أعترف بأنني حزنت قليلا عندما سمعت كلمة «عمي» لأول مرة من شاب هب لتقديم المساعدة مع علمي اليقيني بأنه ما كان يقصد سوى الاحترام والتقدير والتبجيل لمقامي الكريم، غير أن وقع الكلمة وبعض الشعر الأشيب النابت هنا وهناك كانا السبب وراء حزني من فراق مبكر للشباب ولحاق مبكر أيضا بركب الكهولة المبكرة وتفكير عميق في مسائل العمر والسن وما قد يصاحبها من انتقال من حالة إلى أخرى يكون الإنسان فيها شاهدا على ذاته وهي تكبر أمامه.
أدبيات العلوم الاجتماعية تصنف مراحل نمو الإنسان وتقسمها إلى خمس مراحل تبدأ بالطفولة تتلوها المراهقة فالبلوغ فالشباب تليها الشيخوخة والهرم والبعض الآخر يزيد عليها تفصيلا ليقسمها إلى 8 مراحل تتفاوت ما بين الطفولة والشيخوخة كما تختلف تلك الأدبيات في تحديد عمر الانتقال من مرحلة إلى أخرى لكن ما يعنيني هنا تحديدا هو العمر الذي تعارف عليه الجميع وصنفته الأمم المتحدة باعتباره بداية عمر الشيخوخة هو ما يبدأ بسن الخامسة والستين ليستمر بعدها إلى ما لا نهاية له من الهرم والعجز.
عدد المسنين حول العالم وصل إلى أكثر من سبعمائة وخمسين مليونا، يتوقع أن يزيد عددهم إلى مليار ونصف المليار في عام ٢٠٥٠ حول العالم ويعزى الفضل في ارتفاع أعداد المسنين وإطالة عمر الإنسان إلى عوامل منها ارتفاع مستوى المعيشة وتحسن التغذية وتغير نمط الحياة والتقدم العلمي والطبي وعوامل أخرى أسهمت في رفع متوسط عمر الإنسان إلى اثنين وسبعين عاما مرتفعا بخمس سنوات عما كان عليه منذ بداية هذا القرن.
وكما يحدث في العالم فإنه يحدث لدينا أيضا فمعدل متوسط العمر لدى العمانيين ارتفع إلى سبعة وسبعين عاما بعد أن كان في بداية السبعينيات من القرن المنصرم لا يتعدى الثامنة والخمسين عاما كل ذلك بفضل التقدم الطبي والعلمي وارتفاع مستوى المعيشة وتغير أنماط الحياة المختلفة، ومع ارتفاع متوسط الأعمار ارتفعت نسبة المسنين ممن تزيد أعمارهم على الخمسة والستين عاما لتصل إلى مائة وخمسين ألفا يشكلون ما نسبته خمسة في المائة من مجمل عدد السكان ويتوقع أن يصلوا إلى ما يقارب العشرين في المائة من السكان بحلول عام ٢٠٥٠.
ارتفاع نسبة كبار السن ممن تتعدى أعمارهم الخامسة والستين في المجتمع بحاجة إلى دراسات متعمقة منها ما يتعلق بالجوانب الصحية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها من الجوانب التي يجب مراعاتها في أي مجتمع يمثل كبار السن فيه نسبة الربع من عدد السكان وهذا يتطلب أيضا مراعاة وتهيئة الظروف المناسبة لهذه الفئة من الناس والاستفادة من خبراتهم ومعارفهم وعلومهم.
حتى اللحظة لم ألمس من الجهات المعنية ولا من مؤسسات المجتمع المدني أي اهتمام كبير يذكر بفئة كبار السن باستثناء بعض المبادرات المتناثرة هنا وهناك للترويح عن كبار السن ولم شملهم ولا يوجد حتى اللحظة كيان حقيقي مؤسسي ومؤطر يُعنى بتقديم الخدمات لفئة كبار السن والمتقاعدين كتخصيص الأندية الاجتماعية والرياضية والجمعيات الأهلية أو الاستفادة من الخبرات الواسعة لدى تلك الفئة كما تفعل بعض الدول التي تستعين بخبرات المتقاعدين في إدارة البحوث والمشاريع والاستشارات وغيرها من الأعمال الحكومية والخاصة.
الأوان قد آن للتفكير في ما ستكون عليه الخارطة الديمغرافية في سلطنة عمان من ارتفاع في متوسط أعمار الإنسان العماني وزيادة في أعداد المسنين القادرين على العطاء والعمل وخدمة المجتمع والدولة وقد لا يتأتى ذلك من دون التفكير في رؤية مستقبلية تفصيلية لكبار السن تشتمل على سن للقوانين والأطر الوطنية المعنية بالشيخوخة والعمل على تحسين النظم الصحية والاجتماعية والاقتصادية لتلائم المرحلة المقبلة التي يكون فيها الإنسان بحاجة إلى رعاية واهتمام أكبر من ذي قبل.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: کبار السن
إقرأ أيضاً:
عبد الله بن زايد: رؤية الإمارات لمستقبل الإنسان مبنية على ضمان الحياة الكريمة
أبوظبي-وام
قال سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الخارجية، رئيس مجلس التعليم والتنمية البشرية والمجتمع: «إن رؤية الإمارات لمستقبل الإنسان هي رؤية طموحة مبنية على أسس التنمية وضمان الحياة الكريمة المستقرة والمستدامة، نتصور من خلالها مجتمعاً لأفراد يساهمون في خدمته، ويحافظون على ارتباطهم بعائلاتهم، ويحيون القيم والتقاليد التي كان وما زال لها عظيم الأثر في بناء مجتمع قوي جيلا بعد جيل».
جاء ذلك خلال مشاركة سموه في جلسة بعنوان: «التوجهات في ملف التعليم والتنمية البشرية والمجتمع»، خلال أعمال الاجتماعات السنوية لحكومة دولة الإمارات 2024، التي اختتمت أعمالها اليوم بالعاصمة أبوظبي، وحضرها الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، وسمو الشيخ ذياب بن محمد بن زايد آل نهيان، نائب رئيس ديوان الرئاسة للشؤون التنموية وأسر الشهداء، وسمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي، والشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح والتعايش.
وسرد سموه خلال كلمته قصة «حصة»، وهي فتاة تعكس الرؤية الاستشرافية للإنسان الإماراتي وما يتميز به من صفات تعكس التربية السليمة ضمن الأسرة المترابطة، والتعليم المتطور الشمولي الذي يمتد خارج الصفوف الدراسية ليشمل كل جانب من جوانب الحياة اليومية، باعتبارها مثالاً للفتاة المتعلمة الطموحة التي نشأت على احترام القيم والمبادئ والموروث الثقافي في مجتمعها، والاستزادة من أصالة الأهل والحي الإماراتي وجعلهم النهج الذي بنيت عليه شغفها بحب العلم والتعلم حتى وصلت إلى مهنة تبدع فيها مع زملائها، بناء وتطويراً واستكشافاً، لتصبح عضواً فاعلاً في جعل النجاح والتقدم من سمات واقع الإمارات في الحاضر وفي المستقبل.
وأضاف سموه: «لقد رسمنا من خلال قصة»حصة«لوحة جسدت واقعاً لمستقبل قادرين على توفيره لكل من يعيش على أرض الإمارات من مواطنين ومقيمين بتعاوننا جميعاً وعملنا بروح الفريق الواحد حتى نصقل شباب و شابات مثل حصة، يساهمون بشكل فعال في تنمية المجتمع وفي بناء مستقبل الدولة».
وتابع سموه: «إن التحول الذي نحاول تحقيقه لا يقتصر على عناصر نظام التعليم فحسب، بل يتطلب تعاوناً حقيقياً مع عناصر التنمية البشرية والمجتمع، بين الأسرة والمدرسة، وبين الجامعة وسوق العمل، وبين سوق العمل والمجتمع، والأهم من ذلك، تعاون بين كل مسؤول وزميله بطرق شمولية وإستراتيجية تركز على الأثر وليس فقط على المخرجات وتنتهج الطابع المحلي أساساً لها».
وتحدث في الجلسة إلى جانب سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، كل من: شما المزروعي، وزيرة تنمية المجتمع، وسارة الأميري، وزيرة التربية والتعليم، والدكتور عبدالرحمن العور، وزير الموارد البشرية والتوطين، وزير التعليم العالي والبحث العلمي بالإنابة، وأدارتها معالي هاجر الذهلي، الأمين العام لمجلس التعليم والتنمية البشرية والمجتمع.
التعاون والتكامل فيما بين ملفات التنمية البشرية
من جانبها، قالت شما المزروعي وزيرة تنمية المجتمع: «نرى أن التعاون والتكامل فيما بين قطاعات التنمية البشرية هما عاملان أساسيان في جعل قصة»حصة«واقعاً ملموساً، وفي زيادة تأثير التنمية لكل فرد، بداية من وضع رؤية مشتركة لأهدافنا وتحديد الفرص عبر القطاعات المختلفة، وتضمين قيمنا الإماراتية في كل ما نقوم به. علينا أن ننظر إلى تنمية المجتمع من خلال توفير فرص شاملة للجميع وإعادة بناء المهارات، وتعلم سبل إدارة الثروة، وتنمية المسؤولية المشتركة بين الجميع».
تنشئة جيل إماراتي الهوية
وقالت سارة الأميري، وزيرة التربية والتعليم: «تجسد قصة حصة طموحنا في تنشئة جيل إماراتي الهوية، ومؤهل على المستوى العالمي، ولديه المهارات اللازمة التي تواكب الطموحات العلمية والعملية لدى كل طالب. وهذا ما دفعنا لبناء نظام تعليمي محلي يزود الطلبة بالمهارات المستقبلية إلى جانب غرس القيم والمبادئ الإماراتية التي تبني شخصية الإنسان في دولة الإمارات».
تنمية بشرية شاملة
في ذات الإطار، قال الدكتور عبدالرحمن العور، وزير الموارد البشرية والتوطين، وزير التعليم العالي والبحث العلمي بالإنابة: «تمنحنا قصة حصة إلهاماً حقيقياً ودفعة أكبر للعمل بشكل مضاعف لتحقيق أحلام أبنائنا وبناتنا. فالإنجازات الكبيرة هي ليست إنجازات تعليمية أو أكاديمية فقط، إنما هي إنجازات مجتمعية وفكرية واقتصادية وغيرها الكثير، وتنمية بشرية شاملة. وتعتبر القيم والهوية الإماراتية جزءاً لا يتجزأ من توجهاتنا الإستراتيجية، وهو ما عودتنا عليه القيادة الرشيدة، بحيث لا تكون منفصلة إنما أساسية لنجاحنا».
مسؤولية مشتركة
من جانبها، قالت هاجر الذهلي، أمين عام مجلس التعليم والتنمية البشرية والمجتمع: «قصة حصة هي قصة توضح مسؤوليتنا المشتركة للعمل معاً من أجل تطوير كوادر بشرية تتمتع بمهارات عالية ولا تقتصر إنجازاتهم على تحقيق نجاح أكاديمي وحسب، بل بتمسّكهم بالقيم والمهارات الاجتماعية، وبمهن هادفة ومثمرة. إن إعادة تشكيل المجلس يأتي انطلاقاً من إيماننا الراسخ بأن النهج الشامل للتنمية البشرية هو السبيل الأمثل لتحقيق الطموحات التي رسمتها لنا قصة حصة».
وتُشكل الاجتماعات السنوية لحكومة دولة الإمارات 2024 الحدث الوطني الأبرز والأهم، الذي يشهد مناقشة تنفيذ الخطط التنموية والأولويات الوطنية لدولة الإمارات على مختلف المستويات خلال المرحلة المقبلة.
وتشهد الاجتماعات السنوية لحكومة دولة الإمارات 2024 تطورات جذرية في آلية تنظيمها، وأولوياتها، وأجندة فعالياتها، ومنطلقاتها، وأهدافها، والعديد من الأطر التي حافظت عليها خلال الدورات السابقة، وبما يتماشى مع توجهات ورؤى القيادة للتطوير والتحديث المستمرين لهذا الحدث الوطني الهام، وبما يتماشى مع الأولويات الوطنية، لتحقيق المستهدفات الإستراتيجية لحكومة دولة الإمارات، وتطوير العمل الحكومي وفق أفضل الممارسات العالمية.