لجريدة عمان:
2024-07-07@00:34:34 GMT

الكيان الإسرائيلي والتطبيع العربي: الرهان الخاسر

تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT

منذ اتفاق كامب ديفيد الذي وقّعه الرئيس المصري الراحل أنور السادات مع رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي آنذاك مناحيم بيجين عام ١٩٧٩ وسياسة الكيان الإسرائيلي تهدف إلى تقزيم القضية الفلسطينية وإخراجها عن مسارها القانوني والأخلاقي واللعب على الوقت واستخدام العنف في أقصى درجاته ضد الشعب الفلسطيني. علاوة على إيهام العرب بأن التطبيع مع الكيان الإسرائيلي سيكون مفيدا للسلام، وهو سلام وهمي في ظل عدم وجود الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية.

ومن هنا جاءت قضية التطبيع مع الدول العربية بعد اتفاق وادي عربة بين الكيان الإسرائيلي والأردن. ورغم أن الاحتلال الإسرائيلي كان يريد التطبيع مع الشعوب وإدماج الكيان الإسرائيلي مع الفضاء العربي لكنه فشل فشلا ذريعا، وهنا يمكن الاستشهاد بالشعبين المصري والأردني حيث لا يزال العداء للكيان الصهيوني باقيا في النفوس بعد حروب طاحنة بين قوات الاحتلال الإسرائيلي والجيوش العربية منذ عام ١٩٤٨ مرورا بالعدوان الثلاثي على الشقيقة مصر وأيضا حرب ١٩٦٧، والتي تكبّد فيها العرب أقسى هزيمة في تاريخهم الحديث وضياع سيناء والجولان في مصر وسوريا علاوة على الضفة الغربية وقطاع غزة في فلسطين المحتلة.

إن مسار التطبيع يعد مسألة في غاية الخطورة على الأمن القومي العربي، ربما ليس في هذا الجيل السياسي المتحمس بعضه للتطبيع، ولكن على مسار المراحل التاريخية القادمة. ولعل من أكثر الدراسات عمقا في مجال تاريخ اليهودية والصهيونية وخطرها الاستراتيجي على الأمة العربية وأجيالها هي الدراسة القيّمة للدكتور عبدالوهاب المسيري في موسوعته الشهيرة، التي نشرها في عدة أجزاء، حيث توضح بجلاء الخطر الصهيوني على صعيد الجغرافيا والقيم، وحتى الأرض من قبل كيان ليس له حتى الآن حدود. علاوة على أطماعه التوسعية في الأراضي العربية وهو لا يزال يحتل أجزاء منها.

السؤال المهم: ما هي فلسفة التطبيع التي جرت وتجري مع عدد من الأنظمة العربية؟ هناك تفهم حول طبيعة التطبيع مع الكيان الصهيوني مع مصر والأردن، من خلال وجود أراض محتلة تم التفاوض عليها وأُعيدت، ورغم ذلك لا يزال ذلك السلام هشا ومقتصرا على النواحي الرسمية. فالشعبان المصري والأردني لا يزالان في عداء مع الكيان الإسرائيلي وسياسته الاستيطانية وقمعه وانتهاكاته اليومية ضد أبناء الشعب الفلسطيني. ومن هنا فإنه يمكن إيجاد مبررات للتطبيع المصري والأردني مع الكيان الصهيوني لاستعادة الأرض وعلى الصعيد الرسمي، ولكن ماذا عن عدد من الدول العربية ونحن نرى خططا جديدة للتطبيع وقد تضيع القضية الفلسطينية من خلال فلسفة الكيان الإسرائيلي وهو السلام مقابل السلام وهي أشبه بعملية احتيال إسرائيلية منذ مؤتمر مدريد الدولي للسلام عام ١٩٩١. ويمكن الاطلاع على المذكرات والنقاشات والمراوغات الإسرائيلية والأمريكية خلال مؤتمر دولي، حيث كان الهدف هو إقامة تطبيع بين الكيان الإسرائيلي والدول العربية مع تحسين ظروف الشعب الفلسطيني، وحتى اتفاق أوسلو رغم إجحاف بعض مواده رفضت إسرائيل الالتزام بخطواته، والذي يفترض أن يؤدي إلى قيام الدولة الفلسطينية من خلال مفاوضات الحل الأخير.

ومن هنا فإن الولايات المتحدة الأمريكية هي الطرف الذي وقف في انحياز سافر مع الكيان الصهيوني منذ عام ١٩٤٨ بكل إداراته المتعاقبة ويمكن الرجوع إلى كل المذكرات السياسية للقيادات الأمريكية والمصرية والفلسطينية وحتى الإسرائيلية حول كل مسار المفاوضات بين العرب والكيان الإسرائيلي، من خلال الرعاية والوسيط الأمريكي المنحاز. ولعل أحدث تلك المذكرات السياسية هي مذكرات الدبلوماسي المصري اللامع عمرو موسى في كتبه وخاصة كتابه الذي يتحدث فيه عن مواقف سياسية عديدة خلال المفاوضات في مدريد والقاهرة وشرم الشيخ، خاصة أن الدبلوماسي عمرو موسى تولى وزارة الخارجية المصرية لمدة عشر سنوات، وكذلك الجامعة العربية عشر سنوات كأمين عام للجامعة.

ومن هنا تنطلق أهمية تلك المذكرات المهمة وشهود تلك المرحلة من الساسة العرب والأجانب إذا كان التطبيع العربي يأتي من خلال مصالح اقتصادية وإعجاب بالنموذج الإسرائيلي أو التقرب من الولايات المتحدة الأمريكية على حساب قضية العرب المركزية وهي القضية الفلسطينية فهو خطأ تاريخي فادح سوف تدفع ثمنه الأجيال والشعوب العربية في مراحل لاحقة من تاريخ العرب الحديث، خاصة أن الكيان الإسرائيلي يراهن من خلال معاييره النفسية والدعاية واستعراض القوة بأن إسرائيل هي النموذج الديمقراطي الوحيد في الشرق الأوسط، ولا بد من تسويق هذا النموذج الذي تسلل إلى عقول البعض وربط نفسه استراتيجيا بهذا الكيان الغاصب، الذي يشكل في محوره الاستراتيجي والتاريخي خطرا محدقا في مستقبل الأجيال، وهو ما حذر منه الدكتور عبدالوهاب المسيري -رحمه الله- في موسوعته القيّمة عن تاريخ اليهود والصهيونية والعداء التاريخي للعرب. إن السلام العادل والشامل هو مطلب العرب جميعا من خلال تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف على حدود الرابع من يونيو عام ١٩٦٧ وهو الحد الأدنى من أرض فلسطين التاريخية، وهو المبدأ الثابت لسياسة بلادنا سلطنة عمان، والتي تؤكد دوما على هذا الحق الفلسطيني.

ومن خلال قراءة فلسفة الكيان الإسرائيلي والحكومة المتطرفة الحالية التي يترأسها نتانياهو فإن إسرائيل لن تنفذ حتى اتفاق أوسلو، وهنا نأتي إلى خطورة التطبيع الذي جاء مجانا وكان يمكن أن يكون مشروطا بإقامة السلام الشامل والعادل، ورغم ذلك فإن الشعب الفلسطيني وكفاحه ونضاله هو الذي سوف يسقط مشروع التطبيع الفاشل. وتبقى للقيادات الفلسطينية خطوة مهمة وحيوية وهي الوحدة الفلسطينية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى؛ لأن الكيان الإسرائيلي حريص على وجود ذلك التشتت الفلسطيني - الفلسطيني، خاصة بين حركتي فتح وحماس.

إن المنافع الاقتصادية والمصالح السياسية في مجال التطبيع تتنافى وأخلاقيات وعدالة القضية الفلسطينية والكيان الإسرائيلي، والتطبيع سوف يجلب الكثير من مشاكله الخطيرة خاصة المخدرات وكل شيء خبيث، والذي ينخر في وحدة الشعوب ونواميسها وعاداتها.

إن خطر التطبيع ليس سياسيا ووطنيا فقط ولكنه على الصعيد الاجتماعي خطير جدا في ظل كيان تتقاذفه قوميات وأعراق يهودية وصهيونية من كل مكان وفي ظل عقد نفسية يعيشها ذلك الكيان المصطنع من قبل وعد بلفور المشؤوم عام ١٩١٧. وفي المحصلة الأخيرة فإن العرب يمكن أن يشكلوا تكتلا اقتصاديا كبيرا أهم بكثير من الشراكة مع الكيان المحتل. كما أن المعادلة الديموغرافية للقادم من السنوات سواء على الصعيد الفلسطيني أو العربي سوف تشكل متغيرا استراتيجيا لا يمكن إغفاله في إطار الصراع المرير بين العرب كشعوب والكيان الإسرائيلي. أما التطبيع العربي الرسمي فسوف يكرر نفس تجربة التطبيع الرسمية مع مصر والأردن والآن مع عدد من الدول العربية بمعنى تطبيع بارد لا قيمة له لأن أساس العلاقات الدولية ونجاحها يعتمد على الانسجام الشعبي بين الدول والأمم علاوة على المصالح المشتركة في كل مجالات التعاون، وسوف تظل إسرائيل كيانا منبوذا لدى الشعوب العربية وكيانا عنصريا يفرّق حتى بين مواطنيه وهم يهود الشرق والغرب الاشكناز والسفارديم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: القضیة الفلسطینیة الکیان الإسرائیلی الشعب الفلسطینی الدول العربیة التطبیع مع مع الکیان علاوة على من خلال ومن هنا

إقرأ أيضاً:

اليمن تترأس اجتماعا طارئا في الجامعة العربية خرج بعدة قرارات

ترأست اليمن اليوم الخميس الاجتماع الطارئ للجامعة العربية لبحث سياسة مواجهة جرائم الاحتلال الاسرائيلي.

وانطلقت، اليوم، أعمال مجلس الجامعة العربية في دورته غير العادية على مستوى المندوبين الدائمين، برئاسة مندوب اليمن الدائم لدى الجامعة العربية السفير رياض العكبري، لبحث سياسة مواجهة جرائم الإبادة الجماعية والعدوان الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، إضافة إلى التوسع الاستعماري.

وعقد الاجتماع، بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في القاهرة ، بدعوة من دولة فلسطين، وتأييد الدول العربية الأعضاء، لبحث وإقرار التحرك العربي والدولي لوقف جريمة الإبادة الجماعية والعدوان الإسرائيلي وتوسعه الاستعماري الاستيطاني والإجراءات العقابية التي أقرتها حكومة الاحتلال مؤخرا.

وفي كلمته الافتتاحية للمجلس، جدد السفير رياض العكبري, دعوة الجمهورية اليمنية لتكثيف الجهد العربي المشترك من اجل قيام مجلس الآمن الدولي بواجباته القانونية والأخلاقية والإنسانية وإلزام إسرائيل بالإذعان للقانون الدولي الإنساني، ولقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، والامتثال الفوري للقرارات الملزمة لمحكمة العدل الدولية، والوقف الفوري والكامل والدائم للعدوان الإسرائيلي الفاشي الهمجي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزه، وفي عموم الأرض الفلسطينية المحتلة.

واكد السفير العكبري، على أهمية التحرُّك العَاجِل ضمن آليات العدالة الدولية والوطنية لملاحقة ومُسَاءلَة وإدانة ومعاقبة مُرتَكِبي جرائم الإبادة الجماعية والإحتلال والتطهير العرقي والتهجير القسري والسجن والتدمير، ومنع الإِمْدَادَات الإغاثية والحرمان من الرعاية الصِحِّيَّة والأدوية، وإستخدام التجويع كأدة حرب، وتدمير المستشفيات والجوامع والكنائس، وإغتيال الأطباء والممرضين والعاملين في مجال الإغاثة الإنسانية، وحماية عَرْبَدَة وإعتداءات وإنتهاكات قُطْعَان المستوطنين المتطرفين، جميع تلك الاعمال الفاشية التي تجسد الطبيعة العنصرية الاستيطانية الشريرة للايديولوجيا الصهيونية الدينية، والتي ظَلَّت إسرائيل، القُوَّة القائمة بالإحتلال، تنتهجها وتمارسها بوحشية مُنْقَطِعَة النَّظِير ضد الشعب الفلسطيني على مَدَار الساعة، على مَدَى أكثر من ٧٥ عامًا.

وعبر السفير رياض العكبري عن ثقته في ان القرار الصادر عن هذا الاجتماع الهام سوف يعكس مجددًا الموقف العربي الموحد الثابت المساند بقوة للكفاح المشروع للشعب الفلسطيني وحقه في العودة وتقرير المصير واقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس المحتلة.

ثم تحدث في الجلسة الافتتاحية للمجلس، المندوب الدائم لفلسطين لدى جامعة الدول العربية، السفير مهند العكلوك، الذي قدم عرضا وافيا لتطورات الوضع في فلسطين، وأورد معلومات وإفادات هامة عن استمرار جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني.

وفي الجلسة المغلقة للمجلس، دار تداول بناء للآراء عبرت جميعها عن اجماع عربي وموقف عربي قوي وأقرت جملة من الإجراءات للتحرك العاجل في مختلف المحافل الدولية ، والعمل مع كل القوى والدول حول العالم من اجل الضغط على مجلس الامن الدولي لإلزام إسرائيل بوقف العدوان على الشعب الفلسطيني وقفاً فورياً وكاملًا ودائما، كما تمت المصادقة على مشروع القرار الذي تضمن مواقف وإجراءات عدة تمثل الموقف العربي الثابت والموحد إزاء القضية الفلسطينية.

واقر التنسيق مع الدول الأعضاء، لتنفيذ قرار قمة المنامه بإدراج قائمة المنظمات والمجموعات الإسرائيلية المتطرفة، على قوائم الإرهاب الوطنية العربية, والإعلان عن قائمة العار الواردة في تقرير لجنة المندوبين الدائمين بتاريخ ٣٠ يناير ٢٠٢٣، للشخصيات الإسرائيلية التي تبث خطاب الإبادة الجماعية والتحريض ضد الشعب الفلسطيني. 

كما اقر المجلس تكليف المجموعة العربية في نيويورك بدراسة خطوات تجميد مشاركة إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة بسبب عدم التزامها بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وتهديدها للأمن والسلم الدوليين، وعدم وفائها بالتزاماتها التي كانت شرطا لقبول عضويتها في الأمم المتحدة. 

و اقر المجلس استنكار قيام بريطانيا بعرقلة مجرى العدالة الدولية والتسبب في ابطاء إنصاف الضحايا وتمكين الجاني من الافلات من العقاب، وذلك من خلال طلبها من المحكمة الجنائية الدولية السماح لها بتقديم ملاحظات مكتوبة حول ما اذا كان يجوز للمحكمة الجنائية الدولية ان تمارس ولاية قضائية على حملة الجنسية الإسرائيلية، وتحميل بريطانيا المسؤولية القانونية الدولية والأخلاقية عن هذا النهج المعيق للعدالة الدولية.

وتحدث الأمين العام المساعد للجامعة العربية، السفير حسام زكي، عن الموقف العربي الموحد إزاء كفاح الشعب الفلسطيني الذي تجلى في القمم العربية والتي كان أخرها قمة البحرين، وفق وكالة سبا.

مقالات مشابهة

  • عمرو موسى: التطبيع العربي مع إسرائيل لا يمكن أن يكون مجانيًا
  • عمرو موسى: التطبيع العربي مع إسرائيل لا يمكن أن يكون مجانيا
  • البرلمان العربي يواصل تحركاته لإيقاف حرب الإبادة في غزة
  • البرلمان العربي يؤكد مواصلة مساعيه لإيقاف حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني
  • رئيس البرلمان العربي يؤكد مواصلة التحرك مع جميع البرلمانات
  • البرلمان العربي يؤكد استمراره في دعم القضية الفلسطينية بالمحافل الدولية
  • رئيس البرلمان العربي يؤكد مواصلة تحركه لإيقاف حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني
  • أشرف صبحي: لشباب العربي دورا في تنمية مجتمعاتهم والنهوض بها
  • اليمن تترأس اجتماعا طارئا في الجامعة العربية خرج بعدة قرارات
  • وزيرة الشباب: التزام الكويت راسخ بدعم الشباب وتمكينهم وتنمية مهاراتهم وقدراتهم