فى ذكرى رحيل عبد الناصر

غابت ملامح بيت الزعيم وبقيت السيرة والحكايات

"الأسبوع" فى حارة الخرنفش تقاطع خميس عدس وحارة اليهود

بيت ناصر تحول إلى مول تجارى.. ومنزلا ديان وليلى مراد ما زالت عليهما نجمة داود

الأسرة التى اشترت المنزل تحكى عن الزمن الجميل وأشهر من عاشوا بجوار معبد موسي بن ميمون

ذات يوم دخلت الصغيرة ذات الضفائر المجدولة على أبيها مكتبه وهو مستغرق فى عمله.

كان لها طلب صغير لكن لم يكن أحد يمكنه أن يطلبه سواها من الأب، كانت تريد فستانا جديدا إضافيا لتحضر به مناسبة مع صديقاتها.

نظر الأب لها وابتسم ثم أرسل فى طلب سكرتيره الخاص وطلب منه أن يأخذ أولاده (خالد وهدى ومنى وعبد الحكيم وعبد الحميد) إلى مكان ظن الصغار أنه محل الملابس الجديدة لتقف السيارة التى تحمل شعار رئاسة الجمهورية أما م المنزل رقم 3 الذى يقع فى آخر حارة اليهود وأول حارة خميس عدس ذلك المنزل القديم الذى تحكى جدرانه الكثير من تفاصيل حياة الزعيم جمال عبد الناصر ليعود الصغار إلى مكتب أبيهم ليقول لهم: (هنا عاش أبوكم جمال عبد الناصر فى ذلك البيت الفقير بين أهالى مصر الطيبين" )

فى حارة الخرنفش والبرقوقية وبين جنبات ما يقرب من 360 زقاقا وحارة ضمها حى كامل اسمه (حارة اليهود ) الذى يمكنك أن تدخله من عدة جهات من الجمالية حيث منطقة الصاغة وشارع المعز أو من الموسكى حيث تكون فى وسط الأزقة والحارات أو من ناحية الخرنفش بالقرب من باب الشعرية.

فى ذكرى رحيل ناصر قررنا أن نزور المكان الذى شهد بعضا من ذكريات حبيب الشعب الذى كان لحارة اليهود والخرنفش ومسجد العدوى وغيرها من المعالم ذكريات فى حياته.

دخلنا من شارع بورسعيد حيث الأزقة التى امتلأت عن آخرها بالمحلات والورش التى تعج بالبشر ليل نهار حتى وصلنا إلى أول منطقة حارة اليهود عند محل مغلق كان يسمى محل بيسع البقال والذى ما زال الناس يعرفون اسمه فقد كان أحد أشهر اليهود الذين سكنوا المنطقة لنسأل عن بيت جمال عبد النصر والذى استأجره والده الذى عمل مأمورا لمكتب بريد الخرنفش عام 1933 عندما انتقل والده من السويس إلى القاهرة. فى حين عاش معهم الزعيم جمال عبد الناصر بالمنزل خمس سنوات حتى التحق بالكلية الحربية ليظل وإخوته فترة من الزمن داخل الحارة وكذلك والده حتى وفاته.

على باب حارة خميس عدس رأينا أحد البيوت القديمة والذى يحمل رقم (12).. الباب مبنى بالحجر القديم وتعلو شبابيكه القديمة نجمة داود.لنسأل أحد المارة عن منزل عبد الناصر ليرد عم سعيد: هذا ليس البيت الذى سكن فيه الزعيم عبد الناصر بل المنزل الذى عاش فيه موشى ديان وزير الأركان الأسرائيلى وكان هذا البيت والحى نفسه به عدد كبير من اليهود يعيشون بين المصريين ويمارسون شعائرهم فى المعابد وأشهرها معبد موسى بن ميمون فى درب قرمز الذى يقع فى الحارة الخلفية لحارة خميس عدس.

وصلنا للمكان الذى دلنا عليه أهل المكان وجدنا المنزل قد اختفي وتم هدمه منذ فترة قليلة وتم بناء مول تجارى ما زال فى مرحلة التشطيب اشترته عائلة الشربينى أشهر تجار الخردوات بالمنطقة وبتحفظ شديد قالوا::اشترينا المنزل من البنك بورق رسمى، فالبيت كان مملوكا لأحد اليهود والبنك باعه وكان البيت مهجورا منذ سنوات طويلة وليس به سكان".

وتتحدث الحاجة أم أحمد التى تجلس فى محل الخرز الذى يملكه زوجها بحارة اليهود والتى بلغت من العمر ما يقرب من الستين والتى تحكى عن أيام عاشها عبد الناصر وحكاها لها والدها عن تلك الأسرة الطيبة التى كان الجميع يحترمها منذ حضورها من السويس إلى المنطقة وعاشت لسنوات طويلة. والبلد كانت أيامها حلوة وفيها بركة.

أم أحمد تقول كان عبد الناصر كما حكى لى والدى فى مدرسة النحاسين ولكن المدرسة لم تعد موجودة الآن فقد تحولت إلى مكتب سياحى. وتضيف أم أحمد: زوجى وشريكه اشتريا البيت من البنك وبنيناه حاليا مول تجارى ما زلنا فى مرحلة تشطيبه.

هنا كان البيت

هنا كان بيت عبد الناصر الذى يحمل رقم 12 حيث عاش فيه فترة من حياته وعاش فيه والده وإخوته لسنوات كما يقول محمد أحمد حمدى الحلاق الذى يبعد محله عن المنزل 50 مترا ليحكى عن والد الزعيم جمال عبد الناصر الذى استأجر منزل المعلم يعقوب شمويل ليسكن فيها الحاج حسين والد الزعيم عبد الناصر هو وأسرته و كان عم حسين صديقا لوالده أحمد حمدى الذى كان حلاقه الخاص.

يقول محمد: كان والدى من عاشقى الزعيم جمال عبد الناصر وكانت كل الخطب التى يذيعها الراديو مفتوحة بصوت عال فى محلنا كما كان يحكى لى والدى.

ويحكى محمد كيف كان والده يحكى عن عبد الناصر عندما كان يحضر مع والده للحلاقة فى المحل الذى يوجد بالمنزل المجاور.

يقول محمد: أثناء زلزال 1992تعرض المنزل للتصدع فأزالت المحافظة منه دورين ليصبح ثلاثة أدوار فقط ثم تمت إزالته كاملا وبيعه للحج سمير وشريكه.

محمد يقول أيضا: صحيح البيت الذى سكن فيه الرئيس جمال عبد الناصر تم هدمه ولكن السيرة الطيبة التى حكاها لنا أهلنا عنهم ما زالت حاضرة.

مشينا عدة خطوات لنجد طفلا لم يتعد الثمانى سنوات ليقول لنا: هذا منزل موشى ديان ولفت نظرنا إلى نجمة داود التى ما زالت موجودة بشبابيك المنزل المتهالك لكنه ما زال موجودا ويعيش به سكان من المصريين بعد أن رحل عن الحارة آخر ثلاث يهوديات كن يعشن قبل سنوات كما يقول إبراهيم أحد السكان منهن يهوديات منهن راشيل التى رحلت عن عمر تعدى التسعين وليلي ومارى اللتان تجاوزت كلتاهما الثمانين من عمرها.

ليلى مراد

تجولنا فى الحارة التى كانت تضم 13 معبدا منها ثلاثة أشهرها معبد موسى بن ميمون الذى ما زال مقصدا للزيارات اليهودية التى تأتى لتنزل حافية فى أحد سراديبه فى وقت محدد من كل عام كما يقول محمود الذى يسكن بالقرب من منزل قديم بالحارة قال لنا إنه المنزل الذى عاشت فيه الفنانة ليلى مراد وأخوها منير مراد ووالدها زكى مراد وما زال المنزل موجودا ولكن تسكنه سيدة مصرية من أهل الحى تعدت التسعين عاما وتعيش معها حفيدتها منار التى قالت للأسف جدتى قبل إصابتها بالزهايمر كانت تحكى لى الكثير عن ليلى مراد وأسرتها وكيف كانت تعيش مع إخوتها ووالدها قبل أن تدخل الفن هى وأختها ملك التى هاجرت لأمريكا.

حكايات

حكايات الشارع العتيق وحواديت حارة اليهود ومشاهيرها لا تنتهى كما تقول الست سنية التى تستأجر مقهى فريد بمنطقة الجمالية التى عاشت كل حياتها هى ووالدها وأجدادها وعرفت الكثير عن حكايات المشاهير والزعماء الذين عاشوا فى الحى ومنهم الزعيم عبد الناصر التى تعشقه مثل كل المصريين وتحكى عن كل الخير والبركة التى كنا نعيشها فى مصر كلها. وتقول كانت حارة اليهود مكانا فيه أغلب السكان من اليهود الصنايعية وكانوا يتعلمون فى مدرسة العدوى وكنا نذهب لمدرسة السيوفية ولكن اختفت كل المعالم وبقيت الذكريات كما تقول سنية.

هى ذكريات وشخصيات مرت على حارة اليهود وعاشت بها وكان بعضهم صاحب تاريخ كبير أثر فى مصر لعل آخرهم الرئيس السيسى الذى عاش فى حارة البرقوقية بالجمالية كما تقول الحاجة سنية.

وفى حارة اليهود أيضا عاش "قطاوى باشا" وزير مالية مصر، ووزير المواصلات وعضو مجلس النواب و "يعقوب صنوع" "أبو نضارة" والذي تم نفيه من البلاد بسبب سخريته من الخديوي إسماعيل وغيرهما من الأسماء الكثيرة.

جنيه عبد الناصر

استكملنا المسيرة ونحن نبحث عن التاريخ لنصل إلى ورشة ذهب تعد من أقدم الورش بمنطقة الصاغة القريبة من حارة اليهود فالحى كله يعج بالورش الصغيرة المتراصة فى كافة المهن وأهمها المشغولات ليكون اللقاء مع الحاج حسين بدر أشهر صائغ بالمنطقة ما زال يعمل بيده فى ورشته التى تتخذ من إحدى العمارات القديمة مقرا يعرفه محبو الذهب القديم والمشغولات الأصيلة.

وما أن سألناه عن الزعيم ناصر حتى اغرورقت عيناه بالدموع وهو يردد (ناصر حبيب الملايين القائد العظيم ) ثم فتح الدرج الذى أمامه وقال: "هذا هو جنيه عبد الناصر الذهب" عملة ذهبية عليها صورة الزعيم. وأضاف لو قلت لكم كم عدد الجنيهات التى أقوم بتجهيزها لتكون سلسلة عليها صورة الزعيم لن تتخيلوا فما زالت ذكراه الحلوة باقية ولو مرت مئات السنين.

وبحسب التاريخ فإن جنيه عبد الناصر مر بمراحل مختلفة بعد ثورة يوليو حيث صدر قانون إنشاء البنك المركزي المصري، ومنحه حق إصدار العملة المصرية عام 1960. ليصدر ناصر بعدها بعامين قرارفك ارتباط الجنيه المصري بالجنيه الإسترليني، وربطه بالدولار عند قيمة 2.3 دولار لكل جنيه مصري واحد.وفى عام 1967 تم إنشاء دار لطباعة النقد محليا بدلا عن طباعته في الخارج.

وقامت دار سك العملة بطباعة العملة الوطنية وكذلك طباعة عملات أخرى لبعض البلاد العربية لصالح بنوكها المركزية.

جنيه عبد الناصر الذى واجه مؤامرات أمريكا وبريطانيا وإسرائيل حقق لأول مرة في التاريخ فائضا في الموازنة العامة بلغ 46.9 مليون جنيه، بقيمة الجنيه وقته وحافظ عبد الناصر على معدل تنمية بلغ 8% بالرغم من نكسة يونيو، وبلغ عدد المصانع التي أنشأها عبد الناصر 1200 مصنع. وبلغت قيمة القطاع العام طبقا لتقديرات البنك الدولي 1400 مليار دولار.

وعندما توفي عبد الناصر كان لدى مصر طبقا لتقديرات البنك الدولي أيضا، فائض من العملة الصعبة بلغ 250 مليون دولاروكان الديْن الخارجى ما بين 1.3 مليار دولار إلى 1.7 مليار توزعت ما بين تسليح الجيش، وما بين معونة غذائية أمريكية بدأت منذ العام 1967 ولمدة 10 سنوات بفائدة 4%.

مدرسة الفرير

السير فى أزقة حوارى حى اليهود والخرنفش والبرقوقية والسقالبة والجمالية تحكى الكثير من تاريخ مصر فمن الخرنفش تلك الحارة التى اتخذت اسمها نسبة لمادة تتحجر مما يوقد على مياه الحمامات القديمة من المخلفات العزيز بالله في بناء القصر الغربي الذي كان يتوج المنطقة.

ومن الخرنفش خرجنا إلى شارع بورسعيد لنمر على مدرسة القديس يوسف (أو «الفرير التى كان يدرس فيها أبناء الفقراء والأغنياء على حد سواء لتبقى المدرسة بساحتها الكبيرة على مدخل حارة الخرنفش شاهدا على تخرج مشاهير منها كان منهم الزعيم سعد زغلول و مصطفى كامل، ومن الفنانين نجيب الريحاني وفريد الأطرش ورشدي أباظة وعبد الفتاح القصري.

فى مواجهة مدرسة الفرير توجد كنيسة مريم العذراء التى زارتها العائلة المقدسة خلال رحلتها إلى مصر وهى مقصد كان المصريون يزورونها وما زالت حتى الآن تشهد زيارات وحكايات كثيرة.

فى آخر شارع الخرنفش كانت دار كسوة الكعبة والتى للأسف طالتها يد الإهمال وأصبحت أطلالا مغلقة بسبب الروتين فمن هنا كان ناصر يرى الكسوة التى تخرج فى مشهد عظيم في احتفال رسمي بهيج من أمام مسجد القاضي عبد الباسط قاضي القضاة ووزير الخزانة والمشرف على صناعة الكسوة الشريفة التي كانت آياتها القرآنية تحاك بماء الذهب والفضة لتنطلق زفة من الطبل والاحتفال على المحمل من مصر إلى السعودية. وأمام الدار ستجد مشغل كسوة الكعبة ولكنه مغلق حيث تحولت المنطقة إلى ورش للحدادة بعد أن أغلقت دار كسوة الكعبة منذ سنوات.

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: ذكرى رحيل عبد الناصر ليلى مراد الزعیم جمال عبد الناصر ما زالت فى حارة ما زال

إقرأ أيضاً:

الطريق إلى الاتحادية.. الملفات السرية للإخوان.. عبدالرحيم علي يرصد إرهاب الإخوان طوال أكثر من ثمانين عامًا ضد مصر والمصريين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق الصراعات بين أفراد الإرهابية كشفت الكثير من المعارك الداخلية المسكوت عنها داخل الجماعةزوج شقيقة حسن البنا وسكرتير عام الجماعة يقوم بأفعال غير سوية بأهل بيوت بعض قيادات الإخوان
الجماعة غرقت فى مستنقع الانتهازية السياسية منذ بداياتها على يد مؤسسها حسن البنا  الطريق إلى الاتحادية كان قائمًا على دماء المصريين قديمًا وحديثًا
الوثائق تكشف تشكيل الجماعة لخلايا مسلحة تقوم بإرهاب المواطنين وتنفيذ عمليات اغتيالات سياسية وتفجيرات فى شوارع مصر

 

ليس نبيا ولا متنبئا ولا يعلم الغيب ولا أوتي خبر السماء لكنه باحث من طراز فريد، يعلم جيدا كيف يطرح الأسئلة ويبحث لها عن إجابات، لا يدَّعي يوما امتلاك الحقيقة المطلقة أو أنه الراوي العليم، حينما يتعرض لقضية ما يتناولها من جميع الزوايا ويجمع لها أدلة الإثبات والنفي للحكم فيها بموضوعية وحيادية قلما نجدهما اليوم، لكل هذا تأتي آراؤه ثاقبة وواضحة وجلية ودائما ما تتحقق توقعاته وقراءاته المستقبلية.. إنه عبد الرحيم علي الكاتب الصحفي، رئيس مجلسي إدارة وتحرير “البوابة نيوز” أول من تنبأ برحيل جماعة الإخوان الإرهابية عن حكم مصر.

في يوم ٢٧ يونيو ٢٠١٣، كتب "عبدالرحيم علي" تدوينة على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" موضحًا أن جماعة الإخوان الإرهابية اختارت الدم وأن المصريين اختاروا المواجهة إلى أن تتحرر مصر، وأنها مجرد ساعات على رحيلهم.
وقال «علي»: "مرسي وضع آخر مسمار في نعش جماعة الإخوان بخطابه الأخير، هو اختار الدم واحنا اخترنا المواجهة إلى أن نحرر مصر وما بيننا ساعات قليلة".
وتابع “ولا أقول أيام.. تذكروا ما قلته في شهر أبريل الماضي.. لم يبق من زمن الإخوان سوى ثلاثة أشهر.. ومرسي خدمنا وخلاهم شهرين، والله المستعان على ما تصفون”.
فما المقدمات التي جعلت عبد الرحيم علي يكتب مثل هذه التدوينة، ليس هذا فقط بل من أين أتاه هذا اليقين برحيل الجماعة قبل سقوطها المدوي بشهرين؟ للإجابة قصة طويلة من الجهد والمثابرة وقراءة الملفات العلنية والسرية للجماعة وتحليل خطابها، حتى بات يعرف كيف تفكر قيادات الجماعة ويعلم جيدا آليات عملهم، ومدى انتهازيتهم السياسية، هذا الذي ظل يتدارسه طول حياته وانتج لنا عدد ليس قليل من الدراسات والأبحاث والكتب التي تفضح وتعري جماعة الإخوان وباقي جماعات الإسلام السياسي من بينها «بن لادن الشبح الذى صنعته أمريكا» و«سيناريوهات ما قبل السقوط» «وموسوعة الحركات الإسلامية» من ثمانية أجزاء و«الإسلام وحرية الرأى والتعبير» وغيرها.
وربما يجعلنا عنوان كتابه "الطريق إلى الاتحادية" نفكر في عامي تولي الإخوان السلطة في مصر، لكن عبدالرحيم علي يأخذنا لأبعد من ذلك حتى يحكي لنا الحكاية من أولها أو كما يقول المثل الشعبي "من طق طق لسلاموا عليكم"، إلا أنه أراد أن ينبهنا في البداية بمقدمة مهمة تكشف الاتصال القديم للجماعة - جماعة الإخوان - مع أمريكا الذى انتهى بتحالف وثيق بينهما يقوم على محورين. الأول حماية الأمن القومى الإسرائيلى وإيجاد تحالف إسلامى سنى فى الشرق الأوسط تحت قيادة مصر والمملكة العربية السعودية للحد من المد الشيعى والنفوذ الإيرانى بالمنطقة دون دفع أمريكا للتورط فى تدخلات عسكرية. وعما يحدث من فوضى بالبلاد التى حدثت فيها الثورات رغم حكم الإخوان فهذا يفتح الباب للتقسيم ورسم خريطة جيوسياسية جديدة للمنطقة. يحدث هذا فى الوقت الذى يسعى فيه الإخوان إلى التمكين من مفاصل الدولة المصرية. كان ذلك واضحا فى الوثيقة التى عثرت عليها أجهزة الأمن فى مكتب خيرت الشاطر نفسه أيام قضية سلسبيل الشهيرة، وكان من أبرز ما فيها تشويه الإعلام بشتى الطرق - هو ما حدث - تحييد الجيش واحتواء الشرطة والعمل على إيجاد بيئة دستورية وقانونية لتكوين ميليشيات مدربة على فنون القتال، وأظن أن ما حدث من كسر لهيبة القضاء يدل على ذلك.
يتناول عبدالرحيم علي في "الطريق إلى الاتحادية" بالرصد والتحليل، وعلى مدار أكثر من ثمانين عامًا، هي عمر جماعة الإخوان المسلمين، كيف انزلق الإخوان في مستنقع الانتهازية السياسية، منذ البدايات على يد الإمام المؤسس حسن البنا، مرورًا بالتعامل مع كافة الحكومات التي تولت حكم مصر، وحتى ثورة ٢٥ يناير المجيدة، تاريخ من الدم والعار تلطخت به أثواب كل من تولوا المسئولية في تلك الجماعة الموغلة في القدم، كان آخرها دماء الثوار الأبرار التي أسيلت أمام قصر الاتحادية.. هؤلاء الذين رجحوا كفة مرسى في الانتخابات الرئاسية ٢٠١٢، فإذا به ينحاز لأهله وعشيرته، ويستخدمهم في مواجهة الثوار.
ويناقش الكتاب فى بابه الأول الانتهازية السياسية للإخوان منذ نشأتها. كانوا يتقربون للقصر الملكى فى اللحظات التى تبتعد عنه فيها الحركة الوطنية المصرية، منذ الملك أحمد فؤاد حتى نهاية عصر فاروق. ويقدم الكتاب كثيرا من رسائل حسن البنا لهما وكثيرا من المقالات فى مجلتهم «الإخوان المسلمون» فالملك فؤاد هو حامى الإسلام ورافع رايته وهو حامى المصحف. والأمر نفسه فعلوه مع فاروق، بل كانوا عيونا له على أعدائه. والكاتب لا يقدم كلاما مرسلا بل يقدم صورا من المقالات والرسائل وغيرهما من الوثائق دليلا على كل ما يقول. الكتاب فى الحقيقة قائم على الوثائق والتوثيق. وكان الإخوان يفعلون ذلك فى الوقت الذى يقفون فيه بعداء للقوى الوطنية الأخرى مثل اليسار ومصر الفتاة والوفد، وإن كان عداؤهم للوفد يرى أحيانا بعض التأييد حين تكون لهم مصلحة فى ذلك. وبالفعل كانت حركتهم تزدهر فى حكومات الوفد. يستمر المؤلف فى استعراض علاقتهم بباقى القوى مثل «الأحرار الدستوريين» ليتضح لك أن الأمر كله لم يبرح منطقة الانتهازية السياسية بما تقرأه لهم من رسائل أو مقالات. والأمر نفسه يتكرر مع عبدالناصر الذى كان الإخوان مؤيدين له فى البداية فى التنكيل بالمعارضين خاصة فى محاكمة عمال كفر الدوار. ثم انقلبوا عليه وحاولوا اغتياله عام ١٩٥٤ حين وجدوا أنه لن يستجيب لهم وحل جماعتهم باعتبارها تعمل بالسياسة مثل غيرها من الأحزاب. ويستمر الكتاب فى سرد موثق دائم دارس لكيفية عودة الجماعة للانتشار والاتساع الذى أتاحت له هزيمة ١٩٦٧ الأرض المناسبة إلى حد ما ثم صارت مناسبة أكتر فى عهد السادات الذى تحالف معهم. وازداد توسعهم فى عهد مبارك فى الوقت الذى ازداد فيه التنظيم الدولى لهم قوة وإمكانات. لقد كان اليسار بالنسبة للسادات هو الخطر الرئيس ولم يجد سبيلا لوأده إلا بالاتفاق مع الإخوان. ويقدم الباحث لهذه الحقب التاريخية كلها شهادات من أقوال أعضاء الجماعة والتنظيم الدولى، ويرصد كيف نجحوا فى السيطرة على الشارع الفقير وعلى النقابات المهنية وغير ذلك. لكنها -الجماعة- رغم ذلك لم تتخل عن انتهازيتها التى وضحت كاملة فى انتخابات مجلس الشعب عام ٢٠٠٥ التى حصل فيها الإخوان على مقاعد مجلس الشعب باتفاق مع أمن الدولة، ثم كيف خذلوا كل أطراف المعارضة فى انتخابات عام ٢٠١٠ حين قرروا دخول الانتخابات فى الوقت الذى قررت فيه المعارضة المقاطعة، لكن الحزب الوطنى ارتكب خطأه الأكبر حين أسقطهم جميعا وأسقط غيرهم من المعارضة المستقلة والحزبية التى اضطرت لدخول الانتخابات بعد أن وافق الإخوان على دخولها.
إلى هنا، ونحن مع انتهازية الإخوان مع الحكم عبر تاريخهم ومنذ تأسيس جماعتهم. لكن الباب الثانى هو الأخطر إذ يعرض للانتهازية داخل الجماعة نفسها، ويعرض الصراعات بين أفرادها من القيادات ويعرض كثيرا من المعارك الداخلية المسكوت عنها مثل معركة بعض القيادات مع عبدالحكيم عابدين زوج شقيقة حسن البنا وسكرتير عام الجماعة. ويقدم الرسائل والمناقشات التى دارت حول أفعاله غير السوية بأهل بيوت بعض قيادات الإخوان، ويسميه الكاتب براسبوتين الجماعة، وكيف كان يعتدى على حرمة بيوت الناس باسم الدعوة، وموقف حسن البنا المناصر له وكيف حكم ببراءة عبدالحكيم عابدين مما نسب إليه. ويأتى برسائل للدكتور إبراهيم حسن وكيل الجماعة الذى استقال فى ٢٧ إبريل عام ١٩٤٧ احتجاجا على طريقة التعامل فى أزمة عبدالحكيم عابدين. رسائل توضح ما جرى من تسويف فى المسألة تحت شعار «فى ضياع الحق مصلحة الدعوة». وكان حسن البنا قد أمر بوقف ثلاثة من القيادات الكبرى هم الدكتور إبراهيم حسن نفسه وأحمد السكرى وكمال عبدالنبى وتمت تبرئة عبدالحكيم عابدين ثم أصدر البنا قرارا بفصل السكرى برغم العلاقة التاريخية الممتدة بينهما، فيرسل له خطابا بالفصل وخطابا يعلن له فيه أن صداقتهما لسبعة وعشرين سنة باقية بقوتها وسلطانها وبريقها إلى الأبد. وبالطبع ليست هناك انتهازية أكثر من هذه.
تأخذ هذه الأزمة مساحة كبيرة من الكتاب ليعرفها الجيل الذى لن يجدها على الفيس بوك ولا غيره من المواقع الافتراضية، ويعرضها عبدالرحيم علي بكل تفاصيلها السرية. وبكل ما قدم فيها من رسائل ولا نترك الباب الأول إلا وقد عرفنا مواقفهم الانتهازية مع كل القوى ومع الإنجليز أيضا. ثم ننتقل إلى ملف العنف فى الباب الثانى، فيبدأ بحادثة مقتل النقراشى باشا رئيس وزراء مصر التى جرت فى الثامن والعشرين من ديسمبر عام ١٩٤٨. وهنا لا يعتمد "علي" على تحقيقات الشرطة ولكن على اعترافات الجناة والمنفذين والمخططين من خلال أوراق القضية الأصلية، مستبعدا تحقيقات البولسى السياسى حتى لا يشوب بحثه أية شبهة وكذلك يفعل فى قضية اغتيال القاضى الخازندار وتقرأ فيها شهادات الإخوان أنفسهم وغير ذلك من القضايا التى عرفها تاريخ الإخوان مثل محاولة نسف محكمة الاستئناف التى كان بها أوراق قضية السيارة الجيب التى كان على رأس المتهمين فيها مصطفى مشهور، وهى السيارة التى ضبطت محملة بأسلحة وقنابل وأوراق تحوى خطط واستراتيجيات الجماعة. الأمر نفسه يفعله المؤلف فى اغتيال أحمد ماهر باشا فى ٢٤ فبراير عام ١٩٤٥، ونستمر مع غيرها من أحداث العنف حتى نصل إليها بعد ثورة يوليو ومحاولة اغتيال عبدالناصر، ويظل الباحث عبدالرحيم على، على منهجه تاركا الاعترافات تتحدث. ثم قضية الإعداد لنسف وتدمير المنشآت الحيوية عام ١٩٦٥ التى اتهم فيها سيد قطب ثم قضية الفنية العسكرية التى كان من أخطر ما جاء عنها أقوال طلال الأنصارى أحد المتهمين فيها فى مذكراته بعد الخروج من السجن وعنوانها «مذكرات مجهولة من تاريخ الحركة الإسلامية المعاصرة - من النكسة إلى المشنقة»، وكيف كان المرشد العام المستشار حسن الهضيبى على علم وكيف أخذته إليه زينب الغزالى وكيف رحب الهضيبى بالعملية كلها، إذ يقول طلال الأنصارى فى مذكراته «لقد تحاشى جميع الإخوان التعرض لهذه المسألة رغم مرور ثلث قرن عليها، لكن الحقيقة أن العجلة دارت وتولى الدكتور صالح سرية قيادة أول جهاز سرى بايعه الهضيبى شخصيا بعد محنة ١٩٦٥ - ١٩٦٦. وهكذا فالعلاقة قديمة. «وهكذا أيضا يكشف لنا عبد الرحيم علي الكثير والكثير من الأسرار التى جعلت الطريق إلى الاتحادية قائما على دماء المصريين قديما وحديثا، فضلا عما جرى فى المجتمع من تحولات.


وثائق تاريخية 

ويقدم عبدالرحيم علي في القسم الثاني من كتابه مجموعة من أهم الوثائق التاريخية المرتبطة بأحداث فصول الكتاب، مثل وثيقة وكيل الجماعة في فضيحة عبد الحكيم عابدين، والخطابات المتبادلة بين الشيخ البنا وشريكه في تأسيس التنظيم أحمد السكري، ونص التحقيقات في قضية اغتيال النقراشي ١٩٤٩، وقضية المنشية ١٩٥٤، ومذكرة مهدي عاكف حول تقييمه لفرع الإخوان بأمريكا.
بعد ثورة ٣٠ يونيو الإطاحة بحكم الجماعة تبنت جماعة الإخوان مجموعة متنوعة من الاستراتيجيات، بما في ذلك تنظيم المظاهرات، العودة إلى العمل المسلح وتشكيل خلايا مسلحة تقوم بارهاب المواطنين وتنفيذ عمليات اغتيالات سياسية وتفجيرات في شوارع مصر، وبعد هروب قيادات الجماعة للخارج قاموا بتعزيز العمل الدولي وشن هجومهم على مصر بنشر الشائعات والمعلومات المغلوطة لاستعداء الجهات الخارجية على الدولة المصرية مستغلين علاقاتهم بدوائر صنع القرار في أوروبا وأمريكا. 
فكان من المهم وجود شخصية وطنية مصرية تقوم بالرد عليهم وكشف أكاذيبهم وزيفهم، وتصدى عبدالرحيم علي لهذا الدور بكل شجاعة وفضل الحياة بعيدا عن وطنه وأهله وأصدقائه وضحى بالكثير في سبيل اتمام مهمته في كشف زيف الجماعة الإرهابية وتحذير الغرب من مخططاتها، فدشن لتلك المهمة مركز دراسات الشرق الأوسط بباريس والذي أكد من خلاله أن تفكيك المنظمات الأصولية يمثل نقطة البداية لترميم الديمقراطيات الهشة في أوروبا، وأوضح أن التمرد وأعمال الشغب التي تشهدها المدن الفرنسية، بما لا يدع مجالًا للشك، ما كان يحذر منه ويخشاه العديد من المحللين السياسيين فيما يتعلق بتحولات النظم الديموقراطية في فرنسا وفي غيرها من المجتمعات الأوربية.
وشارك عبدالرحيم على في عدد ليس قليل من المؤتمرات في أوروبا كان من بينها مؤتمر "إيكس أون بروفنس" والذي عقد في يوليو الماضي وخلال مشاركته في جلسة حول "الطرق الجديدة للديمقراطية"، أكد عبدالرحيم علي أن تنظيم الإخوان يغزو أوروبا واخترق الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتعليمية للمجتمعات الأوروبية، وأضاف: على مدى السنوات العشرين الماضية، فإن المنظمة الدولية للإخوان، إحدى أكبر التنظيمات الأصولية الإسلاموية في العالم، توسعت في أوروبا، لا سيما في فرنسا وبلجيكا وألمانيا وإنجلترا. لقد غزا تطور القوة الناعمة الإسلاموية على الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والرياضية والثقافية والتعليمية للمجتمعات الأوروبية. بحيث لا نرى ببساطة وراء تعددية هذه القوى وانقسام تلك الجماعات حقيقة الدور المهيمن للمنظمة العالمية للإخوان على هذه القوى والتنظيمات والجماعات، بل وعلى المجتمع الأوروبي بأسره، حتى استيقظت أوروبا بعد عدد من الهجمات الإرهابية لتجد أنها وقعت في براثن هذه المنظمة.


وقال عبدالرحيم على إن العاملين الديموجرافي والأيديولوجي، خاصةً الأصولي والمتطرف القادم من خارج هذه المجتمعات والمتحالف مع قطاعات منها لعب دورًا أساسيًا في تكثيف هذه التحولات التي تتمرد على الدولة والقانون وترفض قيم الديموقراطية بوجه عام! وحرية الرأي والتعبير وحقوق المرأة وحرية العقيدة والأديان على وجه الخصوص، مشيرًا إلى أن الظاهرة كانت معبأة من الداخل بعوامل هشاشتها وقد ظهر هذا جليا في السابق من خلال احتجاجات السترات الصفراء وبعدها في احتجاجات قانون التقاعد وسيظهر في أى احتجاجات أخرى تنشأ من أى اعتراضات مجتمعية على سلوكيات أو نهج حكومي ما.
وأكد أن مناهج وأهداف الأصوليين (في تغيير القيم حتى الوصول إلى مرحلة التمكين)، تتضمن ضمن ما تتضمن فكرة "إدارة التوحش"، التي فضلًا عن مناهج التأقلم المختلفة للتغيير الهادئ للمجتمعات الأوروبية، وإضافة الى أعمال الإرهاب والعنف، تستخدم وتستغل ظاهرة اجتماعية برزت من داخل تلك المجتمعات وهي ظاهرة الفوضى الديموقراطية والتوحش الاجتماعي والاقتصادي وبخاصة في الضواحي. فضلًا عن الروح الانفصالية التي تسود أغلبية تلك الأماكن المأهولة بالسكان والتي يحكمها اقتصاد التهريب والمخدرات ولا تتحكم فيها لا قوى الأمن ولا القانون!.
 

مقالات مشابهة

  • كتلة هوائية حارة تؤثر على الأردن وتحذير ات مهمة
  • مِحَن.. ترمى علينا بشرر!
  • الوزير والمثقفون
  • عادل حمودة يكتب: في صحة أحمد زكي
  • نصائح مهمة إثر ارتفاع درجات الحرارة في الأردن نهاية الأسبوع
  • الطريق إلى الاتحادية.. الملفات السرية للإخوان.. عبدالرحيم علي يرصد إرهاب الإخوان طوال أكثر من ثمانين عامًا ضد مصر والمصريين
  • «دُفعة المراوح وتخفيف الأحمال»
  • المساندة الشعبية
  • تصل لـ 45 درجة مئوية.. الأرصاد تحذر من موجة حارة جديدة- فيديو
  • نشرة التوك شو.. ذكرى 30 يونيو وموجة حارة جديدة