فى ذكرى رحيل عبد الناصر «الأسبوع» فى حارة الخرنفش: غابت ملامح بيت الزعيم وبقيت السيرة والحكايات
تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT
فى ذكرى رحيل عبد الناصر
غابت ملامح بيت الزعيم وبقيت السيرة والحكايات
"الأسبوع" فى حارة الخرنفش تقاطع خميس عدس وحارة اليهود
بيت ناصر تحول إلى مول تجارى.. ومنزلا ديان وليلى مراد ما زالت عليهما نجمة داود
الأسرة التى اشترت المنزل تحكى عن الزمن الجميل وأشهر من عاشوا بجوار معبد موسي بن ميمون
ذات يوم دخلت الصغيرة ذات الضفائر المجدولة على أبيها مكتبه وهو مستغرق فى عمله.
نظر الأب لها وابتسم ثم أرسل فى طلب سكرتيره الخاص وطلب منه أن يأخذ أولاده (خالد وهدى ومنى وعبد الحكيم وعبد الحميد) إلى مكان ظن الصغار أنه محل الملابس الجديدة لتقف السيارة التى تحمل شعار رئاسة الجمهورية أما م المنزل رقم 3 الذى يقع فى آخر حارة اليهود وأول حارة خميس عدس ذلك المنزل القديم الذى تحكى جدرانه الكثير من تفاصيل حياة الزعيم جمال عبد الناصر ليعود الصغار إلى مكتب أبيهم ليقول لهم: (هنا عاش أبوكم جمال عبد الناصر فى ذلك البيت الفقير بين أهالى مصر الطيبين" )
فى حارة الخرنفش والبرقوقية وبين جنبات ما يقرب من 360 زقاقا وحارة ضمها حى كامل اسمه (حارة اليهود ) الذى يمكنك أن تدخله من عدة جهات من الجمالية حيث منطقة الصاغة وشارع المعز أو من الموسكى حيث تكون فى وسط الأزقة والحارات أو من ناحية الخرنفش بالقرب من باب الشعرية.
فى ذكرى رحيل ناصر قررنا أن نزور المكان الذى شهد بعضا من ذكريات حبيب الشعب الذى كان لحارة اليهود والخرنفش ومسجد العدوى وغيرها من المعالم ذكريات فى حياته.
دخلنا من شارع بورسعيد حيث الأزقة التى امتلأت عن آخرها بالمحلات والورش التى تعج بالبشر ليل نهار حتى وصلنا إلى أول منطقة حارة اليهود عند محل مغلق كان يسمى محل بيسع البقال والذى ما زال الناس يعرفون اسمه فقد كان أحد أشهر اليهود الذين سكنوا المنطقة لنسأل عن بيت جمال عبد النصر والذى استأجره والده الذى عمل مأمورا لمكتب بريد الخرنفش عام 1933 عندما انتقل والده من السويس إلى القاهرة. فى حين عاش معهم الزعيم جمال عبد الناصر بالمنزل خمس سنوات حتى التحق بالكلية الحربية ليظل وإخوته فترة من الزمن داخل الحارة وكذلك والده حتى وفاته.
على باب حارة خميس عدس رأينا أحد البيوت القديمة والذى يحمل رقم (12).. الباب مبنى بالحجر القديم وتعلو شبابيكه القديمة نجمة داود.لنسأل أحد المارة عن منزل عبد الناصر ليرد عم سعيد: هذا ليس البيت الذى سكن فيه الزعيم عبد الناصر بل المنزل الذى عاش فيه موشى ديان وزير الأركان الأسرائيلى وكان هذا البيت والحى نفسه به عدد كبير من اليهود يعيشون بين المصريين ويمارسون شعائرهم فى المعابد وأشهرها معبد موسى بن ميمون فى درب قرمز الذى يقع فى الحارة الخلفية لحارة خميس عدس.
وصلنا للمكان الذى دلنا عليه أهل المكان وجدنا المنزل قد اختفي وتم هدمه منذ فترة قليلة وتم بناء مول تجارى ما زال فى مرحلة التشطيب اشترته عائلة الشربينى أشهر تجار الخردوات بالمنطقة وبتحفظ شديد قالوا::اشترينا المنزل من البنك بورق رسمى، فالبيت كان مملوكا لأحد اليهود والبنك باعه وكان البيت مهجورا منذ سنوات طويلة وليس به سكان".
وتتحدث الحاجة أم أحمد التى تجلس فى محل الخرز الذى يملكه زوجها بحارة اليهود والتى بلغت من العمر ما يقرب من الستين والتى تحكى عن أيام عاشها عبد الناصر وحكاها لها والدها عن تلك الأسرة الطيبة التى كان الجميع يحترمها منذ حضورها من السويس إلى المنطقة وعاشت لسنوات طويلة. والبلد كانت أيامها حلوة وفيها بركة.
أم أحمد تقول كان عبد الناصر كما حكى لى والدى فى مدرسة النحاسين ولكن المدرسة لم تعد موجودة الآن فقد تحولت إلى مكتب سياحى. وتضيف أم أحمد: زوجى وشريكه اشتريا البيت من البنك وبنيناه حاليا مول تجارى ما زلنا فى مرحلة تشطيبه.
هنا كان البيتهنا كان بيت عبد الناصر الذى يحمل رقم 12 حيث عاش فيه فترة من حياته وعاش فيه والده وإخوته لسنوات كما يقول محمد أحمد حمدى الحلاق الذى يبعد محله عن المنزل 50 مترا ليحكى عن والد الزعيم جمال عبد الناصر الذى استأجر منزل المعلم يعقوب شمويل ليسكن فيها الحاج حسين والد الزعيم عبد الناصر هو وأسرته و كان عم حسين صديقا لوالده أحمد حمدى الذى كان حلاقه الخاص.
يقول محمد: كان والدى من عاشقى الزعيم جمال عبد الناصر وكانت كل الخطب التى يذيعها الراديو مفتوحة بصوت عال فى محلنا كما كان يحكى لى والدى.
ويحكى محمد كيف كان والده يحكى عن عبد الناصر عندما كان يحضر مع والده للحلاقة فى المحل الذى يوجد بالمنزل المجاور.
يقول محمد: أثناء زلزال 1992تعرض المنزل للتصدع فأزالت المحافظة منه دورين ليصبح ثلاثة أدوار فقط ثم تمت إزالته كاملا وبيعه للحج سمير وشريكه.
محمد يقول أيضا: صحيح البيت الذى سكن فيه الرئيس جمال عبد الناصر تم هدمه ولكن السيرة الطيبة التى حكاها لنا أهلنا عنهم ما زالت حاضرة.
مشينا عدة خطوات لنجد طفلا لم يتعد الثمانى سنوات ليقول لنا: هذا منزل موشى ديان ولفت نظرنا إلى نجمة داود التى ما زالت موجودة بشبابيك المنزل المتهالك لكنه ما زال موجودا ويعيش به سكان من المصريين بعد أن رحل عن الحارة آخر ثلاث يهوديات كن يعشن قبل سنوات كما يقول إبراهيم أحد السكان منهن يهوديات منهن راشيل التى رحلت عن عمر تعدى التسعين وليلي ومارى اللتان تجاوزت كلتاهما الثمانين من عمرها.
ليلى مرادتجولنا فى الحارة التى كانت تضم 13 معبدا منها ثلاثة أشهرها معبد موسى بن ميمون الذى ما زال مقصدا للزيارات اليهودية التى تأتى لتنزل حافية فى أحد سراديبه فى وقت محدد من كل عام كما يقول محمود الذى يسكن بالقرب من منزل قديم بالحارة قال لنا إنه المنزل الذى عاشت فيه الفنانة ليلى مراد وأخوها منير مراد ووالدها زكى مراد وما زال المنزل موجودا ولكن تسكنه سيدة مصرية من أهل الحى تعدت التسعين عاما وتعيش معها حفيدتها منار التى قالت للأسف جدتى قبل إصابتها بالزهايمر كانت تحكى لى الكثير عن ليلى مراد وأسرتها وكيف كانت تعيش مع إخوتها ووالدها قبل أن تدخل الفن هى وأختها ملك التى هاجرت لأمريكا.
حكاياتحكايات الشارع العتيق وحواديت حارة اليهود ومشاهيرها لا تنتهى كما تقول الست سنية التى تستأجر مقهى فريد بمنطقة الجمالية التى عاشت كل حياتها هى ووالدها وأجدادها وعرفت الكثير عن حكايات المشاهير والزعماء الذين عاشوا فى الحى ومنهم الزعيم عبد الناصر التى تعشقه مثل كل المصريين وتحكى عن كل الخير والبركة التى كنا نعيشها فى مصر كلها. وتقول كانت حارة اليهود مكانا فيه أغلب السكان من اليهود الصنايعية وكانوا يتعلمون فى مدرسة العدوى وكنا نذهب لمدرسة السيوفية ولكن اختفت كل المعالم وبقيت الذكريات كما تقول سنية.
هى ذكريات وشخصيات مرت على حارة اليهود وعاشت بها وكان بعضهم صاحب تاريخ كبير أثر فى مصر لعل آخرهم الرئيس السيسى الذى عاش فى حارة البرقوقية بالجمالية كما تقول الحاجة سنية.
وفى حارة اليهود أيضا عاش "قطاوى باشا" وزير مالية مصر، ووزير المواصلات وعضو مجلس النواب و "يعقوب صنوع" "أبو نضارة" والذي تم نفيه من البلاد بسبب سخريته من الخديوي إسماعيل وغيرهما من الأسماء الكثيرة.
جنيه عبد الناصراستكملنا المسيرة ونحن نبحث عن التاريخ لنصل إلى ورشة ذهب تعد من أقدم الورش بمنطقة الصاغة القريبة من حارة اليهود فالحى كله يعج بالورش الصغيرة المتراصة فى كافة المهن وأهمها المشغولات ليكون اللقاء مع الحاج حسين بدر أشهر صائغ بالمنطقة ما زال يعمل بيده فى ورشته التى تتخذ من إحدى العمارات القديمة مقرا يعرفه محبو الذهب القديم والمشغولات الأصيلة.
وما أن سألناه عن الزعيم ناصر حتى اغرورقت عيناه بالدموع وهو يردد (ناصر حبيب الملايين القائد العظيم ) ثم فتح الدرج الذى أمامه وقال: "هذا هو جنيه عبد الناصر الذهب" عملة ذهبية عليها صورة الزعيم. وأضاف لو قلت لكم كم عدد الجنيهات التى أقوم بتجهيزها لتكون سلسلة عليها صورة الزعيم لن تتخيلوا فما زالت ذكراه الحلوة باقية ولو مرت مئات السنين.
وبحسب التاريخ فإن جنيه عبد الناصر مر بمراحل مختلفة بعد ثورة يوليو حيث صدر قانون إنشاء البنك المركزي المصري، ومنحه حق إصدار العملة المصرية عام 1960. ليصدر ناصر بعدها بعامين قرارفك ارتباط الجنيه المصري بالجنيه الإسترليني، وربطه بالدولار عند قيمة 2.3 دولار لكل جنيه مصري واحد.وفى عام 1967 تم إنشاء دار لطباعة النقد محليا بدلا عن طباعته في الخارج.
وقامت دار سك العملة بطباعة العملة الوطنية وكذلك طباعة عملات أخرى لبعض البلاد العربية لصالح بنوكها المركزية.
جنيه عبد الناصر الذى واجه مؤامرات أمريكا وبريطانيا وإسرائيل حقق لأول مرة في التاريخ فائضا في الموازنة العامة بلغ 46.9 مليون جنيه، بقيمة الجنيه وقته وحافظ عبد الناصر على معدل تنمية بلغ 8% بالرغم من نكسة يونيو، وبلغ عدد المصانع التي أنشأها عبد الناصر 1200 مصنع. وبلغت قيمة القطاع العام طبقا لتقديرات البنك الدولي 1400 مليار دولار.
وعندما توفي عبد الناصر كان لدى مصر طبقا لتقديرات البنك الدولي أيضا، فائض من العملة الصعبة بلغ 250 مليون دولاروكان الديْن الخارجى ما بين 1.3 مليار دولار إلى 1.7 مليار توزعت ما بين تسليح الجيش، وما بين معونة غذائية أمريكية بدأت منذ العام 1967 ولمدة 10 سنوات بفائدة 4%.
مدرسة الفريرالسير فى أزقة حوارى حى اليهود والخرنفش والبرقوقية والسقالبة والجمالية تحكى الكثير من تاريخ مصر فمن الخرنفش تلك الحارة التى اتخذت اسمها نسبة لمادة تتحجر مما يوقد على مياه الحمامات القديمة من المخلفات العزيز بالله في بناء القصر الغربي الذي كان يتوج المنطقة.
ومن الخرنفش خرجنا إلى شارع بورسعيد لنمر على مدرسة القديس يوسف (أو «الفرير التى كان يدرس فيها أبناء الفقراء والأغنياء على حد سواء لتبقى المدرسة بساحتها الكبيرة على مدخل حارة الخرنفش شاهدا على تخرج مشاهير منها كان منهم الزعيم سعد زغلول و مصطفى كامل، ومن الفنانين نجيب الريحاني وفريد الأطرش ورشدي أباظة وعبد الفتاح القصري.
فى مواجهة مدرسة الفرير توجد كنيسة مريم العذراء التى زارتها العائلة المقدسة خلال رحلتها إلى مصر وهى مقصد كان المصريون يزورونها وما زالت حتى الآن تشهد زيارات وحكايات كثيرة.
فى آخر شارع الخرنفش كانت دار كسوة الكعبة والتى للأسف طالتها يد الإهمال وأصبحت أطلالا مغلقة بسبب الروتين فمن هنا كان ناصر يرى الكسوة التى تخرج فى مشهد عظيم في احتفال رسمي بهيج من أمام مسجد القاضي عبد الباسط قاضي القضاة ووزير الخزانة والمشرف على صناعة الكسوة الشريفة التي كانت آياتها القرآنية تحاك بماء الذهب والفضة لتنطلق زفة من الطبل والاحتفال على المحمل من مصر إلى السعودية. وأمام الدار ستجد مشغل كسوة الكعبة ولكنه مغلق حيث تحولت المنطقة إلى ورش للحدادة بعد أن أغلقت دار كسوة الكعبة منذ سنوات.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: ذكرى رحيل عبد الناصر ليلى مراد الزعیم جمال عبد الناصر ما زالت فى حارة ما زال
إقرأ أيضاً:
محمد عبدالقادر يكتب عن رحلة المخاطر والبشريات
*محمد عبدالقادر يكتب عن رحلة المخاطر والبشريات ????
*الطريق الى القيادة.. (مهمة) فى يوم العبور…*
*رغم المخاطر المعلومة.. البرهان فتح الطريق الى القيادة العامة..*
*(….) فى هذا المكان التقينا النقيب حامد الجامد الذى رفع التمام من ( سلاح الاشارة)*
*القناصون فى اماكن ارجأها الجيش لمهام “التنظيف والتشطيب”،*
*الشوارع تحكي بلغة فصيحة قصص الحرائق والدمار ..*
*السيارات المحروقة على جانبي الطريق ورائحة الموت فى كل مكان*
*الجيش بخير، شباب وحماس، وملامح تعبر عن كل السحنات والملامح..*
(1)
الاحد الماضي، كانت القلوب تهفو “للقيادة العامة” وقد تحررت للتو من حصار الجنجويد الاثم لأكثر من واحد وعشرين شهرا (630 يوما) رابط فيها رجال من ابناء الجيش الجسورين ضباطا وضباط صف وجنود عايشوا الموت واتخذوا من سكنهم قبورا تحوى رفاة من رحلوا، وخنادقا تحكي قصة اطول واعنف حصار فى تاريخ الحروب.
بعد 24 ساعة من فك حصار القيادة ونيران المعركة مازالت مشتعلة كنت ابحث عن ما يحملني ووفد (صحيفة الكرامة) المرافق الى حيث القيادة ، وجدت ضالتى عند الاستاذة الهميمة سمية الهادى وكيل وزارة الاعلام ، اذ كانت تشكرني عبر اتصال هاتفي على وصولنا للوزارة ، وتخبرني بانهم يرتبون لزيارة وفد من الاعلاميين الى القيادة، فطلبت ان نكون ضمن من يشملهم شرف الوصول الى أطهر بقاع المعركة القيادة العامة، اجتهدت معي الاستاذة سمية فى ترتيب الامر حتى دخلنا فجرة اليوم التالي طائرة حملت فى جوفها صحفيين ومراسلين للقنوات ووكالات الانباء .
الطريق الى القيادة لم يكن مفروشا بالورود، الرحلة تنطوي على مخاطر اكيدة ، وابرزها “القناصين” الذين كانوا يرسلون سيلا من حمم الحنق والغصب على القوافل التى تقصد القيادة..
(2)
قبل ان تتحرك قافلة الاعلاميين صوب القيادة كانت الانباء تترى عن وصول الفريق اول عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة القائد العام للجيش، فقد سبق الجميع فجرا الى هناك برغم المخاطر التى لم تكن غائبة على الاجهزة الامنية.. لكنه اراد ان يفتح الطريق امام الجميع نحو القيادة العامة وقد هزه الشوق الى رفاق الخنادق، من تركهم قبل اشهر على مضض وغادرهم بعملية عسكرية محتشدة بالفراسة والجسارة والاسرار…
(3)
فى يوم الزيارة كان القناصون ينشطوز فى اماكن ارجأها الجيش لمهام “التنظيف والتشطيب”، وبرغم ذلك دخل البرهان القيادة وخيوط الفجر تسدل على اهداب اللحظات الحفية بالانتصارات والبشارات فيوضا من من الوطنية ونزاهة الانتماء لمؤسسة الجيش التى ماخانت العهد ولانكثت عن وعدها لشعب السودان بتخليصه من طاعون الجنجويد وسرطان المليشيا..
(4)
فى ذلكم اليوم تحركنا لانجاز مهمة نراها وطنية وتاريخية ، وقد الم بي جرح غائر فى القدم كاد ان يقعدني عن مرافقة الموكب، ورغم الرجاءات من الزملاء والمشفقين الا ان الجميع كانوا يسترخصون كل شئ فى مقابل اكتحال اعينهم برؤية اسوار القيادة، وزيارة الاشارة والالتحام مع لحظات النصر فى مكاخنها الطبيعي ومظانها الموارة بالدخان والرصاص ودموع الرجال..
فى شارع الوادي الامن المطمئن كان الاعلاميون يترقبون لحظة الانطلاق وهم (يرتكزون) بلغة الجيش فى مركز الشهيد عثمان مكاوي..، المقدم الهميم حسن كان يضبط كل شئ على ساعة اليقظة، وعقارب الدقة والاهتمام.
طريقة الاستعداد وهمس ابناء الجيش الغر الميامين فى الاعلام العسكري كانت تنبئ عن مهمة لا اقول خطيرة ، ولكنها تنطوي على احترازات واجبة التنفيذ ، الاعلاميات المرافقات رغم حماسهن للذهاب، ( لينا يعقوب ومشاعر عثمان ، وسارة الطيب واشواق سيف الدين ، واخريات) ووجهن بتقديرات حرمتهن من مرافقة الوفد، وفى قلوبهن حسرة) على التخلف عن ركب القيادة.
(5)
مع عبورنا ل(كبري الحلفايا) كانت بحري المنهكة بجراىم الجنجويد تنتظرنا على جمر التشوق لاكمال التحرير، والانعتاق من طيش الجنجويد وانتهاكاتهم بحق المواطنين ، كان الدمار حاضرا فى الحلفايا وشمبات والصافية وحتى كوبري الحديد المفضي الى سلاح الاشارة ومن ثم القيادة العامة، كانت الشوارع تحكي بلغة فصيحة قصص الحرائق والدمار، رائحة الموت فى كل مكان وارتال السيارات المحروقة تترامى على جانبي الطريق، شارع الكدرو المفصي الى المعونة نال وسام المواجهات حتى اطلقوا عليه “شارع الكمائن”، لم تسلم الجدران من طيش الرصاص الذى وسم الاحياء برماد الفجيعة، وترك على البيوت اثار الحرائق ، لهفي على الصافية التى نالت حظها الاوفر من الخراب الدمار الاحياء خاوية على عروشها اىا من نعيق البوم ، اسراب من الغربان والطيور الغريبة تجوس فى الافاق، وتعلن عن موت الحياة بغياب البشر، الشوارع متسخة والازقة متشحة بالسواد والبيوت منهوبة ومفتوحة بعد ان افرغ الشفشافة ما بجوفها من متاع واثاث.
(6)
مع تعرجات الطريق ، الذى سلكناه عبر الأزقة الداخلية ، كان الجيش ينتشر بكثافة،يخرج عليك الشباب اليافعون من كل مكان ، يغطون الطريق ويؤمنون المسير، سحنات السودان كانت حاصرة فى ملامح تنضح وطنية، وهو الامر الذى يجعلنا نتفاءل بان الجيش سبظل بوتقة لسودان واحد موحد متعدد الاعراق.
تغلب الجيش فى حرب الكرامة على واقع ما قبل الحرب، وقد تقدم العمر بمنتسبيه فرجحت مواجهات البداية الكفة لصالح المليشيا التى كانت تجند بالمال شبابا صغار السن، غير ان الجيش الذى رايناه الان يختلف تماما فاعمار منتسبيه ومجندى القوات المساندة باتت صغيرة ،ولعل هذا ما احدث فارقا فى الميدان رجح كفة قواتنا المسلحة الباسلة…
(7)
كانت اصوات القنص للسيارات المتحركة بسرعة فائفة لتجنب الاصابات تاتي، ونحن نجوب احياء بحري ، ونلتقي افراد الحيش والقوات المساندى الاخرر وسط للتكبير والتهليل،فى منتصف مسافة الطريق التقينا ضابطا يتحلق حوله المقاتلون، جاء بموكب من الحماس ، انه (النقيب حامد الجامد) الذى رفع التمام من داخل سلاح الاشارة فى يوم الفتح الكبير، كان مع جنده يؤمن الكريق ويشعله بهتافات النصر وهو يكبر ويهلل مع المقاتلين، وقد تحدث للاعلاميين واستقبلهم وهو يزف بشريات النصر ويعدهم باكمال المهمة وتحرير شهادة وفاة الجنجويد وخروجهم من بحري الى الابد.
نواصل
محمد عبدالقادر
إنضم لقناة النيلين على واتساب