إضراب عمال صناعة السيارات وتغير المناخ
تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT
يؤكد أول إضراب ينظمه اتحاد عمال صناعة السيارات على الإطلاق ضد ما يسمى «الثلاثة الكبار» (جنرال موتورز، وفورد، وستيلانتس الشركة المالِـكة لكرايسلر) على ضرورة المواءمة بين العمل المناخي، والنمو الاقتصادي، وحقوق العمال. الواقع أن السياسات العامة الرامية إلى زيادة إنتاج ومبيعات المركبات الكهربائية قادرة على تحفيز الإبداع والاستثمار من جانب القطاع الخاص على النحو الذي يعود بالنفع على العمال، لكن تحقيق هذه الإمكانية يتطلب فهمًا جديدًا للدور الذي تضطلع به الحكومة من جانب والعمال من الجانب الآخر في دفع عجلة التغيير الاقتصادي الإيجابي على نطاق واسع.
يتمثل المغزى الأشمل هنا في أن «التحول الأخضر» سيفتقر إلى الدعم السياسي اللازم للخروج من مرحلة البدء ما لم يجلب عدالة أماكن العمل والعدالة الاقتصادية بشكل كامل. من دون ريب، الحكومات وحدها تملك القدرة على دفع عجلة هذا التحول الاقتصادي وضمان عمله على تحسين حياة الطبقة العاملة. وإليكم ماذا يتوجب على الحكومات أن تفعل. أولا: تستطيع الدول، بل ينبغي عليها، أن تبذل مزيدا من الجهد لتحديد الاتجاه العام للاستثمار، والإبداع، والنمو. فمن خلال صياغة غايات أو «مهمات» مناخية جريئة تنطوي على أهداف طموحة قابلة للقياس، يصبح بوسعها حشد الاستثمارات العامة والخاصة وتحفيز الإبداع عبر مختلف القطاعات. بطبيعة الحال، سوف تعمل المهمات المرتبطة بالمناخ -مثل التخلص التدريجي من محركات الاحتراق الداخلي، أو إزالة الكربون من شبكة الطاقة، أو تقليل المحتوى المادي من الصلب (كما فعلت ألمانيا)- على تعزيز الكفاح ضد تغير المناخ وإيجاد فرص هائلة للشركات التي توائم أعمالها بما يتماشى مع الأهداف ذاتها. ولكن لكي ينجح هذا النهج في الإطار الزمني الذي أعطانا إياه علماء المناخ، فإن الشركات تحتاج إلى ذلك القدر من التركيز والاضطرار المعهود في عمليات التعبئة في زمن الحرب. كثيرا ما حفّزت مثل هذه المناسبات من قَـبل الإبداع وساعدت في حشد الاستثمارات الخاصة على نطاق واسع. الواقع أنها، في لحظات جوهرية في التاريخ، عملت على تعزيز تقدير العاملين العاديين الكادحين على نطاق أوسع انتشارا. من الأمثلة البارزة في هذا الصدد المساهمة التي قدمها والتر روثر، مؤسس اتحاد عمال صناعة السيارات (ذات النقابة العمالية المضربة اليوم) أثناء الحرب العالمية الثانية.
كان روثر يمقت الفاشية ويرى فرصة للعمال. في عام 1940، وتحت قيادته، نجح اتحاد عمال صناعة السيارات في المطالبة بأن تتحول شركات صناعة السيارات الأمريكية إلى حالة الإنتاج في زمن الحرب وفقًا لجدول زمني أسرع كثيرا مما اقترحته الإدارة. لو لم يتخذ الاتحاد ذلك الموقف الاستباقي، فربما كانت التعبئة الأمريكية للحرب لتستغرق وقتًا أطول كثيرا -أو لعلها كانت لتفشل تماما.
ثانيا: الحكومات قادرة على تحديد شروط الوصول إلى التمويل العام لإلزام الشركات المتلقية بتنفيذ سياسات عمل عادلة، والحد من عمليات إعادة الشراء من جانب المساهمين، ومواءمة عملياتها مع الأهداف المناخية، وإعادة استثمار الأرباح في العمال ومشروعات البحث والتطوير. وقد يشمل هذا إعادة تخصيص إعانات الدعم القائمة على تحفيز قطاع السيارات والقطاعات المرتبطة به على التحول بما يتماشى مع التحول الأخضر. وتشكل الشروط المفروضة على المنح العامة، والاستدانة أو الاستثمارات في الأسهم، والمزايا الضريبية، وغير ذلك من الحوافز، أدوات قوية لتعظيم خلق القيمة العامة.على سبيل المثال، يشتمل قانون الرقائق الإلكترونية والعلوم وقانون خفض التضخم في الولايات المتحدة على بعض فقرات «حواجز الحماية» التي تحد من عمليات إعادة شراء الأسهم من جانب المساهمين وتحدد المتطلبات في ما يتعلق بتقاسم الأرباح، وظروف العمل، والأجور، وتدريب العمال والتلمذة. ولكن على الرغم من أهمية هذه الخطوات، لم تفعل الاستراتيجية الصناعية الحالية في الولايات المتحدة ما يكفي حتى الآن لضمان حصول العمال على القوة الاقتصادية الكافية. ويُـعَـد القيام بهذا ضرورة أساسية لبناء الدعم واسع النطاق المطلوب للإبحار عبر عملية التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون.
أخيرا، يجب أن تتخلص الحكومات من عادة الاستعانة بشركات استشارية في الخارج، وأن تستثمر بدلا من ذلك في بناء قدراتها الخاصة. وإلا فإنها لن تتمكن من حشد القيادة الضرورية للمواءمة بين النمو، والعمل، والمناخ.
بالعودة إلى مثال الولايات المتحدة، تعكس التشريعات الأخيرة في ما يتصل بالاستراتيجية الصناعية فهمًا معقولًا لهذه القضية، لكنها قدمت فقرات غير متساوية عندما يتعلق الأمر بالعمل. كانت هذه الفجوة صارخة بشكل خاص في قطاع صناعة السيارات. فعلى الرغم من اعتبار العمال «أساسيين» ومطالبتهم بالعمل في بيئات عالية المخاطر أثناء جائحة كورونا 2019 «كوفيد-19»، لم يكن تقاسم أرباح شركات صناعة السيارات مع قوة العمل عادلا -على الرغم من الدعم الحكومي الكبير الذي تلقته هذه الصناعة في أعقاب الأزمة المالية عام 2008. الآن، تهدد هذه الثغرات التي تعيب تدابير حماية العمال الجدوى السياسية من التحول الأخضر برمته.
في وقت سابق من هذا العام، أعرب رئيس اتحاد عمال صناعة السيارات شون فاين عن مخاوفه من تحول الأموال العامة التي حشدتها إدارة بايدن في نهاية المطاف عن غير قصد إلى دعم تدمير قوة العمل التي تنتمي إلى الطبقة المتوسطة في صناعة السيارات؛ لأن التحول إلى المركبات الكهربائية لا يُـعطي الأولوية لمعايير العمل لصالح عمال خطوط الإنتاج. ولكن كيف؟ إذا ذهبت إلى مكان مثل لوردستاون في ولاية أوهايو، فسوف تجد أن مصانع تجميع السيارات النقابية التابعة لشركة جنرال موتورز تدفع لعمالها 32 دولارًا في الساعة، أما مصانع البطاريات الـمبنية حديثا (المملوكة جزئيا للشركة ذاتها) فإنها تبدأ بأجر لا يتجاوز 16.5 دولار في الساعة. لا عجب إذن أن يشن اتحاد عمال صناعة السيارات حملة تنظيمية ناجحة هناك. إذا كانت الحكومات راغبة في مكافحة تغير المناخ بفعالية، فيتعيّن عليها أن تحدد اتجاها واضحا للنمو، على أن يكون الاقتصاد المستدام والشامل هو الهدف النهائي. ومن الأهمية بمكان هيكلة التمويل العام والشراكات مع قطاع الأعمال على نحو يسمح بتقاسم المكافآت -وليس فقط المخاطر والمجازفات- المترتبة على التحول مع كل من العمال وعامة الناس في عموم الأمر. الواقع أن ما نقترحه ليس بعيدا عن الأهداف السياسية التي أعرب عنها بوضوح قادة سياسيون مثل الرئيس الأمريكي جو بايدن والمستشار الألماني أولاف شولتز. ولكن يظل لزاما عليهم أن يقطعوا شوطا أطول. عندما يهتف المحتجون من اتحاد عمال صناعة السيارات في توليدو بولاية أوهايو «لا عدالة، لا سيارات جيب»، ينبغي لصناع السياسات أن يدركوا أن المغزى الضمني الحاسم لهذه الرسالة هو «لا عدالة، لا انتقال».
لدفع الإبداع والابتكار على النطاق اللازم وبالسرعة الكافية لتجنب الكارثة المناخية، يتعين على الحكومات أن تعمل على إنشاء عقد اجتماعي جديد مع الشركات والعمال. ما دمنا ننظر إلى الوظائف الجديدة وحقوق العمال باعتبارها إضافات اختيارية في الكفاح ضد تغير المناخ، فإننا بهذا نخوض معركة خاسرة.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من جانب
إقرأ أيضاً:
وزارة العمل: إطلاق مبادرة لحصر أعداد عمال التراحيل
قالت الشيماء عبد الله، مدير عام الإدارة العامة لرعاية العمالة غير المنتظمة بوزارة العمل، أن العمالة غير المنتظمة هي كل الأعمال بطبيعتها لا تتطلب الاستمرار في أداء مهامها وربما عمل مؤقت ينتهي بإنجازه.
وأضافت خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامية رشا مجدي، ببرنامج صباح البلد، المذاع على قناة صدى البلد، أن العمالة غير المنتظمة توجد في قطاع المقاولات، الزراعة، المحاجر، والصيد لأن العمل فيها موسمي.
وتابع أنه تم إطلاق مبادرة في الفترة الأخيرة لحصر أعداد عمال التراحيل، وتم استهداف مديرية القاهرة بصفتها أكثر من تحتوي هذه الفئة، وتم حصرهم من الميادين.
وأوضحت أنه من يسجل في قاعدة البيانات هي العمالة غير المنتظمة في القطاع الرسمي مثل المقاولات، إلى جانب هناك مبادرات أخرى لحصر العاملين في مواقع العمل.