لجريدة عمان:
2024-11-24@01:18:57 GMT

للراحلين على غفلة منا

تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT

في حضرة الموت الذي طال الآلاف وسحق مدنا بأكملها وخلّف أفئدة مكسورة في المغرب وليبيا للحد الذي لم نعد نتمكن معه من متابعة الخبر أكثر، في حضرة هذا الموت -الذي يجر معه الحديث لزاما عن التغيرات المناخية وما تعنيه وهل نحن بمنأى عنه- في حضرته تبدو الكتابة عنه شأنا مقبولًا ومعقولا، لكن ليس إن اقترب من محيطك النفسي أكثر ومس على غفلة حيوات على مقربة منك.

للموت هذه القدرة على أن يعطل خططك وأفكارك ويشغلك بالكامل ولو لحين. للموت هذه الهبة أن يجعلك تنغمس في اللحظة الراهنة وتفكر صدقًا أن الثانية القادمة قد لا تحدث وأن كل العابرين على هذه الأرض حين رحلوا لم يتوقعوا أن خططهم التي وضعوها بأمن وثقة لن يكتب لها التحقق وأنها ستكون رمشة العين الأخيرة وشهقة النفس الأخير وهكذا نذهب على غفلة.

الموت بارع جدا في أن يفتح في ذهنك ملفات الماضي كشريط مسجل صوتا وصورة وحياة كاملة بكل تفاصيلها، يا ربي هل مر كل هذا الوقت حقًا وهل كان هؤلاء الذين رحلوا هنا بيننا وهل عرفناهم حقا، وإلى كم من الوقت سنذكرهم؟ سيذكرون قبل التلاشي الأخير للأسماء في أذهاننا وللصور في المخيلة!!! إنه الغياب بكل فجاجته، يباغتك أيضا فتتذكر كم هي نعمة أن هنالك حياة موعودة أخرى وكم هو جلي أن علينا أن نعمل لأجلها فلسنا هنا إلا عابرين.

جاء خبر مقتل الزميل هود العلوي في مصر صادمًا وغير قابل للتصديق وكأنه مزحة ثقيلة لكن الخبر كان حقيقة ((وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) صدق الله العظيم.

وأيام تالية ليأتي كذلك خبر موت الزميل قيس البوسعيدي ورحيله وزملاؤه في غرفة الأخبار يستعدون لنشرة الواحدة ظهرا... موتان متعاقبان لا تستطيع معهما أن تكتب عن شيء آخر والكتابة عنهما أشبه بحديث تحدث به نفسك في مجمله.

الشخوص جزء من ذاكرة المكان وتاريخه. هم سلسلة في حلقة الأحداث وتكوينها. لا يسعك أن تفهم حقلا معرفيا ما أو التغيرات التي تنشأ في بيئة عمل ما منفصلة عن تأثير وتأثر البشر في ذلك المحيط. المهارات والأفكار والموضوعات والتحولات التي كانوا جزءًا منها. تلك البصمة التي وضعوها ربما أو حتى مجرد كونهم فردا في المنظومة مارس طقوسها وسياساتها وخياراتها راغبا.. قاصدًا ومؤثرا وموجهًا أو مساقًا ولا واعيًا فإنه كان جزءًا من هذا التكوين، وإن كانت الحياة تكمل مسيرتها دوننا جميعا كأننا لم نكن يوما فإنه لبعض الوقت يبقى ذلك الفراغ المر للبعض في قلوب المقربين منهم. في حيز الذين كانوا ضمن الحيز الذي يشغلونه..

انضم هود العلوي إلى التلفزيون في مسيرة طويلة للعمل الإعلامي. كان من الذين عايشوا المرحلة التي تلت فترة التأسيس الأولى للعمل في دائرة الأفلام التسجيلية بحكم عمله في الإعداد. الميزة التي كانت تتوفر لدى الرجل أنه جاء للعمل الإداري في مجاله المتخصص في الإعلام من ميدان العمل الفني الذي مارسه وتشربه. لذا فإن مهامه الإدارية التي تولاها في إدارته لدائرة البرامج العامة لبعض الوقت ومن ثم موقعه في الإعلام الخارجي وتمثيله لسلطنة عمان كملحق إعلامي في مصر لاحقا كانت إنجازاته الخاصة التي حققها بعد أن قبل أن يتحمل ما يمكن من صعوبات وعقبات في العمل الميداني تلك التي يعرفها فقط أولئك الذين مارسوا المهنة عن شغف وما يتطلبه من إصرار وعناد وسعي: الحقيقة التي أدركها هود العلوي مبكرًا وتطبع بها سمة لازمته حتى الختام.

قيس البوسعيدي خط لنفسه مكانا في مهنة الصعاب. في واحد من أكثر القطاعات تحديًا وضغطًا، قطاع الأخبار. لدى قيس ميزة لا تتوفر لدى كل المذيعين. كانت لديه القدرة والكاريزما والمهارة والقبول على أن يعمل مذيعا في المجالين الإذاعة والتلفزيون. التحق قيس بمجال الأخبار عام 1997 وهي الفترة التي بدأت فيها إرهاصات التغيير والتطوير. من أولى الخطوات كان التأكيد والالتزام لحد كبير بموضوع التخصصية بحيث يفصل مذيعو الأخبار عن البرامج الأخرى. الأمر التالي كان رفع كفاءة مذيعي النشرات ودمجهم بالعمل على تحرير النشرات الإخبارية ووقتها كذلك كانت هناك التغيرات الدورية التي تطرأ لتغيير شكل التقديم وتغيير استوديو الأخبار ليكون أكثر حداثة. قيس كان جزءًا من هذه التحولات وما تلاها من تغيرات بالانتقال إلى المبنى الجديد والاستوديوهات الحديثة للبث التلفزيوني. كان جزءًا من تغيير المنظومة الإدارية والتقسيمات الهيكلية في دوائر وأقسام العمل وما تبع ذلك. قيس بهدوئه المعروف وصداقاته المحددة ووده اللا محدود وخلقه النبيل بشهادة كل من تعامل وعمل معه.

كلا الرجلين عايشا حقبة في مسيرة العمل الإعلامي لها وعليها.

أفكر في هذا الحديث وأنا أقرأ مدونات الزميل محمد المرجبي دفتر مذيع وهو يتحدث عن بدايات السبعينيات عن ذلك التاريخ البعيد الذي لم يعايشه جيل بأكمله ويبدو الحديث عنه كأنه حلم. كأنه من حكايات ألف ليلة وليلة وكأن أحدهم فرك المصباح السحري ودخلنا عالم الحكاية إلى حيث لم نرَ ولم نعش.

وأفكر هل بدايات الألفية بعيدة أيضا. حوالي ربع قرن مر منذ اللحظة التي انضممت فيها لوزارة الإعلام قبل أن أتركها كمؤسسة وليس كقطاع، بعد ذلك بعشر سنين تلك النقطة في الزمن التي تقاطعت فيها لحظة وجودي في المكان بوجود هود العلوي وقيس البوسعيدي، وتعود إلى ذهني مع هذا الموت كل تفاصيل العمل (فنيًا وإداريًا) وذلك الخاطر الأكثر إلحاحًا الذي لا ينقطع ولم ينقطع عن أين نحن وما الذي علينا فعله وما التركة التي سنخلّفها للاحقين؟ وأفكر وقد آن لبعضنا الرحيل ما الذي تغير حقا منذ ذلك الوقت؟ من ذلك الذي سيأتي بعد عشر أو خمس عشرة سنة لاحقة وقد طبعت السنون في صوته ألفة جميلة ووزعت على محياه خبرات الزمان ليكتب عن بدايات الألفية الغابرة تلك التي كانت خارج التحول الرقمي والذكاء الصناعي والاستوديوهات الافتراضية وكان شعار قناتها الوحيدة شمس ذهبية وفي وسطها علم وخنجر. عن تلك الوجوه التي امتهنت هذه الصناعة وعلى كاهلها كانت ربما المرحلة المنسية تلك التي تقع بين التأسيس والمعاصرة.

في وداع الذين ينتمون للمكان كما ننتمي لا يسعك أن تشيعهم دون أن تتبع ذاك الأثر الذي ألقوا بظله في الذاكرة. ذاكرة المكان والوقت. ولا نملك لهم إلا الدعاء، اللهم ارحمهم واغفر لهم وارحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: هود العلوی جزء ا من

إقرأ أيضاً:

أجواء كانت مشحونة بالحيوية.. صعود وهبوط السينما في المغرب

يتذكر عمر إدريسي سينما الريف، دار السينما التي يبلغ عمرها 86 عاما ولا تزال قائمة في الساحة الكبرى بطنجة، "كان التدخين مسموحا به في الداخل. كان أول ما يرحِّب بك عند دخول المبنى سحابة كثيفة من الدخان".

كانت تذاكر السينما أرخص كثيرا في سبعينيات القرن العشرين عندما كان إدريسي، وهو من عشاق السينما المحليين، يزور السينما، حيث كانت تُكلف درهما واحدا فقط (0.10 دولار) للدخول وشطائر ومشروبات غازية. أما اليوم، فإن سعر التذكرة قد يبلغ نحو 50 درهما (5 دولارات) ومشروبات غازية نحو 15 درهما (1.5 دولار).

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ناشرون في المهجر: هذا دورنا في نشر الثقافة العربية بأوروباlist 2 of 2متى بدأ الاحتفال باليوم العالمي للرجل؟end of list

"بالطبع، في ذلك الوقت كان علينا أن نضع كراسينا الخاصة (إذ لا توجد مقاعد ثابتة)، وكان المكان رثًّا إلى حد ما، لكننا كنا نقضي فترة ما بعد الظهيرة بأكملها في سعادة قدر الإمكان"، كما يقول ضاحكا.

يبرز مبنى سينما الريف المصمم على طراز الفن الزخرفي "آرت ديكو" (المستوحى من طراز فنون وعمارة وتصميم داخلي فرنسي ظهر في بداية القرن العشرين وتأثر بالمدارس التكعيبية والحداثية الجديدة) من بين حشد من المطاعم المطلية باللون الأبيض والمباني المغلقة في جراند سوكو، وهي ساحة غريبة محاطة بأشجار النخيل تمثل مدخل المدينة القديمة في المدينة.

تم ترميم هذا المبنى وتزيينه بطلاء أحمر جريء وملصقات أفلام ملونة مؤخرا، ويمكن الآن العثور على كراسي حمراء فخمة وشاشة بيضاء ساطعة داخل المسرح المتألق.

تشكّل التغييرات الأخيرة جزءا من قصة صعود وهبوط سينما ريف، فقد افتُتح هذا المكان في الأصل عام 1938، وتغير بشكل كبير عما كان عليه خلال سنوات المراهقة التي قضاها إدريسي في السبعينيات.

سينماتيك طنجة (سينما الريف) أول مركز ثقافي سينمائي بشمال أفريقيا (شترستوك) "مساحة آمنة" للهروب

غالبا ما يُنظر إلى الفترة التي يصفها الإدريسي على أنها ذروة السينما المغربية، فبحلول ثمانينيات القرن العشرين، كانت حوالي 240 دار سينما في جميع أنحاء البلاد تكتظ بانتظام بعشاق السينما، وقد تم شراء أكثر من 42 مليون تذكرة سينما كل عام، وهو رقم كبير بالنظر إلى أن عدد سكان المغرب الذي بلغ حوالي 19.5 مليون نسمة عام 1980، ومع ذلك، تم بيع المزيد من التذاكر في السوق السوداء.

يتذكّر الصحفي والناشط الاجتماعي أحمد بوغابة كيف عاش في الرباط خلال تلك الفترة، فيقول إنه كي يشتري تذاكر سينماه المفضلة، سينما رينيسانس (النهضة)، كان عليه أن يصل قبل الموعد بساعة وينتظر في طابور.

ويضيف بوغابة "إذا تأخرت، كان عليك شراء تذكرتك من السوق السوداء، وكانت الأسعار دائما مرتفعة ومكلفة للغاية".

سينما لوتيسيا بالدار البيضاء في الخمسينيات (سينما رينيسانس (النهضة))

كان هؤلاء الباعة في السوق السوداء يجمعون تذاكر الأفلام الشهيرة لبيعها بأسعار مرتفعة، وكانوا يقيمون متاجرهم في زوايا الشوارع المظللة والأزقة الخفية لتجنب موظفي دور السينما والسلطات.

وتتذكر نجوى الهيثمي، صاحبة صالة عرض محلية في طنجة، مستويات مماثلة من الشعبية في دور السينما بطنجة، وتتذكر الهيثمي أن دور السينما كانت خلال ثمانينيات القرن العشرين نقطة التقاء رئيسية للمراهقين والشباب.

تروي لمياء بنجلون، مبرمجة ومديرة مجتمع سينما لوتيسيا في الدار البيضاء، التي افتُتحت لأول مرة في عام 1953، قصة أخرى فتقول "لقد حضرنا مؤخرا العرض الأول لفيلم أسماء المدير، أم كل الأكاذيب. زارت أسماء السينما لحضور العرض، وأخبرت الجمهور أن موعد والديها الأول كان في لوتيسيا".

وكانت دور السينما أيضا أماكن للتعرف على بلدان وثقافات مختلفة.. تقول الهيثمي "كنا نأتي لمشاهدة الأفلام الهندية، وهوليوود على وجه الخصوص".

مشهد خارجي لسينما لوتيسيا ليلا في الخمسينيات (سينما رينيسانس – النهضة)

ويتذكر بوغابة سفره من الرباط إلى الدار البيضاء لحضور العروض الأولى للأفلام الجديدة "يستغرق الوصول إلى هناك بالسيارة حوالي ساعة ونصف، لكن الجو كان مليئا بالإثارة.. هذا هو أفضل شيء في زيارة السينما. يمكنك أن تشعر بطاقة وعاطفة من حولك وأنت تشاهد الفيلم، إنها تجربة مشتركة".

كان إحدى المؤسسات التي استضافت العروض الأولى بانتظام خلال هذه الفترة هو مسرح سينما لوتيسيا، والذي كان، إلى جانب سينما ريالتو الأقدم ذات طراز آرت ديكو والتي افتتحت عام 1929 ولا تزال تعمل حتى اليوم، من بين الأماكن الأكثر شعبية في المدينة.

تقول بنجلون وعيناها تلمعان "يحكي لي والدي وخالاتي قصصا عن كيف اعتاد الناس ارتداء الملابس الأنيقة لمجرد القدوم لمشاهدة فيلم. كانت الرحلة إلى السينما مناسبة يتطلع إليها الناس بفارغ الصبر".

ملصقات الأفلام القديمة معروضة في سينما لوتيسيا بالدار البيضاء (الجزيرة) انحدار

مع نهاية الثمانينيات وحتى التسعينيات، بدأت دور السينما في المغرب بالإغلاق، ففي طنجة أغلقت جميع المؤسسات الشهيرة مثل سينما روكسي وسينما باريس وسينما موريتانيا خلال هذه الفترة، وكانت سينما ليبرتي في الدار البيضاء ضحية أخرى.

بحلول زمن الربيع العربي عام 2011، كانت دور السينما في المغرب قد أصبحت قديمة الطراز إلى حد كبير، ويمكن أن يُعزى هذا جزئيا إلى توافر أشكال أخرى من الوسائط الإعلامية، بما في ذلك أقراص الفيديو الرقمية، والتلفزيون الفضائي، وفي نهاية المطاف إطلاق خدمات البث عبر الإنترنت.

يقول بنجلون "بدأ المجتمع يتحرك بسرعة أكبر. أراد الناس وسيلة سهلة لمشاهدة الأفلام، وليس بالضرورة قضاء فترة ما بعد الظهر في الخارج، ونتيجة لهذا أغلقت دور السينما المحلية المفضلة، مثل سينما ليبرتي في الدار البيضاء".

لقد تركت مؤسسات مثل سينما ليبرتي وسينما سعادة، في الدار البيضاء أيضا، مهجورة تماما.. يقول بنجلون بحزن "لقد تم تدمير أو هدم أماكن أخرى، وحلت محلها أبراج سكنية أو مبانٍ سكنية شاهقة الارتفاع".

تمكنت دار السينما لوتيسيا من البقاء مفتوحة، على الرغم من أن بنجلون توضح أن المبنى أصبح في حالة سيئة إلى حد كبير منذ أوائل العقد الأول من القرن الـ21. وتوضح "لم نكن نكسب ما يكفي من المال لتنفيذ الإصلاحات والتجديدات عندما كانت هناك حاجة إليها".

جهاز عرض أفلام قديم يقف عند مدخل سينما لوتيسيا بالدار البيضاء (الجزيرة)

وفي استجابة لحالة تراجع دور السينما في البلاد، بدأ المركز السينمائي المغربي، وهو مؤسسة إدارية عامة ترأسها وزارة الثقافة، في إصدار التمويل للمساعدة في مشاريع التجديد، والهدف الرئيسي للمركز هو تعزيز واستعادة صناعة السينما داخل البلاد.

وكان مسرح سينما لوتيسيا إحدى المؤسسات التي حصلت على أموال في عام 2019.

اليوم، عادت السينما إلى مجدها الأصلي، حيث يمكنك أن ترى تفاصيل آرت ديكو، بما في ذلك الأبواب الجلدية المزخرفة والأحرف العريضة، في جميع أنحاء المبنى، كما يتم عرض أجهزة العرض القديمة خارج غرفة العرض، والتي تم تجهيزها بمقاعد حمراء مميزة وستائر مخططة غريبة.

تم ترميم سينما الريف في طنجة بالطريقة نفسها، وذلك تماشيا مع تصميم فن زخرفي "آرت ديكو" التقليدي في الفترة التي تم فيها بناء العديد من دور السينما هذه.

تصطف الملصقات الملونة خلف خزائن زجاجية على واجهة المبنى. وتوضح هذه الملصقات البرنامج المقبل للأسبوع، وهي مزينة بصور مستقبلية من فيلم خيال علمي عالمي مثير، إلى جانب بعض الصور الأكثر ضبابية من أفلام مستقلة محلية الصنع.

أصبح مقهى الشارع خارج سينما الريف مرة أخرى نقطة التقاء شعبية (الجزيرة)

على طول الرصيف أمام المبنى، تستضيف الكراسي الخشبية المنحنية والطاولات الكستنائية الزوار الذين يحتسون مشروباتهم الغازية من زجاجات الصودا الزجاجية القديمة.

يستمر مقهى السينما في الداخل، حيث تتكدس الأرائك الجلدية البالية وكراسي البار إلى جانب مكتب التذاكر الزجاجي، ومرة ​​أخرى، أصبح المقهى مركزا ثقافيا في طنجة، ويحافظ على تدفق ثابت من الزوار في أي وقت.

يقول إدريسي للجزيرة إن زيارة المكان تثير لديه الحنين إلى الماضي، "ولا تزال هناك تفاصيل كثيرة من تلك التي اعتدتُ زيارتها قبل سنوات، ولكن الآن أصبح المكان متاحا لجيل جديد تماما".

شمس الدين نواب، شاب نحيف ذو عينين واسعتين، يبلغ من العمر 27 عاما، وهو المدير الفني لسينما الريف في طنجة، يتولى نواب مسؤولية معالجة الصوت وتشغيل أجهزة العرض، كما يساعد أحيانا في اختيار البرنامج الأسبوعي، ويكتب حاليا أول سيناريو لفيلمه في وقت فراغه.

مكتب التذاكر الذي تم ترميمه في سينما الريف بطنجة (الجزيرة)

يقول "عندما بلغت سن المراهقة، كانت معظم دور السينما قد أغلقت أبوابها. نشأت وأنا أشاهد الأفلام على التلفاز وأشتري أقراص الفيديو الرقمية من المتاجر المحلية.. إن ترميم مؤسسات مثل الريف أعطاني فرصة حقيقية لتجربة ثقافة السينما".

أغلقت سينما رينيسانس (النهضة) في الرباط أبوابها عام 2006، وظلت مغلقة لعدة سنوات قبل أن تبدأ عملياتها على نطاق صغير مرة أخرى عام 2013، وبعد سلسلة من أعمال التجديد المهمة، أعاد المكان فتح أبوابه بالكامل عام 2017 كمركز ثقافي متعدد الأغراض.

يقول مروان فشان، المدير التنفيذي لسينما رينيسانس (النهضة)، "قبل أعمال التجديد، كانت قاعة العرض مكتظة بأكثر من 700 مقعد. وكانت الأرضيات الخشبية متشققة ويبدو أن الفئران كانت تسكن المكان أيضًا!".

تم تنفيذ أعمال تجديد أنيقة في جميع أنحاء المبنى، مع بلاط أحادي اللون وكتابات ذهبية تكريما لتراث فن الآرت ديكو في المدينة، والآن يتوفر 350 مقعدا للضيوف، حيث يوفر العدد المخفض مساحة أكبر للأرجل وتدابير أمان حديثة.

مدخل سينما رينيسانس (النهضة) في الرباط بالمغرب (سينما رينيسانس (النهضة)) إعادة تصميم وتصور

لكن جهود الإحياء كانت لا بد أن تأخذ في الاعتبار الأذواق الحديثة. يقول فشان "كان علينا أيضا أن نتكيف مع المساحات بحيث تتناسب مع المجتمع الحديث".

ومن الأمور المشتركة بين مسرح سينما لوتيسيا وسينما طنجة وسينما رينيسانس (النهضة) أنها أصبحت تُسمى الآن "مراكز ثقافية متعددة الأغراض"، فبالإضافة إلى العروض، تستضيف المسارح حلقات نقاش وفعاليات موسيقية ومهرجانات سينمائية.

ويوضح فشان "من المهم أن تميز دور السينما نفسها عن خدمات البث والتلفزيون".

"يعيش أحد أصدقائي في مكناس، ولا توجد هناك دار سينما، لذا فهو يحضر بناته بالقطار إلى المدرسة في صباح كل يوم الأحد، ويتناولون الفطائر بعد ذلك ثم يعودن إلى المنزل"، يضحك فشان قائلا "رحلة القطار تستغرق ساعتين".

يبدو أن مفهوم مشاهدة فيلم كرحلة بعد الظهر وفرصة للتواصل الاجتماعي يعود أيضا إلى الواجهة.

عرض في مهرجان كناوة بسينما رينيسانس (النهضة) التي أصبحت مركزا للأحداث الثقافية والتبادلات (سينما رينيسانس (النهضة))

تفتخر سينما رينيسانس (النهضة) بكونها مكانا لمناقشة وتبادل الأفكار، وقد اكتسبت مهرجاناتها السينمائية الدولية شهرة خاصة على مدار الأعوام القليلة الماضية.

خلال مهرجان الفيلم الإيطالي الذي نظمته المنظمة في سبتمبر 2022، عرضت السينما مجموعة من الأفلام المستقلة المصنوعة بالبلاد.

و"بعد ذلك، ناقش الحضور الموضوعات التي تناولتها الأفلام"، كما قال فشان "كانت طريقة رائعة لتبادل الأفكار وخلق روابط بين المجتمعات المختلفة".

وتركّز دور السينما المغربية المتجددة على النهوض بصناعة السينما المحلية أيضا، فقد عرضت سينما الريف مؤخرا فيلم Sound of) Berberia)، وهو فيلم مستقل عن اثنين من الموسيقيين الشباب الذين يسافرون عبر شمال أفريقيا في مهمة لاكتشاف الموسيقى الأمازيغية الإقليمية.

في مسرح لوتيسيا السينمائي بالدار البيضاء، تم تنظيم برنامج واسع من الأفلام المغربية، بما في ذلك عروض "أنيماليا" لصوفيا العلوي (2023)، و"أم كل الأكاذيب" لأسماء المدير (2023)، و"صحارى" لفوزي بن سعيدي (2023) و"ملعون لا تبكي" لفيصل بوليفة (2022).

يقول فشان بحيوية "لقد ساعدتنا كل هذه التغييرات في إعادة تركيز المشهد الثقافي لدور السينما، فهي لا تُعاد إحياؤها للجيل الأكبر سنا فحسب، بل إنها تناسب أذواق الجيل الأحدث أيضا".

مقالات مشابهة

  • تركيا تدين استهداف اليمن سفينة شحن تركية كانت في طريقها للكيان الصهوني .. كاريكاتير
  • كانت مسيحية وعلمت ابنتها الإسلام.. من هي والدة مي عز الدين؟
  • شاهد الشخص الذي قام باحراق “هايبر شملان” ومصيره بعد اكتشافه وخسائر الهايبر التي تجاوزت المليار
  • زيباري: تهديدات إسرائيل للعراق كانت متوقعة
  • أجواء كانت مشحونة بالحيوية.. صعود وهبوط السينما في المغرب
  • لغز النزال الكبير.. هل كانت مواجهة مايك تايسون وجاك بول تمثيلية؟ (فيديو)
  • الرئيس السيسي: القوات المسلحة كانت دائما ركيزة الاستقرار في مصر
  • درة: هذه كانت اللحظة الأصعب في فيلم "وين صرنا"
  • أحمد حافظ: أول عمل قدمته كان «45 يوم».. وجهة الإنتاج كانت متخوفة
  • أول رد تركي على استهداف الحوثيين سفينة تركية كانت في طريقها إلى باكستان