عربي21:
2024-07-07@00:22:40 GMT

التطبيع لنزع كرامةٍ عربيةٍ

تاريخ النشر: 27th, September 2023 GMT

من سخف وبذاءة السياسة، ربط التطبيعٍ العربي مع الاحتلال الإسرائيلي، بالحرص على فلسطين، أو من أجل تحقيق سلام في المنطقة العربية يعيد الأرض المحتلة وللشعب الفلسطيني حقوقه التاريخية، ومن العبث المرذول استحضار وتكرار أوهام سياسية عربية عن مردود ورخاء العلاقة مع المحتل على المنطقة؛ بسياسة عربية اعتنقت دين التراجع أمام مشروع صهيوني استعماري واضح المعالم والأهداف، تُغدق عليه رعاية واهتماما، ثم تحالفا معه وإعجابا، بفكرة مستعمراته المُطورة على أرضٍ عربية مسروقة، بعد قتل وتهجير أصحابها على مرأى ومسمع العالم منذ 75 عام، وأصبحت عند بعض المطبعين ممراً تستوطن فيها استثمارات عربية تشد من أزر المستعمر وتثبت تزويره فوق أرض عربية.



هبوب رياح التطبيع في شبه الجزيرة العربية، ووصول غبارها إلى الرياض، ترسيخ لتطويع عربي رسمي يحاول استخدام أساليب تضليل وتزييف الوعي وحرفه عن أهدافه، واستخدامه باتجاهات تخدم مهامه ومهام المشروع الاستعماري، وبعدما دخلت المنطقة العربية عقداً جديداً من الثورات المضادة لسحق ثورات الربيع العربي، ازداد عدد المطبعين العرب.

وكشفت وحدة صف الاستبداد والقمع العربي عن حقيقة المخاطر التي تحيط بهما جراء التغييرات التي أسقطت هيبة الطغيان المهرول للتطبيع فيما بينه من جهة، وبين الاحتلال من جهة أخرى، وعلى وقع الإفراغ التدريجي الرسمي للتضامن العربي من مضمونه مع فلسطين وشعبها، بات الخطاب العربي المتصل بقضيته المركزية، دون قيمة إلزامية أو عملية للدول التي تعتبر نفسها قوة سياسية وبشرية واقتصادية وعسكرية في العالم العربي. وإذا أخذنا مصر كدولة كبرى خرجت من معادلة الصراع منذ العام 1979، وتراجع الدور السعودي، وانكفاء أدوار عربية أخرى نحو ترتيب بنيانها المتأثر بالثورات العربية ومد الجسور فيما بينها للتعاضد ومواجهة خطر التصدع الذي أصابها، فبالإمكان بلورة سياسة عربية تبقى معرضة لانتكاسات خطيرة وواسعة، مع التهميش الحاصل لقضايا عربية وللقضية الفلسطينية والأخذ بالأسباب والذرائع الصهيونية كدفة نجاة.

النموذج العربي المُطبع أو المتصهين أو العاجز عن مواجهة الواقع، قدم نتائج كارثية في علاقته مع المشروع الصهيوني الذي اتخذ هذا التطبيع ساتراً لإكمال عدوانه، وفي العواصم الظاهرة على تماسك باتخاذ القمع والاستبداد ذريعة لدعم فلسطين مفاعيل خلخلة هذا التماسك لم تنته، فما الذي تغير على جبهة المستعمر في فلسطين حتى يتزاحم العرب على أبواب التصهين؟ لا شيء، دائرة العدوان توسعت وقلّت مساحة الأرض وزاد الحصار والتضييق والتهويد اليومي، ورفعت إسرائيل من منسوب لاءاتها العنصرية وتطرفها بوجه الفلسطينيين، هذا التطرف ومواصلة العدوان يمنعان نظرياً وأخلاقياً وسياساً أي تواصل أو حديث عن سلام وتطبيع ما لم يكن هناك اعتراف بالحقوق الفلسطينية وتراجع عن الإجراءات الأحادية.

ولن نتحدث عن الرد الصهيوني على مبادرة العرب للسلام وأين انتهت، لكن بديل كل ذلك تُقدم السياسة العربية والفلسطينية طروحها المعاقة عن السلام والعلاقة مع مشروع استعماري صهيوني لا يخفي صراحته بالمضي في العدوان على أرضية توراتية صهيونية استعمارية، في المقابل ودون التفتيش عن متغيرات عربية عم عليها الغباء والخضوع والتملق لمستعمر يرسم الخرائط العربية ويؤشر عليها حدود مصالحه، ومن على منبر الأمم المتحدة في نمط السيطرة الجديد الذي يقدمه نتنياهو وائتلافه المتطرف بشطب الوجود الفلسطيني

بسياسات التطبيع والصهينة العربية، يزداد واقع الشعب الفلسطيني صعوبة، خصوصاً مع الفهم السيئ للسلطة الفلسطينية لواقعها مع فهم أكثر سوءاً لسياسات عربية بالتردد بمحاربة الصهينة التي ستُدخلها في طور جديد من عزلة قادمة، ما لم تُدرك الحاجة لتضامن عربي حقيقي شعبي وسياسي يرتقي في شكله ومضمونه عن صيغة سابقة أثبتت فشلها تحت رعاية أنظمة مستبدة وانهارت كلياً لحظة انفجار الثورات العربية، وإذا كان الادعاء بحقائق ثابتة بأن فلسطين باقية وثابتة في وجدان العرب الأحرار بعدالتها وقيمها، فذلك يفرض أنماط أخرى لمقاومة التطبيع بمسؤوليات مختلفة؛ مؤداها أن التجربة الذاتية الفلسطينية والعربية في عهد المطالبة بالسلام كانت مشوهة.

ولإحداث مراجعة عميقة وذات جدوى بكل المحاور التي تخص القضية الفلسطينية يجب توفير شيئين أساسيين؛ أن الهوية والكرامة الفلسطينية جزء من هوية وكرامة عربية، التوفير هنا ليس في الشارع العربي المحتفظ بهما، بل في سياسات عربية وفلسطينية انخرطت لنزع الكرامة عن وجودها وتاريخها بالتحالف مع مشروع استعماري لحصار وضرب المقاومين له.

twitter.com/nizar_sahli

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه التطبيع الاستبداد الصهيونية العالم العربي التطبيع الصهيونية الاستبداد مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة

إقرأ أيضاً:

في اليسار المتطرف.. رؤية من الداخل

إن أية حركة سياسية أو فكرية، تمارس الإقصاء هي نمط من التفكير المتطرّف. وهو نمط، نخطئ – كما عوّدنا الثقافيّون الغربيون والعرب على ذلك – حين نربطه بالإسلام ـ  والذي لا يمكننا فهمه حسب محمد أركون إلا في صيغة الجمع ـ أو نعتبره نتيجة ضرورية لمبادئ الدين الإسلامي، حتى وإن كنا لم نقرأ هذه المبادئ، أو لم نترجمها بعد إلى لغة الحداثة.

قراءات اختزالية

إنه نمط في التفكير يرتبط بفشل المشروع التحديثي، أو مشروع الدولة الوطنية في السياق العربي. ويقوم هذا النمط من التفكير على إقصاء الآخر المختلف من الحقيقة، ومن الفضاء العام، وممارسة الوصاية عليه، وتهميش إرادته السياسية وثقافته والحطّ من تقاليده المتوارثة.

وقد عبّر هذا النمط الإقصائي في التفكير عن نفسه من خلال صيغ مختلفة، ومنها: صيغة "الدولة ضد المجتمع" أو "النخبة ضد الشعب" أو "العلمانية ضد الإسلام" وهلمّ جرا. وهو نمط سابق بعقود على ظهور الحركات المتطرفة، بل وهو الذي عبّد الطريق لظهور الإسلام السياسي.

وقد تحدّث الفيلسوف الأميركي مايكل والزر عن ذلك في كتابه: "مفارقة التحرر" (2015)، وأوضح كيف انتهى فشل المشروع التحرري العلماني إلى عودة المكبوت الديني، وذلك ليس فقط في سياق عربي. ومن هنا شرعية الحديث عن يسار متطرف في الثقافة العربية المعاصرة، ارتبط بجيل الدولة الوطنية والنخب التي أنتجتها وارتبطت بها، وانتهت به مغالاته اليوم إلى الدفاع عن دول الممانعة، أو دول الاستعمار الداخلي، وعن حداثة مفرغة من مضمونها السياسي والحقوقي.

وما لا نلتفت إليه كثيرًا، هو أن جناية هذا اليسار على الثقافة العربية لا تنحصر فقط في حربه الشعواء على كل ما هو إسلامي، وأنا أستعمل هنا عن قصد مفردة الحرب، لأنني مؤمن بأن الثقافة الإسلامية مثل أي ثقافة لا يمكنها أن تتقدم إلا بالنقد والنقد الذاتي، كما علّمنا علال الفاسي، ولكنها لا تتقدم في ظل اليسارية المتشددة منها واليمينية، أو لا تتقدم وتتطور في سياق يحكمه العنف.

إن جناية اليسار المتطرف على الثقافة العربية، تتمثل أيضًا في القراءة التي قدمها ويقدمها للحداثة الغربية. ومثلما كانت قراءته للتراث العربي الإسلامي متسرعة، اختزالية، أيديولوجية، قد تنتهي في بعض الأحيان إلى نوع من الحقد على الذات، فإن قراءته للحداثة الغربية ومنجزها الفكري لا تقل اختزالية، بل ولا تقل عنفًا.

أيديولوجيا استئصالية

ويمكننا توضيح ذلك من خلال مفهوم العلمانية الذي ساد الفكر العربي لعقود كثيرة، والذي تحول إلى نوع من الأيديولوجيا الاستئصالية التي ستبرر هيمنة البعثيين على المجتمع. وحتى وإن كنا لا نوافق محمد عابد الجابري في دعوته لنا إلى التخلص من هذا المفهوم والاكتفاء باستعمال مفهومي الديمقراطية والعقلانية، فإنه لا يمكننا إلا أن نتفهّم هواجسه، وخصوصًا بالنظر للاستعمالات الأيديولوجية للمفهوم في السياق العربي.

ولكن، يظل من الضروري أن نسلط الضوء على تعددية التجارب والتصورات الحديثة عن العلمانية، كما يتوجب أن نفعل ذلك مع مفاهيم وتصورات وتجارب أخرى، مثل: الديمقراطية، والتنوير، والعقلانية. ويمكن تقديم مثال آخر – يوضح بشكل أفضل القراءة الاختزالية والانتقائية والناقصة للحداثة من طرف اليسار المتطرف، والذي يمكننا أن نميز داخله، بين يسار قومي، ويسار ستاليني، وثالث ليبرالي، أو بالأحرى نيوليبرالي – هو تلك القراءة التي سيقوم بها الفكر العربي، في صيغته القومية، للفلسفة الألمانية في القرن التاسع عشر، أو للتيار الرومانسي المتمرد على التنوير، وخصوصًا لفيشته.

فبسام طيبي، يذكر في كتابه الشهير عن القومية العربية، وعن رائد الفكر القومي عربيًا ساطع الحُصري، أنه لم يقرأ من فيشته إلا "خطابات إلى الأمة الألمانية"، وبلغة أخرى، فإنه اكتفى بفيشته القومي، وفيشته التربية القومية، ولم يطلع أو لم يلزم نفسه الاطلاع على فيشته الكوسموبوليتي.

طابور خامس

بل الأكثر من ذلك أن الحُصري سيكتفي، وهو ما لم يقله بسام طيبي، بقراءة أيديولوجية للخطب، ضاربًا صفحًا عن القراءات الأخرى التي كانت ترى في التربية القومية لفيشته تربية على الإنسانية وليس دفاعًا عن القومية أو الشعب الألماني. ولا بأس من التذكير بأن كتاب "الخطب" لفيشته، هو الذي سيحظى باهتمام حسن حنفي أيضًا، وستتردد تصوراته الرومانسية في مقدمته السحرية لكتابه: " مدخل إلى علم الاستغراب".

أما المثل الثالث الذي يمكننا تقديمه، فهو الذي يعبر عنه بشكل واضح الشاعر والمفكر السوري أدونيس، وبعض من حوارييه الصغار، والذي، في شططه اليساري سيربط العنف والإرهاب وكل ما يعانيه اليوم العالم العربي ـ الإسلامي بفكرة التوحيد، وهو موقف نلتقيه، في صيغة أقل كاريكاتورية، عند عالم المصريات يان آسمان، في تحليله لسفر الخروج وصورة  الإله الغيور في "العهد القديم"، أو الفيلسوف الألماني أودو ماركفارد في نقده للأديان التوحيدية.

ولكنه، مع أدونيس، يظل موقفًا سطحيًا، يناقش الأعراض وليس الأسباب، ولا يقول شيئًا عن سياق التخلف والاستبداد، ولا يقول شيئًا عن الدكتاتوريات العربية التي ظلت تحارب كل مظاهر "الانقسام الاجتماعي" كما يسميها لوفور أو كل مظاهر التعددية، والتي ليست بالضرورة حكرًا على الحداثة الغربية في صيغتها الديمقراطية، ولكنها ظلت دومًا تميز الثقافات والمجتمعات الإسلامية، ليس في لحظات ازدهارها فحسب، ولكن حتى في لحظات تقهقرها.

ويكفي هنا أن نقارن، بين القراءة التي يقدمها محمد عزيز لحبابي لمفهوم التوحيد في "الشخصانية الإسلامية"، والذي يرى فيه تحقيقًا للمسلم كإنسان فرد وحر، كشخص وليس كعبد، وبين تصور أدونيس الذي يتماهى، في لاوعي، مع أكثر القراءات رجعية.

إن تطرف الأفكار منظومة شمولية متسلطة ومغلقة، تحكم اليسار واليمين، الليبرالي والقومي والإسلاموي، وتعبر عن نفسها في الخطب السياسية والأدبيات الفكرية، وبرامج الأحزاب والكتب المدرسية، بل وتعبر عن نفسها في العلاقات الاجتماعية والمؤسسات التربوية، من أسرة ومدرسة وجامعة، ولا يمكن التأسيس لثقافة عربية تصالحنا مع ذاتنا وتاريخنا ومع العالم، دون نقد هذه المنظومة الشمولية، وهو ما لن يتحقق، إذا لم نحرر الثقافة العربية من سدنتها وسماسرتها، الذين ما برحوا يتعاملون معها بمنطق الغنيمة، أو في حزبية ضيقة وروح غير نقدية.

إنّ تحرير الثقافة العربية لن يتم في ظل السلطوية، بل هو يبدأ حين نبدأ بتحريرها من هذه السلطوية. وهنا قد تلعب المنافي الغربية دورًا كبيرًا، على الرغم من أن سطوة السلطويات العربية ستطارد المثقفين الأحرار إلى تلك المنافي، بل ولن تتورع عن التحالف مع الإسلاموفوبيا ودعمها ضدهم، وضد أي حضور نوعي للمسلمين في أوروبا، يساعدها في ذلك طابور خامس، يقول عن نفسه عربي، أضحى القاصي والداني مدركًا لدوره الهدّام.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • عمرو موسى: التطبيع العربي مع إسرائيل لا يمكن أن يكون مجانيًا
  • عمرو موسى: التطبيع العربي مع إسرائيل لا يمكن أن يكون مجانيا
  • البرلمان العربي يواصل تحركاته لإيقاف حرب الإبادة في غزة
  • "حماية المنافسة" يفوز بجائزة البنك الدولي عن مبادرة تشمل نموذج محاكاة لأجهزة عربية أخرى
  • ماذا تبقى من الشارع العربي؟
  • في اليسار المتطرف.. رؤية من الداخل
  • أشرف صبحي: لشباب العربي دورا في تنمية مجتمعاتهم والنهوض بها
  • بعد حرب الطوفان: ماذا بقي من النظام الرسمي العربي؟
  • 431 من طلبة 16 دولة عربية يشاركون في برامج موهبة الإثرائية الصيفية 2024
  • وزيرة الشباب: التزام الكويت راسخ بدعم الشباب وتمكينهم وتنمية مهاراتهم وقدراتهم