يا قائد الجيش…إنّ الوقت كالسيف !!
تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT
كلما استقبلنا صباح يوم جديد كلما خسر الجيش المسنود بكتائب فلول النظام البائد وتكبد الهزائم، فالأرض ما زالت تنسحب من تحت قدميه يوماً بعد يوم، بينما لا يحصد (البلابسة) الخياليون غير المزيد من استسلام قواتهم التي سئمت القتال، ولاذت بالفرار نحو الأسر لا النصر، الذي صار ملجأً للكثير من الضباط وضباط الصف والجنود الذين وجدوا أنفسهم وعلى حين غفلة، رهائن لدى فلول كتائب الاخوان المسلمين، يأتمرون بأمرهم والسيف مسلط على رقابهم لا يجدون طريقاً للهرب، فالجيش قد اختطف قراره مع أول فجر ليوم الثلاثين من يونيو قبل أربعة وثلاثين عاماً، حين بدأ التمكين الاخواني بإدخال أول دفعة للكلية الحربية وترتيبها التاسع والثلاثون، فكان المنتسبون لها من التيار الاخواني المتعطش لتوه للسلطة المخطوفة من رئيس الوزراء المنتخب حينها، الصادق المهدي، وبعد تلك الدفعة لم تشهد المؤسسة العسكرية استيعاباً لطالب حربي واحد من غير ذوي الولاء، والدليل على ما ذهبنا إليه هو حرب أبريل الماثلة أمامنا اليوم، والتي لم يشفع الله لها بنهوض ضابط واحد (شريف)، يقول لا لزمرة الاخوان المشعلين للحرب ضد القوات المتخصصة والداعمة بالجهوزية والسرعة والحسم، فمسيرة الثلاثة عقود التي أحكم فيها الاخوانيون السيطرة على جهاز الدولة، لم يلدوا إلّا إخوانياً فاجراً كفّارا، لا يتوانى لحظة في قصف المدنيين بالصواريخ وهو جالس على مقعد الطائرة الحربية من فصيلتي السوخوي والميج، فجميع ضباط القوات الجوية والبحرية والمشاة يدينون بالولاء التام للإخوان، وحروب الانقسنا ودارفور وجبال النوبة حافلة بجرائمهم.
الأشهر القليلة التي أعقبت الحرب جعلت من الجيش مؤسسة مضمحلة ومنكمشة، مشتت أفرادها داخل جيوب صغيرة بين أزقة المدن، وخارجة خروجاً كاملاً عن سيطرتها على عاصمة البلاد، ذلك الصداع الذي جعل المنظرين المشعلين للحرب أن يصابوا بالهيستيريا والجنون، فاستمرار الحرب ارتبط بفقدان الكثير من المواقع العسكرية الاستراتيجية، والجلوس إلى طاولة التفاوض الموصل لاتفاق بين الجيش وقوات الدعم السريع في هذا الوقت، وفي الأوقات القادمة، يضع قادة الجيش الموالين لفلول الاخوان في حال لا يحسدون عليه، وكما هو معلوم في العرف العسكري أن المنتصر وصاحب الغلبة هو الذي يستطيع الحصول على المكاسب، وجميعنا يستحضر التاريخ الأوروبي حينما دارت الدائرة على الفرنسيين، بعد انتصار الألماني أدولف هتلر عليهم، وإرغامهم على إمضاء اتفاق مهين، على متن ذات عربة القطار التي أذلوا فيها الألمان ذات يوم فأرغموهم على اتفاق حاط من قدر الكرامة الإنسانية، فهذا هو عرف الحروب التي لا تعير وزناً للمهزوم، لذلك رأينا قائد جيش الفلول يراوغ ويباعد الخطى بينه وبين مدينة جدة السعودية، المقر الدائم لانعقاد جلسات الصلح بين الطرفين المتنازعين، فلم يسعفه استغلاله لعنوان الدولة والحكومة، في تسويق طموح جماعته المختطفة لقرار الدولة والحكومة، لأن العالم له كاميرات مراقبة راصدة لأولى لحظات عدوان كتائب الإرهاب على قوات الدعم السريع، تلك الكتائب الدائنة بالانتماء لجماعة الاخوان المسلمين – المؤتمر الوطني.
ما رفضه قائد الجيش وزمرته من اتفاق إطار يمهد لهيكلة الجيش، سيضعه في موقف حرج بمنبر مدينة جدة التي لابد أن يصلها وإن طال سفره وتجواله بين العواصم، فبدلاً من أن يراوغ سياسياً في ذلك الوقت المناسب ويتماهى تكتيكياً لكسب الوقت، استجاب لحماقة جماعته المتطرفة بتغليبها لخيار الحرب، الحرب عينها التي عملت على تحقيق الهيكلة المرجوة من اتفاق الإطار، ولكن بطريقة خشنة ودامية كما اختار ذلك قائد الجيش وناديه وزبانيته، فاليوم لا توجد جماعة سياسية خاسرة لميداني الحرب والسلم مثل جماعة الاخوان – المؤتمر الوطني، ففي ظرف أشهر قليلة خسرت أضخم مصنع حربي (اليرموك)، وفقدت مدينة للتصنيع الحربي تصنف من كبريات المدن المصنعة للذخائر والطائرات من دون طيار والمدفعية الثقيلة والأسلحة الخفيفة (جياد)، وخسرت عشرات الطائرات الحربية المقاتلة، هذا فضلاً عن سقوط القواعد العسكرية الاستراتيجية والتي أهمها (سلاح المدرعات)، كل هذه الانجازات العسكرية ستجعل كفة ميزان جيش الفلول هي الخاسرة، مهما أطال قائدهم التسفار والتجوال، ففن التفاوض يعتمد بالأساس على من يملك الأرض وليس من يسبح في الفضاء، وتاريخ الحروب الكبرى حافل بمثل هذه التحولات العظمى، وليس السودان باستثناء، فهذه الحرب التي أراد لها الاخوانيون أن تضع حداً (للمليشيا المتمردة)، أمست وبالاً عليهم وأخرجتهم من دواوين الحكم والإدارة بالخرطوم العاصمة السياسية والاقتصادية، فجن جنونهم وفعلوا ببنيانها وسكانها الأفاعيل، وذلك لما لزوال الملك من مرارة الحنظل التي تحيل الانسان إلى وحش، لكن هيهات، فلا جن ولا سحرة بقادرين على أن يدركوا أثر قطار قوات الدعم السريع ، وما على قطار جيش الفلول إلّا اللحاق بالمحطة القادمة (جدة) قبل فوات الأوان.
إسماعيل عبدالله
27سبتمبر2023
ismeel1@hotmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً: