الكيان الإسرائيلي والتطبيع العربي: الرهان الخاسر
تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT
منذ اتفاق كامب ديفيد الذي وقّعه الرئيس المصري الراحل أنور السادات مع رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي آنذاك مناحيم بيجين عام ١٩٧٩ وسياسة الكيان الإسرائيلي تهدف إلى تقزيم القضية الفلسطينية وإخراجها عن مسارها القانوني والأخلاقي واللعب على الوقت واستخدام العنف في أقصى درجاته ضد الشعب الفلسطيني. علاوة على إيهام العرب بأن التطبيع مع الكيان الإسرائيلي سيكون مفيدا للسلام، وهو سلام وهمي في ظل عدم وجود الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية.
إن مسار التطبيع يعد مسألة في غاية الخطورة على الأمن القومي العربي، ربما ليس في هذا الجيل السياسي المتحمس بعضه للتطبيع، ولكن على مسار المراحل التاريخية القادمة. ولعل من أكثر الدراسات عمقا في مجال تاريخ اليهودية والصهيونية وخطرها الاستراتيجي على الأمة العربية وأجيالها هي الدراسة القيّمة للدكتور عبدالوهاب المسيري في موسوعته الشهيرة، التي نشرها في عدة أجزاء، حيث توضح بجلاء الخطر الصهيوني على صعيد الجغرافيا والقيم، وحتى الأرض من قبل كيان ليس له حتى الآن حدود. علاوة على أطماعه التوسعية في الأراضي العربية وهو لا يزال يحتل أجزاء منها.
السؤال المهم: ما هي فلسفة التطبيع التي جرت وتجري مع عدد من الأنظمة العربية؟ هناك تفهم حول طبيعة التطبيع مع الكيان الصهيوني مع مصر والأردن، من خلال وجود أراض محتلة تم التفاوض عليها وأُعيدت، ورغم ذلك لا يزال ذلك السلام هشا ومقتصرا على النواحي الرسمية. فالشعبان المصري والأردني لا يزالان في عداء مع الكيان الإسرائيلي وسياسته الاستيطانية وقمعه وانتهاكاته اليومية ضد أبناء الشعب الفلسطيني. ومن هنا فإنه يمكن إيجاد مبررات للتطبيع المصري والأردني مع الكيان الصهيوني لاستعادة الأرض وعلى الصعيد الرسمي، ولكن ماذا عن عدد من الدول العربية ونحن نرى خططا جديدة للتطبيع وقد تضيع القضية الفلسطينية من خلال فلسفة الكيان الإسرائيلي وهو السلام مقابل السلام وهي أشبه بعملية احتيال إسرائيلية منذ مؤتمر مدريد الدولي للسلام عام ١٩٩١. ويمكن الاطلاع على المذكرات والنقاشات والمراوغات الإسرائيلية والأمريكية خلال مؤتمر دولي، حيث كان الهدف هو إقامة تطبيع بين الكيان الإسرائيلي والدول العربية مع تحسين ظروف الشعب الفلسطيني، وحتى اتفاق أوسلو رغم إجحاف بعض مواده رفضت إسرائيل الالتزام بخطواته، والذي يفترض أن يؤدي إلى قيام الدولة الفلسطينية من خلال مفاوضات الحل الأخير.
ومن هنا فإن الولايات المتحدة الأمريكية هي الطرف الذي وقف في انحياز سافر مع الكيان الصهيوني منذ عام ١٩٤٨ بكل إداراته المتعاقبة ويمكن الرجوع إلى كل المذكرات السياسية للقيادات الأمريكية والمصرية والفلسطينية وحتى الإسرائيلية حول كل مسار المفاوضات بين العرب والكيان الإسرائيلي، من خلال الرعاية والوسيط الأمريكي المنحاز. ولعل أحدث تلك المذكرات السياسية هي مذكرات الدبلوماسي المصري اللامع عمرو موسى في كتبه وخاصة كتابه الذي يتحدث فيه عن مواقف سياسية عديدة خلال المفاوضات في مدريد والقاهرة وشرم الشيخ، خاصة أن الدبلوماسي عمرو موسى تولى وزارة الخارجية المصرية لمدة عشر سنوات، وكذلك الجامعة العربية عشر سنوات كأمين عام للجامعة.
ومن هنا تنطلق أهمية تلك المذكرات المهمة وشهود تلك المرحلة من الساسة العرب والأجانب إذا كان التطبيع العربي يأتي من خلال مصالح اقتصادية وإعجاب بالنموذج الإسرائيلي أو التقرب من الولايات المتحدة الأمريكية على حساب قضية العرب المركزية وهي القضية الفلسطينية فهو خطأ تاريخي فادح سوف تدفع ثمنه الأجيال والشعوب العربية في مراحل لاحقة من تاريخ العرب الحديث، خاصة أن الكيان الإسرائيلي يراهن من خلال معاييره النفسية والدعاية واستعراض القوة بأن إسرائيل هي النموذج الديمقراطي الوحيد في الشرق الأوسط، ولا بد من تسويق هذا النموذج الذي تسلل إلى عقول البعض وربط نفسه استراتيجيا بهذا الكيان الغاصب، الذي يشكل في محوره الاستراتيجي والتاريخي خطرا محدقا في مستقبل الأجيال، وهو ما حذر منه الدكتور عبدالوهاب المسيري -رحمه الله- في موسوعته القيّمة عن تاريخ اليهود والصهيونية والعداء التاريخي للعرب. إن السلام العادل والشامل هو مطلب العرب جميعا من خلال تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف على حدود الرابع من يونيو عام ١٩٦٧ وهو الحد الأدنى من أرض فلسطين التاريخية، وهو المبدأ الثابت لسياسة بلادنا سلطنة عمان، والتي تؤكد دوما على هذا الحق الفلسطيني.
ومن خلال قراءة فلسفة الكيان الإسرائيلي والحكومة المتطرفة الحالية التي يترأسها نتانياهو فإن إسرائيل لن تنفذ حتى اتفاق أوسلو، وهنا نأتي إلى خطورة التطبيع الذي جاء مجانا وكان يمكن أن يكون مشروطا بإقامة السلام الشامل والعادل، ورغم ذلك فإن الشعب الفلسطيني وكفاحه ونضاله هو الذي سوف يسقط مشروع التطبيع الفاشل. وتبقى للقيادات الفلسطينية خطوة مهمة وحيوية وهي الوحدة الفلسطينية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى؛ لأن الكيان الإسرائيلي حريص على وجود ذلك التشتت الفلسطيني - الفلسطيني، خاصة بين حركتي فتح وحماس.
إن المنافع الاقتصادية والمصالح السياسية في مجال التطبيع تتنافى وأخلاقيات وعدالة القضية الفلسطينية والكيان الإسرائيلي، والتطبيع سوف يجلب الكثير من مشاكله الخطيرة خاصة المخدرات وكل شيء خبيث، والذي ينخر في وحدة الشعوب ونواميسها وعاداتها.
إن خطر التطبيع ليس سياسيا ووطنيا فقط ولكنه على الصعيد الاجتماعي خطير جدا في ظل كيان تتقاذفه قوميات وأعراق يهودية وصهيونية من كل مكان وفي ظل عقد نفسية يعيشها ذلك الكيان المصطنع من قبل وعد بلفور المشؤوم عام ١٩١٧. وفي المحصلة الأخيرة فإن العرب يمكن أن يشكلوا تكتلا اقتصاديا كبيرا أهم بكثير من الشراكة مع الكيان المحتل. كما أن المعادلة الديموغرافية للقادم من السنوات سواء على الصعيد الفلسطيني أو العربي سوف تشكل متغيرا استراتيجيا لا يمكن إغفاله في إطار الصراع المرير بين العرب كشعوب والكيان الإسرائيلي. أما التطبيع العربي الرسمي فسوف يكرر نفس تجربة التطبيع الرسمية مع مصر والأردن والآن مع عدد من الدول العربية بمعنى تطبيع بارد لا قيمة له لأن أساس العلاقات الدولية ونجاحها يعتمد على الانسجام الشعبي بين الدول والأمم علاوة على المصالح المشتركة في كل مجالات التعاون، وسوف تظل إسرائيل كيانا منبوذا لدى الشعوب العربية وكيانا عنصريا يفرّق حتى بين مواطنيه وهم يهود الشرق والغرب الاشكناز والسفارديم.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة الکیان الإسرائیلی الشعب الفلسطینی الدول العربیة التطبیع مع مع الکیان علاوة على من خلال ومن هنا
إقرأ أيضاً:
الأفلام العربية 2024 | لبنان وتونس فى المقدمة .. وحضور قوى للسينما الفلسطينية
شهدت السينما العربية فى عام 2024 عرض عدد من الأفلام التى لاقت اهتماما كبيرا كما حققت نجاحا ساحقا على المستوى الجماهيرى والنقدى أيضا، ومنها الفيلم التونسى “بنات ألفة” والذى حصد عدد كبير من الجوائز كما كان هناك تواجدا قوية للسينما الفلسطينية فى المحافل الدولية والتى عبرت بشكل كبير عن القضية الفلسطينية منذ اندلاع 7 أكتوبر قبل الماضى ولعل من أبرزها مجموعة أفلام “من المسافة صفر”، ونرصد فى التقرير التالى أبرز الأفلام العربية التى خطفت الأنظار إليها فى عام 2024.
فيلم بنات ألفةوقد عرض فى 8 مايو 2024 وتدور أحداث الفيلم التونسى حول امرأة عصامية تدعى ألفة تتولى رعاية 4 بنات، وتنقلب حياتها رأسًا على عقب حينما تختفي ابنتيها الكبار في ظروف غامضة، فتقرر المنتجة السينمائية كوثر بن هنية مساعدتها من خلال تجربة فنية فريدة من نوعها، واستطاع الفيلم الوصول بمخرجته التونسية كوثر بن هنية للترشح لجائزة الأوسكار للمرة الثانية، وهذه المرة عن فئة الأفلام الوثائقية.
والفيلم يشارك في بطولته هند صبري، نور القروي، إشراق مطر، بالإضافة إلى أبطال القصة الحقيقية ألفة الحمراوي وابنتيها آية وتيسير الشيخاوي وتأليف وإخراج كوثر بن هنية، وبدء مسيرته في المهرجانات السينمائية العالمية من خلال عرضه في المسابقة الرسمية لمهرجان كان حيث حصد 3 جوائز، كما حاز على الكثير من الجوائز الأخرى خلال مشاركته في العديد من المهرجانات منها بروكسيل ودينفر وميونخ والبحر الأحمر بجدة وأسوان لأفلام المرأة.
بنات ألفة ان شاء الله ولدبينما الفيلم الأردنى “انشاء الله ولد” الذى عرض فى يوليو 2024، ويناقش الفيلم ثقافة الميراث في المجتمع الأردني، حيث تُمنع المرأة من حقها في الامتلاك؛ وتقع تحت ضغط الاستغناء عن حقوقهن في التصرف في املاكهن لأقاربهن من الذكور، وحقق نجاحا كبيراً في عرضه العالمي الأول في مهرجان كان السينمائي الدولي، ضمن أسبوع النقاد، وسجل أول مشاركة لفيلم روائى طويل أردنى فى المهرجان العريق، وفاز بجائزة جانفاونديشن وجائزة ريل دور للفيلم الروائى الطويل.
كما شارك الفيلم فى عدة مهرجانات أخرى تصل إلى 100 مهرجان دولى، من بينها مهرجان كارلوفى فارى السينمائى فى التشيك، ومهرجان ملبورن السينمائى الدولى، ومهرجان لندن السينمائى، ومهرجان سيدني السينمائي، ومهرجان تورونتو السينمائي الدولي وكان آخرها مشاركته في مهرجان عمان السينمائي الدولي حيث نافس على جائزة أفضل فيلم، وهو من إخراج أمجد الرشيد، يشاركه التأليف ديلفين أجوت ورولا ناصر، وبطولة منى حوا، وهيثم عمري، ويمنى مروان، وسلوى نقارة، ومحمد جيزاوي، وإسلام العوضي، وسيلينا ربابعة.
ان شاء الله ولد حوجنأما الفيلم السعودى "حوجن" الذى تدور أحداثه فى إطار خيالي ﺭﻭﻣﺎﻧﺴﻲ، وفي مدينة جدة، يخوض جني طيب يعيش بين البشر، مغامرات ورحلة في مواجهة الشر واستعادة حقه، محاولاً الحفاظ على التوازن بين عالمه وحياته بين البشر، وتنشأ علاقة رومانسية بينه وبين الفتاة سوسن التي تدرس في كلية الطب، ويعكس الفيلم التغيرات الحديثة في السينما السعودية من خلال التركيز على الشباب وقضاياهم. الشخصيات الرئيسية في الفيلم هي من الشباب الذين يمثلون الجيل الجديد في المملكة، مما يجعل الفيلم قريبًا من قلوب الفئة العمرية الشابة. هذا التحول يعكس اهتمام صناع السينما بقضايا الجيل الجديد ومحاولتهم تقديم محتوى يناسب تطلعاتهم.
حوجنهجانوهو فيلم مصرى سعودى تم عرضه فى عدد من المهرجانات فى 2024، ويتناول الفيلم قصة مطر وأخيه غانم اللذان يعيشان في صحراء السعودية الشاسعة. ويؤدي وقوع حادث مؤسف إلى اتجاه مطر لرياضة سباقات الهجن للاحتفاظ بالناقة حفيرة، وعليه بذل أقصى ما لديه لإنقاذ حياة حفيرة.
“هجان” الذي كان عرضه العالمى الأول في سبتمبر 2023 ضمن “مهرجان الأفلام الدولي – تورونتو، كندا”، افتتح «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة في ديسمبر الماضي. حصد نحو 10 جوائز.
هجانباى باى طبرياوعرض فيلم “باى باى طبريا” فى بداية العام الحالى وهو عمل وثائقى حيث تسافر المخرجة (لينا سوالم) عبر الزمن والمكان لالتقاط القصص التي تناقلتها أربعة أجيال من النساء الفلسطينيات الجريئات في عائلتها، وتعيدنا الرحلة الشخصية لكل امرأة في الفيلم إلى فترة زمنية في التاريخ، وعلى الرغم من هويتهن الفلسطينية المشتتة في مناطق مختلفة، فإنهن تحكمن في مصائرهن وأثرن في العالم من حولهن.
أرزةكما حقق الفيلم اللبنانى “أرزة نجاحا كبيرا عند عرضه كما أنه يمثل لبنان لأفضل فيلم أجنبى فى الأوسكار، ويدور العمل حول الأم العزباء ”أرزة"، والتي تصطحب ابنها المراهق في مغامرة عبر بيروت بحثًا عن دراجتهم البخارية والتي تُعد مصدر دخل العائلة الوحيد، "أرزة" بطولة: دياموند أبو عبود، وبيتي توتل، وبلال الحموي، وفادي أبي سمرة، وجنيد زين الدين، وإيلي متري، وهو من تأليف فيصل شعيب، ولؤي خريس، وإخراج ميرا شعيب، وحاز الفيلم على جائزة جائزتين فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى وهما أفضل ممثلة للفنانة دياموند بو عبود وأفضل سيناريو.
أرزة من المسافة صفروكان للسينما الفلسطينية تواجدا قويا فى عام 2024 تزامنا مع الأحداتث المؤسفة التى تتعرض لها فلسطين حتى الآن ومنذ اندلاع 7 أكتوبر قبل الماضى ولعل من أبرز هذه الأفلام مجموعة أفلام “من المسافة صفر” والتى تم عرضها فى عدد من المحافل الدولية حيث تعبر عن الأحداث الحالية وهو مكونة من 22 فيلما قصيرا تم تصويرها من قبل فلسطين لتعبر عن الأحداث المؤسفة كما عرض للمخرج “رشيد مشهراوى فيلمه الجديد ”أحلام عابرة" ليفتتح مهرجان القاهرة السينمائى الدولى وحقق نجاحا كبيرا حيث حصد جائزة كأفضل فيلم فلسطينى.
من المسافة صفر