أقصد بعرب المهجر أولئك العلماء والمفكرين والأدباء الذين هاجروا إلى الغرب وعاشوا فيه معظم حياتهم أو عملوا في مؤسساته لفترات طويلة من العمر، فعاد منهم من عاد وعاش فيه من عاش حتى الممات. أولئك كانوا من المساهمين بقوة في نهضة العلم والثقافة العربية خلال القرن الفائت، خاصة خلال النصف الأول منه. حدث هذا في مصر وبلاد الشام، ثم حدث من بعد في بلدان المغرب العربي.
حدث هذا في مصر مثلما حدث في بلدان المشرق، ومثلما حدث من بعد في بلدان المغرب العربي. وفي هذا الصدد أود القول صراحة ومن دون مواربة إن بلدان المغرب العربي قد تفوقت خلال العقود الأخيرة على بلدان المشرق العربي؛ بالضبط لهذا السبب، أعني أن بلدان المغرب اضطلعت بالدور الذي كانت تضطلع به بلدان المشرق فيما مضى، من حيث الاهتمام بإرسال البعثات العلمية إلى أوروبا، فضلًا عن المبادرات الشخصية التي يقوم بها الأفراد للدراسة والتعلم في الخارج. ولا شك في أنه مما ساعد على ذلك قرب المسافة بين هذه الدول والبلدان الأوروبية المتقدمة، خاصة فرنسا. وفضلًا عن ذلك فإن الاحتلال الفرنسي الطويل لتلك الدول كانت له فائدة لا تُنكَر، أهمها إجادة اللغة الفرنسية ذاتها؛ ولذلك فإن مَن لم يرحل إلى هذه البلدان يظل قادرًا على الاطلاع على ثقافتها عبر بوابة اللغة والثقافة الفرنسية.
أما عرب المهجر الآن، فهم -في معظمهم- مجرد أقوام يعيشون في الغرب الأوروبي أو الأمريكي، وأولئك حالهم عجيب. عرفت من هؤلاء مثقفين حقيقيين من أمثال وليد حمارنة، ولكني عرفت من هؤلاء أيضًا كثرة من المزيفين، ممن يتصورون أن مجرد إجادة اللكنة الإنجليزية أو الأمريكية كافٍ لأن يجعلهم مثقفين يعرفون ما لا تعرفه أنت؛ ومن ثم فإنهم يمتازون عليك باعتبارهم أفرادًا يعيشون في بلدان متحضرة. أولئك يتمسحون في هوية البلدان التي يعيشون فيها من دون أن تكون لهم هوية حقيقية؛ ولذلك ترى معظمهم حينما يأتون إلى بلدانهم الأصلية في زيارات عابرة، تراهم في هيئة مختلفة تمامًا عن هيئة الأهل والشعب الذي ينتمون إليه، فترى الرجال قد أطالوا شعورهم حتى تنسدل تحت أقفائهم، وارتدوا القبعات وغير ذلك من المظاهر التي تدل على اختلافهم عن بني وطنهم، وكأن هذه المظاهر والعلامات هي أمارات على تميزهم. لم يفعل ذلك المتميزون حقًّا.. لم يفعل ذلك إدوارد سعيد (على سبيل المثال)، رغم أن بداية تألقه كانت في عصر التقاليع أو التحولات الكبرى في الفن والموضة (عصر الهيبيز). المفلسون يركزون دائمًا على المظاهر الشكلية في هيئتهم وفي كلامهم أيضًا، فتراهم يركزون على استخدام كلمات أجنبية من دون حاجة إلى استخدامها في الحوار؛ لأنها ليست بكلمات علمية أو اصطلاحية، وإنما هي مجرد كلمات أجنبية يستخدمونها من باب التعالي على لغتهم الأم، أعني: اللغة العربية التي هي من أسمى اللغات في القدرة على التعبير.
ما أود قوله هو أن فقدان الهوية الأصلية يهدد بالانسحاق في الآخر، بل في أسوأ المظاهر الشكلية للآخر، ولم يكن هذا هو حال عرب المهجر الأوائل الذين ظل وطنهم وهويتهم العربية حاضرَين بقوة في أدبهم وفكرهم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المغرب العربی بلدان المغرب فی بلدان فی مصر من بعد
إقرأ أيضاً:
جهود مصرية كبيرة للقضاء على الإرهاب في سيناء
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
عرضت قناة «إكسترا نيوز»، تقريرا تليفزيونيا تحت عنوان « جهود كبيرة قامت بها الدولة للقضاء على الإرهاب في سيناء».
وأفاد التقرير: «ما بين معركة التعمير والحرب على الإرهاب، خاضت الدولة ملاحم في سيناء خلال السنوات القادمة فقد جاءت ثورة 30 من يونيو لتواجه الإرهاب والتطرف الذي تم زرعه في أرض الفيروز».
وأضاف: «خاضت القوات المسلحة والشرطة معركة بطولية لتطهير الأرض من جنس الإرهاب الذي أرادوا له أن يكن له خنجرا في خاصرة الدولة المصرية،».
وتابع: «وفي الوقت الذي كانت يد الجيش تحارب الإرهاب في سيناء، كانت يد الدولة تمتد إليها بالتعمير والتنمية حتى جعلت من أرض الفيروز أرضا للنماء والخير لمصر، وباتت شبه جزيرة سيناء تجمع كل مكونات التنمية الشاملة ونفذت الجهات المعنية جملة من المشروعات القومية الزراعية والصنماعية والخدمية والسياحية مستفيدة في ذلك من المقومات الطبيعية والتاريخية لسيناء ومدن القناة».