جريدة الرؤية العمانية:
2025-01-23@21:34:19 GMT

طبت حيًّا وميتًا يا رسول الله

تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT

طبت حيًّا وميتًا يا رسول الله

حمد الحضرمي **

وُلِدَ سيد الكونين مُحمد بن عبدالله بن عبد المطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم في جوف مكة بتاريخ الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول من عام الفيل؛ بموجب ما ذكرته أوثق الروايات، وأمُّه آمنة بنت وهب من بني زهرة، ولم يرَ نبي الأمة أباه الذي مات في المدينة، إذ ولد نبي الرحمة يتيمًا "أَلَم يَجِدكَ يَتيمًا فَآوى" (الضحى: 6) وقد أرضعته ثويبة مولاة أبي لهب، كما أرضعته حليمة السعدية، وقد ثبت أن عمَّه حمزة بن عبد المطلب أخو رسول الله من الرضاعة، وقد توفيت أمُّه آمنة وهو في السادسة من عمره، ثم كفله ورعاه جدُّه عبدالمطلب حتى بلغ رسول الله ثماني سنوات، ثم توفي جدّه، فعاش رسول الله يتيم الأب، ثم فقد في طفولته أمه ثم جده.

فتأثر رسول الله تأثرًا بالغًا بوفاة أمّه، كما تأثر بوفاة جدّه لأنه كان يحبه ويرعاه ويعطف عليه لدرجة كبيرة، فأوصى عبدالمطلب ولده أبي طالب برعاية رسول الله، فأخلص أبو طالب في رعاية رسول الله وحبَّهُ حبًا كبيرًا، فعمل رسول الله منذ صغره مع عمه ورعى الأغنام في شعاب مكة وفجاجها، وكسب رسول الله من هذه المهنة الشريفة صفات التحمل والصبر والقوة والشفقة والحلم ومُخالطة الناس، وقد عرف الناس رسول الله بأنه ذو صفات طيبة كريمة "وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" (القلم: 4)، وأكدت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها على أن رسول الله كان خلقه القرآن، فهو سيد الثقلين وإنسان مُتواضع بمهابة، وذو حياء بشجاعة، وصاحب صدق وأمانة، وفصاحة وبلاغة، وثبات الجنان وقوة في العقل ورجاحة، وذو حكمة وبصيرة وحلم ورحمة ورقة في المشاعر، وحب العفو والصفح عن الناس.

إنَّنا نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، الذي شرفه الله بأفضل مرقى، وجعله أزكى نبي وأتقى، وجمع له جميع المحاسن خُلقًا وخَلقًا، وأمر البدر أن ينشق له إذا دعاه سقًا، كلمه الضب وخاطبه الثعبان حقًا، ونبع الماء الزلال من بين أصابعه وأروى العطشان صدقًا. يا خير خلق الله، يا سيد الأنام ومصباح الظلام، محمد عليه أفضل الصلاة والسلام "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" (الأحزاب: 56).

اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد الذي لما سرت أخلاقه في أرجاء مكة، وعرف القاصي والداني أمانته وصدقه وحسن خلقه، رغبت سيدتنا خديجة بنت خويلد في أن يُدير لها تجارتها، وكانت سيدتنا خديجة امرأة ذات شرف ومال ومن خيرة نساء قريش نسبًا وأعظمهن شرفًا وحسبًا، ونظرًا لأخلاق الرسول العالية وصدقه وأمانته، فقد رغبت سيدتنا خديجة بالزواج من رسول الله، فعرض رسول الله الأمر على أعمامه، فخرج معه عمه حمزة بن عبد المطلب، فخطب رسول الله سيدتنا خديجة وتزوجها، وأنجبت له كل أبنائه عدا إبراهيم الذي كانت أمه سيدتنا مارية القبطية.

وبدأ نزول الوحي على رسولنا صلى الله عليه وسلم وعمره أربعون سنة، ونزل الوحي على الرسول وهو يتعبَّد بغار حراء، فقد قال له جبريل عليه السلام "اقرأ": فقال النبي "ما أنا بقارئ"، فعاد له الثانية وفي الثالثة قال له: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ" (العلق:1- 4). وقد كان بدء نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم نقطة تحول في تاريخ البشرية، نقلتها من طريق الإعوجاج والظلام إلى طريق الهدى والنور، وتحوّل خط التاريخ كما لم يتحول من قبل ولن يتحول من بعد.

إن ميلاد ومبعث رسول الله من الأحداث الفريدة الكبرى في تاريخ البشرية، إذ إن النبي برسالته العظيمة أخرج الناس من الظلمات إلى النور، وعلينا جميعًا أن لا ننسى تلك الذكرى العطرة؛ لأنه ميلاد جديد للإنسانية وللبشرية بأسرها. وقد استغرق نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة وعشرين سنة، منها ثلاثة عشر عامًا بمكة المكرمة وعشر سنين في المدينة المنورة، وتبقى ظاهرة الوحي معجزةً خارقة للسنن الطبيعية، فقام رسول الله بنشر الإسلام للناس كافة بمختلف أجناسهم وقومياتهم وألوانهم وفي كافة بقاع الدنيا "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا" (سبأ: 28).

وقصدت الدعوة الإسلامية إلى تحرير النَّاس من الأوهام والأساطير والخرافات والشعوذة التي يقوم بها منتفعون يزعمون أنهم وسطاء بين الله والناس، والدعوة الإسلامية أعلنتها صريحة مدوية، أنه لا واسطة بين الله والإنسان، وقد اهتمت الدعوة الإسلامية ببناء مجتمع العدل والشورى، والعلم والعمران. ولقد كافح رسول الله وواجه أهل قريش الذين سخروا منه بالضحك والاستهزاء والغمز واللمز، واستمر رسول الله في نشر الإسلام وحرص على الاجتماع بالناس وتبليغهم دعوة الدين الحنيف، وكان يتحرى مواضع اجتماع القبائل وخاصة في مواسم الحج، حتى تمت بيعة العقبة الأولى وتلتها بيعة العقبة الثانية من مسلمي الأوس والخزرج، وهذه البيعة هي نقطة التحول الكبرى في تاريخ الدعوة؛ حيث أصبحت للإسلام دار يمكن أن تُتخذ قاعدة للانتشار وهو ما حصل بالفعل.

إذ أذِن النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة إلى يثرب، التي تغير اسمها فيما بعد إلى المدينة، فهاجرت مجموعة من الصحابة إلى المدينة، وبعد فترة هاجر النبي صلى الله عليه وسلم برفقة صاحبه أبي بكر الصديق، وعندما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة استقبله النَّاس خير استقبال، وأول ما قام به النبي صلى الله عليه وسلم فور وصله إلى المدينة بناء المسجد، ثم قام رسول الله بتنظيم شؤون حياة المسلمين ووضع الحلول والتنظيم لكافة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والصحية، وآخى بين المهاجرين والأنصار.

وأعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم دستورًا للمدينة، وهي وثيقة التحالف بين المهاجرين والأنصار، والتي نظمت العلاقات بين سكان المدينة. وانتشر الإسلام وأسس رسول الله صلى الله عليه وسلم دولة إسلامية قوية، كان في إدارتها صحابته الكرام، وكبار مستشاريه أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب، فأصبحت الدولة الإسلامية مجتمعًا قويًا متماسكًا قائمًا على أسس الحب والتكافل الاجتماعي والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واحترام الإنسان وتحقيق العدل والإنصاف.

وقد مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة وبعد شهرين ونصف من عودته إلى المدينة من حجة الوداع، إذ شعر بالمرض وهو في بيت أم المؤمنين ميمونة، فطلب من زوجاته أن يُمرض في بيت أم المؤمنين عائشة، واستمرت فترة مرضه صلى الله عليه وسلم عشرة أيام، وقد أثقله بعد ذلك المرض ومنعه من الخروج للصلاة بالنَّاس، فقال "مروا أبا بكر أن يصلي بالنَّاس" ودخلت السيدة فاطمة الزهراء على أبيها رسول الله عند الضحى فقالت: "وا كرب أباه" فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس على أبيك كرب بعد اليوم".

وكانت وفاته صلى الله عليه وسلم حين اشتد الضحى من يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول عام إحدى عشرة للهجرة، وقد نادت فاطمة الزهراء: "وَا أَبَتَاهُ، إلى جِبرائيلَ أَنْعَاهُ، وَا أَبَتَاهُ، مِن ربِّه ما أَدْناهُ! وَا أَبَتاهُ، جنَّةُ الفِردَوْسِ مَأْواهُ، وَا أَبَتَاهُ، أجابَ ربًّا دَعاهُ" ودخل أبوبكر على النبي صلى الله عليه وسلم وكشف عن وجهه وقبله وبكى، وقال: "طبت حيًّا وميتًا يا رسول الله" ثم صلى المسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم أرسالًا أرسالًا، لا يؤمهم أحد، وحفروا له قبرًا في حجرة عائشة رضي الله عنها ودفنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثواه الأخير.

اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك، إمام وقائد الخير، ورسول الرحمة، اللهم ابعثه مقامًا محمودًا يغبطه الأولون والآخرون، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد.

** محامٍ ومستشار قانوني

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: رسول الله صلى الله علیه وسلم النبی صلى الله علیه وسلم رسول الله من إلى المدینة الوحی على

إقرأ أيضاً:

سبحان الذي أسرى بعبده.. القرآن لخص تفاصيل ليلة الإسراء والمعراج بهذه الآية

تتضمن آية سبحان الذي اسرى بعبده من سورة الإسراء معجزة من أعظم المعجزات التي تكشف أسرار ليلة من أهم ليالي شهر رجب الذي هو أحد الأشهر الحُرم، وحيث اقتربت ليلة الإسراء والمعراج بنفحاتها التي لا يمكن لعاقل تفويتها ، من هنا تكثر الأسئلة تحت عنوان سبحان الذي اسرى بعبده ، سواء فيما حدث وسبب نزول هذا الآية وما تحويه من عجائب وأسرار .

ماذا حدث في الإسراء والمعراج؟.. 25 مشهدًا عجيبًا بين السماوات السبعة والأرضسبحان الذي أسرى

عبرت آية سبحان الذي أسرى بعبده عن ليلة الجبر والمعجزات ، فقد ذكر القرآن الكريم قصة الإسراء والمعراج ولخص الرحلة في آية واحدة «سُبحانَ الَّذي أَسرى بِعَبدِهِ لَيلًا مِنَ المَسجِدِ الحَرامِ إِلَى المَسجِدِ الأَقصَى» ، وورد أنها إحدى معجزات النبي محمد صلى الله عليه وسلم-؛ ففيها أسرى الله عز وجل بنبيه محمد من المسجد الحرام في مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى المبارك في بيت المقدس، وفي مكان مرتفع من أرض المسجد الأقصى المبارك توجد صخرة كبيرة عرج النبي -صلى الله عليه وسلم- من فوقها إلى السموات العُلى.

و لم تكن رحلةُ الإسراء والمعراجِ حدثاً عادياً؛ بل كانت معجزةً إلهيَّة متكاملةً أيَّدَ الله بها نبيَّهُ محمداً -عليه الصَّلاة والسَّلام-، ونَصَر بها دعوتَهُ، وأظهَرهُ على قومِه بدليلٍ جديدٍ ومعجزةٍ عظيمةٍ يعجزُ عنها البَشر؛ إذ أسرى بهِ من المَسجدِ الحرامِ في مكَّةَ إلى المسجدِ الأقصى في مدينةِ القدس ؛ِ لِيُسرِّيَ عنهُ ما لَقيَهُ من أهلِ الطَّائف، ومن آثارِ دعوتِه، وموتِ عمِّهِ وزوجَتِه، ثمَّ عَرَجَ بِهِ إلى السَّماواتِ العُلى؛ ليريَهُ من آياتِهِ الكبرى.

ورّغمِ عدمِ ذكرِ الحادثةِ تصريحاً في آياتِ القرآنِ الكريمِ، إلَّا أَّنها اشتَملت إشاراتٍ تُؤيِّدُ صحَّتها، منها ما وَرَدَ في قوله –تعالى-: « وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ*عِندَ سِدْرَةِ الْمُنتَهَىٰ*عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَىٰ*إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ*مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ*لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ»، و قيلَ في توقيتِ رحلةِ الإسراءِ والمعراجِ قولانِ: فَنُقِلَ أنَّها وَقَعت قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَقِيلَ قبلَها بِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ، وأمَّا موضِعُ بدايَتِها ففيهِ أيضاً قولانِ: أوّلهما من المَسجِدِ الحَرامِ؛ إذ كانَ رسولُ اللهِ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- نَائِمًا فِي الْحِجْرِ، فَكانَت انطلاقةُ الرِّحلةِ من موضِعه، وَثانيِهما من بَيْتِ أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ، وثلَّثَ آخرونَ بقولِ: كُلُّ الحرَمِ مسجِد.

ليلة الإسراء والمعراج

جاءت ليلة الإسراء والمعراج ، تثبيتًا للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم ومواساة وتكريمًا؛ ولتكون بذلك منحة ربانيَّة تمسح الأحزان ومتاعب الماضي، وتنقله -صلى الله عليه وسلم- إلى عالم أرحب وأُفق أقدس وأطهر، إلى حيث سِدْرَة المنتهى، والقُرْب من عرش الرحمن، مضيفًا بأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ظل يدعو أهل مكة إلى الإسلام نحو 13 سنة، وكان عمه أبو لهب محطة تشويش فائقة القدرة على رسالة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-.

وكان قد سبق هذه الرحلة سنوات عجاف على مكة ثم تلاها عام الحزن، حيث حدثتْ للرسول -صلى الله عليه وسلم- مصيبتان كبيرتان في السنة (العاشرة من البعثة)، أمَّا الأولى فهي موت أبي طالب، عمِّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والسند الاجتماعي له، وأمَّا الثانية فهي وفاة خديجة رضي الله عنها، زوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والسند العاطفي والقلبي له، فحينما وقعت هاتان الحادثتان المؤلمتان خلال أيَّام معدودة، ازدادت مشاعر الحزن والألم في قلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وزاد عليه ما كان مِن تجرُّؤ المشركين عليه؛ حيث كاشفوه بالنكال والأذى بعد موت عمِّه أبي طالب.

و قد ازداد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غمًّا على غمٍّ حتى يئس من قريش، وخرج إلى أكبر القبائل بعد قريش وهي قبيلة ثقيف بالطائف؛ رجاء أن يستجيبوا لدعوته أو يُئووه وينصروه على قومه، فلم يرَ ناصرًا ولم يرَ مَن يُئوي، وقد قال له أحدهم: أما وجد الله أحدًا يرسله غيرك؟ وقال آخر: والله لا أُكلِّمك أبدًا... لئن كنت رسولًا من الله كما تقول لأنت أعظم خطرًا من أن أردَّ عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك! وهنا قام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عندهم وقد يئس من خيرهم.

وقال لهم: "إِذْ قَدْ فَعَلْتُمْ فَاكْتُمُوا عَنِّي". إلاَّ إنهم لم يفعلوا، بل تطاولوا عليه -صلى الله عليه وسلم-، وأَغْرَوْا به سفهاءهم الذين رَمَوْهُ بالحجارة هو ومولاه زيد بن حارثة، حتى دَمِيَتْ قدمه الشريفة، وشُجَّ رأس زيد، ولم يزل به السفهاء حتى ألجئُوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة، وهناك التجأ إلى شجرة وأخذ يدعو بالدعاء المشهور: "اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبِّي، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي، إِلَى بَعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي أَمْ إِلَى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي، إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ عَلَيَّ غَضَبٌ فَلاَ أُبَالِي..».

ولما عاد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى مكة حزينًا كسيرَ النفس لم يستطع أن يَدْخُلْهَا إلاَّ في جوار مشرك، وهو مطعم بن عديّ، وفي هذه الظروف العصيبة والمحن المتلاحقة؛ في الطائف وفيما سبقها من وثيقة المقاطعة والحصار، ووفاة سَنَدَي الرسول الكريم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- العاطفي والاجتماعي، زوجه السيدة خديجة -رضي الله عنها- وعمه أبي طالب؛ وبعد أن ضاقت به الأرض من المشركين اتَّسعت له أفق السماء، وجاءت معجزة الإسراء والمعراج .

وورد حديث صحيح عن معجزة الإسراء والمعراج روي عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ، طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ، وَدُونَ الْبَغْلِ يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، قَالَ: فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، قَالَ: فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الأَنْبِيَاءُ، قَالَ: ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ، فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ.

وعندما عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ فَرَحَّبَ بِي، وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام، فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِابْنَيِ الْخَالَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا، فَرَحَّبَا وَدَعَوَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِفَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ، إِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قَالَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ «وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا»آية 57 من سورة مريم، ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ، ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ .

وتابع : ثُمَّ عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ، فَقِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قِيلَ: وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا، فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلامُ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ، ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ، وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلَالِ، قَالَ: فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ، فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى، فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقَالَ: مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ؟ قُلْتُ: خَمْسِينَ صَلَاةً، قَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ، قَالَ: فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِي، فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا، فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى، فَقُلْتُ: حَطَّ عَنِّي خَمْسًا، قَالَ: إِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ، فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى؟ وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام، حَتَّى قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ، فَلَمْ يَعْمَلْهَا، كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، فَإِنْ عَمِلَهَا، كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا، لَمْ تُكْتَبْ شَيْئًا، فَإِنْ عَمِلَهَا، كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً ، قَالَ: فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ، فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ».

مقالات مشابهة

  • أحمد الطلحي: 4 خصال في تعاملات سيدنا النبي
  • أحمد الطلحي: 4 خصال فى تعاملات سيدنا النبي.. فيديو
  • سبحان الذي أسرى بعبده.. القرآن لخص تفاصيل ليلة الإسراء والمعراج بهذه الآية
  • بيان معنى الأمّية في حق النبي صلى الله عليه وآله وسلم
  • بيان مدى علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم للغيب
  • ماذا يحدث عند الصلاة على النبي في رجب؟.. علي جمعة: 10 عجائب
  • عضو العالمي للفتوى: الترفق وحسن المعاملة أهم ما نحتاجه الآن
  • عضو «العالمي للفتوى»: الترفق وحسن المعاملة أهم ما نحتاجه في حياتنا اليومية
  • خالد الجندي: من يرغب في مرافقة النبي في الجنة عليه بكثرة السجود
  • حكم المزاح وضوابطه وشروطه في الإسلام