يعتمد نهج الرئيس الأمريكي جو بايدن في التعامل مع جمهورية الصين الشعبية على توازن دقيق. فمن جهة، تعد بكين التهديد المتسارع الذي يواجه الدفاع الوطني ومنافساً استراتيجياً على المدى الطويل. ومن جهة أخرى، هي شريك أساسي في التصدي لتحديات وجودية عالمية مثل تغير المناخ.

وقد وضع البيت الأبيض نفسه في مفارقة من خلال احتضان بكين في مجموعة ضيقة من مجالات التعاون، بينما يستعد في الوقت نفسه، لصراع أمني ممتد لأن المستقبل غامض تمام.

وقال المحلل الأمريكي رايان بيركاو في تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأمريكية، إن الولايات المتحدة والصين لم تنجحا في "حل" خلافاتهما على الإطلاق، لكنهما كانتا تجدان دائماً سبل إدارة هذه الخلافات. ولم يعد هذا النظام يعمل لأن الصين فقدت الاهتمام به، وهو ما عرض العلاقات لاضطراب وغموض متزايدين. ويحاول البيت الأبيض تحقيق أفضل استفادة من موقف سيء للغاية والبقاء مرناً للاستعداد لأي سيناريو قد تسفر عنه المنافسة الاستراتيجية، بما في ذلك الحرب.

The main problem with US's appraoch toward China is treating China as a pacing existential threat while simultaneously hoping/expecting/assuming that China would cooperate on shared challenges. This is a dilusion...????

Biden’s China Policy... https://t.co/w3A3Mbffh9

— Tarık Oğuzlu (@TarikOguzlu) September 27, 2023

ورأى بيركاو أن الدبلوماسية هي أساس العلاقات الدولية. وتضع واشنطن الأولوية لتعزيز قنوات الاتصال مع بكين في محاولة للمساعدة في تحقيق الاستقرار لعلاقتهما المضطربة. وكان أول لقاء لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في مارس (أذار) 2021 مع الصين أقرب إلى معركة لفظية منه إلى اجتماع دبلوماسي، وهو ما أدى إلى تعليق آمال منخفضة للغاية لكيفية تطور العلاقات خلال الأعوام التالية. وبالمثل، لم يفعل لقاء بايدن الوحيد كرئيس مع الرئيس الصيني شي جين بينغ في نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، الكثير لتغيير هذه النظرة القاتمة.

وقال بيركاو، وهو من قدامى المحاربين في مشاة البحرية الأمريكية، وعمل 10 أعوام في الخدمة العامة في الحكومة الأمريكية مع التركيز في المقام الأول على الأمن الإقليمي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، إن واشنطن تواجه الحقيقة القاسية وهي أن القيام بدبلوماسية هادفة صعب عندما لا يرد الطرف الآخر الجميل. وعلى العكس، لقد استغلت بكين بشكل مستمر المحادثات رفيعة المستوى كسلاح وذلك لإبداء استيائها.

ويشكل "سور التفاهة العظيم" الصيني حاجزاً كبيراً أمام تحقيق اختراقات أو نجاحات دبلوماسية. وعلى الرغم من ذلك، بذل البيت الأبيض جهداً مخلصاً. وفي مايو (أيار) الماضي، عرضت واشنطن أن يلتقي وزير الدفاع لويد أوستن مع نظيره الصيني لي شانجفو على هامش حوار "شانجريلا" في سنغافورة. ورفضت بكين واختارت بدلاً من ذلك مصافحة قصيرة.

وفي يونيو (حزيران) الماضي، سافر بلينكن إلى بكين للقاء شي، وتحدث الاثنان عن الحاجة الملحة إلى الاستقرار، إلا أن الزيارة فشلت في تحقيق هدفها الرئيسي وهو استئناف المحادثات العسكرية. وفي يوليو (تموز) الماضي، زار المبعوث الخاص للمناخ جون كيري بكين لمحاولة التوسط في اتفاق للمناخ بين أكبر مصدرين للانبعاثات في العالم، إلا أن محاولته فشلت أيضاً.

وعلى الرغم من كل هذا الحديث، لم ترد الصين بعد بإرسال مبعوث واحد إلى واشنطن. وأشار مستشار الأمن القومي جيك سوليفان بإيجاز إلى هذا التباين بين الجهود والنتائج بالقول "نحن لا ننظر إلى هذه الرحلات باعتبارها تتعلق بإنجازات متوقعة أو نتائج سياسة معينة".

وقال بيركاو إنه في حين أن لامبالاة بكين تسببت في تجميد التقدم الدبلوماسي، أدت تصرفاتها الخبيثة في الخارج إلى تصاعد الصراع الأمني الأمريكي الصيني، ودفعت عدة لاعبين مهمين إلى جانب واشنطن. وفي أغسطس (آب) الماضي، شارك بايدن في أول قمة ثلاثية مع رئيس وزراء اليابان ورئيس جمهورية كوريا. وأصدرت الدول الثلاث تصريحات مشتركة منتقدة لبكين وتعهدت بتوسيع وتعميق التعاون الأمني.

كما أكدت الدول الثلاث التزامها بالسلام والاستقرار في مضيق تايوان، الذي ينظر إليه على نطاق واسع على أنه من المرجح أن يكون بؤرة التوتر في المنطقة. وقد ركز البيت الأبيض في ظل حكم بايدن بشكل خاص على تايوان التي تواجه خطر تعرضها للضم من جانب الصين، التي تزعم أن الجزيرة الديمقراطية ذاتية الحكم إقليماً منشقاً. وفي عدة مناسبات أعلن بايدن بشكل علني أن الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان إذا تعرضت لهجوم، في مخالفة لبروتكول قائم منذ عقود بأن تلتزم واشنطن بالغموض بشأن هذا الأمر.

وعلى الرغم من أن هذا لا يعد تغيراً رسمياً في السياسة، تؤكد هذه التصريحات أن صراعاً محتملاً في المستقبل بشـأن تايوان يشغل تفكير الرئيس. ومع أخذ هذا السيناريو في الاعتبار، وافقت واشنطن على ضم تايوان إلى برنامج التمويل العسكري الأجنبي، الذي تستخدمه الدول المستقلة عادة لتمويل مشتريات الأسلحة الأمريكية، بما يتوافق مع حزمة أسلحة بقيمة 345 مليون دولار.

ورأى بيركاو أن نظرية التحول الأحمر تفترض أن الكون يتوسع في كل الاتجاهات، تماماً مثل مزاعم الصين بالسيادة الإقليمية، والتي جعلت الهند وفيتنام والفلبين تقترب أكثر إلى واشنطن. وفي يونيو (حزيران) الماضي، أكدت الولايات المتحدة والهند مجدداً على العلاقة الأمنية المزدهرة، وأعلنتا أنهما "من بين أقرب الشركاء في العالم".

كما حصلت واشنطن على التزام من رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بدعم النظام البحري القائم على القواعد الدولية، الأمر الذي يمهد الطريق لمساهمة الهند في التصدي للتعنت الصيني المتزايد في بحر الصين الجنوبي.

لمواجهة الصين.. واشنطن تراهن على #الذكاء_الاصطناعي #تقارير24https://t.co/Xb2vBMpZe8 pic.twitter.com/2qVeEepmHs

— 24.ae (@20fourMedia) September 26, 2023

وفي الشهر الحالي من المتوقع أن ترفع فيتنام والولايات المتحدة علاقاتهما الدبلوماسية إلى "شراكة استراتيجية" في حالة كلاسيكية من حالات "عدو عدوي هو صديقي". ويأتي هذا القرار بلا شك بدافع من رغبة هانوي في الاحتفاظ باستقلالها السياسي والأمني عن الصين. وتقيم فيتنام بشكل ثابت علاقات مع البنية الأمنية الإقليمية التي تقودها الولايات المتحدة وهو ما يوضحه رفع هانوي لمستوى علاقاتها مع جمهورية كوريا وخططها المعلنة للقيام بالمثل مع أستراليا في وقت لاحق من العام الجاري.

ومع ذلك، لا تقتصر مكاسب واشنطن في التنافس على منطقة المحيطين الهندي والهادئ. فقد توترت المواقف الأوروبية إزاء الصين في ظل دعم بكين للغزو الروسي لأوكرانيا، وهو ما إدى إلى تهيئة فرص للولايات المتحدة. ففي يوليو (تموز) الماضي، جددت كل دول حلف شمال الأطلسي الناتو، البالغ عددها 31 دولة انتقادات واشنطن طويلة الأمد لبكين وذلك في بيان حاد أدان التعنت أو الإكراه الصيني السياسي والاقتصادي والعسكري الذي يستهدف الحلفاء الأوروبيين. كما ساعدت محاولة الصين الفاشلة في تصوير نفسها كطرف محايد في حرب أوكرانيا إلى تعهد الاتحاد الأوروبي بالانضمام إلى الولايات المتحدة في مواجهة التضليل الصيني والممارسات التجارية المناهضة للسوق.

واعتبر بيركاو أن نهج إدارة بايدن تجاه الصين، رغم أنه لم ينجح عالمياً، فقد أخذ في الاعتبار بمهارة حقيقية أهمية بكين في المحافل الدولية. إن ترك الباب مفتوحاً أمام الدبلوماسية يوفر لبكين مخرجاً لتهدئة التوترات، لكن قرار القيام بذلك يقع في نهاية المطاف في يد الرئيس شي. لقد قادت الولايات المتحدة الحصان إلى الماء لكنها لا تستطيع إجباره على الشرب. وعلى نحو مماثل في مجال الأمن، قد يختار شي بسهولة بدء صراع بشأن تايوان أو إشعال صراع بصورة غير متعمدة بسبب مزاعم السيادة في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه.

واختتم بيركاو تقريره بالقول إن المنافسة الاستراتيجية مع الصين لا تعني افتراض أن الحرب حتمية، لكنها تعني القيام بكل ما هو ممكن لمنع اندلاعها من خلال التحرك بمسؤولية والاستعداد لها إذا اندلعت. إن توجيه العلاقات الأمريكية الصينية إلى مستوى أفضل هو أمر بعيد عن سيطرة البيت الأبيض أو وزارة الدفاع (البنتاغون) أو الكونغرس. وحتى ترد بكين بالمثل على مبادرات واشنطن الدبلوماسية، ستفتقر المنافسة الاستراتيجية إلى حدود واضحة وسيظل خطر عدم الاستقرار قائماً. ونظراً لعدم وجود بدائل واضحة، فإن أفضل رهان لواشنطن هو استمرار الأمل في الأفضل والاستعداد للأسوأ.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني الصين أمريكا الولایات المتحدة البیت الأبیض وهو ما

إقرأ أيضاً:

WSJ: ترامب منح الرئيس الصيني هدية ثمينة من خلال الرسوم الجمركية

أكد صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، أن قرارات الرئيس دونالد ترامب بشأن فرض رسوم جمركية على الصين، تمثل "هدية ثمينة" للرئيس الصيني شي جين بينغ.

وأوضحت الصحيفة أن "الرسوم الجمركية الأمريكية أتاحت للرئيس الصيني الفرصة لجذب حلفاء واشنطن، بعد تراجع ثقتهم بمصداقية الولايات المتحدة".

ولفتت إلى أنه "من الخطأ الاعتقاد بأن الأضرار الناجمة عن الرسوم تقتصر على الداخل الأمريكي، فالهجوم القسري على الأصدقاء والخصوم على حد سواء، قد زعزع الثقة العالمية في مصداقية الولايات المتحدة".

وتابعت: "واشنطن بتفريطها في قيادتها للاقتصاد العالمي، تتيح للصين استغلال الموقف، وجذب حلفاء واشنطن عبر تقديم نفسها كخيار أكثر موثوقية كسوق ضخم"، مبينة أن "رسوم ترامب ضد الحلفاء أصبحت بمثابة هدية ثمينة لشي جين بينغ".



وأوضحت الصحيفة أن ما وصفته بـ"الصدمة الجمركية" التي تسبب بها ترامب "قد تقوض مساعيه للنجاح خلال ولايتة الرئاسية الثانية"، مضيفة أن الناخبين الأمريكيين "منحوه ثقتهم جزئيا بفضل الأداء الاقتصادي الجيد خلال فترته الأولى، إلا أن فترته الثانية اتسمت بإطلاقه العنان لهوسه في السياسات التجارية والخارجية، والذي بدأت نتائجه السلبية في الظهور".

وخلصت الصحيفة إلى القول: "سيفشل ترامب إذا لم يصغِ إلى التحذيرات".

وكان ترامب قد فرض رسوما جمركية على الواردات الصينية بنسبة 34%، وأضيفت الرسوم الجديدة إلى رسوم بنسبة 20% كانت قد فرضت سابقا، فيما دفع ذلك الصين للرد بفرض رسوم جمركية على سلع أمريكية بالنسبة نفسها وهي 34%، لترد الولايات المتحدة بفرض رسوم بنسبة 50% أخرى (الإجمالي أصبح 104%) على السلع الصينية.

وقابلت الصين الخطوة بزيادة الرسوم من 34% إلى 84% على السلع الأمريكية المستوردة، لتعاود الولايات المتحدة رفع الرسوم إلى 125% على البضائع الصينية.

وعقب ذلك أعلن البيت الأبيض أن إجمالي الرسوم الجمركية المفروضة على الصين بلغ 145% عند تضمين الرسوم المفروضة تعريفة جمركية أخرى بنسبة 20%، والتي تم فرضها على خلفية اتهامات بعدم مكافحة المخدرات الاصطناعية (مخدر الفنتانيل) بشكل كاف.

وأعلن الرئيس الأمريكي في وقت سابق أن بلاده ستخفض الرسوم الجمركية على السلع الصينية، لكنها لن تصل إلى الصفر بأي حال من الأحوال.

وانتقدت بكين السياسات الأمريكية المتعلقة بالرسوم الجمركية، ووصفها المندوب الصيني لدى الأمم المتحدة تشين شو إياها بـ"الأنانية ولا تليق بدولة عظمى".

مقالات مشابهة

  • ترامب: كنا نخسر 5 مليارات دولار يوميًا في عهد بايدن
  • WSJ: ترامب منح الرئيس الصيني هدية ثمينة من خلال الرسوم الجمركية
  • بكين تحمّل واشنطن مسؤولية قرارها تجميد تسلّم طائرات “بوينغ” الأميركية
  • الرئيس الصيني: بكين ستحمي بقوة حقوقها ومصالحها
  • الأمم المتحدة تعرب عن قلقها إزاء مقتل عشرات المهاجرين في غارة أمريكية على اليمن
  • "أزمة كشمير".. تقرير يكشف الدور الصيني وأهدافه
  • بكين تنفي حدوث أي تواصل بين ترامب والرئيس الصيني
  • بكين ترد على تصريحات ترامب بشأن اتصال الرئيس الصيني به حول الرسوم الجمركية
  • الصين تتهم واشنطن بدعم استقلال تايوان
  • الرئيس اللبناني: على الولايات المتحدة و فرنسا تحمل مسؤولياتهما إزاء انتهاكات الاحتلال