي".
وتشدد على ضرورة الحث على الرباط وشد الرحال إلى الأقصى من كل مناطق القدس والداخل الفلسطيني المحتل، لأن الاحتلال بدأ يسير في مسار التقسيم المكاني بأماكن معينة داخل المسجد.
بدورها، تقول المرابطة المقدسية عايدة الصيداوي: إن "الله اختار المقدسيين ليكونوا خط الدفاع الأول عن الأقصى، ونحن صامدون ثابتون، ولن يثنينا الإبعاد عن مواصلة دورنا في حمايته والدفاع عنه بكل ما نملك".
وتضيف، في حديثها لوكالة "صفا"، "لكن أهل القدس بحاجة ماسة لمن يُساندهم ويدعمهم من داخل فلسطين وخارجها، وعدم تركهم في الميدان وحدهم، في ظل تشديد الإجراءات الإسرائيلية بحقهم، وإغلاق البلدة القديمة ومنعهم من الوصول للمسجد، خلال الأعياد".
المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية
كلمات دلالية: المسجد الأقصى تهويد الأقصى استيطان الاحتلال القدس البلدة القديمة خط الدفاع الأول المسجد الأقصى عن المسجد
إقرأ أيضاً:
من هو الشهيد محمد الضيف؟.. مرعب إسرائيل الذي أرهق الإحتلال لثلاثة عقود
أعلنت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، مساء الخميس 30 يناير 2025، استشهاد قائدها العام محمد الضيف، بعد مسيرة طويلة، توجها بعمليتي "سيف القدس" (2021) و"طوفان الأقصى" (2023).
ولم توضح القسام، في كلمة مصورة لمتحدثها أبو عبيدة، ظروف استشهاد الضيف الملقب بـ"أبو خالد"، واكتفت بالإشارة إلى أنه ارتقى في ساحات القتال بقطاع غزة ضد إسرائيل "مقبلا غير مدبر".
ونعاه أبو عبيدة قائلا إنه "استشهد هو وثلة من الرجال العظماء أعضاء المجلس العسكري العام للكتائب في خضم معركة طوفان الأقصى حيث مواطن الشرف والبطولة والعطاء".
وأضاف أن هؤلاء القادة "حققوا مرادهم بالشهادة في سبيل الله التي هي غاية أمنياتهم كختام مبارك لحياتهم الحافلة بالعمل في سبيل الله، ثم في سبيل حريتهم ومقدساتهم وأرضهم".
وشدد على أن "هذا ما يليق بقائدنا محمد الضيف الذي أرهق العدو منذ أكثر من 30 سنة، فكيف بربكم لمحمد الضيف أن يُذكر في التاريخ دون لقب الشهيد ووسام الشهادة في سبيل الله؟".
وعلى مدى سنوات، نفذت إسرائيل محاولات عديدة لاغتيال الضيف، لكنها فشلت في تحقيق هدفها، رغم إصابته في إحدى تلك المحاولات.
آخر محاولة لاغتياله أعلنتها إسرائيل كانت في 13 يوليو/ تموز 2024، حين شنت طائرات حربية غارة استهدفت خيام نازحين في منطقة مواصي خان يونس جنوب غزة، التي صنفها الجيش الإسرائيلي بأنها "منطقة آمنة"، ما أسفر عن استشهاد 90 فلسطينيا، معظمهم أطفال ونساء، وإصابة أكثر من 300 آخرين.
لكن "القسام" نفت آنذاك صحة اغتياله، قائلة: "هذه ليست المرة الأولى التي يدعي فيها الاحتلال استهداف قيادات فلسطينية، ويتبين كذبها لاحقا، وإن هذه الادعاءات الكاذبة إنما هي للتغطية على حجم المجزرة المروعة".
** فمن محمد الضيف؟
ولد محمد دياب إبراهيم الضيف عام 1965، لأسرة فلسطينية لاجئة عايشت كما آلاف العائلات الفلسطينية آلام اللجوء عام 1948؛ لتعيش رحلة التشرد في مخيمات اللاجئين قبل أن تستقر في مخيم خان يونس جنوبي قطاع غزة.
وفي سن مبكرة، عمل الضيف في أكثر من مهنة ليساعد أسرته الفقيرة، فكان يعمل مع والده في محل "للتنجيد".
درس الضيف في كلية العلوم في الجامعة الإسلامية بغزة، وخلال هذه الفترة برز طالبا نشيطا في العمل الدعوي والطلابي والإغاثي، كما أبدع في مجال المسرح، وتشبع خلال دراسته الجامعية بالفكر الإسلامي.
وبدأ نشاطه العسكري أيام الانتفاضة الفلسطينية الأولى، حيث انضم إلى حماس في 1989، وكان من أبرز رجالها الميدانيين، فاعتقلته إسرائيل في ذلك العام ليقضي في سجونها سنة ونصفا دون محاكمة بتهمة "العمل في الجهاز العسكري لحماس".
وأوائل تسعينيات القرن الماضي، انتقل الضيف إلى الضفة الغربية مع عدد من قادة "القسام" في قطاع غزة، ومكث فيها مدة من الزمن، وأشرف على تأسيس فرع لكتائب القسام هناك.
في عام 2002، تولى قيادة كتائب القسام بعد اغتيال قائدها صلاح شحادة.
** مدافع عن القدس والأقصى
وعلى مدار حياته وقيادته في القسام، انشغل الضيف بالدفاع عن القدس والمسجد الأقصى في مواجهة اعتداءات إسرائيل.
هذا الأمر جعل اسمه يترد في الهتاف الشهير "إحنا رجال محمد ضيف" الذي بات يردده الفلسطينيون بالمسجد الأقصى في مواجهة الاقتحامات الإسرائيلية له، رغم أنهم لا يهتفون عادة لأي شخصية سياسية سواء كانت فلسطينية أو عربية أو إسلامية.
وبدأ الشبان الفلسطينيون في ترديد هذا الهتاف بمنطقة باب العامود، أحد أبواب بلدة القدس القديمة، في بداية شهر رمضان عام 2021 الذي وافق آنذاك 13 أبريل/ نيسان، حينما كانوا يحتجون على إغلاق الشرطة الإسرائيلية المنطقة أمامهم.
وبعد احتجاجات استمرت أكثر من أسبوعين، تخللها إطلاق أكثر من 45 صاروخا من غزة، على تجمعات إسرائيلية محاذية له، تراجعت إسرائيل وأزالت حواجزها من باب العامود.
وآنذاك، حذر الضيف إسرائيل من مغبة الاستمرار في سياساتها في القدس.
ولاحقًا، تكرر اسم الضيف في مظاهرات تم تنظيمها في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية، احتجاجا على قرارات إخلاء عشرات العائلات الفلسطينية من منازلها في الحي لصالح مستوطنين.
وعلى إثر ذلك، خصّ الضيف، في بيان صدر في 4 مايو/ أيار 2021، سكان الشيخ جراح بأول إطلالة بعد سنوات من الاختفاء الإعلامي.
إذ قال إنه يحيي "أهلنا الصامدين في حي الشيخ جراح في القدس المحتلة"، مؤكدا أن "قيادة المقاومة والقسام ترقب ما يجري عن كثب”.
ووجه "تحذيرا واضحا وأخيرا للاحتلال ومغتصبيه بأنه إن لم يتوقف العدوان على أهلنا في حي الشيخ جراح في الحال، فإننا لن نقف مكتوفي الأيدي وسيدفع العدو الثمن غاليا”.
وبعد أكثر من عامين من ذلك التاريخ، عاد الضيف للدفاع عن المسجد الأقصى، عبر عملية "طوفان الأقصى"، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، الذي يُعتبر من مهندسيها.
إذ كان من أبرز مبررات إقدام "القسام"، على تلك العملية، تمادي إسرائيل في العدوان على القدس والمسجد الأقصى.
وعلى مدى نحو عقدين من الزمن، جاء الضيف على رأس قائمة الأشخاص الذين تريد إسرائيل تصفيتهم، حيث تتهمه بالوقوف وراء عشرات العمليات العسكرية في بداية العمل المسلّح لكتائب القسام.
ويفتخر جل الفلسطينيين بالضيف وبما حققه من أسطورة في التخفي عن أعين إسرائيل عقودا من الزمن، ودوره الكبير في تطوير الأداء العسكري اللافت لكتائب القسام، وخاصة على صعيد الأنفاق والقوة الصاروخية.
ويعزو جهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" فشله لسنوات طويلة في تصفية الضيف إلى شخصيته، وما يتمتع به من حذر، ودهاء، وحسن تفكير، وقدرة على التخفي عن الأنظار، لدرجة أنه سماه "ابن الموت".
** "كما أنتِ هنا مزروعٌ أنا"
وسابقا، نجا الضيف من عدة محاولات اغتيال منها في أغسطس/ آب 2014، حيث قصفت إسرائيل منزلا شمالي مدينة غزة بخمسة صواريخ، ما أدى إلى مقتل 5 فلسطينيين بينهم زوجة القيادي الضيف (وداد) وابنه علي.
كذلك، حاولت إسرائيل اغتيال الضيف عام 2006، وهو ما تسبب، وفق مصادر إسرائيلية، في خسارته لإحدى عينيه، وإصابته في الأطراف.
وحاولت إسرائيل اغتياله للمرة الأولى عام 2001، لكنه نجا، وبعدها بسنة تمت المحاولة الثانية والأشهر، والتي اعترفت إسرائيل فيها بأنه نجا بأعجوبة وذلك عندما أطلقت مروحية صاروخين نحو سيارته في حي الشيخ رضوان بغزة.
وكان آخر المشاهد المسجلة للضيف ظهوره ضمن وثائقي "ما خفي أعظم" على قناة الجزيرة، وهو يضع اللمسات الأخيرة لعملية "طوفان الأقصى".
وحينها ردد كلمات لخصت مسيرته وهو يشير إلى خريطة فلسطين، جاء فيها:
كما أنتِ هنا مزروعٌ أنا
ولِي في هذه الأرض آلافُ البُذُور
ومهما حاوَل الطُّغاةُ قلعَنَا ستُنبِتُ البُذُور
أنا هنا في أرضِي الحبيبة الكثيرة العطاء
ومثلُها عطاؤُنا نواصِلُ الطَّريق لا نوقفُ المَسير