المحكمة الأوروبية: الاعتقالات في تركيا بسبب تطبيق بايلوك تعسفية
تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT
(زمان التركية)ـ أصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، اليوم الثلاثاء، قرارا ينسف ادعاءات الحكومة التركية، بشأن اعتبار استخدام تطبيق بايلوك أو امتلاك حساب في بنك آسيا أمرا غير قانوني يستوجب الاعتقال بتهمة المشاركة في انقلاب عام 2016، وقد يكون لذلك آثار إيجابية بعيدة المدى على الآلاف الذين يواجهون اتهامات مماثلة في تركيا.
ووجهت السلطات في تركيا إلى المعلم التركي يوكسيل يالتشينكايا تهما بالعضوية في منظمة إرهابية وحكم عليه بالسجن لمدة ستة أعوام وثلاثة أشهر في عام 2017 من قبل محكمة جنائية عليا بسبب صلاته بحركة الخدمة، واستندت المحكمة في أحكامها إلى استخدامه المزعوم لتطبيق بايلوك ByLock، وعضويته في نقابة عمالية وجمعية تابعة لحركة الخدمة، وامتلاكه حسابًا في بنك آسيا، وأيدت محكمة الاستئناف العليا التركية ذلك الحكم في أكتوبر 2018، وهو ما دعا يالتشينكايا إلى التوجه للمحكمة الدستورية العاليا في تركيا للمطالبة بنقض الأحكام الصادرة ضده باعتبارها مخالفة للدستور التركي إلا أن المحكمة الدستورية هي الأخرى قضت بعد قبولها النظر في القضية .
تطبيق بايلوك لا يعد دليل إدانة
وانتقدت محكمة العدل الأوروبية اعتبار استخدام تطبيق “بايلوك” دليلا على الإدانة ووصفته بأنه فضفاض وتعسفي ويفتقر إلى الضمانات اللازمة لمحاكمة عادلة، بالإضافة إلى ذلك أشارت المحكمة إلى أوجه قصور إجرائية كبيرة في محاكمة يالتشينكايا، بما في ذلك عدم منحه إمكانية الوصول إلى الأدلة أو السماح بفحص البيانات بشكل مستقل، كما أشارت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إلى أن السلطات التركية استخدمت عضوية يالتشينكايا القانونية في إحدى النقابات العمالية كدليل ضده، وبالتالي انتهكت حقه في حرية التجمع وتكوين الجمعيات بموجب المادة 11.
ومن المرجح أن يكون لقرار محكمة حقوق الإنسان الأوروبية آثار أوسع نطاقًا على قضايا مماثلة في تركيا، مما يؤكد الحاجة إلى إجراءات قانونية تركية تتماشى مع المعايير الأوروبية لحقوق الإنسان.
وانتقدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تركيا بسبب انتهاكها لثلاث مواد من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان: المادة 6 التي تتعلق بالحق في محاكمة عادلة؛ المادة 7: لا عقوبة إلا بقانون، والمادة 11 المتعلقة بشأن حرية التجمع وتكوين الجمعيات، وقضت المحكمة بأن تدفع تركيا لـ(يوكسل يالتشينكايا) مبلغ 15 ألف يورو لتغطية التكاليف والنفقات.
ومن المرجح أن يكون للقرار تأثير على إدانة أو محاكمة آلاف الأشخاص الذين يواجهون تهم الإرهاب بسبب انتمائهم إلى حركة كولن، وهي حركة مجتمع مدني ذات مرجعية دينية تتهمها الحكومة التركية بتدبير انقلاب فاشل في عام 2016 ووصفتها بأنها منظمة إرهابية وتنفي الحركة بشدة تورطها في الانقلاب الفاشل أو أي نشاط إرهابي.
والمعروف لكل المتابعين للوضع التركي أنه في أعقاب محاولة الانقلاب، قبلت الحكومة التركية مثل هذه الأنشطة مثل وجود حساب في بنك آسيا المغلق الآن، وكان وقتها أحد أكبر البنوك التجارية في تركيا ، وباستخدام تطبيق المراسلة ByLock المشفر، والذي كان متاحًا على متجر تطبيقات Apple وGoogle Play؛ والاشتراك في صحيفة زمان اليومية أو غيرها من المطبوعات التابعة للحركة كمعايير لتحديد واعتقال أتباع حركة كولن بتهمة العضوية في منظمة إرهابية. والنتيجة المزعة أنه تم فصل تعسفي لأكثر من 130 ألف موظف حكومي من وظائفهم في حملة تطهير واسعة النطاق شنتها الحكومة التركية في أعقاب محاولة الانقلاب على أساس أن لهم صلات بمنظمات إرهابية، وكان يالتشينكايا واحدا منهم.
انتهاك حقوق الإنسان في تركيا
وخلال اجتماع الغرفة الكبرى في يناير/كانون الثاني صرح كلا من محاميا يالتشينكايا، يوهان هيمانز وفاندي لانوت، في بياني دفاعهما إن محاكمة موكلهما كانت علامة واضحة على انتهاك حقوق الإنسان في تركيا، وقال المحامون إن تطبيق ByLock متاح على متجري Apple Store وGoogle Play ، وإن تنزيل هذا التطبيق لن يجعل أي شخص مجرمًا، وقال المحامون أيضًا إن هناك الآلاف من أنصار حزب العدالة والتنمية الذين قاموا بتنزيل هذا التطبيق ولكنهم لم يواجهوا أي دعوى قضائية.
وجدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بالفعل أن استخدام تطبيق ByLock لا يشكل جريمة جنائية حيث قضت في يوليو 2021 في قضية ضابط الشرطة السابق تكين أكغون بأن استخدام تطبيق ByLock لا يشكل جريمة في حد ذاته ولا يشكل دليلاً كافيًا لجريمة، ولكن وعلى الرغم من أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، فإن عمليات الاحتجاز والاعتقال على أساس استخدام بايلوك لا تزال مستمرة بلا هوادة في تركيا.
ووفقًا لمحامي يالتشينكايا، قامت وكالة المخابرات التركية MİT بجمع معلومات استخباراتية عن مستخدمي ByLock بشكل غير قانوني دون قرار من المحكمة، واستخدم عميلهم التطبيق لفترة قصيرة في عام 2015 ، وكما هو منصوص عليه في المادة 311/1-و من قانون الإجراءات الجنائية والمادة 90 من الدستور التركي، فإن حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بالانتهاك سيكون سببًا لإعادة محاكمة يالتشينكايا، وإذا تم رفض الأدلة غير القانونية كما هو مرجح، فقد تكون النتيجة الحكم بالبراءة.
وهكذا تواجه تركيا الآن معضلة قانونية، حيث ينص الحكم على وجوب تنفيذ الحكم ليس فقط على يالتشينكايا ولكن على كل شخص في وضع مماثل، وهو تأثير يعرف بالأثر الموضوعي للحكم، ومن المتوقع أن يؤدي هذا القرار إلى سلسلة من إعادة المحاكمات وإصلاحات قانونية محتملة كبيرة داخل تركيا، وإذا لم تتم معالجتها فقد تضع تركيا تحت ضغوط مالية وتؤثر على سمعتها في دوائر حقوق الإنسان الدولية، ويشير مراقبون إلى أن تنفيذ هذا الحكم ستتم مراقبته من قبل لجنة وزراء مجلس أوروبا، مما يزيد الضغط على تركيا لإجراء تغييرات ذات معنى.
تبعات انقلاب تركيا 2016نشرت مؤسسات دولية عديدة تقارير عن تردي أوضاع حقوق الإنسان في تركيا خاصة في الفترة اللاحقة للانقلاب المزعوم في عام 2016، بدءا من الاعتقال دون تهمة واضحة إلى الفصل التعسفي عن العمل للآلاف من الموظفين في مختلف القطاعات دع عنك أحوال المعتقلين داخل السجون التركية ولكن وللإخلال بمبدأ المحاكمات العادلة في تركيا، توجه العديد من الأشخاص إلى محكمة العدل الأوروبية مطالبين بحقوقهم التي تم إهدارها بصورة تعسفية من الحكومة التركية.
الجدير بالذكر هنا أن تركيا احتلت المرتبة 116 من بين 140 دولة في مؤشر سيادة القانون الذي نشره مشروع العدالة العالمية (WJP) في أكتوبر 2022، وشهدت البلاد تطهير أكثر من 4000 قاض ومدع عام في أعقاب محاولة الانقلاب، وينظر الكثيرون إلى عملية التطهير التي طالت العديد من أعضاء السلطة القضائية على أنها محاولة من جانب الرئيس رجب طيب أردوغان لإعادة تصميم القضاء التركي وملؤه بالقضاة والمدعين العامين الموالين للحكومة.
وفي أعقاب الانقلاب المزعوم أعلنت الحكومة التركية حالة الطوارئ ونفذت عملية تطهير واسعة النطاق لمؤسسات الدولة بحجة مكافحة الانقلاب، ثم تم عزل أكثر من 130 ألف موظف عام، بما في ذلك 4156 قاضيًا ومدعيًا عامًا، وبالإضافة إلى 24706 فردًا من القوات المسلحة، من وظائفهم بإجراءات موجزة بدعوى العضوية أو العلاقات مع “منظمات إرهابية” بموجب مراسيم قوانين الطوارئ التي لا تخضع لأي من القضاء أو البرلمان، ووفقًا لبيان صادر عن وزير الداخلية آنذاك سليمان صويلو في 5 يوليو 2022، تم اعتقال ما مجموعه 332884 شخصًا، بينما تم سجن حوالي 101000 آخرين بسبب صلاتهم المزعومة بحركة كولن. وبالإضافة إلى الآلاف الذين تم سجنهم، اضطر العشرات من أتباع حركة كولن أو العاملين في مؤساستها إلى الفرار من تركيا لتجنب حملة القمع الحكومية، واضطر بعض هؤلاء الأشخاص إلى القيام برحلات غير قانونية ومحفوفة بالمخاطر بالقوارب إلى اليونان لأن الحكومة ألغت جوازات سفرهم.
تركيا.. اعتقال 19 بسبب تطبيق “بايلوك”
Tags: المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسانبنك آسياتركياتطبيق بايلوكالمصدر: جريدة زمان التركية
كلمات دلالية: المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بنك آسيا تركيا المحکمة الأوروبیة لحقوق الإنسان الحکومة الترکیة استخدام تطبیق حقوق الإنسان فی أعقاب فی ترکیا فی عام
إقرأ أيضاً:
د. عصام محمد عبد القادر يكتب: احترام حقوق الإنسان تسهم في بناء الكيان
بداية نذعن بأن دستور بلادنا أكد بشكل صريح على احترام حقوق الإنسان في مادته (93)، والتي نصت على أن (تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً للأوضاع المقررة)، وتفعيلًا وإعمالًا لما جاءت به الفقرة من بيان وإلزام شاركت الدولة عبر مؤسساتها المعنية في تطوير القانون الدولي لحقوق الإنسان.
ومن منطلق الإيمان بأن بناء الإنسان يقوم على غرس قيم الكرامة والعزة وتعضيد الهوية، وتعظيم مقومات الوطنية، والحفاظ على النفس والذات من كل ما قد يؤثر سلبًا على وجدان الفرد ويؤدي إلى إحباطه؛ فمن يمتلك حقوقه يصبح قادرًا على العطاء والتنمية وتقديم كل ما يمتلك من خبرات لرفعة ونهضة وطنه؛ لذا شاركت الدولة في صياغة الإعلان العالمي والعهدين الدوليين لحقوق الإنسان، وجميع المشاورات والأعمال التحضيرية لصياغة الاتفاقيات الدولية والإقليمية لحقوق الإنسان.
والاهتمام بملف حقوق الإنسان لم يقتصر على المؤسسات المعنية به فقط على أرض الوطن، بل كان اهتمام الرئيس بنفسه؛ حيث يتابع سيادته عن كثب ما يتم وما تم من جهود من أجل العمل الجاد والممنهج الذي يمتخض عن نتائج ملموسة تسهم في تعزيز واحترام الإنسان المصري، كما أكد سيادته بصورة واضحة على أهمية تنفيذ ما جاء بالاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.
وتعالوا بنا نطالع أحوال من سلبت منهم حقوقهم وهدمت مقومات الحرية في بلادهم؛ فصاروا في حالة يرثى لها، من حيث الثبات والاستقرار، وأصبحت التنمية في سقوط تلو سقوط، وهذا أمر طبيعي لمن أحبطت معنوياته، وأهدرت طاقاته، وشعر بأنه بات غربيًا في بلاده وتحت سماء وطنه؛ ومن ثم لا يراعي مسئولياته ولا يعبأ ببناء وطنه، ولا يحرص على استقراره ونهضته.
إننا نعيش على أرض الحرية المسئولية والبناء المستدام ونعبر أنفاق التحدي ونتفوق على مخططات المغرضين ونسير دون توقف أو التفات للخلف لما يقال ويكاد؛ فلدينا مسيرة محفوفة بالأمل ومدعومة بالإصرار والتحدي، نسابق الزمن من أجل بلوغ الغاية ورفع الراية والازدهار والوصول للريادة والتنافسية التي تؤكد بالحق مكانتنا وتعيد أمجاد التاريخ العريق الزاخر ببطولات وإنجازات يصعب حصرها.
إن جمهوريتنا الجديدة ماضية نحو النهضة بإنسان قادر على العمل والعطاء والتحدي؛ لديه مقومات البناء والرغبة في الإعمار، يعي أن مصلحة الوطن العليا مقدمة فوق الجميع، ويتمتع بديمقراطية الاختيار وبقيم المواطنة التي تحثه على الولاء والانتماء وتوجه حريته لما يخدم تماسك النسيج ويمنع كل محاولات التفكيك والنيل من لحمة هذا المجتمع الأصيل؛ فجميع المصريين أمام القانون والتشريع سواء بلا تمييز ولا تفريد.
ونحن على توافق بأن مصر دولة مؤسسات؛ حيث تمنح الفرد حرية التقاضي، وحرية المطالبة بكافة حقوقه المشروعة، ولا تمنعه من كل ما أقره الدستور، وفسرته التشريعات؛ فهناك السلطة القضائية، التي يصفها القاصي والداني، بالنزاهة والشفافية، ويوسمها الجميع بالاستقلالية؛ حيث إن قدرتها على إنفاذ القانون غير محدودة أو مغلولة؛ ومن ثم فهي الضامن لحقوق الإنسان؛ فعبر أحكامها المستقلة تقطع الشك باليقين.
إن ما نتطلع إليه عبر بوابة حقوق الإنسان أن تسهم في بناء الكيان؛ فمن خلال الحرية المسئولة والتعبير المنضبط بالقنوات المشروعة وحرية الإعلام وفق مدونة السلوك المهني التي يعمل في ضوئها نؤكد على أمر جلل؛ ألا وهو مراعاة قيمنا وأعرافنا وأخلاقنا الحميدة التي تربينا عليها، ووعينا تجاه ما يكال ويكاد لنا لنقطع في براثن النزاع والصراع.
نحن شعب يعشق الأمن والاستقرار ويرغب في النهضة والإعمار، ويسعى إلى تعضيد البيئة الآمنة التي من خلالها يقوم بواجباته ويحيا حياة تملؤها الأمل والتفاؤل، كما إننا شعب تتمزق وجدانه إذا ما استشعر الخطر على وطنه ورأي بأم عينه من يحاول النيل منه أو من مقدراته أو المساس بترابه؛ فلا مكان ولا مكانة لنداءات ودعوات خبيثة تستهدف هتك النسيج وتفتيت الشمل؛ فكل مواطن مصري مخلص مقاتل من موقعه ومصطف خلف وطنه ومؤسساته دون مواربة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.