نجاة المختار، عالمة وباحثة مغربية في العلوم النووية، تعد من أكبر المشجعين على الاستعمال السلمي للطاقة والتكنولوجيا والتطبيقات النووية لتحقيق الأهداف التنموية وجعل الذرة في خدمة السلام والتنمية.

من مسقط رأسها في الرباط انطلقت في مسيرة علمية متميزة في فرنسا وكندا والولايات المتحدة الأميركية. وبدأ مسارها المهني أستاذة جامعية ومديرة للبحوث في المغرب لأكثر من 20 عاما، ثم تقلدت مسؤوليات مهمة داخل الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمدة 13 عاما.

وفي عام 2019، أخذتها مسيرتها المهنية إلى واحد من أعلى المناصب في مجال الطاقة الذرية في العالم، وأصبحت أول امرأة عربية وأفريقية تشغل منصب نائب المدير العام للوكالة الأممية الدولية.

المولد والنشأة

ولدت نجاة المختار عام 1957، في حي العكاري الشعبي وسط العاصمة الرباط، لأسرة متوسطة الدخل ترجع أصولها إلى قرية "با محمد" بنواحي تاونات شمال المملكة المغربية.

توفي والدها وهي صغيرة، فاشتغلت والدتها في نسج الزرابي التقليدية وبيعها لتعيل الأسرة، بينما عهدت بتربيتها إلى جدتها التي اتسمت بالصرامة، وكانت صاحبة الدور الجوهري في تنشئة الطفلة نجاة على حب التعلم والحرص على الاجتهاد والتميز في التحصيل العلمي.

كانت هي الابنة الكبرى بين 4 إخوة لم تكن تلعب إلا معهم وبرفقتهم. وتحكي نجاة أن طفولتها لم تكن سهلة، وقد دفعت بها والدتها إلى تعلم نسج الزرابي لتكون لها حرفة، في سياق اجتماعي وثقافي كان سائدا آنذاك، ويمنح الأولوية في التعليم للذكور، ويعتبر زواج البنات هو الأهم.

تربت الصبية "نجاة" ونشأت في وسط حي شعبيّ ينسب إلى العالم علي العكاري الذي يقال إنه أول من أسس العلم بالرباط وشيّد مبانيه، خلال القرنين الـ18 والـ19.

وتشرّبت خصائص الريف الاجتماعية والثقافية، في مرتفعات جبال تاونات التي كانت تقصدها صيف كل عام منذ سنوات طفولتها الأولى. ثم في قلب سلسلة جبال الأطلس الصغير في بلدة تافراوت جنوب المغرب، موطن أسرة زوجها.

كان لتأثير المجال الذي نشأت فيه نجاة المختار وهي طفلة، وعاشت فيه وهي زوجة رجل ألّف بينهما اتفاق التخصص المهني وتشابه المزاج العلمي؛ دور بارز في بلورة شخصيتها المتسمة بالجدية والعصامية في العمل. إذ كان زوجها داعما لها طوال مسارها الأكاديمي والمهني.

الدراسة والتكوين العلمي

تلقت نجاة دروسها الأولى في مدارس حكومية، وكانت لا تمتاز فيها بشيء بين زملائها الصغار سوى بحب التعلم، إذ كانت تلميذة متوسطة المستوى.

تحكي الباحثة المغربية، أنها لم تكن في مرحلة التعليم الابتدائي والإعدادي من المتفوقين، وهو الأمر الذي كان يزعج والدتها، حيث استعانت بأستاذ ليدرسها بالبيت.

لكن كل شيء تغير في المرحلة الثانوية عندما اكتشفت شغفها بالعلوم واللغات، وبرعت في الرياضيات والفيزياء والكيمياء، وكان جو التنافس في الصف الدراسي حافزا لتطوير مستواها لتكون ضمن الأوائل.

عندما حصلت على شهادة البكالوريا، طلبت والدتها أن تتوقف عن الدراسة لتبحث عن عمل لمساعدتها، وبعد إلحاح شديد منها، وافقت والدتها في النهاية على أن تكمل دراستها في الجامعة.

تابعت تعليمها العالي في كلية العلوم بجامعة محمد الخامس في الرباط، وكانت طالبة نشيطة وذكية، وتفوقت في تخصص "علم التغذية".

انتقلت بعدها إلى فرنسا في إطار منحة تعليمية وتابعت دراستها في جامعة ديجون، حيث حازت على شهادة الدكتوراه في علوم التغذية، ثم انتقلت إلى كندا بجامعة لافال ونالت دكتوراه في التغذية وعلم الغدد الصماء. وذكرت أنها كانت تعطي والدتها المنحة الجامعية لتستعين بها على نفقات الأسرة.

مدفوعة بشغف العلوم، انطلقت نجاة في تجربة دراسية جديدة بالولايات المتحدة، حيث أكملت تدريب ما بعد الدكتوراه في إطار برنامج "فول برايت" بجامعة جون هوبكنز.

وخلال أول عامين من ولادة توأميها أوقفت نجاة المختار نشاطاتها العلمية، لكنها علّمت نفسها آنذاك اللغة الإنجليزية في البيت، بعد أن كانت تتقن اللغتين الفرنسية والعربية فقط.

الحياة المهنية

اشتغلت بعدة مهن بالموازاة مع دراستها في فرنسا وكندا وأميركا، وعندما عادت إلى بلدها تم تعيينها أستاذة في جامعة ابن طفيل بالقنيطرة. وخلال هذه الفترة عملت مديرة لمختبر الأبحاث في التغذية، كما أشرفت على تكوين وتأطير الطلبة في مجال التغذية والصحة العامة.

عام 2001، ولجت لأول مرة عالم الوكالة الدولية للطاقة الذرية خبيرة في التغذية، وعملت مسؤولة تقنية لمدة قاربت 6 سنوات. وقالت إن زوجها كان قد اطلع صدفة على إعلان هذا المنصب الشاغر، وبتشجيع منه تمكّنت من النجاح في الحصول عليه، وحينها لم تكن لها دراية كبيرة عن المؤسسة.

لكن هذه الوظيفة الأممية، كانت فرصة حقيقية مكنتها من اكتشاف مجال العلوم والتقنيات النووية، وتحديا مهنيا لتعلم الكثير خارج مجال تخصصها الأصلي، كما تذكر.

عادت نجاة المختار إلى المغرب مرة أخرى عام 2007، وشغلت منصب مديرة قسم العلوم والتقنيات في أكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتكنولوجيا، وشاركت خلال هذه التجربة مع وزارة التربية الوطنية والبحث العلمي وتكوين الأطر (وزارة التعليم) في إعداد الإستراتيجية الوطنية للبحث العلمي مع العديد من الفاعلين المحليين والدوليين. كما ساهمت مع وزارة الصحة في الإستراتيجية الوطنية للتغذية.

وبعدها في عام 2011 رجعت من جديد إلى الوكالة الأممية، وشغلت منصب مسؤولة قسم الدراسات البيئية المتعلقة بالتغذية والصحة، حيث استطاعت دعم ومواكبة عدد كبير من الدول في مجال الصحة والتغذية.

وشغلت منصب رئيسة قسم آسيا والمحيط الهادي في إدارة التعاون التقني بالوكالة عام 2014، وهي التجربة التي مكنت من توفير الدعم الفني لـ37 دولة هناك في قطاعات مختلفة.

وفي الأول من يناير/كانون الثاني 2019، عيّنت نائبة للمدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، ورئيسة لقسم العلوم والتطبيقات النووية، ويشكل هذا التعيين اعترافا بكفاءتها العلمية والمهنية، مما يجعل منها أول امرأة تشغل هذا المنصب الرفيع منذ إحداث الوكالة الأممية.

تحديات ومشاريع

تدير العالمة والباحثة المغربية، 12 مختبرا يشتغل بها حوالي 400 خبير في استخدام الطاقة الذرية لأهداف سلمية للتنمية المستدامة وتطوير البحث العلمي وتشجيعه في الدول النامية بشكل خاص.

ويشكل تغيير النظرة السلبية السائدة عن الطاقة النووية ومخاطرها، أحد أبرز التحديات على رأس عملها، حيث تسعى إلى تغيير الفكرة النمطية لكلمة "نووي" التي ترتبط بالخوف بسبب أحداث تاريخية كارثية، وترسيخ قناعة تبرز سلامة التقنيات النووية خارج الاستخدامات العسكرية.

تقدم نجاة المختار من خلال الوكالة الأممية، مبادرات في التطبيقات السلمية والآمنة للطاقة النووية في مجال البيئة الجيدة والغذاء والزراعة والصحة والمياه النظيفة والصحية وتعزيز السلامة والأمن وتعزيز العلم والتكنولوجيا.

وعلى مدار سنوات عملها بالوكالة رئيسة لقسم العلوم النووية، طوّرت نجاة المختار عددا من البرامج والمشاريع البحثية التي تعتمد على الطاقة النووية في الإنتاج الزراعي وتوليد طفرات وجينات نباتية مقاومة للأمراض بالاعتماد على التقنيات النووية.

وأكدت أن الوكالة قدمت مبادرة تدعى "أشعة أمل" لمكافحة السرطان؛ لمواجهة التزايد في أعداد المصابين بهذا المرض، مع أهمية توفير العلاج للجميع. وكذلك إطلاق مشروع يسمى "زودياك"، يهدف إلى العمل بشكل سريع وحاسم على منع تفشي الأمراض المعدية ومنعها من التحول إلى أوبئة. إضافة لمشروع بيئي يسعى لمكافحة الآثار الضارة للبلاستيك في المحيطات باستخدام التكنولوجيا النووية.

التكريمات

حازت نجاة المختار على جوائز هي:

تكريم بعثة جامعة الدول العربية في فيينا بالنمسا، بمناسبة "يوم المغترب العربي بالنمسا"، عرفانا بمسارها المهني "الحافل" داخل المنظومة الأممية، عام 2019. درع التألق، ضمن النسخة الثانية من برنامج "ليلة الوفاء بنساء متألقات من بلادي"، بدعم من وزارة الثقافة والشباب والرياضة ومسرح محمد الخامس بالرباط، عام 2021. صنفتها مجلة "تشالنج" الأسبوعية الاقتصادية المغربية الناطقة بالفرنسية، ضمن 50 من الكفاءات النسائية المغربية بصمت على مسار مهني متميز في ميادين ومجالات مختلفة، عام 2021.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الدولیة للطاقة الذریة فی مجال لم تکن

إقرأ أيضاً:

«أدنوك» و«الإمارات للطاقة النووية» تتفقان على استكشاف وتطوير حلول الطاقة المبتكرة


أبوظبي (الاتحاد)
أعلنت شركة الإمارات للطاقة النووية، اليوم، توقيع اتفاقية استراتيجية مع شركة بترول أبوظبي الوطنية «أدنوك»، لتعزيز التعاون في البحث واستكشاف وتطوير حلول الطاقة المبتكرة، وذلك لدعم استراتيجية دولة الإمارات الخاصة بتنويع مصادر الطاقة.تقضي الاتفاقية بتعاون الجانبين في تحديد وقياس متطلبات الطاقة المستقبلية لـ«أدنوك»، إلى جانب إجراء تقييم فني واقتصادي شامل لتحديد أفضل تقنيات المفاعلات النووية المناسبة لـ«أدنوك» وذلك استناداً إلى الخبرات التي تمتلكها شركة الإمارات للطاقة النووية في تقييم الأداء التكنولوجي للمشاريع التجريبية، إضافة إلى التقنيات المستقبلية قيد التطوير.
وتتضمن الاتفاقية التعاون المشترك لاستكشاف إمكانية الاستفادة من الحرارة التي تنتجها محطات براكة للطاقة النووية حيث تعمل شركة الإمارات للطاقة النووية و«أدنوك» معاً على إنجاز دراسات جدوى فنية واقتصادية لتقييم فرص استخدام هذه الحرارة، مع توصيات بالتقنيات المتقدمة التي يمكن الوثوق بها من خلال المشاريع الحالية أو المستقبلية.
وأكد أحمد المزروعي، نائب المدير التنفيذي لبرنامج البحث والتطوير في شركة الإمارات للطاقة النووية، أن الشركة تعمل على دعم الاقتصاد الأخضر في الدولة من خلال التركيز على الابتكارات النووية المتطورة، واستكشاف أساليب جديدة للاستفادة من الحرارة التي تنتجها محطات براكة في التطبيقات الصناعية.
وأوضح أن الشركة تستفيد من قدراتها الفنية وخبراتها المشتركة مع أدنوك، لتحديد وتطوير الحلول النووية التي تعزز أمن الطاقة والاستدامة على حد سواء.
من جهته، قال علي الرواحي، نائب الرئيس الأول للتكنولوجيا والابتكار في «أدنوك»، إنه سيتم العمل من خلال التعاون مع شركة الإمارات للطاقة النووية، على استكشاف مفاعلات الطاقة النووية المصغرة، وذلك في إطار السعي لتطوير الحلول المبتكرة للطاقة من أجل تعزيز كفاءة عمليات أدنوك التشغيلية.

أخبار ذات صلة "أدنوك للإمداد" تتسلم أولى ناقلات الغاز من "جيانغ نان" «انيرجي انتليجنس»: أبوظبي تعزز ريادتها في قطاع الطاقة العالمي

مقالات مشابهة

  • «أدنوك» و«الإمارات للطاقة النووية» تتفقان على استكشاف وتطوير حلول الطاقة المبتكرة
  • "أدنوك" و"الإمارات للطاقة النووية" يتفقان على تطوير حلول الطاقة المبتكرة
  • مؤتمر وزاري في فيينا يناقش مستقبل العلوم والتكنولوجيا النووية
  • قرار الوكالة الذرية يمهد لمواجهة بين ترامب وطهران
  • أية عاكف تكتب: الأهداف الاستراتيجية لتوطين التكنولوجيا النووية في مصر
  • لأول مرة في تاريخ المديرية.. امرأة بمنصب مدير عام هندسة مرور أربيل
  • ردا على الاستغلال السياسي لمحافظي الوكالة الذرية..إيران تطلق أجهزة طرد مركزي متطورة
  • رئيس البرلمان الإيراني: تشغيل أجهزة طرد مركزي متطورة ردا على تسييس الوكالة الدولية للطاقة الذرية
  • ردا على الوكالة الدولية للطاقة الذرية.. إيران تشغل أجهزة طرد مركزي متطورة
  • عاجل | رئيس البرلمان الإيراني: تشغيل أجهزة طرد مركزي متطورة ردا على قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية