جاكوب ناجل -

بوعاز جولاني -

حذر أوليكسي دانيلوف، سكرتير مجلس الأمن القومي والدفاع في أوكرانيا، أخيرًا الحاضرين لمنتدى كييف الأمني من أن «الحرب العالمية الثالثة جارية بالفعل». ولعل في كلامه ما فيه.

بدأت الحرب بين روسيا وأوكرانيا في الرابع والعشرين من فبراير سنة 2022. وفي أسابيعها القليلة الأولى، بدا وكأن الروس سوف يسحقون الأوكرانيين في هجوم خاطف.

فافتقر هذا التوقع إلى الدقة بدرجة كبيرة. فلم يكن الجيش الروسي مستعدًا لهذه المهمة، وكانت معداته أقل فعالية بكثير مما كان متوقعا. بل إن في القول إن معنويات جنوده لم تكن عالية تهوينا من الأمر. بحلول أواخر ربيع عام 2022، ضلت نخبة واشنطن السياسية مرة أخرى ضلالا كبيرا، إذ توقع الخبراء أن روسيا سوف تستسلم في ظل العقوبات الغربية. فلم يتعلم أولئك الذين يتوقعون حلول كارثة على الاقتصاد الروسي شيئا من العقوبات الغربية على كوريا الشمالية وإيران، وهما بلدان أصغر كثيرا من روسيا، وتحملا عقوبات شديدة على مدى سنوات عديدة. ولا مجال لإنكار أن العقوبات أضرت باقتصاداتهما، لكنها لم تغير الطبيعة الأساسية للأنظمة.واليوم، تبدو روسيا وأوكرانيا عالقتين في حرب «خنادق»، أشبه بالحرب العالمية الأولى، حيث تكبد الجانبان خسائر فادحة دونما تحقيق مكاسب تذكر في الأرض أو على المستوى الاستراتيجي. ويبدو من المرجح بشكل متزايد أن يستمر هذا الجمود لسنوات. وثمة عدة أسباب للاعتقاد بأن هذا قد يكون هو الحال.

لا يبدو أن لدى روسيا أو أوكرانيا القدرة العسكرية اللازمة لإلحاق الهزيمة للطرف الآخر. وفي الوقت نفسه، لا يستطيع فلاديمير بوتين ولا فولوديمير زيلينسكي التراجع. فإذا ما استسلم زيلينسكي، لن يعود بلده حرا، ومن المرجح أن يسقط هو من السلطة. وإذا استقال بوتين، فسوف يدمر صورته بوصفه رجل روسيا القوي وسوف يواجه حكمه تحديات.

وقد تنبأ بعض الصحفيين بأن يؤدي عدم شعبية الحرب، بسبب ارتفاع عدد الضحايا، إلى جانب الخسائر الفادحة التي خلّفتها العقوبات، إلى تأليب الشعب الروسي على بوتن. وهذا أيضا جانب الصواب كثيرا. فالتاريخ الروسي حافل بالقادة الذين تسببوا في خسائر فادحة للشعب دون أن يدفعوا الثمن انهيارًا للنظام. فقد أدت أخطاء فادحة في الحسابات الاستراتيجية ارتكبها جوزيف ستالين وكبار ضباطه إلى هزائم عسكرية مهينة أمام الجيش النازي الغازي طوال عملية بربروسا في عام 1941. وخسر السوفييت أراضي شاسعة، وبلغ عدد ضحاياهم الملايين حتى قبل بدء معركة ستالينجراد الدموية. ولم يزل الروس يفخرون إلى اليوم بأن تلك الصعوبات أدت إلى تقوية عزيمة الجيش والشعب الروسي، وأدت إلى انتصار تاريخي على الغزاة الألمان.

لا شيء من هذا، بطبيعة الحال، يعني أن العالم في طريقه إلى حرب شاملة. لكن لا يزال من الممكن أن تعجل السيناريوهات الرئيسية من وقوع منعطف إلى الأسوأ. فعلى سبيل المثال، قد يؤدي انهيار الجبهة الروسية (بقيام القوات الأوكرانية مثلا باختراق زابوريزهيا وخيرسون والمناطق المحيطة بها وإنشاء رأس جسر كبير في شبه جزيرة القرم) إلى دفع روسيا إلى نشر أسلحة نووية (تكتيكية أو استراتيجية) لاستعادة التوازن. فقد حذر نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري ميدفيديف مرارا من أن روسيا لن تتردد في استخدام مثل هذه الأسلحة إذا لزم الأمر. وبالمثل، قد يتسبب انهيار أوكراني مفاجئ -يؤدي إلى سقوط كييف- إلى دفع الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي إلى إدخال أسلحة جديدة أكثر تدميرًا أو حتى نشر قوات على الأرض لاستعادة التوازن. وفي أي من السيناريوهين، لا يكون الطريق إلى الحرب العالمية الثالثة محض خيال علمي.

بصفة أعم، قد يؤدي سوء تقدير من أي من الطرفين إلى عواقب غير مقصودة. على سبيل المثال، قد تسقط بطارية روسية مضادة للطائرات طائرة مقاتلة تابعة لحلف شمال الأطلسي أثناء عبورها المجال الجوي البولندي إلى أوكرانيا بسبب خطأ ملاحي، فيدفع هذا حلف شمال الأطلسي إلى تفعيل المادة الخامسة. وبالمثل، إذا ضربت صواريخ روسية بعيدة المدى عن طريق الخطأ هدفا في أحد جيران أوكرانيا من أعضاء حلف شمال الأطلسي، فيتسبب ذلك في وفيات كبيرة، ومرة أخرى لا يكون تفعيل المادة الخامسة مستبعدا.

وفي حال انضمام دولة أخرى إلى الحرب، قد يشعل ذلك حربًا أوسع نطاقا. وخلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، انضم آلاف المقاتلين الأجانب إلى الجانبين. ويذكرنا هذا الوضع بالكتائب الدولية التي قاتلت إلى جانب القوميين والجمهوريين في الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939). ولكن مع استمرار الجمود على الخطوط الأمامية، فقد نرى دولا أخرى تتدخل. تشكل بيلاروسيا، التي وقف رئيسها لوكاشينكو إلى جانب الروس منذ البداية، مرشحًا واضحًا. وهناك مرشح آخر يتمثل في كوريا الشمالية. فقد جدد القائد الأعلى كيم يونج أون أخيرا مخازن الأسلحة والذخيرة الروسية من ترساناته الخاصة. ومن المستبعد أن يذرف كيم دمعة على وفاة قواته في أوكرانيا، وهذا ما سيكسبه دورا أكثر أهمية على المسرح العالمي.

على الجانب الآخر من الدفتر، يظل مستبعدا أن ترسل دول غربية من قبيل بريطانيا أو ألمانيا أو فرنسا قوات إلى أوكرانيا. ولكن في ضوء العداء التاريخي العميق والشكوك لدى بعض دول أوروبا الشرقية، من قبيل بولندا، تجاه روسيا، فمن يدري ما الذي يمكن أن يحدث؟

حتى الآن، حاولت الصين تبني سياسة حيادية، حتى مع مساعدة بكين لموسكو من وراء الكواليس. والصين تدرك أن أزمتها الاقتصادية الحالية ترتبط جزئيا بتدهور العلاقات مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، قد لا يكون الصراع رادعًا لبكين. فالقيادة الصينية نشطة في دراسة غزو لتايوان أو دمج قسري لها. وفي مرحلة ما، يمكن أن يعرض الرئيس شي جين بينج على الروس صفقة يدعمون بموجبها غزوه لتايوان في مقابل الدعم الصيني ضد الولايات المتحدة وأوروبا. ورغم أن البعض قد يستبعد هذا الأمر، فمن المفيد أن نتذكر أن جيش التحرير الشعبي (وهو الجيش الأضخم في العالم) على وشك دخول العام الخامس والأخير من خطة التحديث الكبرى. ولو أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا بقيت مستعرة في عام 2025، فقد يكون مثل هذا السيناريو أقرب إلى الواقع. لحسن الحظ، هناك أيضا سيناريوهات جيدة يمكن أن تنهي الصراع، ومن ثم تقلل احتمالية نشوب صراع عالمي. فبمعنى ما، أثبتت أوكرانيا وروسيا قدرتهما على الحفاظ على نوع من الهدنة من خلال تجنب حرب شاملة بعد الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم في عام 2014. واستمر هدوء نسبي حتى عام 2022. فلم يكن ذلك هدنة بالمعنى التام، إذ استمرت مناوشات منتظمة في منطقتي دونيتسك ولوهانسك (حيث ينتمي معظم السكان إلى العرق الروسي). ومع ذلك، فقد ظل ذلك (بشكل أو بآخر) تحت السيطرة. ومن ثم فقد يتفق الطرفان على هدنة ما لم يعن ذلك قبولا بالهزيمة.

ثمة ورقة احتياطية مهمة تتمثل في الرئيس السابق دونالد ترامب. في حال رجوع ترامب إلى البيت الأبيض العام المقبل، فمن المرجح أن يفي بوعده ويقطع جميع المساعدات عن أوكرانيا. بل إنه قد يفرض ضغطا على حلفائه في الناتو لوقف دعمهم. وفي ظل مثل هذا السيناريو، قد يوافق الأوكرانيون كارهين على هدنة في ظل ظروف غير مواتية.

وفي حين أن فرص تطور الحرب في أوكرانيا إلى صراع عالمي ليست عالية، فإنها ليست معدومة أيضا. فالتوترات شديدة، والدول الأوروبية تزيد من إنفاقها الدفاعي. والخوف من عدوان روسي أوسع نطاقا يجعل العديد من هذه الدول على الحافة. فهذه البلاد تفهم أنه مع إطالة أمد الحرب، ومع تزايد الخسائر البشرية، ومع تزايد ضغوط العقوبات، قد يصبح «الدب الجريح» أخطر وربما أكثر عرضة لسوء التقدير.

جاكوب ناجل كبير زملاء مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات

وبوعاز جولاني أستاذ في معهد التكنولوجيا.

عن ناشونال إنتريست

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: شمال الأطلسی

إقرأ أيضاً:

تقرير: عرض ترمب «النهائي» للسلام يتطلب من أوكرانيا قبول الاحتلال الروسي

المناطق_متابعات

تتوقع الولايات المتحدة رد أوكرانيا، اليوم (الأربعاء)، على إطار السلام الذي يتضمن اعتراف الولايات المتحدة بشبه جزيرة القرم جزءاً من روسيا والاعتراف غير الرسمي بالسيطرة الروسية على جميع المناطق المحتلة تقريباً منذ غزو عام 2022، حسبما ذكرت مصادر مطلعة على الاقتراح لموقع «أكسيوس».

ووفق «أكسيوس»، يتطلب اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترمب تنازلات كبيرة من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي استبعد في السابق قبول احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم وأجزاء من أربع مناطق في شرق أوكرانيا.

أخبار قد تهمك البيت الأبيض: ترمب يزور السعودية وقطر والإمارات من 13 إلى 16 مايو 22 أبريل 2025 - 9:31 مساءً الذهب يواصل ارتفاعه القياسي متجاوزا 3500 دولارا بعد انتقادات ترمب للفيدرالي 22 أبريل 2025 - 10:21 صباحًا

وفقا للشرق الأوسط: بينما أفادت التقارير بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عرض تجميد خطوط المواجهة الحالية من أجل التوصل إلى اتفاق، فإنه رفض في السابق عناصر أخرى من المقترح الأمريكي للسلام، مثل قوة حفظ سلام أوروبية على الأراضي الأوكرانية.

وقال مصدر مقرب من الحكومة الأوكرانية للموقع إن كييف ترى أن الاقتراح منحاز بشدة نحو روسيا، مشيرا إلى أن «الاقتراح يوضح المكاسب الملموسة التي تحصل عليها روسيا، لكنه يذكر بشكل غامض وعام ما ستحصل عليه أوكرانيا».

– اعتراف أمريكي شرعي بالسيطرة الروسية على شبه جزيرة القرم.

– اعتراف باحتلال روسيا لكامل منطقة لوغانسك تقريباً والأجزاء المحتلة من دونيتسك وخيرسون وزابوروجييه.

– وعد بأن أوكرانيا لن تصبح عضوا في حلف شمال الأطلسي (ناتو). ويشير النص إلى أن أوكرانيا يمكن أن تصبح جزءا من الاتحاد الأوروبي.

– رفع العقوبات المفروضة منذ عام 2014.

– تعزيز التعاون الاقتصادي مع الولايات المتحدة، وخاصة في قطاعي الطاقة والصناعة.

– ضمانة أمنية قوية تشمل قوة حفظ سلام من بلدان أوروبية وربما أيضاً بلدان غير أوروبية. وتعتبر الوثيقة غامضة فيما يتعلق بكيفية عمل عملية حفظ السلام هذه، ولا تذكر أي مشاركة للولايات المتحدة.

– عودة الجزء الصغير من منطقة خاركيف الذي احتلته روسيا.

– مرور غير معوق لنهر دنيبر، الذي يمتد على طول خط المواجهة في أجزاء من جنوب أوكرانيا.

– التعويض والمساعدة في إعادة البناء، على الرغم من أن الوثيقة لا تشير إلى من أين سيأتي التمويل.

وتمت صياغة الخطة بعد أن التقى مبعوث ترمب ستيف ويتكوف مع بوتين لأكثر من أربع ساعات الأسبوع الماضي.

وبعد تقديم الخطة، عرض بوتين إيقاف الغزو الروسي على طول خطوط المواجهة الحالية كجزء من صفقة محتملة، حسبما ذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز».

وهذه هي أكبر بادرة من جانب بوتين حتى الآن للإشارة إلى استعداده لتحقيق السلام، لكن المسؤولين الأوروبيين ما زالوا متشككين.

وأعلن البيت الأبيض، أمس، أن ويتكوف سيسافر إلى موسكو في وقت لاحق من هذا الأسبوع لعقد اجتماعه الرابع مع بوتين.

مقالات مشابهة

  • تقرير: عرض ترمب «النهائي» للسلام يتطلب من أوكرانيا قبول الاحتلال الروسي
  • بالأرقام .. أوكرانيا تكشف خسائر الجيش الروسي منذ بداية الحرب
  • مذكرة رئيس الشاباك بحق نتنياهو قد تؤدي لعزله
  • سيناريوهات انتهاء الحرب الأوكرانية وهدنة عيد الفصح
  • الحرب الروسية الأوكرانية ولحظة البحث عن السلام
  • 5 استفسارات توضح مسار الحرب الروسية الأوكرانية
  • تقرير :ترامب في 100 يوم.. عزّز موقع روسيا وأضعف موقف أوكرانيا
  • الدفاع الروسية: خسائر القوات الأوكرانية قبل سريان الهدنة على محور كورسك بلغت 155 عسكريا
  • الكرملين: روسيا منفتحة على إيجاد تسوية للأزمة الأوكرانية
  • الجيش الروسي يواصل تقدمه في شرق أوكرانيا ويسيطر على 3 بلدات