لجريدة عمان:
2025-02-24@09:34:35 GMT

الكيان الإسرائيلي والتطبيع العربي: الرهان الخاسر

تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT

منذ اتفاق كامب ديفيد الذي وقّعه الرئيس المصري الراحل أنور السادات مع رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي آنذاك مناحيم بيجين عام ١٩٧٩ وسياسة الكيان الإسرائيلي تهدف إلى تقزيم القضية الفلسطينية وإخراجها عن مسارها القانوني والأخلاقي واللعب على الوقت واستخدام العنف في أقصى درجاته ضد الشعب الفلسطيني. علاوة على إيهام العرب بأن التطبيع مع الكيان الإسرائيلي سيكون مفيدا للسلام، وهو سلام وهمي في ظل عدم وجود الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية.

ومن هنا جاءت قضية التطبيع مع الدول العربية بعد اتفاق وادي عربة بين الكيان الإسرائيلي والأردن. ورغم أن الاحتلال الإسرائيلي كان يريد التطبيع مع الشعوب وإدماج الكيان الإسرائيلي مع الفضاء العربي لكنه فشل فشلا ذريعا، وهنا يمكن الاستشهاد بالشعبين المصري والأردني حيث لا يزال العداء للكيان الصهيوني باقيا في النفوس بعد حروب طاحنة بين قوات الاحتلال الإسرائيلي والجيوش العربية منذ عام ١٩٤٨ مرورا بالعدوان الثلاثي على الشقيقة مصر وأيضا حرب ١٩٦٧، والتي تكبّد فيها العرب أقسى هزيمة في تاريخهم الحديث وضياع سيناء والجولان في مصر وسوريا علاوة على الضفة الغربية وقطاع غزة في فلسطين المحتلة.

إن مسار التطبيع يعد مسألة في غاية الخطورة على الأمن القومي العربي، ربما ليس في هذا الجيل السياسي المتحمس بعضه للتطبيع، ولكن على مسار المراحل التاريخية القادمة. ولعل من أكثر الدراسات عمقا في مجال تاريخ اليهودية والصهيونية وخطرها الاستراتيجي على الأمة العربية وأجيالها هي الدراسة القيّمة للدكتور عبدالوهاب المسيري في موسوعته الشهيرة، التي نشرها في عدة أجزاء، حيث توضح بجلاء الخطر الصهيوني على صعيد الجغرافيا والقيم، وحتى الأرض من قبل كيان ليس له حتى الآن حدود. علاوة على أطماعه التوسعية في الأراضي العربية وهو لا يزال يحتل أجزاء منها.

السؤال المهم: ما هي فلسفة التطبيع التي جرت وتجري مع عدد من الأنظمة العربية؟ هناك تفهم حول طبيعة التطبيع مع الكيان الصهيوني مع مصر والأردن، من خلال وجود أراض محتلة تم التفاوض عليها وأُعيدت، ورغم ذلك لا يزال ذلك السلام هشا ومقتصرا على النواحي الرسمية. فالشعبان المصري والأردني لا يزالان في عداء مع الكيان الإسرائيلي وسياسته الاستيطانية وقمعه وانتهاكاته اليومية ضد أبناء الشعب الفلسطيني. ومن هنا فإنه يمكن إيجاد مبررات للتطبيع المصري والأردني مع الكيان الصهيوني لاستعادة الأرض وعلى الصعيد الرسمي، ولكن ماذا عن عدد من الدول العربية ونحن نرى خططا جديدة للتطبيع وقد تضيع القضية الفلسطينية من خلال فلسفة الكيان الإسرائيلي وهو السلام مقابل السلام وهي أشبه بعملية احتيال إسرائيلية منذ مؤتمر مدريد الدولي للسلام عام ١٩٩١. ويمكن الاطلاع على المذكرات والنقاشات والمراوغات الإسرائيلية والأمريكية خلال مؤتمر دولي، حيث كان الهدف هو إقامة تطبيع بين الكيان الإسرائيلي والدول العربية مع تحسين ظروف الشعب الفلسطيني، وحتى اتفاق أوسلو رغم إجحاف بعض مواده رفضت إسرائيل الالتزام بخطواته، والذي يفترض أن يؤدي إلى قيام الدولة الفلسطينية من خلال مفاوضات الحل الأخير.

ومن هنا فإن الولايات المتحدة الأمريكية هي الطرف الذي وقف في انحياز سافر مع الكيان الصهيوني منذ عام ١٩٤٨ بكل إداراته المتعاقبة ويمكن الرجوع إلى كل المذكرات السياسية للقيادات الأمريكية والمصرية والفلسطينية وحتى الإسرائيلية حول كل مسار المفاوضات بين العرب والكيان الإسرائيلي، من خلال الرعاية والوسيط الأمريكي المنحاز. ولعل أحدث تلك المذكرات السياسية هي مذكرات الدبلوماسي المصري اللامع عمرو موسى في كتبه وخاصة كتابه الذي يتحدث فيه عن مواقف سياسية عديدة خلال المفاوضات في مدريد والقاهرة وشرم الشيخ، خاصة أن الدبلوماسي عمرو موسى تولى وزارة الخارجية المصرية لمدة عشر سنوات، وكذلك الجامعة العربية عشر سنوات كأمين عام للجامعة.

ومن هنا تنطلق أهمية تلك المذكرات المهمة وشهود تلك المرحلة من الساسة العرب والأجانب إذا كان التطبيع العربي يأتي من خلال مصالح اقتصادية وإعجاب بالنموذج الإسرائيلي أو التقرب من الولايات المتحدة الأمريكية على حساب قضية العرب المركزية وهي القضية الفلسطينية فهو خطأ تاريخي فادح سوف تدفع ثمنه الأجيال والشعوب العربية في مراحل لاحقة من تاريخ العرب الحديث، خاصة أن الكيان الإسرائيلي يراهن من خلال معاييره النفسية والدعاية واستعراض القوة بأن إسرائيل هي النموذج الديمقراطي الوحيد في الشرق الأوسط، ولا بد من تسويق هذا النموذج الذي تسلل إلى عقول البعض وربط نفسه استراتيجيا بهذا الكيان الغاصب، الذي يشكل في محوره الاستراتيجي والتاريخي خطرا محدقا في مستقبل الأجيال، وهو ما حذر منه الدكتور عبدالوهاب المسيري -رحمه الله- في موسوعته القيّمة عن تاريخ اليهود والصهيونية والعداء التاريخي للعرب. إن السلام العادل والشامل هو مطلب العرب جميعا من خلال تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف على حدود الرابع من يونيو عام ١٩٦٧ وهو الحد الأدنى من أرض فلسطين التاريخية، وهو المبدأ الثابت لسياسة بلادنا سلطنة عمان، والتي تؤكد دوما على هذا الحق الفلسطيني.

ومن خلال قراءة فلسفة الكيان الإسرائيلي والحكومة المتطرفة الحالية التي يترأسها نتانياهو فإن إسرائيل لن تنفذ حتى اتفاق أوسلو، وهنا نأتي إلى خطورة التطبيع الذي جاء مجانا وكان يمكن أن يكون مشروطا بإقامة السلام الشامل والعادل، ورغم ذلك فإن الشعب الفلسطيني وكفاحه ونضاله هو الذي سوف يسقط مشروع التطبيع الفاشل. وتبقى للقيادات الفلسطينية خطوة مهمة وحيوية وهي الوحدة الفلسطينية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى؛ لأن الكيان الإسرائيلي حريص على وجود ذلك التشتت الفلسطيني - الفلسطيني، خاصة بين حركتي فتح وحماس.

إن المنافع الاقتصادية والمصالح السياسية في مجال التطبيع تتنافى وأخلاقيات وعدالة القضية الفلسطينية والكيان الإسرائيلي، والتطبيع سوف يجلب الكثير من مشاكله الخطيرة خاصة المخدرات وكل شيء خبيث، والذي ينخر في وحدة الشعوب ونواميسها وعاداتها.

إن خطر التطبيع ليس سياسيا ووطنيا فقط ولكنه على الصعيد الاجتماعي خطير جدا في ظل كيان تتقاذفه قوميات وأعراق يهودية وصهيونية من كل مكان وفي ظل عقد نفسية يعيشها ذلك الكيان المصطنع من قبل وعد بلفور المشؤوم عام ١٩١٧. وفي المحصلة الأخيرة فإن العرب يمكن أن يشكلوا تكتلا اقتصاديا كبيرا أهم بكثير من الشراكة مع الكيان المحتل. كما أن المعادلة الديموغرافية للقادم من السنوات سواء على الصعيد الفلسطيني أو العربي سوف تشكل متغيرا استراتيجيا لا يمكن إغفاله في إطار الصراع المرير بين العرب كشعوب والكيان الإسرائيلي. أما التطبيع العربي الرسمي فسوف يكرر نفس تجربة التطبيع الرسمية مع مصر والأردن والآن مع عدد من الدول العربية بمعنى تطبيع بارد لا قيمة له لأن أساس العلاقات الدولية ونجاحها يعتمد على الانسجام الشعبي بين الدول والأمم علاوة على المصالح المشتركة في كل مجالات التعاون، وسوف تظل إسرائيل كيانا منبوذا لدى الشعوب العربية وكيانا عنصريا يفرّق حتى بين مواطنيه وهم يهود الشرق والغرب الاشكناز والسفارديم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة الکیان الإسرائیلی الشعب الفلسطینی الدول العربیة التطبیع مع مع الکیان علاوة على من خلال ومن هنا

إقرأ أيضاً:

«المستقلين الجدد»: الرؤية الفلسطينية المزمع عرضها على القمة العربية جيدة

أكد حزب المستقلين الجدد أن الرؤية الفلسطينية المزمع عرضها على القمة العربية تُعد خطوة إيجابية وتنطوي على خطوط واضحة للمرحلة المقبلة فيما يتعلق بالضفة الغربية وقطاع غزة.

الرؤية الفلسطينية 

وقال الدكتور هشام عناني، رئيس الحزب، في بيان له، إن الرؤية الفلسطينية مبنية على رؤية مصر لإعمار غزة، وهو الملف الذي سيتم مناقشته وإقراره خلال القمة العربية.

وأضاف «عناني» أن الرؤية الفلسطينية يجب أن يصاحبها توافق فلسطيني بين كافة الفصائل، حتى تصبح هذه الرؤية قابلة للتنفيذ على أرض الواقع.

إعادة إعمار غزة

من جانبه، أكد الدكتور حمدي بلاط، نائب رئيس حزب المستقلين الجدد، أن الرؤية الفلسطينية تمثل إجابة على السؤال الذي طُرح حول مستقبل غزة بعد حماس، مشيرا إلى أن الحزب يدعم القيادة السياسية المصرية في جهودها الرامية إلى إعمار غزة، وذلك من خلال كل المسارات القانونية والدبلوماسية المتاحة.

مقالات مشابهة

  • العراق يدعو الدول العربية إلى رفض التطبيع مع الكياني الصهيوني
  • الجامعة العربية: محاولات نزع الشعب الفلسطيني من أرضه أثبتت فشلها
  • الجامعة العربية: القضية الفلسطينية العادلة قضية "أرض وشعب"
  • محلل سياسي: القمة العربية ستصدر قرارات حاسمة بشأن القضية الفلسطينية
  • معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي: حماس أذلت “إسرائيل” عسكريا وأفشلت قطار التطبيع 
  • برلماني: الرؤية الفلسطينية لإعادة إعمار غزة والقمة العربية القادمة تأتي في مرحلة فارقة
  • سر قُبلة الجندي الإسرائيلي للمقاتل الفلسطيني على منصة التسليم
  • برلماني: الرؤية الفلسطينية تدعم حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة وتمثل خطوة لدعم الجهود العربية
  • حزب المؤتمر: الرؤية الفلسطينية خطوة مهمة لتعزيز صمود الشعب الفلسطيني
  • «المستقلين الجدد»: الرؤية الفلسطينية المزمع عرضها على القمة العربية جيدة