عصفت ثورات ومتغيرات وانقلابات عديدة بالنفوذ الفرنسي في منطقة الساحل الإفريقي، بدءاً من مالي وبوركينا فاسو وانتهاء بالنيجر، التي باتت تتهيأ للفظ الجيش الفرنسي خارج أراضيها استجابة لمطلب المجلس العسكري، الذي انقلب على الرئيس المنتخب محمد بازوم في يوليو (تموز) الماضي.

يوم، الأحد الماضي، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مرغماً سحب قواته من النيجر، بحلول نهاية العام الحالي، معلناً بذلك أفول مرحلة طويلة من تاريخ النفوذ الفرنسي في منطقة الساحل الإفريقي.

 

مسلسل الانقلابات

وسبق إعلان فرنسا سحب قواتها من النيجر البالغ قوامها 1500 جندي وسفيرها أيضاً في نيامي، قرارات مصيرية أخرى، كشفت عن تراجع نفوذها في القارة السمراء، بعد مسيرة طويلة من محاربة الجماعات الإرهابية والمتشددة استمرت 10 أعوام.. ومنذ أغسطس (آب) عام 2020 الماضي، بدأ عقد النفوذ الفرنسي بالانفراط، مع أول انقلاب في مالي أطاح آنذاك بالرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا، ثم أُتبع بانقلاب ثانٍ في فبراير (شباط) 2021، أصبح بموجبه أسيمي غويتا رئيساً للبلاد. 

لم تنجح فرنسا رغم خبرتها الطويلة، ومعرفتها الدقيقة في خفايا وخبايا القارة الإفريقية،  بوقف مسلسل الانقلابات هناك، حتى ضعفت سطوتها متأثرة بانقلاب في غينيا وقع في سبتمبر (أيلول) 2021، وبانقلابين في بوركينا فاسو في 2022، انتهيا بوصول الكابتن إبراهيم تراوري للسلطة، وثم في يوليو (تموز) الماضي وقع انقلاب في النيجر أطاح بحليف فرنسا المقرب محمد بازوم، واستمر مسلسل الانقلابات حتى أغسطس (آب) الماضي، حين أطاح مجموعة من العسكريين في الغابون بالرئيس علي بونغو، متوّجين الجنرال بريس أوليغي نغيما قائداً للمرحلة الانتقالية. 

كان لانقلاب مالي بحسب الخبراء الأثر الأكبر في إضعاف قوة فرنسا في الساحل الإفريقي.. والعام الماضي، سحبت القوة الاستعمارية السابقة آخر جندي من قواتها هناك، بعد تواجد دام 9 سنوات، بسبب الرفض الشعبي والرسمي للوجود العسكري الفرنسي في البلاد.

كما تسبب الغضب الشعبي العارم في بوركينا فاسو بإجبار فرنسا أيضاً على اتخاذ قرار مشابه بسحب قواتها من البلاد، منهية بذلك وجود آلاف مقاتليها هناك مع حلول مارس (آذار) الماضي. 

هزيمة سياسية

يرى الكاتب ومحلل الشؤون الإفريقية رمضان قرني، أن "الخروج الفرنسي من النيجر هو بمثابة هزيمة سياسية جديدة، على الرغم من واقعية وموضوعية باريس في التعاطي مع ما حدث في نيامي، لكنه في الوقت نفسه يعطي مساحة أكبر لروسيا كي تتغلغل في البلد الإفريقي من خلال تقديم خدماتها الشاملة للحاكم الفعلي الجديد للنيجر، وبشكل تدريجي حتى لا تتهم بالوقوف خلف الانقلاب".

مكانة مفقودة 

من وجهة نظر الباحث إيفان غيشاوا، المتخصص في شؤون منطقة الساحل، فإن الانسحاب من هذا البلدان الإفريقية الثلاثة (مالي، بوركينا فاسو، النيجر)، "يكرس الفشل الذريع لسياسة فرنسا في منطقة الساحل".

وبحسب مراقبين، فإن باريس لم تلحظ أو لم ترغب في رؤية التطورات الجارية في المنطقة.. وقال دبلوماسي فرنسي إن ما حدث في "مالي امتد ببطء، لقد شهدنا هذه الموجة تتنامى منذ سنوات.. شعرت فرنسا بأنها تفقد مكانتها، ولكنها ظلت في حالة إنكار واستغراب".

وأضاف "نجد أنفسنا أمام عواقب العسكرة المفرطة في علاقتنا بإفريقيا، في حين تعصف أزمات أمنية وبيئية ومجتمعية أيضاً بمنطقة الساحل"، وهي من أفقر مناطق العالم.. كما أنه سرعان ما بدت فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة، والتي لا تزال تحتفظ بعدة قواعد في إفريقيا، كما في تشاد وساحل العاج والسنغال والغابون وجيبوتي، معزولة.

وذكرت صحيفة "وولف كوتيديان" السنغالية: "مع هذه الانتكاسة الأخيرة، ترى فرنسا أن نفوذها وسلطتها يتضاءلان بشكل كبير في غربي إفريقيا خاصة وفي إفريقيا عموماً".

وأشار كبير الباحثين في معهد الدراسات الأمنية والمتخصص في شؤون الساحل فهيرامان رودريغ كوني، إلى أن "فرنسا لم تعرف كيف تنسحب في الوقت المناسب وأرادت الاستمرار في أداء دور القائد في سياق تشهد فيه البيئة الاجتماعية تغيراً كبيراً".

غضب شعبي 

كان لدور الشباب في دول الساحل الإفريقي أثراً مهماً في بدء مسلسل الانقلاب هناك، فهم يشكلون النسبة الأكبر من السكان، وباتوا على دراية كبيرة بمدى تغلغل فرنسا في نهب موارد بلدانهم في ظل اتساع دائرة المعرفة وانتشار المعلومات بفضل الإنترنت وشبكات التواصل.

وتقول الباحثة أماني الطويل، أن "عاملين متضافرين أسهما في حال الانكشاف الفرنسية في إفريقيا، وهما ثورة الإنترنت والتركيبة الديموغرافية للقارة السمراء، إذ أن غالبية الأفارقة من الشباب، وهو القطاع المستخدم للإنترنت الذي يسهم في التوجهات العامة للرأي العام وطبيعة الجدل فيه، وذلك من حيث الوصول إلى المعلومات والقدرة على التواصل وتوافر إمكانات بلورة المواقف والتعبير عنها في الواقع المعاش على الأرض".ومن هنا اكتشف الأفارقة "حجم الاستغلال الكبير لثرواتهم الطبيعية وحرمانهم من عوائدها المشروعة، بل ومعاناتهم من الفقر والإذلال بسبب اتفاقات استغلال الموارد التي تحميها عمليات معقدة من التحالفات الفرنسية مع طبقات الموالين من النخب الحاكمة الأفريقية (كمبرادور)، وتمت هندستها عبر عقود من الزمان".

 "الشراكة المتساوية"

تسعى فرنسا لاستعادة شيء من دورها المفقود في إفريقيا من خلال "إطلاق مبادرات جديدة تقوم على القوة الناعمة، ودعم مقدرات حلفائها السابقين هناك".

ويقول محلل الشؤون الإفريقية رمضان قرني حول جدوى هذه الاستراتيجية، إنها "تشبه في مضمونها إلى حد بعيد إستراتيجية سابقة تعود إلى ما قبل عامين، حين بدأت إدارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بتنفيذ خطة كسب العقول والقلوب في إفريقيا ومن خلالها زار ماكرون العديد من الدول الإفريقية، واستضاف القمة الفرنسية الإفريقية أكثر من دورة، والأهم من ذلك كان له اجتماعات كثيرة مع الشباب الإفريقي في أكثر من مناسبة، لكن وبسبب تنامي الرفض الشعبي ووجود رأي عام مناهض للسياسة الفرنسية في إفريقيا فإن هذه الطريقة أثبتت فشلها، للعديد من الاعتبارات، أولها، الإرث الاستعماري، الذي ينظر لفرنسا أنها تنهب خيرات القارة.. والسبب الثاني، هو الفشل الأمني الفرنسي في منطقة الساحل المتمثل في الخروج المهين لقوات "برخان" من مالي، والأهم من ذلك استمرار التنظيمات الإرهابية في تهديد العديد من دول إفريقيا". ويؤكد المحلل أيضاً، أن "أدوات القوة الناعمة الفرنسية فقدت مع مرور الزمن زخمها، وفعاليتها في ضوء الأزمات المتتالية التي أحاطت بالقارة على مدار السنوات الطويلة الماضية، مثل أزمة الأمن ومواجهة الإرهاب، ونقص الغذاء، وفيروس كورونا، وجميعها كشفت عن غياب الدور الفرنسي الملموس في دعم إفريقيا". 

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني فرنسا منطقة الساحل الأفريقي انقلاب النيجر مالي الساحل الإفریقی فی منطقة الساحل الفرنسی فی فی إفریقیا من النیجر

إقرأ أيضاً:

البنك المركزي ينظم ندوة حول الرقابة الفعالة بمشاركة 110 أعضاء بالدول الإفريقية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

نظم البنك المركزي المصري ندوة افتراضية تحت عنوان "الرقابة الفعالة: بناء أُطر الرقابة وإدارة المخاطر" استمرت فعالياتها على مدار يومين وشارك فيها 110 أعضاء من البنوك المركزية الإفريقية، يأتي ذلك استمرارًا لجهود الدولة المصرية في دعم ومساندة الأشقاء من الدول الإفريقية في مختلف المجالات، وفي مقدمتها المجالات الاقتصادية والمصرفية.

استهدفت الندوة تقديم شرح تفصيلي للمبادئ والممارسات الأساسية اللازمة لضمان استقرار ودعم الثقة في النظام المصرفي، وذلك في ضوء رئاسة البنك المركزي المصري لمجموعة العمل الخاصة بتطبيقات بازل بمجموعة المراقبين المصرفيين الأفارقة التابعة لجمعية البنوك المركزية الإفريقية.

تناولت الندوة جوانب الأُطر الرقابية، بما في ذلك آليات الرقابة الفعّالة ومؤشرات الإنذار المبكر وإطار الرقابة المكتبية بالبنك المركزي المصري، بالإضافة إلى متطلبات الترخيص والحوكمة وأُطر مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، مع تسليط الضوء على دور تجميع مخاطر الائتمان في تعزيز تقييم المخاطر.

تأتي هذه الندوة في إطار سلسلة الندوات التي استضافها البنك المركزي المصري خلال السنوات الثلاث الأخيرة لتعزيز التعاون مع الدول الإفريقية الأعضاء في جمعية البنوك المركزية الأفريقية (AACB)، والتي تمثلت في ندوة تحت عنوان "الدعامتين الثانية والثالثة من مقررات لجنة بازل للرقابة المصرفية" عام 2021 وأخرى بعنوان "بازل III – إصلاحات ما بعد الأزمة" عام 2022 وأخيرًا ندوة بعنوان "المخاطر المالية المتعلقة بالمناخ والتمويل المستدام" عام 2023، حيث لعبت هذه الندوات دورًا فعالًا في تبادل الخبرات المصرفية بين المشاركين من العاملين بمجال الرقابة والإشراف في البنوك المركزية الإفريقية.

مقالات مشابهة

  • عاجل. مالي: مقتل 69 مهاجرًا على الأقل بعد غرق قارب قبالة المغرب
  • مصر تكشف عن الارقام الحقيقة لخسائرها بسبب تطورات البحر الأحمر
  • مصر: قناة السويس فقدت 7 مليار دولار بسبب تطورات البحر الأحمر
  • ترحيل مهاجرين غير شرعيين من النيجر
  • دعمًا للكرة النسائية.. ورش عمل لمدربات الرخصة الإفريقية B7
  • ماذا بقى من القواعد العسكرية الفرنسية في أفريقيا بعد انسحابها من تشاد والسنغال؟
  • البنك المركزي ينظم ندوة حول الرقابة الفعالة بمشاركة 110 أعضاء بالدول الإفريقية
  • عام ساخن في الساحل.. اشتداد الأزمة مع إيكواس وإغلاق القواعد الغربية
  • ارتفاع عدد ضحايا إعصار شيدو في أرخبيل مايوت الفرنسي إلى 39 قتيلا
  • ذهبية للجزائر وفضية للجمهورية الصحراوية في الألعاب الإفريقية العمالية