خطبة الجمعة القادمة خالد بدير – مظاهر رحمة النبي ﷺ بأمته
تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT
خطبة الجمعة القادمة خالد بدير – مظاهر رحمة النبي ﷺ بأمته، مع اقتراب يوم الجمعة القادم، يجد الكثيرون من الخطباء والأئمة أنفسهم ملتزمين بالتحضير لخطبهم، والتي ستتناول موضوعًا بالغ الأهمية وهو "مظاهر رحمة النبي ﷺ بأمته". ستكون هذه الخطبة بمحور منزلة الرحمة في الإسلام وكيف أظهر النبي ﷺ رحمته بوضوح.
بدورها، تعمل وكالة سوا الإخبارية على توفير كل ما يبحث عنه القارئ، لذلك سوف نقدم لكم في سطور المقال أدناه، خطبة الجمعة القادمة خالد بدير – مظاهر رحمة النبي ﷺ بأمته بصيغ مختلفة، كما أعلنتها وزارة الأوقاف.
تتناول خطبة الجمعة للدكتور خالد بدير – مظاهر رحمة النبي ﷺ بأمته، ثلاث عناصر رئيسية:
منزلةُ الرحمةِ في الإسلامِ.
رحمةُ النبيِّ ﷺ بأمتهِ صورٌ ومظاهر.
دعوةْ إلى خُلقِ الرحمة.
خطبة الجمعة القادمة خالد بدير مكتوبة – مظاهر رحمة النبي ﷺ بأمته مكتوبةخطبة الجمعة القادمة خالد بدير، الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
العنصر الأول من خطبة الجمعة
أولًا: منزلةُ الرحمةِ في الإسلامِ.
خطبة الجمعة القادمة خالد بدير، للرحمةِ منزلةٌ عظيمةٌ في الإسلامِ، ولقد انفردتْ صفةُ الرحمةِ في القرآنِ الكريمِ بالصدارةِ، وبفارقٍ كبيرٍ عن أيِّ صفةٍ أُخرَى، فبينمَا تكررتْ صفةُ الرحمةِ بمشتقاتِهَا ثلاثَ مائةٍ وخمسَ عشرةَ مرةً، جاءتْ صفةُ الصدقِ مثلًا مائةً وخمسًا وأربعينَ مرةً، وجاءتْ صفةُ الصبرِ تسعينَ مرةً، وجاءتْ صفةُ العفوِ ثلاثًا وأربعينَ مرةً، وجاءتْ صفةُ الأمانةِ أربعينَ مرةً، وجاءتْ صفةُ الوفاءِ تسعًا وعشرينَ مرةً، وهكذا! وهذا ليس مصادفةً بحالٍ مِن الأحوالِ، وحاشَ للهِ أنْ تكونَ هناكَ أمورٌ عشوائيةٌ في كتابِ ربِّ العالمين، فهو الحقُّ الذي لا باطلَ فيهِ، وكلُّ كلمةٍ وحرفٍ فيه نزلَ لهدفٍ.
لذلك اهتمَّ نبيُّ الرحمةِ ﷺ بذكرِ هذا الخلقِ العظيمِ والتأكيدِ عليهِ في أحاديثَ عدةٍ، فعن عبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ العاص رضي اللهُ عنهما أنَّهُ ﷺ قال: ” الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ” (البخاري)، وعن أَبَي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: “جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا وَأَنْزَلَ فِي الْأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا ؛ فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ” (البخاري)، وتوعدَ ﷺ أولئكَ الذين لا يرحمونَ أنَّهُم أبعدُ الناسِ عن رحمةِ اللهِ سبحانَهُ وتعالَى فقالَ:” لَا يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ”(متفق عليه)، وقالَ في أهلِ الجنةِ:” أَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ، وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ”(مسلم).
إنَّها الرحمةُ المتجردةُ عن أيِّ هوَى، والتي ليس مِن ورائِهَا نفعٌ دنيويٌّ أو هدفٌ شخصيٌّ، هكذا كانت حياتُهُ عليه السلامُ رحمةً، فقد بعثَ اللهُ لنَا الرسولَ ﷺ رحمةً بنَا فقالَ تعالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}. ( الأنبياء: 107). وهو القائلُ ﷺ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ». (البيهقي والحاكم وصححه).
لقد بلغتْ رحمةُ الرسولِ ﷺ بأمتِهِ حدًّا لا يتخيلُهُ عقلٌ، حتى إنَّ الأمرَ وصلَ إلى خوفِهِ عليهم مِن كثرةِ العبادةِ!! ومع أنَّ التقربَ إلى اللهِ والتبتلَ إليهِ أمرٌ محمودٌ مرغوبٌ، بل هو مأمورٌ بهِ، لكنَّهُ ﷺ كان يخشَى على أمتِهِ مِن المبالغةِ في الأمرِ فيفتقدونَ التوازنَ في حياتِهِم، أو يصلُ بهم الأمرُ إلى المَللِ والكسلِ، أو يصلُ بهم الحدُّ إلى الإرهاقِ الزائدِ عن طاقةِ الإنسانِ، لذلك رأيناهُ كثيرًا ما يُعرِضُ عن عملٍ مِن الأعمالِ، مُقرَّبٍ إلى قلبِهِ، محببٍ إلى نفسِهِ، لا لشيءٍ إلّا لخوفِهِ أنْ يُفرَضَ على أمتِهِ فيعنتهُم ويشقُّ عليهم، تقولُ أمُّ المؤمنين عائشةُ: “إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ”[البخاري ومسلم].
ولذلك كان كثيرًا ما يقولُ كلمةً: “لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي”، دلالةً على أنَّه يحبُ الأمرُ، ولكنَّهُ يخشَى الفتنةَ على الأمةِ، فانظرْ كيف كان لا يخرجُ في كلِّ المعاركِ لكي لا يتحرَّجَ الناسُ في الخروجِ في كلِّ مرةٍ، وكيف كان لا يؤخرُ صلاةَ العشاءِ إلى منتصفِ الليلِ، وكيف رفضَ الخروجَ إلى قيامِ الليلِ جماعةً في رمضانَ خشيةَ أنْ يُفرَضَ على المسلمين، وكيف تأخرَ في الردِّ على مَن سألَ عن تكرارِ الحجِّ في كلِّ عامٍ خشيةَ فرضهِ بهذه الصورةِ على المسلمين، وهكذا…..
العنصر الثاني من خطبة الجمعة
ثانيًا: رحمةُ النبيِّ ﷺ بأمتهِ صورٌ ومظاهر.
إليكُم هذه الصورَ والمواقفَ مِن رحمةِ النبيِّ ﷺ، بجميعِ فئاتِ المجتمعِ؛ لنطبقَهَا عمليًّا على أرضِ الواقعِ:
خطبة الجمعة القادمة خالد بدير، فمنها: رحمتُه ﷺ بالخدمِ والعبيدِ: فعن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: “خَدَمْتُ النَّبِيَّ ﷺ عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ وَلَا لِمَ صَنَعْتَ وَلَا أَلَّا صَنَعْتَ”، وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: “مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ وَلَا امْرَأَةً وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ “(أخرجهما البخاري ومسلم ).
ومنها: رحمتُهُ ﷺ بالنساءِ: فكان ﷺ دائمَ الوصيةِ بالنساءِ، وكان يقولُ لأصحابِهِ: “اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا”[البخاري]، كذلك رحمتُهُ ﷺ بالإِمَاءِ، وهُنَّ الرقيقُ مِن النساءِ، فقد روى أنسُ بنُ مالكٍ قال: “إِنْ كَانَتْ الْأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ!”[ البخاري].
خطبة الجمعة القادمة خالد بديرـ ومنها: رحمتُهُ ﷺ بالأطفالِ والصبيانِ: فقد كان ﷺ رحيمًا بالأطفالِ، فعن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:” قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا، فَقَالَ الْأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنْ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ قَالَ: مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ” (متفق عليه).
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ :” مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كَانَ أَرْحَمَ بِالْعِيَالِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ، كَانَ إِبْرَاهِيمُ مُسْتَرْضَعًا لَهُ فِي عَوَالِي الْمَدِينَةِ، وَكَانَ ظِئْرُهُ قَيْنًا فَكَانَ يَأْتِيهِ وَإِنَّ الْبَيْتَ لَيُدَّخَنُ فَيَأْخُذُهُ فَيُقَبِّلُهُ “.(مسلم).
ومنها: رحمتُهُ ﷺ بالحيوانِ: فقد تجاوزتْ إنسانيتُهُ ﷺ ذلك كلَّهُ إلى الحيوانِ والبهيمةِ، فرويَ أنَّ النبيَّ ﷺ دخلَ حائطًا لرجلٍ مِن الأنصارِ، فإذا فيه جملٌ فلمَّا رأَى النبيَّ ﷺ حنَّ وذرفتْ عيناهُ، فأتاهُ ﷺ فمسحَ ظفراهُ فسكتَ، فقالَ ﷺ: “مَن ربُّ هذا الجملِ؟ لِمَن هذا الجملُ؟” فجاءَ فتًى مِن الأنصارِ فقالَ: لي يا رسولَ اللهِ، فقالَ لهُ: ” أَفَلَا تَتَّقِي اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهِيمَةِ الَّتِي مَلَّكَكَ اللَّهُ إِيَّاهَا فَإِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ ” (أبو داود)، ( وَتُدْئِبهُ: أَيْ تُكْرِههُ وَتُتْعِبهُ وَزْنًا وَمَعْنًى)، وقد مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِبَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ فَقَالَ: “اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْمُعْجَمَةِ فَارْكَبُوهَا صَالِحَةً وَكُلُوهَا صَالِحَةً” (أبوداود وابن خزيمة بسند صحيح).
ومنها: رحمتُهُ ﷺ بكبارِ السنِّ: فقد جاءَ أبو بكرٍ بأبيهِ عامَ الفتحِ يقودُهُ نحو رسولِ اللهِ ﷺ ورأسهُ كالثَّغامةِ بياضًا مِن شدةِ الشيبِ، فرحمَ النبيُّ ﷺ شيخوخَتَهُ وقال: “هلا تركتَ الشيخَ في بيتِهِ حتى أكونَ أنَا آتيهِ فيهِ، قال أبو بكرٍ رضي اللهُ عنه: هو أحقُّ أنْ يمشِي إليكَ يا رسولَ اللهِ مِن أنْ تمشِي إليهِ.” [مجمع الزوائد للهيثمي] وهو القائلُ ﷺ: ” لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا” [الحاكم وصححه].
خطبة الجمعة القادمة خالد بدير، ومنها: رحمتُهُ ﷺ بالمُخطئِ: فعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَامَ أعرَابِّيٌ فَبَالَ في الْمَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ ﷺ:” دَعُوهُ وَهَرِيْقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ، أوْ ذَنُوباً مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَم تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ“. (البخاري).
خطبة الجمعة القادمة خالد بدير، وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَا ثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي، لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ، وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ:” إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ، لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ ”(مسلم).
خطبة الجمعة القادمة خالد بدير، ومنها: رحمتُهُ ﷺ بأمتِهِ: ولا ريبَ في ذلك لأنَّها الهدفُ الذي أُرسلَ بهِ ولهُ، قالَ تعالى:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ؟}(التوبة: 128).
ومن مظاهر رحمته بأمته ما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص :” أن النبي ﷺ تلَا قولَ اللهِ عزَّ وجلَّ في إبراهيمَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: “رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي” ( إبراهيم: 36) وَقَالَ عِيسَى عليه الصلاةُ والسلامُ: “إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ” ( المائدة: 118)؛ فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: “اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي” وَبَكَى، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: “يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟” فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عليه الصلاة والسلام فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ عليه السلام بِمَا قَالَ وَهُوَ أَعْلَمُ فَقَالَ اللَّهُ:”يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ”[ مسلم ]فهل بعد ذلك من رحمة؟!!
ومنها: رحمتُهُ ﷺ بالكفارِ: فالرحمةُ في الإسلامِ لم تقتصرْ على المسلمينَ فحسب، فعندمَا قِيلَ له ﷺ ادعُ على المشركين قال: “إنِّي لم أبعثْ لعانًا، وإنّما بعثتُ رحمةً” (مسلم).
وقال في أهلِ مكةَ – لما جاءَهُ ملكُ الجبالِ ليأمرَهُ بمَا شاءَ-:” بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلاَبِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ” (البخاري ومسلم).
ولمَّا أُصيبَ في أُحدٍ قال له الصحابةُ الكرامُ ادعُ على المشركين فقالً:” إِنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَبْعَثْنِي طَعَّانًا وَلَا لَعَّانًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي دَاعِيَةً وَرَحْمَةً، اللهُمَّ اهْدِ قَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ” (شعب الإيمان للبيهقي).
وهكذا شملتْ رحمةُ النبيِّ ﷺ جميعَ أطيافِ المجتمعِ حتى غيرِ المسلمين، فهو ﷺ رحمةٌ للعالمين .
العنصر الثالث من خطبة الجمعة
ثالثًا: دعوةٌ إلى خُلقِ الرحمةِ
إنَّنا يجبُ علينَا أنْ نطبقَ خلقَ الرحمةِ ونجسدَهُ عمليًّا على أرضِ الواقعِ، فيجبُ على رؤساءِ المصالحِ ومديرِي المؤسساتِ وأصحابِ المصانعِ والشركاتِ في كلِّ مكانٍ: أنْ يلبسُوا ثيابَ الرحمةِ ويتقُوا اللهَ في الأجراءِ والعاملين، ولا يذيقونَهُم الذلَّ والهوانَ والقهرَ والاستبدادَ، مستغلينَ ضعفَهُم وحاجتَهُم للمالِ، فاللهُ أقدرُ عليكُم منهُم، فعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: “كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي فَسَمِعْتُ مِنْ خَلْفِي صَوْتًا: اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هُوَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ. فَقَالَ: أَمَا لَوْ لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ” (مسلم).
كما يجبُ على كلِّ مَن يملكُ البهائمَ والدوابَّ والطيورَ، ولا سيَّما في ريفِ مصرَ، فعن صورِ التعذيبِ والضربِ والفجيعةِ حدثْ ولا حرج، فيستغلونَ عدمَ قدرتِهِم على الكلامِ أو الدفاعِ عن النفسِ، ولكنّهَا بلسانِ حالِهَا تشكُو إلى ربِّهَا، كما قال عنترةُ بنُ شدادٍ عن الفَرَسِ:
لو كان يدرِي ما المحاورَةُ اشتكَى……… ولكان لو علمَ الكلامَ مُكلِّمِي
خطبة الجمعة القادمة خالد بدير، وعن عبدِاللهِ بن مسعودٍ قالَ: قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي سَفَرٍ، فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ، فَرَأَيْنَا حُمَّرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتِ الْحُمَرَةُ، فَجَعَلَتْ تُفَرِّشُ، فَجَاءَ النَّبِيُّ ﷺ، فَقَالَ: «مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا». (أبو داود والحاكم وصححه).
ويجبُ على كلِّ مَن رأَى أحدًا مِن ذوي الاحتياجاتِ الخاصةِ: أنْ يقضِي حاجتَهُ ويرفقَ بهِ، فعن أنسٍ رضي اللهُ عنه: أنَّ امرأةً كان في عقلِهَا شيءٌ، فقالتْ: يا رسولَ اللهِ إنّ لي إليكَ حاجةً! فَقَالَ: “يَا أُمّ فُلاَنٍ! انظرِي أَيّ السّكَكِ شِئْتِ، حَتّىَ أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ”، فَخَلَا مَعَهَا فِي بَعْضِ الطُّرُقِ، حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا (مسلم).
خطبة الجمعة القادمة خالد بدير، ويجبُ على كلِّ الآباءِ والقائمين على المساجدِ: أنْ لا تطردُوا الصبيانَ مِن المساجدِ أو تعنفوهُم أو تسبوهُم، إنَّهُم فلذاتُ أكبادِكُم فعاملوهُم برفقٍ ورحمةٍ، وعلموهُم واحتضنوهُم، وليكنْ قدوتكُم نبيُّنَا في ذلك، فعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَأْخُذُنِي فَيُقْعِدُنِي عَلَى فَخِذِهِ، وَيُقْعِدُ الحَسَنَ عَلَى فَخِذِهِ الأُخْرَى، ثُمَّ يَضُمُّهُمَا، ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ ارْحَمْهُمَا فَإِنِّي أَرْحَمُهُمَا» “(البخاري). فأينَ نحن مِن ذلك؟! قارنْ بمَا يحدثُ الآن!
خطبة الجمعة القادمة خالد بدير، وبعدُ… فهذه دعوةٌ إلى الرحمةِ: رحمةٌ بالكبيرِ، ورحمةٌ بالصغيرِ، ورحمةٌ بالنساءِ، ورحمةٌ بالضعفاءِ، ورحمةٌ بالحيوانِ، ورحمةٌ بالناسِ في قضاءِ مصالحِهِم ولا سيّمَا في المؤسساتِ والمصالحِ الحكوميةِ، وتيسيرِ حاجاتِهِم، وبالجملةِ: رحمةٌ بجميعِ أفرادِ الأمةِ، فيعيشُ الجميعُ في توادٍّ وتراحمٍ وتعاطفٍ، حتى يتحققَ فيهم قولُهُ ﷺ: ” مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى” ( البخاري ومسلم )” .
اللهُمَّ كمَا حسنتَ خلقَنَا فحسنْ أخلاقَنَا، واكتبنَا عندكَ مِن الرحماءِ، واحفظْ مصرَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوء.
قد يهمك:
خطبة الجمعة القادمة خالد بدير pdf – خطبة عن حال النبي ﷺ مع أهله خطبة عن المولد النبوي ملتقى الخطباء 2023 – 1445وفي الختام ثقدمنا لكم خطبة الجمعة القادمة خالد بدير pdf، خطبة الجمعة القادمة خالد بدير مكتوبة، خطبة الجمعة القادمة خالد بدير، خطبة الجمعة القادمة خالد بدير ورد.
المصدر : وكالة سوا- وكالاتالمصدر: وكالة سوا الإخبارية
كلمات دلالية: فی الإسلام
إقرأ أيضاً:
ين عام "الأعلى للشئون الإسلامية" يلقى خطبة الجمعة من المسجد الكبير بمدينة خاسفيورت
ألقى الأستاذ الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي، الأمين العام للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، خطبة الجمعة اليوم بعنوان : "أنت عند الله غال" من المسجد الكبير بمدينة خاسفيورت بجمهورية داغستان، في ضوء خطة وزارة الأوقاف وجهود الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف في مد جسور التعاون، وعلى هامش مشاركته في فعاليات المؤتمر والمنتدى الدولي العلمي بعنوان: "آليات تعزيز التعاون الدولي للحفاظ على القيم الروحية والأخلاقية التقليدية وتعزيزها"، الذي يُعقد في مدينة محاج قلعة، عاصمة جمهورية داغستان الروسية، في الفترة من 20 إلى 23 نوفمبر 2024.
أهالي شمال سيناء يهدون وزير الأوقاف لوحة فنية وعباءة سيناوية وزير الأوقاف من شمال سيناء يدعوا المصريين إلى التكاتف والوحدة وهذا نص خطبته :الجمع الكريم : ما وقفت في هذا المكان المبارك إلا محملا برسالة مباركة من الدكتور أسامة الأزهري وزير الأوقاف المصري تحوي في مبناها ومعناها قبسات من التكريم الأزلي للإنسان وأبجديات بنائه، تتوجه إليه في خطابها وندائها وعرفها وشذاها أيها الإنسان : ( أنتَ غال عند الله ) وهي عبارة نسجت خيوطها من إشراقات النور التي لا تُحدُّ بزمان،ولا تنتهى بمكان، ولا تََختصُّ بإنسان، وإنما قوام الحال إطلاق الخطاب ليتعلق بكينونات دين الله، وجوهر التشريع من خلال سمو العلاقة بين خالق ومخلوق، ورب ومربوب، وعابد ومعبود.
إن الإنسان إذا تنكر لمقتضيات الربوبية والألوهية حينًا من الدهر فهذا لا يُخرِجُه من كونه غال عند ربه وخالقه، هذا حديث النفس لمطلق النفس، لأجلها هبَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- واقفا حينما انتقلت إلى خالقها وباريها، وعندما سُئل -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك أحال إلى الإنسان مطلق الإنسان وكفى من الإنسانية معانى التكريم في مفاهيم دلالاتها:
( أليست نفسًا ).. هذه ليست أيدولوجية قاصرةً وإنما مطلقيةٌ معبرة، ولعل المرجعيةَ هنا تكمنُ في أمرين :
الأول : قضية الاستخلاف والنيابة عن الله (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)
الثاني : مطلوب الحق من الخلق، وهو: عمارة الكون والحياة.(هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها)
أما الاستخلافُ فهو لإنسان غالٍ عند الله له قدمُ صدق عند خالقه ومولاه، خلقه بيده ثم نفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، و ألهمه رشده في حواريةٍ عجيبةٍ انتهت بأن ألقت الملائكةُ زمامَ العلم والعرفان في بحار التسليم: ( سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).
من أجل هذا كانت نوعيةُ التكريم بمفرداته وتفرداته: ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)، واختصاصُ التقويم: ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ) لتنتقل سامقُ المنزلة من معقولات المعاني إلى تمثلات السلوك مشاهدة وعيانا، والذي بموجبه كان خليفةُ الله في كونه، منشغلًا برسالته الأزلية عمارة الكون والحياة، ولأجل أنه غالٍ في مطلق إنسانيته كانت عمومية الخطاب: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ) ؛ التأصيل لوحدة النشأة والتكوين: ( خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى )؛ ولأنه غالٍ عند الله كان التنوعُ في الملكات والمواهب تكاملًا لا تناقضًا :( وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا )،ولكي لا يُنتقص ممن استخلفه اللهُ في كونه لعمارته كانت العنديةُ الإلهيةُ في الأحكام لا تنصرف إلا لله : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) وما قصر العندية في الآية إلا لتحقق الصفاتٍ التي لا تليق إلا بجلاله وجماله فهو سبحانه العليم الخبير .. من أجل ذلك ليس للإنسان في خطاب العقول إلا التذكير والبلاغ : (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ) ( لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ)، وإن قد تعلقَ الأمر يوما بأهداب قدرياتٍ في الخلقة تتقاصرُ دونها الإرادات، فليتساءل الإنسانُ بينه وبين نفسه: أتعيبُ الصنعة ؟ أم تعيبُ الصانع ؟! ومن ثم يكون الكمال الذي لا نقصان فيه:" وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون".
فلنتذكر تكريم الله لأفضل الخلق لديه.. الإنسان ( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ )..تكريم لكل إنسان؛ فلا تخصيص ببقعة بعينها، أو جنس بعينه، أو طائفة بعينها.
وإنما سلام ؛ يحوى التعارف بين البشرية جمعاء، سلام أخبر به عن صحيح ديني تحمله نسائم الرحمة والإحسان من أرض الكنانة والمكانة إلى أرض داغستان، وأهتف مفاخرا به في أرض الله أنْ: (هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ ) نداءً كونيًّا يمتد إلى الطبيعة في شتى مجاليها؛ لأنها في مفهوم أهل الله كائنٌ له من حقيقة التسبيح ما يجعله ينتظم في سلك الأحياء، فما من شيء إلا يسبح بحمده، دالٌ بالحال والمقال على لمن خلقه وسواه، بيدَ أنَّ تنوعَ الأجناسِ يُورِثُ العجزَ في فقه التسبيحِ مع وجودِ حقيقته(وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ).. أنت عند الله غالٍ نداءٌ للمحبة والتعارف يسري عبر الزمان من القاهرة إلى داغستان، يُحلِّقُ في سماءِ الإنسانيةِ بحديثٍ عن إنسانٍ هو مطلقُ الإنسان.. صُنعَ على عين الله في جوهر تكوينه.. فهو بنيانُ الله وملعون من هدم بنيان الله؛ ولأنه غال عند الله حمى عقله وحفظ عرضه وصان ماله وحفظ حياته، ومن قبلُ حفظ دينَهُ في أصل الاعتقاد؛ :( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) ومن بعدِ الاعتقادِ الذى يخلوا من شوائب الجبر والإكراه أصبحَ كل عابد لله في خندقٍ واحدٍ لمواجهةِ الإلحاد.