هل تؤدي الحرب الروسية الأوكرانية إلى حرب عالمية ثالثة؟
تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT
جاكوب ناجل -
بوعاز جولاني -
حذر أوليكسي دانيلوف، سكرتير مجلس الأمن القومي والدفاع في أوكرانيا، أخيرًا الحاضرين لمنتدى كييف الأمني من أن «الحرب العالمية الثالثة جارية بالفعل». ولعل في كلامه ما فيه.
بدأت الحرب بين روسيا وأوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير سنة 2022. وفي أسابيعها القليلة الأولى، بدا وكأن الروس سوف يسحقون الأوكرانيين في هجوم خاطف.
لا يبدو أن لدى روسيا أو أوكرانيا القدرة العسكرية اللازمة لإلحاق الهزيمة للطرف الآخر. وفي الوقت نفسه، لا يستطيع فلاديمير بوتين ولا فولوديمير زيلينسكي التراجع. فإذا ما استسلم زيلينسكي، لن يعود بلده حرا، ومن المرجح أن يسقط هو من السلطة. وإذا استقال بوتين، فسوف يدمر صورته بوصفه رجل روسيا القوي وسوف يواجه حكمه تحديات.
وقد تنبأ بعض الصحفيين بأن يؤدي عدم شعبية الحرب، بسبب ارتفاع عدد الضحايا، إلى جانب الخسائر الفادحة التي خلّفتها العقوبات، إلى تأليب الشعب الروسي على بوتن. وهذا أيضا جانب الصواب كثيرا. فالتاريخ الروسي حافل بالقادة الذين تسببوا في خسائر فادحة للشعب دون أن يدفعوا الثمن انهيارًا للنظام. فقد أدت أخطاء فادحة في الحسابات الاستراتيجية ارتكبها جوزيف ستالين وكبار ضباطه إلى هزائم عسكرية مهينة أمام الجيش النازي الغازي طوال عملية بربروسا في عام 1941. وخسر السوفييت أراضي شاسعة، وبلغ عدد ضحاياهم الملايين حتى قبل بدء معركة ستالينجراد الدموية. ولم يزل الروس يفخرون إلى اليوم بأن تلك الصعوبات أدت إلى تقوية عزيمة الجيش والشعب الروسي، وأدت إلى انتصار تاريخي على الغزاة الألمان.
لا شيء من هذا، بطبيعة الحال، يعني أن العالم في طريقه إلى حرب شاملة. لكن لا يزال من الممكن أن تعجل السيناريوهات الرئيسية من وقوع منعطف إلى الأسوأ. فعلى سبيل المثال، قد يؤدي انهيار الجبهة الروسية (بقيام القوات الأوكرانية مثلا باختراق زابوريزهيا وخيرسون والمناطق المحيطة بها وإنشاء رأس جسر كبير في شبه جزيرة القرم) إلى دفع روسيا إلى نشر أسلحة نووية (تكتيكية أو استراتيجية) لاستعادة التوازن. فقد حذر نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري ميدفيديف مرارا من أن روسيا لن تتردد في استخدام مثل هذه الأسلحة إذا لزم الأمر. وبالمثل، قد يتسبب انهيار أوكراني مفاجئ -يؤدي إلى سقوط كييف- إلى دفع الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي إلى إدخال أسلحة جديدة أكثر تدميرًا أو حتى نشر قوات على الأرض لاستعادة التوازن. وفي أي من السيناريوهين، لا يكون الطريق إلى الحرب العالمية الثالثة محض خيال علمي.
بصفة أعم، قد يؤدي سوء تقدير من أي من الطرفين إلى عواقب غير مقصودة. على سبيل المثال، قد تسقط بطارية روسية مضادة للطائرات طائرة مقاتلة تابعة لحلف شمال الأطلسي أثناء عبورها المجال الجوي البولندي إلى أوكرانيا بسبب خطأ ملاحي، فيدفع هذا حلف شمال الأطلسي إلى تفعيل المادة الخامسة. وبالمثل، إذا ضربت صواريخ روسية بعيدة المدى عن طريق الخطأ هدفا في أحد جيران أوكرانيا من أعضاء حلف شمال الأطلسي، فيتسبب ذلك في وفيات كبيرة، ومرة أخرى لا يكون تفعيل المادة الخامسة مستبعدا.
وفي حال انضمام دولة أخرى إلى الحرب، قد يشعل ذلك حربًا أوسع نطاقا. وخلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، انضم آلاف المقاتلين الأجانب إلى الجانبين. ويذكرنا هذا الوضع بالكتائب الدولية التي قاتلت إلى جانب القوميين والجمهوريين في الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939). ولكن مع استمرار الجمود على الخطوط الأمامية، فقد نرى دولا أخرى تتدخل. تشكل بيلاروسيا، التي وقف رئيسها لوكاشينكو إلى جانب الروس منذ البداية، مرشحًا واضحًا. وهناك مرشح آخر يتمثل في كوريا الشمالية. فقد جدد القائد الأعلى كيم يونج أون أخيرا مخازن الأسلحة والذخيرة الروسية من ترساناته الخاصة. ومن المستبعد أن يذرف كيم دمعة على وفاة قواته في أوكرانيا، وهذا ما سيكسبه دورا أكثر أهمية على المسرح العالمي.
على الجانب الآخر من الدفتر، يظل مستبعدا أن ترسل دول غربية من قبيل بريطانيا أو ألمانيا أو فرنسا قوات إلى أوكرانيا. ولكن في ضوء العداء التاريخي العميق والشكوك لدى بعض دول أوروبا الشرقية، من قبيل بولندا، تجاه روسيا، فمن يدري ما الذي يمكن أن يحدث؟
حتى الآن، حاولت الصين تبني سياسة حيادية، حتى مع مساعدة بكين لموسكو من وراء الكواليس. والصين تدرك أن أزمتها الاقتصادية الحالية ترتبط جزئيا بتدهور العلاقات مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، قد لا يكون الصراع رادعًا لبكين. فالقيادة الصينية نشطة في دراسة غزو لتايوان أو دمج قسري لها. وفي مرحلة ما، يمكن أن يعرض الرئيس شي جين بينج على الروس صفقة يدعمون بموجبها غزوه لتايوان في مقابل الدعم الصيني ضد الولايات المتحدة وأوروبا. ورغم أن البعض قد يستبعد هذا الأمر، فمن المفيد أن نتذكر أن جيش التحرير الشعبي (وهو الجيش الأضخم في العالم) على وشك دخول العام الخامس والأخير من خطة التحديث الكبرى. ولو أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا بقيت مستعرة في عام 2025، فقد يكون مثل هذا السيناريو أقرب إلى الواقع. لحسن الحظ، هناك أيضا سيناريوهات جيدة يمكن أن تنهي الصراع، ومن ثم تقلل احتمالية نشوب صراع عالمي. فبمعنى ما، أثبتت أوكرانيا وروسيا قدرتهما على الحفاظ على نوع من الهدنة من خلال تجنب حرب شاملة بعد الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم في عام 2014. واستمر هدوء نسبي حتى عام 2022. فلم يكن ذلك هدنة بالمعنى التام، إذ استمرت مناوشات منتظمة في منطقتي دونيتسك ولوهانسك (حيث ينتمي معظم السكان إلى العرق الروسي). ومع ذلك، فقد ظل ذلك (بشكل أو بآخر) تحت السيطرة. ومن ثم فقد يتفق الطرفان على هدنة ما لم يعن ذلك قبولا بالهزيمة.
ثمة ورقة احتياطية مهمة تتمثل في الرئيس السابق دونالد ترامب. في حال رجوع ترامب إلى البيت الأبيض العام المقبل، فمن المرجح أن يفي بوعده ويقطع جميع المساعدات عن أوكرانيا. بل إنه قد يفرض ضغطا على حلفائه في الناتو لوقف دعمهم. وفي ظل مثل هذا السيناريو، قد يوافق الأوكرانيون كارهين على هدنة في ظل ظروف غير مواتية.
وفي حين أن فرص تطور الحرب في أوكرانيا إلى صراع عالمي ليست عالية، فإنها ليست معدومة أيضا. فالتوترات شديدة، والدول الأوروبية تزيد من إنفاقها الدفاعي. والخوف من عدوان روسي أوسع نطاقا يجعل العديد من هذه الدول على الحافة. فهذه البلاد تفهم أنه مع إطالة أمد الحرب، ومع تزايد الخسائر البشرية، ومع تزايد ضغوط العقوبات، قد يصبح «الدب الجريح» أخطر وربما أكثر عرضة لسوء التقدير.
جاكوب ناجل كبير زملاء مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات
وبوعاز جولاني أستاذ في معهد التكنولوجيا.
عن ناشونال إنتريست
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: شمال الأطلسی
إقرأ أيضاً:
صحف عالمية: مساعدات غزة بأدنى مستوياتها وسقوط الأسد كشف ضعف روسيا
تناولت صحف عالمية تطورات الأوضاع في الشرق الأوسط، ورصدت معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة مع تراجع المساعدات إلى مستويات غير مسبوقة، إلى جانب تداعيات سقوط نظام بشار الأسد على النفوذ الروسي والواقع الاقتصادي والسياسي في سوريا.
وسلط تقرير لصحيفة فايننشال تايمز الضوء على المساعدات الإنسانية التي تقترب من أدنى مستوياتها في غزة، رغم التحذيرات الأميركية لإسرائيل.
وأوضح التقرير أن الفلسطينيين في القطاع يعانون نقصا حادا في الغذاء، مع تعرض الإمدادات للسرقة وهجمات الجيش الإسرائيلي التي تستهدف الفلسطينيين المكلفين بحراسة القوافل، وفق شهادات عاملين في المجال الإنساني.
وفي سوريا، عاد تقرير لموقع ميديا بارت الفرنسي إلى الاحتفالات التي شهدتها دمشق عقب فرار بشار الأسد، حيث أُقيمت أول "جمعة للحرية" وسط مشاعر متباينة جمعت بين الفرح بسقوط النظام وألم الفقد وعدم اليقين بشأن المستقبل.
وأشار التقرير إلى أن النظام السابق كان قد استخدم أسلوب زرع الخوف والكراهية بين الطوائف المختلفة من مسيحيين وعلويين ودروز وسنة وشيعة لإحكام قبضته على البلاد، رغم تاريخ طويل من التعايش بين هذه المكونات.
تمهيد للانسحابورأت صحيفة نيويورك تايمز معتمدة على صور أقمار صناعية لتحليل التحركات الروسية في سوريا، أن موسكو تبدو كأنها تمهد لسحب معداتها العسكرية.
إعلانوأظهرت الصور تجهيز طائرات مصممة لنقل المعدات الثقيلة في قاعدة حميميم الجوية، بالإضافة إلى استعدادات لنقل وحدات دفاع جوي روسية من طراز "إس-400".
في حين اعتبر الكاتب فريد زكريا في صحيفة واشنطن بوست أن سقوط النظام السوري كشف ضعف روسيا المتزايد، مؤكدا أن بشار الأسد كان عميلا ثمينا لبوتين، ومع ذلك عجزت موسكو عن إنقاذه.
وأضاف أن سوريا، التي كانت آخر دولة حليفة كبرى لروسيا في الشرق الأوسط، تعكس مدى هشاشة نفوذ موسكو، خاصة مع تدهور العلاقات في مناطق نفوذها التقليدية مثل أرمينيا، والضغوط المتزايدة على القوات الروسية في أفريقيا.
وفي لوبوان الفرنسية، ركز تقرير على صناعة المخدرات في سوريا في عهد الأسد، مشيرا إلى اكتشاف مصانع لإنتاج وتخزين مادة الكبتاغون في معاقل النظام السابق.
واعتبر التقرير أن اقتصاد النظام، الذي أضعفته العقوبات الدولية منذ عام 2011، اعتمد بشكل كبير على تجارة الكبتاغون، ومع سقوط النظام، أظهرت تسجيلات مصورة ومواقف أولية رغبة قوية في القضاء على هذه الصناعة في سوريا.