الحركة المسرحية في السعودية «1-2»
تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT
على هامش ضيافة هيئة الأدب والنشر والترجمة في المملكة العربية السعودية لسلطنة عمان كضيف شرف لدورة 2023 من معرض الرياض الدولي للكتاب.
وتأتي مشاركة سلطنة عمان في المعرض في إطار الروابط التاريخية والعلاقات الأخوية المتينة التي تربط بين الشعبين الشقيقين، ما يعكس ذلك التبادل والتعاون الثقافي بين السعودية وسلطنة عمان، أستعيد هنا بشيء من التصرّف لمواكبة التطوّرات الثقافية في الشأن المسرحي الحاصل بالسعودية مبحثا من مباحث كتابي (الرؤية السياسية في المسرح الخليجي دراسة نصيّة)، حول ظهور المسرح في السعودية ونشأة الفرق المسرحية، وسوف أتطرّق إلى ذلك التطور في الجزء المتمم لهذه المقالة.
نشأ المسرح في السعودية متأخرا، واحتاج ظهوره إلى أكثر من قرن. تشير المراجع التي اطلّعنا عليها إلى أن النشاط المسرحي في السعودية قد عُرف عبر المدارس والمراكز الصيفية.
ولعبت المدرسة في السعودية شأنها شأن دول مجلس التعاون الدور الرئيس في غرس بذرة التمثيل في المجتمع، حيث كان الناس يتهافتون لحضور العروض المسرحية على بساطتها، فاعتبرت المدرسة بذلك، القناة الثقافية والأدبية الوحيدة التي تصل إلى كافة أفراد المجتمع وبأقصر الطرق وأقل التكاليف.
وفي ورقته المعنونة (المسرح المدرسي بين الواقع والمأمول). ص 15، أوراق مسرحية. ورقة عمل قدمت ضمن فعاليات المهرجان الوطني للتراث والثقافة 18، 1423هـ، إصدارات المهرجان الوطني للتراث والثقافة 203، الرياض، 2005م) يرى الباحث (علي عبدالعزيز السعيد) أن الحفلات المدرسية أدت دورا بالغ الأهمية في رحلة التنوير وتحديث المجتمع، لكونها احتضنت النخب الثقافية المتميزة وفئات المعارضة، التي أسهمت -بوجه عام- في تكوين الفرق المسرحية في مجتمعات الخليج، في فترات متقدمة.
وتعد المدرسة (الصولتية) أقدم المدارس النظامية في مكة المكرمة، إذ يرجع تأسيسها إلى سنة 1292هـ/ 1900م، ويعود أول نشاط تمثيلي مدرسي إلى سنة 1355هـ/ 1900م في مدرسة (الفلاح) بمكة المكرمة، التي تأسست سنة 1330هـ/ 1900م. أما أقدم مسرحية مدرسية يصل ذكرها في تاريخ المملكة العربية السعودية فقد تم عرضها في مدرسة (الأهلية) بمحافظة عنيزة، التي أسسها المرحوم صالح بن صالح في أواخر سنة 1347هـ/ 1900م، حيث قدمت في أواخر سنة 1348هـ/ 1928م تمثيلية (بين جاهل ومتعلم) ليكون بذلك أول من غرس البذرة الأولى للتمثيل المسرحي في السعودية من خلال المسرح المدرسي.
وبانتشار التعليم في أرجاء السعودية ومناطقها تعّرف المجتمع خطوة خطوة على المسرح، لتكون سنة 1373هـ/ 1900م سنة فاصلة لبداية الحركة المسرحية في السعودية، حيث أصبح النشاط المسرحي المدرسي نشاطا رسميا، وذلك عندما أنشأت وزارة المعارف التي ضمت ضمن إداراتها إدارة التربية الرياضية والاجتماعية التي عرفت فيما بعد بالإدارة العامة لرعاية الشباب والتي تحولت إلى الإدارة العامة للنشاط المدرسي، ويتبعها قسم النشاط المسرحي.
وانطلاقا من هذه الرعاية الرسمية للنشاط المسرحي، ونظرًا للدور المؤثر الذي لعبته المدرسة في رحلة التنوير الأدبية والثقافية في السعودية، وقوة صوتها الفعّال في التغيير، إلى جانب الصحافة -على الرغم من محدودية تأثيرها بسبب الجهل وقلة انتشارها- فقد كانت الأعمال المسرحية التي قدمت على الرُّكح يحضرها أناس أُميون ومتعلمون، وكانت أفكار تلك المسرحيات تتناول مشكلات المجتمع وهمومه، وتخدم قطاعا كبيرا من شرائحه الاجتماعية المتباينة، وتحرِّض عقولهم وتبصرهم بمفاهيم الحياة العصرية الجديدة.
وعلى خلاف ما ذهب إليه (السعيد) حول نشأة المسرح بالسعودية وانطلاقته من المدرسة، هناك رأي آخر له وَجاهته ذهب إليه المسرحي الراحل الدكتور (محمد العثيم) فيقول: إذا ما تجاوزنا تاريخ المحاولات الأولى التي هي بالنسبة لنا غير واضحة المعالم، فإنّ تجارب المسرح السعودي الحالية خرجت من عباءة التلفاز... فعند تأسيس التلفاز في 1966م كان هناك أكثر من شاب يحاول أن يُخرج أعمالا درامية... والذي حدث بعد ذلك أن أحد مخرجي التلفاز وهو الأستاذ إبراهيم الحمدان قرر أن يُخرج عملًا فكاهيًا للجمهور ويَعرضه بالممثلين أنفسهم... ثم عرضه للجمهور.
لذا فإنّ التلفاز هو الذي سَاند نشأة التعريف بالمسرح في السعودية وليس المدرسة؛ بسبب الفهم المدني لظهور المسرح، ويبدو كذلك أن من الصعوبة تعرّف الحركة المسرحية في المملكة العربية السعودية خلال العشرين سنة الماضية من مسيرتها على المسرح التجاري.
وفي هذا الصدد يذهب الباحث (سمعان العاني) في ورقته المعنونة: (خريطة المسرح السعودي في صورته الراهنة، والمنشورة ضمن أوراق مسرحية، ص 25) إلى أن الحركة المسرحية السعودية الرّاهنة لم تعرف المسرح التجاري في مسيرتها المسرحية، وبتحليل أقرب إلى الفهم الثقافي الشامل للظاهرة المسرحية في السعودية، يُقْر الباحث أن خريطة المسرح في صورته الراهنة إنما هو ركيزة الهواية التي يقوم عليها الهيكل المسرحي، وذلك لعدم وجود الاحتراف بالمعنى الحقيقي لها، والذي يحتاج إلى أدوات وتنظيم ومتطلبات تدعم التخصص والتخصيص، فكانت المسيرة بإخفاقاتها ونجاحها متواصلة، حمت المسرح السعودي من الموت والإصابة بأمراض المسرح التجاري، فما زال الشباب يخوضون في ساحات المسرح مِن منابع شتى في أزمنة وأمكنة مختلفة.
ويضيف في موقع آخر، وبلغة أقرب إلى الوثوقية: إن السبيل إلى إيجاد حال ثقافية مسرحية في السعودية يعوّل على فئة جيل الشباب المتجدّد الطاقات، بسبب قدرته على استيعاب الجديد والاستفادة من تجارب الماضي وتحويل ذلك إلى حال متفاعلة ومتواصلة مع تطورات العصر، «إلاَّ أن هؤلاء» وَجَدوا أنفسهم وجهًا لوجه أمام مهام صعبة ومعقدة، هي مواكبة فصائل الثقافة وإيجاد مناخ فني مسرحي يبلغ الغايات والآمال والرغبات والأحلام.
وإذا كنتُ ألمس في لغة سمعان العاني بعض العاطفة، على الرغم من نظرته الشاملة، فإن لها ما يبررها هنا، لا سيما أن حركة المسرح الحديثة في السعودية ما زالت تقوم على التفتح ومناقشة سؤال ارتباط ماهية المسرح بهموم المجتمع السعودي.
في ورقته التي جاءت بعنوان: (الفكر الاستهلاكي في المسرح السعودي، المنشورة ضمن أوراق مسرحية، ص 60) يذهب الكاتب المسرحي فهد ردة الحارثي بخلاف ما ذهب إليه سمعان العاني، فيرى أن المسرح السعودي في السنوات الأخيرة مسرح استهلاكي! فيقول: «... ومن خلال متابعتي لأحوال المسرح السعودي في السنوات الأخيرة، وجدت مسرحًا استهلاكيًا ينمو عشوائيا يقدم الهش والهامشي، ويغري الباحثين عن المال والشهرة للركض معه وخلفه وأمامه دون وعي».
لكن الدكتورة حليمة مظفر في كتابها (المسرح السعودي بين البناء والتوجس) الصادرة طبعته الأولى عن دار شرقيات بالقاهرة، 2009م، تُجزم حتى تاريخ إعدادها لبحث كتابها ونشره، بأن السعودية لا يوجد بها مسرح تجاري أو جماهيري.
إنّ الصورة المتشكلة للحركة المسرحية في السعودية، في ظل غياب هيئة متخصصة في المسرح تُقصر الحركة وتطورها على جهود مستويين: إما عن طريق الأفراد، أو عن طريق الجمعيات.
ويعتبر الأمر السامي بإنشاء وزارة للثقافة والإعلام مؤشرًا تحريضيًا لاهتمام المجتمع بالمسرح والثقافة المسرحية، لذلك ألقى المثقفون بالمسؤولية الكبيرة على هذا الأمر مستبشرين ارتفاع مستوى الحراك المسرحي للفرق والوعي المجتمعي بالظاهرة المدنية.
فضمن الملتقى الأول للمثقفين السعوديين، برعاية وزارة الثقافة والإعلام، تاريخ 15/ 7/ 1425هـ، ألقى الباحث (مشعل الرشيد) بالمسؤولية الكبيرة على عاتق المؤسسة، فكتب: «بلا جدال في أن تشكيل وزارة للثقافة والإعلام جاء كمطلب سيحقق بإذن الله تعالى رغبة المثقفين السعوديين ومن بينهم بطبيعة الحال المسرحيون، حيث أصبح للثقافة وللمسرح رعاية ذات مرجعية وشخصية اعتبارية وانتماء فعلي».
الحارثي (فهد ردة)، المسرح السعودي اللوحة والإطار، ورقة عمل من أرشيف المسرح السعودي، مكتبة علي عبدالعزيز السعيد. غير مطبوع، رقم التسلسل 43، رقم النسخة 1، ص1.
ويجمع المسرحيون السعوديون أو الغالبية العظمى منهم على الأقل، على أنه على الرغم من مضي أكثر من نصف قرن على المسرح المحلي السعودي فإن الحركة لا تزال مفقودة كفعل ثقافي وجماهيري واجتماعي، فهذا ما استنتجه من ورقة فهد ردة الحارثي (المسرح السعودي اللوحة والإطار، ورقة عمل من ضمن أرشيف المسرح السعودي، مكتبة علي عبدالعزيز السعيد. غير مطبوع، رقم التسلسل 43، رقم النسخة) عندما أرجع تذبذب الفعل الاجتماعي إلى ما علّله في «غياب المؤسسة الثقافية عن دعم هذا المسرح شكلًا ومضمونًا فقد جعل الفعل المسرحي لديهم يقوم على الجهود الفردية».،
ومع هذا الرأي يتفق الباحث (ناصر الخطيب) الذي شارك بورقة عمل في ندوة بعنوان: (إشكالية الحركة المسرحية في المملكة، نشرتها مجلة قوافل، السنة الثالثة، العدد السادس 1996م) قائلا: «إننا لو استعرضنا تطور المسرح منذ مسرحية -طبيب بالمشعاب- حتى الآن، أي تاريخ ربع قرن، لوجدنا أن ما حدث من تطور في المسرح يقوم على جهود الأشخاص، وبذلك لم يتم وضع قاعدة للمسرح، ولا تطوير له أو تأسيس بنية لهذا المسرح، وبالتالي فإن مطالبتنا المسرح بأن يكون في مستوى ما يقدم في الوطن العربي أمر فيه إجحاف؛ لأن خصوصية المسرح السعودي الآن تتمثل في أنه ما زال كما بدأ؛ يقوم على جهود فردية، وذلك لعدم وجود هيئة تهتم به وتضع له الخطة الكاملة والأطر التي تساعد المسرحيين على أن يقدموا أعمالهم».
إنّ العودة إلى ورقة مشعل الرشيد تبدو أساسية في محاولتنا قراءة واقع الحركة المسرحية في السعودية ومقارنتها بالآراء السابقة، التي ينبغي عدم التقليل من أهميتها، بالقدر الذي يجب أن يُدفع بها إلى منصة الحوار النقدي الشفاف.
ومن أجل الصواب نرى أنه لا يمكن إغفال دور الرواد في مجتمعات الخليج، كما لا يمكن الاستهانة بالدور التنويري الذي قدمته المدارس النظامية في تعريفها بالفن المسرحي الوافد إلى منطقة اعتمد أهلها وسكانها على حياة البداوة والصحراء التقليديتين.
وإذا كنا نذهب إلى أن نشأة الممارسة الخليجية للمسرح في صورته الراهنة هي وليدة عمل النخبة الخليجية المثقفة، كنشأة المسرح ضمن الممارسة العربية له، فإنّ جذور الممارسة وأدوار الرواد تُعطينا مسارًا مقبولا يُبيِّن الكيفية التي تطورت بها الأسئلة المعنية بالفن المسرحي، تلك الأسئلة التي تضيء ما كان، وتترقب ما ينبغي أن يكون.
يعوّل المسرحيون السعوديون، كتّابا ومخرجين وفنيين ونقادًا، على أهمية إيجاد تصور واقعي لاستراتيجية تسيير المسرح، تقوم به وزارة الثقافة والإعلام، إلى جانب مهام الرئاسة العامة لرعاية الشباب. فيتحدث (مشعل الرشيد) من واقع تجربته الشخصية، التي يصفها بالمتواضعة، عن أنه من خلال متابعته لحركة المسرح السعودي يجده قد استطاع في فترة قصيرة أن يؤسس بيته الفني في أغلب عناصره، على الرغم من عدم وجود قاعات مسرحية خاصة أو معهد أو أكاديمية للفن المسرحي... والمسرح عادة يحتاج إلى سنين من التراكم والعمل المتواصل والجهود المضنية حتى يستطيع أن يحصد نتاجه وإبداعه. لهذا استبشر كغيره من المسرحيين بإنشاء وزارة للثقافة والإعلام، كما استبشر المسرحيون في عُمان بصدور أوامر سلطانية بتأسيس لجنة عليا لمتابعة تطوير الدراما والمسرح في عُمان. وتأسيسا على هذا جاءت ورقة الباحث المسرحي (محمد الفهد الهويمل: تصور واقعي لاستراتيجية تسيير المسرح السعودي)، متقصية تكوين هذه الاستراتيجية وفق منهجية عمل ترعاها وزارة الثقافة والإعلام، ومن أهم ما تضمنته تلك الاستراتيجية جاء في النقطتين التاليتين:
أولا: التركيز فيها على ضع الرسم المدروس للنهوض بالقائم وصولا به إلى مستوى متقدم يحقق رضا تطلعات المهتمين والمتابعين بما يوازي حجم الوزارة كجهة راعية، وأن يحدد هدفا متقدم المستوى يتم السعي إلى تحقيقه، وأن يوازي هذا السعي متابعة نقدية تقيمية لمعرفة متحققات الهدف ومعوقات الوصول.
ثانيا: تُعدّ (الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون)، التي أنشئت سنة 1393هـ/1973م، الجهة الراعية رسميًا لنشاط المسرح في السعودية، إضافةً إلى أدوار أخرى تؤديها الرئاسة العامة لرعاية الشباب ومسارح الجامعات.
جاء إنشاء هذه الجمعية بإعلان من الرئاسة العامة لرعاية الشباب، لكن وجودها، كما يقول (فهد صالح الحوشان: المسرح السعودي بين الفرد والمؤسسة)، لا يعني أنها أنشئت من أجل المسرح، كما يعتقد البعض... فمن أعمالها المختلفة التي تقوم بها من قصة وفنون تشكيلية وعدة أقسام يأتي المسرح من بينها، لهذا قلّ الاهتمام بالمسرح بسبب كونه نشاطا من ضمن عدة نشاطات كثيرة، وبسبب كثرة الأعباء على الجمعية فما زال مسرحنا لم يفرض نفسه على الجمهور رغم الثلاثين سنة بل حتى على المسؤولين.
ويستطرد الحوشان في موضع آخر فيقول: يمتد المسرح السعودي ليشمل جهات عدة؛ المسرح الرسمي الذي ترعاه الرئاسة العامة لرعاية الشباب والممثلة بفروع جمعية الثقافة والفنون بالسعودية، والتي لا يقل إنتاجها عن عدد فروعها سنويا، وهناك أيضًا مسارح الجهات التعليمية والأكاديمية؛ مثل المسرح المدرسي، والمسرح الجامعي، ومسارح القرى الترفيهية والفرق الخاصة، وإضافة إلى المسارح السابقة، ثمة مسارح أكثر تقدمًا وتطورًا هي مسارح الجامعات، حيث توجد في السعودية سبع جامعات يولي أغلبها الاهتمام بالنشاط المسرحي، لكن هذا النشاط إذا كان ضعيف الحراك في خمس جامعات، -كما يقول- فإنه ليس كذلك في جامعتي الملك عبدالعزيز، والملك سعود في الرياض، لكونهما يوليان المسرح اهتماما كبيرا.
لقد نشأ الحراك المسرحي في جامعة الملك سعود، ابتداءً من سنة 1971م إلى 1997م، وكشأن قسم المسرح في جامعة السلطان قابوس التي استفادت من تعاقدها مع عدد من المسرحيين أمثال: (هاني مطاوع، وعثمان عبدالمعطي)، من جمهورية مصر العربية، فإنّ عمادة شؤون الطلبة التي أنشئت في جامعة الملك سعود قد تعاقدت هي أيضا مع المخرج المسرحي المصري (محمد رشدي سلام)، لتبدأ معه في سنة 1369هـ انطلاقة الإسهام الفعلي للجامعة في تفعيل الحركة المسرحية، إلى جانب الجهود التي تؤديها جمعية الثقافة والفنون.
ونظرًا لزيادة عدد الكليات في جامعة الملك سعود، وارتفاع كثافة العروض التي قدمتها العمادة في الجامعة، فقد وجدت نفسها أنها في حاجة إلى الاستفادة من خبرات أخرى من لدى المخرجين العرب، فاستقدمت من مصر أيضا مساعد المخرج (رضا سلام)، ومساعد المخرج (علي السيد) كما استفادت العمادة أيضًا، من الخبرات الثقافية في الجمهورية التونسية، فتعاقدت مع المخرجين المسرحيين: (الحبيب القردلي، ومحمد جميل الجودي، وعبدالغني بن طارة)، ومن جمهورية السودان استعانت بخبرات المخرج (عثمان محمد الأنبياء)
لقد أمدت جامعة الملك سعود المسرح السعودي بالعناصر الفنية على مدى أكثر من خمس عشرة سنة، تمظهر ذلك واقعيا من خلال اتخاذها بعض الإجراءات المهمة: أولا: الحرص على رصد مبلغ مالي لأول مسابقة للتأليف المسرحي.
ثانيا: عدّ اللغة العربية، اللغة الأولى وإقصاء اللهجة المحلية عن الرُّكح. وفي تقديري الشخصيّ أن هذه الخطوة التأسيسية من الخطوات الجوهرية التي تعزز من فاعلية التجاذب المَطلوب للمسرح في المجتمع الخليجي، بين طرفي المعادلة الجدلية المتضادين: المجتمع والنخبة؛ بين مجتمع كبير وواسع يختلف ناطق اللهجة في الجنوب عنه في الشمال، وبين النخبة المثقفة التي يقع على عاتقها حمل راية النهضة بغية تنوير المجتمع، والخروج به إلى النهار ونقله من ضيق الجهل إلى رحاب المعرفة.
الناظر إلى حراك جامعة الملك سعود التاريخي في تفعيل المسرح وإيلاء الثقافة المسرحية اهتماما كبيرا من شأنه أن يصطدم مع العقول الرافضة أو العقليات المحافظة. لقد قدمت الجامعة عروضا مهمة في البداية، ثم بدأت مؤخرا كما يقول الباحث (سعد الغامدي: إشكالية الحركة المسرحية في السعودية، ندوة صحفية، أرشيف المسرح السعودي، قسم الكتب والدراسات والبحوث، رقم التسلسل 78، رقم النسخة 1، ص114و116) بالتراجع بعض الشيء تجاوبا مع تراجع المسرح ككل، ولكن الحرك لم يلبث أن عاد مجددا، ليتبوأ المسرح وعروضه موضعه السابق.
كان من بين المشكلات التي واجهتها شعبة المسرح في جامعة الملك سعود حينئذ تمثّل في أن إقبال الطلاب على المسرح كان محدودا. بمعنى أن كثيرين كانوا يظنون أن المسرح للتمثيل فقط، في حين ركزت شعبة المسرح على ضمن مسارها على الجانب الفنيّ، وليس على أدبيات المسرح، لكن رغم هذه الإنجازات التي حققتها شعبة المسرح في قسم الإعلام بجامعة الملك سعود، فقد أغلِقت كما يقول محمد العثيم في ظروف غير معروفة.
ويَعتقد العثيم أن بعضا من المتطرفين أو المتشددين في الرأي وقتئذ قد مرروا مشروعًا لإيقاف المسرح في فترة الصيف وقت إجازة القسم، ومجلس الكلية.
وإلى جانب نشاط الشعبة توجد فرقة (الطائف) التي تُعد من أقدم فرق التدريب، التي ظهرت من عباءة مهرجان الجنادرية، وتهتم الفرقة بالمسرح النخبوي التجريبي، كما تُدرب طلابها بشكل مغلق؛ بمعنى أنها لا تفتح باب القبول لغير من تُرشحهم، وستظل هذه الفرقة علامة بارزة في المسرح السعودي للخمس عشرة سنة الماضية.
وهناك أيضا (ورشة التدريب المسرحي بالرياض التي أسست في أواخر عام 1999م، ويتطوّر الحراك المسرحي مع الدورات التدريبية القصيرة التي تقيمها جمعية الفنون إلى جانب جهود فرقة (الأحساء) البارزة. أما أهم المهرجانات المسرحية التي تُقام في المملكة العربية السعودية فهي ستة مهرجانات: الجنادرية، والمهرجان السعودي للمسرح، ومهرجان أبها، ومهرجان أمانة مدينة الرياض، ومهرجان الرياض الدولي للدراما، ومهرجان الأعياد الشعبية في مدينة الرياض.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المملکة العربیة السعودیة فی جامعة الملک سعود المسرح فی السعودیة مسرحیة فی السعودیة على الرغم من فی المملکة على المسرح فی المسرح کما یقول إلى جانب ورقة عمل أکثر من التی ت
إقرأ أيضاً:
رحلة في ذاكرة المسرح السوداني* 1909 ــ 2019
رحلة في ذاكرة المسرح السوداني* 1909 ــ 2019
عبد الرحمن نجدي**
المسرح موطن لأيامي الجميلة
تقديم وعرض حامد فضل الله /برلين
صدر في عام 2025 كتاب لعبد الرحمن نجدي بالعنوان أعلاه. قام بتصميم الغلاف الفنان التشكيلي حسن موسى (فرنسا).
تبدأ الصفحة الأولى بعنوان: "تجديد الذاكرة"، "دعوني ابدأ باعتراف شخصي، لقد أخذتني السينما معظم سنوات حياتي رغم إنني درست علوم وفنون المسرح أولا قبل أن اتجه للسينما. لكنني ظللت وفيا للمسرح وأهله، وهذه شهادة مني بذلك".
" على مدي ثلاثة عقود عجاف من عمر حكومة "الاِنقاذ" لم تنج خشبة المسرح ... ومجمل الأنشطة الانسانية الأخرى التي تتصل بالهم الثقافي من قبضة واحد من أكثر الأنظمة عنفاً وقبحاً في تاريخ السودان!!.
وينشد:
خربت الديار يا سوبا أصلك خاينة،
وليَ الأوان يافتنة قط ما تايبة،
أضحي الجيشو خراب والدولة أضحت سايبة،
وكل التابعوك يا سوبا ناسا خايبة.
(خراب سوبا" خالد أبو الروس 1908 ــ 2014 ).
ويقول، لقد عانى المسرح طويلاً من وطأة عدم الرضي الرسمي، ومن طبقات طفيلية من أهل الدراما، فالمسرح يجب ان يكون( أو ينبغي أن يكون أبو الفنون) في بلادنا، كما هو في غيرها، ومصدر إشعاعها. وكان للمسرح في السودان، منذ مطلع عشرينات القرن الماضي، دوراً رائداً في تكوين الثقافة الجماهيرية وقيم الاستنارة والنضال الوطني المعادي للاستعمار. بدأ تاريخ المسرح في السودان عام 1902 حسب ما جاء في كتاب بابكر بدري (حياتي)، وظهر المسرح بشكله الأرسطي في مدينة رفاعة. كما سعى معهد تدريب المعلمين بخت الرضا منذ منتصف ثلاثينيات القرن الماضي، ليجعل من المسرح أداة من وسائل التعليم. كما جاءت سنوات الستينيات حافلة بكل ما تحمله الكلمة من دلالات، فقد كانت فترة تحول سياسي وإيجابي هائلة تم فيها الاِعلان عن ميلاد أول حركة جادة ومنظمة للمسرح، عندما قدمت مسرحية إبراهيم العبادي "المك نمر" وإخراج الفكي عبد الرحمن.
تم في عام 1976 إنشاء مسرح (للطفل والعرائس)، ولعل أكثر المسرحيات ارتبطا بالجماهير وأكثرها شهرة مسرحية "نبتة حبيبتي).
بدور الحق يسود في الناس،
ونبته تقيف تعاند الليل،
وما تسجد عشان تنداس،
وما تحكمنا عادة الكهنة،
والبحكمنا حقو الرأس.
أنشودة من أجل العدالة
(هاشم صديق، مسرحية "نبتة حبيبتي.")
كما سعى المسرحيون السودانيون، في هذا الجو المشحون بالإبداع إلى اقتحام طرق جديدة للعرض، فكان التغريب. ثم لا ينسى كلية الدراما " المعهد العالي للموسيقى والمسرح (1969)، والمسرح الجامعي مشاركاً المسرح القومي نهضته. ويرسل تحية وإجلال للمبدعات السودانيات اللواتي اقتحمن مجالاً عصياً تماماً على النساء في ذلك الزمان.
ولعل الفقرة التالية تلخص مضمون هذا الكتاب الصغير في الحجم والعميق في محتواه.
" لقد نشأ المسرح في السودان بوصفه ثمرة جهد من العمل الدؤوب قام به العيد من الرواد، وأصبح منذ مطلع القرن الماضي محطة مضيئة من محطات الحياة الثقافية والفكرية في السودان، وكان جزءا من نسيج الحياة الأدبية والفنية، ورغم أن تجربتنا المسرحية حديثة نسبية، فقد أستطاع كتابنا أن يتعرضوا لكل أنواع الصراع. هذا البحث محاولة لاستحضار تلك اللحظات الخالدة في تاريخ المسرح في السودان، ومحاولة للاقتراب من التجربة المسرحية خاصة تلك المرتبطة بالخشبة، وبفنان المسرح، وأولئك الذين شاركوا في نهضته، وأحيوا فينا شعلة الأمل لعقود طويلة، واليوم طواهم النسيان، وهذه المراجعات لاستكمال الصورة، ملء الفراغ، ما سجلته مجرد خطوط عامة لهذا التطور الخلاق والمنطقي لخشبة المسرح في السودان، وإبراز قيمة المسرحيات التي عرضت وشكلت منعطفاً منطقياً في ذاكرة المسرح السوداني في مستواها التاريخي والاِنساني، وأقول أن هناك الكثير جدا من القصص في ذاكرة المسرح السوداني تنتظر ما يسردها. والدعوة إلى فتح حوار جاد حول الدور الذي نتوقع أن يلعبه المسرح في تثبيت قيم الحرية واستشراف مستقبل واعد لبلد قتلته الأطماع والأيديولوجيات البليدة والخبيثة ".
كُتب واُخرج الكتاب بطريقة فنية، تقوم على سرد الراوي ( المؤلف) وكأنه على خشبة المسرح، ويعقبه إضاءة بصوت خارجي يضيف ويعلق، وهكذا دواليك، بهذا يشعر القارئ وكأنه داخل المسرح.
ويُختتم الكتاب بشهادات من عدد كبير من الفنانين والمبدعين والكتاب والسياسيين.
أرسل لي عبد الرحمن مسودة كتابه، وارسلت له السطور أدنها، فكرمني أبن الخال، فزين بها صفحة الغلاف الخلفي:
الأخ العزيز عبد الرحمن،
قرأت بكثير من المتعة والاِعجاب كتابك الموسوم "رحلة في ذاكرة المسرح في السودان (1909ــ 2019)".
تكتب يا العزيز بتواضع جم " ما سجلته مجرد خطوط عامة لهذا التطور الخلاق والمنطقي لخشبة المسرح في السودان، وإبراز قيمة المسرحيات ..."
يا العزيز،هذا نص رائع ووسيم وباهي، وزاخر بمعلومات قيمة وسرد تاريخي، بقلم كاتب وناقد معايشاً ومتابعاً من الداخل، لتطور المسرح في السودان.
لقد أعاد لي نصك البديع الكثير من الذكريات الحميمية. فخالد أبو الروس كان معلمنا في مدرسة الهداية الأولية، لصاحبها الشيخ الشبلي، الفاضل سعيد كان زميلي في المرحلة الثانوية، وكنا نلاحظ ونندهش ونعجب لمقدرته في المحاكاة، وكذلك زميل المهنة الدكتور الطبيب علي البدوي المبارك، وخالد المبارك كان زميلي لفترة قصيرة في ألمانيا الديمقراطية، قبل أن يتوجه إلى بريطانيا لمواصلة دراسته الأكاديمية العليا في مجال الفن المسرحي، ولا تزال تربطني به صداقة حميمة. لم تذكر حسن عبد المجيد فكان يقدم مسرحيات في الإذاعة (هنا أم درمان). وكذلك لم تتعرض للبروفيسور عبد الله الطيب، الذي كان يترجم بعض النصوص المسرحية الاِنجليزية، وكانت تُقدم أيضا من الاِذاعة". وكان يشارك في التمثيل والإخراج الصديق " ود المسلمية" قمرالدين علي قرنبع، و قتها كان طالباً في كلية الآداب، ثم أستاذا في معهد الدراسات الاضافية التابع لجامعة الخرطوم لاحقاً.
نعمل الآن في برلين لعقد ندوة كبيرة عن تاريخ المسرح والسينما في السودان، ويساعدنا في التحضير الصديق والمخرج السينمائي العراقي المعروف قيس الزبيدي*** وهو يعرفك ويعرف إبراهيم شداد، وكتب من قبل دراسة تعريفية ونقدية عن أفلام إبراهيم شداد.
لك عظيم الشكر "يا ود نجدي"، لهذا الرحيق ونحن نعيش في هذا الزمن الرديء.
حامد فضل الله
برلين، 27 أكتوبر 2024
أرسل لي العزيز عبد الرحمن عدد من نسخ كتابه الصغير، فقلت له: لماذا ضاق صدرك ولديك الكثير من ما تقوله.
فرد قائلاً:
هذا الكتاب مقدمة (قدومة) لثلاث كتب:
ــ الرقابة والسينما السودانية.
ــ رحلة في ذاكرة السينما السودانية
ــ الأماني المعلقة.
يا لها من بشارة عظيمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*عبد الرحمن نجدي، رحلة في ذاكرة المسرح السوداني، دار باركود للنشر والترجمة والتوزيع، الخرطوم 2025
** عبد الرحمن عبد الرازق نجدي، كاتب وناقد ومخرج سينمائي، درس السينما والمسرح في الخرطوم ولندن، مؤسس لمجلات السينما والمسرح في السودان، وشارك في العديد من مهرجانات السينما العربية والدولية، ويعمل مديراً لشركة قطر للسينما وتوزيع الأفلام منذ 2006.
*** تُوفىً قيس الزبيدي في برلين وقبل صدور الكتاب، ودُفن في العراق.
hamidfadlalla1936@gmail.com