تخطت حدود الزمان والمكان.. شيخ الأزهر يرد على أكذوبة الغرب ضد الرسالة المحمدية|فيديو
تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT
قال فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إنه من المجمع عليه عند المسلمين جميعا أن الرسالة التي نحتفل اليوم بذكرى مولد صاحبها -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم - تنفرد عن باقي الرسالات السابقة عليها بأمرين، الأمر الأول: أنها رسالة عامة للناس جميعا، تتخطى حدود الزمان والمكان إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وأضاف شيخ الأزهر، خلال كلمته في احتفال المولد النبوي الشريف، الذي أقامته وزارة الأوقاف، بحضور الرئيس السيسي، أن هذا العموم لم يزعمه المسلمون من عند أنفسهم لترويج الإسلام في العالم، كما يذهب إلى هذه الأكذوبة طائفة من الغربيين القلقين لانتشار الإسلام، ومن تلامذتهم من أبناء المسلمين، ممن يعيشون بأجسامهم في الشرق، ويرهنون عقولهم وعقائدهم وأقلامهم لفلسفات وثقافات ومذاهب تكره الإسلام وتتربص به الدوائر، وهؤلاء يقولون: إن الإسلام دين محلي خاص بجزيرة العرب، وأن أتباع محمد هم من قرروا الخروج به بعيدا عن الجزيرة العربية، والنتيجة المستهدفة هي أن غير العربي لا يصح أن تتوجه إليه دعوة الإسلام.
وأشار شيخ الأزهر، إلى أن هذه الطائفة ذهبت في اللجاجة والسفسطة كل مذهب، وعموا عن الأدلة والبراهين والحجج التي حملها القرآن لكل ذي مسكة من عقل أو بصيرة: وكلف فيها النبي تكليفا صريحا بأن يعلم الناس بعموم دعوته للعالم كله، ومن ذلك قوله تعالى: "قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا"، وكذلك قوله وهو يبين خصائص رسالته: "كان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة"، وكذلك ما هو ثابت معلوم من رسائل النبي ، التي بعث بها إلى الملوك والأمراء في عصره، ودعاهم فيها إلى الإسلام؛ كرسالته إلى هرقل ملك الروم، وكسرى ملك فارس، والنجاشي ملك الحبشة، والمقوقس ملك مصر والإسكندرية.. فهل لذلك تفسير سوى أن الإسلام دين عالمي؟!.
وأضاف الإمام الأكبر ، أن الأمر الثاني أن الرسالة المحمدية رسالة خاتمة، وأن نبيها هو آخر الأنبياء، وذلك مصداقا لقوله تعالى "ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين"، وما قاله هو -صلوات الله وسلامه عليه- في حديث مسلم: "أرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون"، وقد يتساءل البعض: لماذا وقفت النبوات عند رسالة الإسلام، ولم تتطور كما تطورت نبوة موسى وعيسى -عليهما السلام-، ولماذا لم تتطور نبوة الإسلام إلى نبوة أو نبوات أخرى متتابعة؟.
وأوضح أن الأمر يتوقف فهمه على فهم طبيعة التطور البشري، وكيف أنه يجري في اتجاهين: اتجاه التطور المادي، واتجاه التطور الخلقي، وأن النبوة لا علاقة لها بالاتجاه الأول، وهو اتجاه التطور المادي، ولا ترتبط تعاليمها به؛ لأن التطور في اتجاه المعرفة العلمية المادية رهن باتخاذ أسبابه وشروطه، وأنه إذا ما اتخذت أسبابه وحصلت مقوماته ودعائمه؛ فإن التقدم العلمي سيتحقق لا محالة، وجدت نبوة أو لم توجد، بخلاف الحالة الروحية والخلقية، والتي تتعلق به رسالات الأنبياء ونبوات الأنبياء، والكتب السماوية، وتدور عليها أصولا وفروعا وتطبيقا وممارسة، مبينا أن العلماء قد لاحظو أن هذه الحالة قد استقر أمرها مع ظهور الإسلام، واتضحت معالمها وقسماتها ولم يعد فيها متسع لتطور أو تقدم، يحتاج إلى نبوة أخرى تأتي بجديد، لم يتضمنه برنامج النبوة الخاتمة، ولم تشمله رسالتها ولا تعاليمها.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: شیخ الأزهر
إقرأ أيضاً:
في مسألة التسامح والانفتاح على الآخر في الدين والفكر
من خلال متابعتي لكتابات العديد من الباحثين والكتاب من دول غربية ودول عربية، ممن أصبح لهم، ولكل ما يطرحه الغرب من انتقادات وأفكار، صدى ونتيجة من نتائج الغريب واختراقه، نجد أن الحديث لا يتوقف عن أهمية الانفتاح على الآخر، وقضية التسامح، وحقوق الإنسان. وقد حاولت مؤخرًا حكومات ومؤسسات وهيئات أن تتبنى الدول العربية قضايا وأفكارًا لا تمت لقيمها ولا حتى للأديان السماوية، مثل المثلية والنسوية وحريات لا تتقبلها الفطرة الإنسانية السوية. هذه الأفكار مرفوضة أخلاقيًا من قِبل الإنسانية عامة، لكن الأكثر ظهورًا وبروزًا في أوساط بعض المؤسسات الإعلامية والفكرية في الغرب هي فكرة التسامح، التي يُفترض أن تكون في البلاد العربية والإسلامية، وكذلك الحديث عن الأقليات والإثنيات. يتم تناول هذه القضايا وكأن العرب والمسلمين لم يعرفوا التسامح تجاه الآخر المختلف، مع أن المسيحيين واليهود وأديانًا أخرى عاشوا في ظل الإسلام منذ العصر الإسلامي الأول وقبله، وبقيت لهم حقوقهم ومعابدهم حتى اليوم. إلى جانب ذلك، توجد مذاهب إسلامية وإثنيات متنوعة في دول عربية وإسلامية منذ قرون، وما زال معتنقوها حتى اليوم يتمتعون بكل حقوقهم كمواطنين، فالمسألة ورقة سياسية وفكرية لها ما لها من دوافع أخرى معروفة ومكشوفة، لكن ما يقال ليس له نصيب من الواقع الذي يطرحونه من غياب حقوقهم، وإذا أردنا أن نقول لبعض ممن يثير حقوق الإنسان المهدورة في العالم العربي، نقول لهم: أينكم من حقوق الإنسان الفلسطيني الذي يقتل يوميا في غزة، وفي مدن فلسطينية أخرى، دون أن يجف لبعضكم جفن لما يحدث؟ فلم نسمع رأيا قويا ونفاذا ضد هذه الممارسات الصهيونية اللاإنسانية من الدول الغربية ولوقفة جادة لوقف هذه المجازر، وللحقوق التي تهدر في ظل غياب الحياة الكريمة للشعب الفلسطيني وفي التهجير اليومي لهم مع الضربات الجوية، مع تدمير المستشفيات في أغلب مناطق غزة، أين هو التسامح مع حقوق النساء والأطفال الذين يعيشون بلا أبسط مقومات الحياة الكريمة، وهم تحت الهجمات اليومية بالصواريخ، وشدة البرودة القاسية في هذا الفصل، إلى جانب المعاناة الكبيرة منذ أكثر من عام؟ فالإشكالية هي غياب المعايير العادلة والمنصفة، من هنا يجب أن تكون الرسائل واضحة، والحقائق قائمة على أسس لا تكون مجرد أحكام مسبقة طرحها الاستشراق قبل قرون مضت، وصار البعض يقولها دون أن يعيد القراءة المراجعة لأفكار الصراعات المتبادلة قبل قرون، مرت وانتهت ولم يعد لها نصيب من الصحة في الواقع المعاش.
ولا شك أن فكرة التسامح، تعتبر من القيم العظيمة في الفكر الإنساني قديما وحديثا، ولا تزال هذه الفكرة الإنسانية، تلقى القبول من كل الأديان والثقافات والفلسفات، لكن تبقى الإشكالية في التطبيق العملي والواقعي لقيمة التسامح، باعتبارها تسهم في الإخاء الإنساني، والوئام، والسلام الاجتماعي، وهي في الأساس استعداد بأن نسامح بعضنا بعضا، مع اختلافنا في أفكارنا، ورؤانا، ولذلك يتطلب أن يتم التعايش على مبدأ التسامح، في أي قضية من القضايا التي تناقش، سواء كانت فكرية، أو دينية، أو سياسية، أو غيرها من القضايا التي تعد من البديهيات الإنسانية في الاختلاف والتعدد والتنوع، وقد قضت مشيئة الله سبحانه وتعالى، أن خلق البشر مختلفين، وهذا الاختلاف سنة كونية بشرية، وفق ما ذكره القرآن الكريم، بأن جعل الناس مختلفين.. قال تعالى: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)، ولذلك فإن المقتضى أن تتقبل النفس الإنسانية هذا الاختلاف وأن تتسامح فيه، هذه المشيئة الإلهية في الاختلاف، وأن يتسامح الناس فيما بينهم في حياتهم وفي رؤيتهم ونظرتهم تجاه الحياة والكون والقيم، فيما هو مشترك إنساني في الحياة الاجتماعية والفكرية، وهذا المبدأ الذي يجمعهم على التعايش، يدفعهم إلى قبول بعضهم البعض، رغم الاختلاف والتعدد في الرؤى الفكرية وغيرها، وفق ما أشارت إليه آيات في القرآن الكريم، وجاء في العديد من الأحاديث النبوية، وشدد عليه الكثير من العلماء والمفكرين المسلمين، قديمًا وحديثًا.
وقد أرسى الإسلام في العصر الأول، مبدأ التسامح رغم الاختلاف الديني، وهذا ما تحقق فعليًا في صحيفة المدينة التي أبرمها الرسول صلى الله عليه وسلم، مع سكان المدينة (يثرب). وهذه المواد الدستورية بالصحيفة، تنبثق من عدل الإسلام تجاه الآخر، والاعتراف به، وقبوله، رغم اختلاف الدين بينهم، ما دام وفيًا بالعهد وملتزمًا بما تم الاتفاق عليه في هذه الوثيقة، وهذه ظاهرة غير مسبوقة في الأديان والأمم والحضارات الأخرى، وهي كذلك جاءت «مبنية على نصوص قرآنية، هي ما يسمى بآيات الإسماح، ومنها ما ورد في سورة الكهف والغاشية والمائدة والحج، وهذه الآيات تشير إلى مبادئ أساسية في الإسلام، وهي مبادئ إنسانية عامة كالحرية، التي هي هاجس فطري لبني البشر، الذين يولدون وهم مجبولون على الحرية، وهو ما دعا إليه الخليفة الثاني الفاروق عمر بن الخطاب حين أطلق مقولته الشهيرة (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟)، أو ما قاله الإمام علي مخاطبا عامله في مصر مالك بن الأشتر النخعي: (لا تكونن عليهم (أي على الناس) سبعا ضاريا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان، إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق..) والذي لقي صداه في الإعلان العالمي بعد نحو 14 قرنًا، حيث ورد في المادة الأولى: (يولد جميع الناس أحرارًا متساوين في الكرامة والحقوق، وقد وهبوا عقلًا وضميرًا، وعليهم أن يعالج بعضهم بعضًا بروح الإخاء). ولهذا فإن الكثير من الباحثين والمؤرخين الذين ناقشوا هذه الصحيفة وبنودها الدستورية، أكدوا ـ كما قال د. عبدالحسين شعبان أنها: «أول تجربة قانونية ودستورية لتأسيس المجتمع الإسلامي الجديد، الذي كاد الرسول أن يضحّي بحياته من أجله. وتؤكد الصحيفة أن المجتمع الإسلامي الذي خاطبه الرسول كان تعدديًا». ومن هذه الأسس العظيمة للصحيفة النبوية، نجد أن الإسلام ومبادئه السمحة العادلة قد أرسى مضامين غير مسبوقة من حيث القبول بالآخر المختلف دينيًا وإثنيًا.
وقد شهد لسماحة الإسلام وما كفله لغير المسلمين من حرية في الاعتقاد وغيره من الحقوق العديد من المستشرقين والباحثين الغربيين، بما وضعه الإسلام من تسامح تجاه الآخر المختلف، فكريًا ودينيًا، ويقول المستشرق البريطاني (السير ارنولد) في هذا الصدد المتعلق بقضية التسامح: «إننا إذا نظرنا إلى التسامح الذي امتد إلى رعايا المسلمين من المسيحيين في صدر الحكم الإسلامي ظهر أن الفكرة التي شاعت بأن السيف كان العامل في تحويل الناس إلى الإسلام، بعيدة عن التصديق، كما أنه يذكر العديد من الشواهد التي تشهد بأن المسيحيين الذي كانوا تحت الحكم الإسلامي إنما اعتنقوا الإسلام عن حرية كاملة، فالفتح الإسلامي قد جلب إلى القبط -كما يقول- حياة تقوم على الحرية الدينية التي لم ينعموا بها قبل ذلك بقرن من الزمان، وقد تركهم عمرو بن العاص (والي مصر) أحرارا على أن يدفعوا الجزية، وكفل لهم الحرية في إقامة شعائرهم الدينية وخلصهم بذلك من هذا التدخل المستمر الذي أنوا من عبئه الثقيل في ظل الحكم الروماني. كما يذكر لنا عن الفتح العربي لإسبانيا أن المذهب الكاثوليكي كان هو السائد في تلك البلاد، وأن القساوسة الكاثوليك كان قد أصبح لهم نفوذ كبير في الدولة وأنهم قد «اتخذوا من وراء هذه القوة التي وصلوا إليها سبيلا لاضطهاد اليهود، وكان من أثر هذه الاضطهادات أن رحب اليهود بالعرب الغزاة وعدوهم منقذين لهم مما حل بهم من المظالم، فساعدوهم على فتح أبواب المدن، كما استعان بهم الفاتحون في حماية المدن التي وقعت في أيديهم، كما اعتنق هذا الدين الجديد كثير من أشراف المسيحيين عن عقيدة راسخة أو عن بواعث أخرى».
وفي العصور الإسلامية التالية -سيما في العصر العباسي- فإن التعايش والتعدد ازدهر بصورة ملفتة ربما يفوق الديمقراطيات الحديثة، من حيث القبول بالتعايش الديني والمذهبي رغم مظاهر أن العديد من المستشرقين لم يعطوا هذا الموقف (الليبرالي)، وفق المفهوم حقه من الكتابة الأمينة البعيدة عن الغرض الإيديولوجي، بالقياس لما جرى في محاكم التفتيش في أسبانيا، فقد كان يجتمع في مجالس العلم -آنذاك- كل أطياف الفكر والمذهب والدين والطائفة في مجلس واحد. إن المبدأ الأول في الفكر الإسلامي هو مبدأ اختلاف الاعتقاد الذي يريده الله تعالى. ومن بين الآيات القرآنية الكريمة التي تعبر عن هذا هي الآية رقم 99 من سورة يونس: «ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين». هذا ما كان عليه الإسلام من قبول بالاختلاف والتسامح مع الآخر.