قرأتُ في الأيام الماضية رواية «محبوبة» للروائية الأمريكية الحائزة على جائزة نوبل عام 1993، وكانت هذه الرواية قد حصلت على جائزة البوليتزر عندما صدرت عام ١٩٨٧. هذا هو لقائي الأول بعمل روائي لميرسون، التي أظن الآن، أنها وإن لم تحقق انتشارا واسعا بين القرّاء العرب فمردُّ ذلك يعود لإصدار طبعات قديمة لم تعد موجودة من رواياتها، ومن دُور نشر لم يعد بعضها موجودا.
تتحدّث رواية محبوبة، عن الفترة التي تلت الحرب الأهلية في أمريكا، نهاية القرن التاسع عشر، عندما كان شبح القلق من العبودية يحتوي كل الحياة اليومية للسود، خصوصا في الجنوب. تقدم الرواية شخصيات تمثلُ حالات مختلفة في ذلك الموقف التاريخي، فهنالك الجدة التي اشترى ابنها هال حريتها مقابل أن يعمل في أيام الآحاد لخمس سنوات، بالإضافة لعمله اليومي أصلا لدى صاحب مزرعة «البيت الحلو» وهذه مفارقة طريفة ستعمل ميرسون على تشريحها طيلة الرواية، لقد اعتبر سلوك صاحب المزرعة الذي سمح لأم هال بشراء حريتها أصلا فعلا نبيلا وكريما، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتحصل العبيد في مزرعة «البيت الحلو» على عبودية من نوع ألطف وأرقى من ذلك. حتى أن صاحب المزرعة يسمح لهم بالزواج، ويطلق عليهم أسماءً تناسبهم، ولا يستخدم العنف إن لم تحاول الهرب مثلا، وزوجته قد تهديكِ قرطا ثمينا عندما تتزوجين وهكذا. هنالك شخصية سيث التي يمكن أن نعتبرها الشخصية الأبرز في الرواية، وهي امرأة في الثلاثينيات هربت وهي حامل من «البيت الحلو» وكانت قد أرسلت أبناءها إلى «أوهايو» قبل أن يحين موعد هروبها هي، لتتأكد من سلامتهم أولا، إلا أن سيث تتعرّض لاعتداء وحشي يلقي بها في وسط الغابة، وهي تحتضر بينما توشك على ولادة طفلتها الرابعة.
تساعد سيث امرأة بيضاء، نخاف كل الوقت من أنها قد تريد التبليغ عن سيث، وأخذ مكافأة كان متعارفا عليها آنذاك للتبليغ عن السود الهاربين، تهذي هذه المرأة البيضاء بأنها تسافر نحو الشمال؛ لأنها تريد شراء قطيفة مزهرة بعينها. كل هذه الغنائية ناعمة وشفيفة، كأنما ما نقرأه ليس أكثر من نشيد حزين وغير صاخب على الرغم من فظاعة ما يحدث. تنجبُ سيث طفلتها التي ستُطلق عليها اسم المرأة البيضاء التي ساعدتها: دنفر. هذه الطفلة تمثل شريحة الجيل الأول من الأبناء الذين لم يُستعبدوا قط، ولها عالمها الخاص الذي لا يفوت ميرسون التوغل فيه. وهنالك أيضا شخصية بول-د الرجل العائد من تجارب متوحشة استُعبِد فيها في أماكن عديدة للدرجة التي يشعر فيها بأن قلبه لم يعد معه، وأنه أُقفل عليه للأبد. أخيرا محبوبة، الشبح الذي يعيش بشكل طبيعي ومعروف لدى الجميع في منزل سيث وأبنائها والجدة التي اشترت حريتها. محبوبة الطفلة التي سنكتشف مصيرها كلما تقدمنا في النص، والتي أُطلق عليها هذا الاسم؛ لأن أمها لم تتمكن من أن تكتب على شاهد قبرها بسبب عسر الحال أكثر من كلمة واحدة: «محبوبة». تعود محبوبة كشابة في العشرين من عمرها، كما لو أنها لم تمت، وبعودة الشبح إلى كائن من لحم ودم، يتقلب منزل سيث رقم 124 في صراعات مميتة.
لكل شخصية بما هي عليه في هذا العمل، مسارها الخاص الذي يحقق في وضعها الذي تمثله، فدنفر الطفلة التي لم تُستعبد قط، ربما نظن أنها ستكون غير مبالية بما حدث لأنها لم تجرّب قسوة تلك المرحلة، لكن ميرسون تكشف عن جروح خاصة بدنفر وحالتها هذه؛ فدنفر تفزع وتنفر من الحديث عن الحياة قبل أن تولد هي، تريد من أمها أن تتحدث عن يوم ولادتها ثم وجودها في هذا العالم، كأنما لا يوجد عالم قبل ذلك اليوم، وإنكار دنفر لهذا هو نوع من العنف الرمزي الذي سيطبق على حياتها في المنزل 124.
لا ينطوي هذا العمل على مناقشة وضع العبودية في أمريكا فحسب، بل يضعنا أمام أسئلة وجودية من نوع خاص، تُرى هل يحق للأم أن تقتل أبناءها خوفا من أن يستعبدهم البيض؟ لأنها بذلك تحول دون أن يتعرّضوا لما عاشته من عذاب واقتراب من الموت في كل لحظة؟ تُرى ما الذي يعنيه أن يكون هنالك وفي تلك المرحلة بيض ينبذون العبودية ويساعدون السود على الهرب، وكيف سينظر لهم المجتمع الذي ينتمون إليه؟ هل يعني هذا التاريخ الطويل من العذاب أن السود أنقياء بالضرورة -أي ننزع عنهم بشريتهم- لصالح ما تعرّضوا له، فقط لشعور البيض بالذنب؟ هل يمكن لمن مرّ بهذه التجربة، أو لأي أمريكي- إفريقي أن يتصالح بطريقة ما مع عالم قدّم له كل هذه الوحشية؟
إن وجود الشبح في العمل وغيابه وعودته وقدرته على قتل الكلاب وهو شبح غير متجسد، وعلى دفع بقية أطفال سيث للهرب خوفا من البيت 124 كل هذا ما هو إلا محاولة للإجابة عن كل هذه الأسئلة التي طرحتها أعلاه. لكن السؤال الأهم الذي تدور حوله الرواية: هل يمكن التعايش مع هذا الشبح؟ يمكن أن نمرر هذا السؤال على تقاطعات أخرى من العبودية، مثل العبودية التي تعرّضت لها النساء وما زال بعضهن يعشنها بالفعل، وهي هناك تتهددنا كل يوم عبر أشكال مختلفة من الهيمنة، فهل يمكن أن نقترب من هذا الشبح ونألفه بطريقة تساعدنا لا بالشكل الذي يجعلنا مستسلمات له فحسب؟
كل جملة في هذه الرواية مكتوبة بشعرية عذبة، وكلما تقدمت في القراءة شعرتُ بأن خلفية العمل جوقة من النحيب أو التنهيدات الخافتة للغاية، ميرسون حساسة جدا لكل شيء حتى للبلل على الأقدام بعد غسلها.
الرواية فتحت لي أفق أسئلة جديدة، تُرى ما علاقة وامتداد أدب الخيال العلمي للسود في أمريكا بتوني ميرسون خصوصا أن الروائية الرائعة الأخرى ومجايلتها أوكتافيا إي بتلر، قدمت وفي نفس هذه المرحلة الزمنية أعمالا ستعدّ انطلاقة فعلية لفك احتكار البيض لأدب الخيال العلمي، وتكريس هذا النوع من الأدب لسرد قصص العبودية من منظور مختلف هذه المرة، يستطيع اللعب بالمستقبل والماضي في آن.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی أمریکا یمکن أن
إقرأ أيضاً:
خبير تركي: كيف يمكن للمستثمرين الصغار تحقيق أرباح ضخمة من الذهب؟
على مدار الأيام الماضية، سجل الذهب أرقامًا قياسية متتالية، لكنه شهد انخفاضًا حادًا في اليومين الماضيين. الخبير التركي إسلام ميميش أدلى بتصريحات لافتة بشأن أسعار الذهب، كما كشف ميميش عن توقعاته للعام المقبل وأدلى بملاحظات هامة حول ما إذا كان الانخفاض سيستمر. إليكم الإجابة الأكثر وضوحًا على سؤال “هل سينخفض الذهب؟”.
سجل الذهب أرقامًا قياسية واحدة تلو الأخرى، وتجمّع المستثمرون أمام محلات الصاغة. لكن على الرغم من ذلك، شهد المعدن الأصفر تراجعًا مفاجئًا في اليومين الماضيين، مما أثار دهشة المستثمرين.
فما مدى استمرار هذا الانخفاض؟ الجواب الذي طالما تم التساؤل عنه جاء من خبير الذهب والأسواق المالية إسلام ميميش.
وقال ميميش في مقابلة حية على قناة TV100 تابعها موقع تركيا الان:
“تم دعم الارتفاع في أسعار الذهب بشكل متعمد. عادة من الصعب التأثير على الذهب بسهولة. لذلك، شهدنا ارتفاعات غير طبيعية في الأسعار، ثم انفجرت تلك الفقاعة بشكل مفاجئ. المستثمرون تكبدوا خسائر كبيرة في يومين فقط. لكن آثار هذه الفقاعة ستظل موجودة، وسيظل المستثمرون يتحملون تلك الخسائر لعدة أشهر٬ الذهب هو أصل محدود لا يدعمه أي بنك مركزي، مما يجعله يشبه العملة الاحتياطية.”
قال ميميش: “على الرغم من الشكاوى الحالية من ترامب، أرى أن سياسات ترامب منطقية جدًا، فهي تتماشى مع سياسة بلاده وخارطة الطريق التي وضعها. هو رجل ذكي ويؤدي مهمته بشكل ممتاز.”
وتابع قائلاً: “بدأ القلق من فرض ترامب ضرائب على الذهب، مما دفع سعره للارتفاع بنسبة 30% في السوق. بمعنى أن الاتجاه الصعودي الذي بدأ من مستوى 2620 دولارًا للأونصة استمر حتى وصل إلى 3500 دولار.”
“لا تنظروا إلى السعر، انظروا إلى الكمية”
اقرأ أيضاالتوتر بين إسرائيل وتركيا في سوريا يصل إلى أعلى مستوياته