مقاربة بين براح الديمقراطية النقابية وضيق المركزية الديمقراطية
تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT
صديق الزيلعي
قضية المركزية الديمقراطية والحوار حولها ونقد محدوديتها، لا تبارح نقاشي مع الزملاء والأصدقاء. الدفاع المستمر عن المفهوم هو تجسيد واضح وجلي، لعقلية تقديس النظرية وإلغاء الواقع الملموس ورفض ديالكتيك تجدده وتغيره المستمر. يتم ذلك في تجاهل تام لمقولة جوتة الحكيمة: النظرية رمادية والواقع في اخضرار دائم.
حفزي على كتابة هذا المقال المثقف الصديق والكاتب الراتب زين العابدين صالح عبد الرحمن. جاء في رسالة منه ما يلي:
” السلام عليكم.
سؤال مهم جدا لماذا الزملاء في العمل النقابي والمنظمات المدنية أكثر فاعلية ولديهم قدرة على إدارة الازمة وقبول الاخرين، ولكن من خلال الحزب تضعف هذه الميزات والقدرات تماما ويصبحون دوقمائيين أكثر الا تعتقد هذه مشكلة المركزية الديمقراطية التي تحد من مساحات الحوار داخل الحزب وتعطي مجموعة ضيقة السلطة في اتخاذ ما يراه وغير مناسب لأنه يعبر عن مصالحها. هذا الامر يضعف دور الحزب في انتاج ثقافة ديمقراطية ويتمسك بشعارات الهدف منها المناورة وليس انزالها للواقع. ”
هذا السؤال مر بي بصيغ مختلفة، ولكن جوهره هو معرفة حقيقة المركزية الديمقراطية.
السبب الجوهري بين مزاولة الزملاء لدورهم في النقابات والمجتمع المدني، وفي داخل الحزب من خلال المركزية الديمقراطية، هو الإطار المؤسسي المتباين لهاتين الممارستين. فقد تطور أسلوب إدارة النقابات ومنظمات المجتمع عبر العصور، وتجدد مع تراكم الخبرات. من الجانب الآخر فقد تم الإصرار على المحافظة على أسس المركزية الديمقراطية، يكل كل تفاصيلها، كما تمت صياغتها قبل أكثر من مئة عام.
الديمقراطية النقابية، التي وضع أسسها العامة الزوجان ويب، قبل أكثر من 150 عاما، في كتابهما المسمى الديمقراطية الصناعية، الذي يعتبره النقابيون الأوائل انجيل الحركة النقابية. ومنذ ذلك الحين تم تطوير الممارسة الديمقراطية داخل النقابات، تمشيا مع التغييرات العميقة التي تعرض لها مفهوم ووظيفة وصيغة العمل. كما ان الحركة النقابية العالمية لا تزال مفتوحة القلب والعقل لاي تغييرات تزيد من ديمقراطيتها وفعاليتها وجدواها. مما يعني ان تغييرات مستمرة، حدثت منذ تأسيس الحركة النقابية وتحدث باستمرار حتى اليوم. كما انها قابلة للتغيير حسب مستجدات الظروف مستقبلا.
اهم سمات الديمقراطية النقابية، باختصار شديد، هي:
• الجمعية العمومية هي السلطة العليا، وتمارس رقابة لصيقة، وتملك الحق في تغيير لجنة النقابة في أي وقت، بسحب الثقة عنها.
• للنقابات دورات ثابتة ومثبتة في الدساتير تنهي بمؤتمر نهاية الدورة، لا يحق للقيادة تغييرها، كما للعضوية الحق في طلب عقد مؤتمرات طارئة.
• في أحيان كثيرة يتم عقد اجتماع موسع في شكل مجالس إدارات كل اللجان المنضوية للنقابة لمناقشة قضايا محددة واصدار قرار بشأنها.
• يتم استفتاء كل العضوية حول القضايا الكبيرة والهامة كالإضرابات.
• نفس السمات موجودة في منظمات المجتمع المدني حيث رقابة العضوية واضحة ومقننة، ولا تملك أي سلطة الحق في منع حرية النقاش والحوار وتغيير أسس العمل متى ما تطلب الموقف ذلك وفي مرونة واضحة.
أهم سمات المركزية الديمقراطية، باختصار شديد، هي:
• تمت صياغتها من لينين في ظل حكم قيصري اوتوقراطي باطش لا يسمح بأقل هامش من الحرية.
• تملك القيادة المركزية سلطة مطلقة على كل ما يتعلق بالتنظيم.
• للأعضاء الحق في محاسبة القيادة، بل وتغييرها، ولكن ذلك لا يتم الا من خلال المؤتمر العام وتحديد موعد انعقاده في يد المركزية ويمكن الا ينعقد لعشرات السنين مثلما حدث.
• الحوار الداخلي له قيود ولا يفتح الا بقرار من المركزية والعضوية لا يمكنها المطالبة بعقد مؤتمر او سحب الثقة لأنها لا يسمح لها بالاتصال بالعضوية الأخرى خارج الفرع الذي تنتمي اليه.
• هناك تقاليد صارمة حول أسس مناهج العمل واسس الانضباط ورغم انها غير مكتوبة، ولكنها وعبر الأجيال صارت قواعد صارمة وملزمة، وتملك سلطة يمكن تشبيهها بالرقيب داخل كل فرد.
• هناك مسائل اخري من أراد التوسع فليراجع كتابي حول هل يمكن تجديد الحزب الشيوعي السوداني، به فصل كامل في نقد المركزية الديمقراطية.
كخاتمة:
يمكن لنفس الشخص ان يمارس العمل النقابي او في منظمات المجتمع المدني في مرونة تامة وتقدير لآراء الفئات الأخرى في ذلك نفس المؤسسة ويعمل معها في انسجام تام. بينما نجد نفس الشخص او الأشخاص عندما ينتمون او يعملون في مؤسسة تدار على أسس مبنية على المركزية الديمقراطية ان تتحول ممارساتهم للتقيد الصارخ بالنصوص والطاعة العمياء لها وللقيادة. كما يصبح تعاملهم مع الاخرين في شكل الصراع ولا يقبلون الآخر المختلف في الرأي بسهولة.
أتمنى في هذه العجالة ان أكون قد قدمت إجابة مختصرة للصديق زين العابدين وللعديد من القراء الذين يسألون عن المركزية الديمقراطية.
siddigelzailaee@gmail.com
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الحق فی
إقرأ أيضاً:
أ.د بني سلامة يكتب .. “البرلمان الأردني: صورة الوطن وتحديات الديمقراطية”
#سواليف
” #البرلمان_الأردني: #صورة_الوطن و #تحديات_الديمقراطية”
بقلم : ا د #محمد_تركي_بني_سلامة
يُعَد البرلمان رمزًا لهوية الوطن ومرآة لإرادة الشعب، وتشكيلته المتنوعة هي انعكاس لتماسك المجتمع الأردني الذي يتصف بالتعددية. ومع ذلك، هناك تحديات عديدة تواجه المؤسسة التشريعية، حيث بدأت تظهر سياسات تستهدف إقصاء بعض الأطياف السياسية أو تهميشها، وهو ما يهدد جوهر الديمقراطية ومبادئ التعايش والتنوع.
الإسلاميون، الذين يمثلون جزءًا أصيلًا من النسيج الاجتماعي الأردني، لطالما أثبتوا ولاءهم للأردن وولاءهم للعرش الهاشمي، ولم يكن هناك مجال للشك في إخلاصهم تجاه الوطن. وعلى الرغم من ذلك، تتوالى محاولات تشويه صورتهم أو شيطنتهم ضمن المشهد السياسي. هذه المحاولات لا تليق بوطن معروف بالوسطية والاعتدال، وحرصه على الحفاظ على وحدة أبنائه. الأردنيون يعتزون بتاريخهم المشرف الذي يعبر عن روح التسامح والتعايش، وهذا التاريخ يجعل من غير المقبول محاولات تشويه صورة فئة تمثل جزءًا لا يتجزأ من الأمة.
مقالات ذات صلة المنخفض الجوي الأول يلوح بالأفق | مؤشرات لكتلة هوائية باردة بداية الاسبوع شرق البحر المتوسط 2024/11/12شهدنا خلال السنوات الماضية تزايد الانتقادات للبرلمان، وظهرت أصوات تصفه بأنه “ديكور” لا يمتلك تأثيرًا حقيقيًا، وهو وصف لا يعكس فقط النظرة السلبية تجاه البرلمان، بل يضرب في صميم التجربة الديمقراطية التي هي أساس استقرار الوطن. البرلمان في حقيقته يجب أن يمثل إرادة الشعب، وأن يكون منصة للتعبير عن هموم الناس، وأداة رقابية وتشريعية فعالة. لكن عندما يُشكك في مصداقيته أو يُختزل دوره إلى واجهة شكلية، فإن ذلك يؤثر بشكل سلبي على العملية الديمقراطية ويضعف ثقة الشعب بمؤسساته.
في خضم التحولات السياسية التي يشهدها الأردن، هناك تطلعات كبيرة نحو تحقيق برلمان نزيه وفعّال. وقد كانت الانتخابات النيابية الأخيرة خطوة مهمة نحو تعزيز نزاهة العملية الديمقراطية، حيث رأى الأردنيون تجليًا لإرادتهم الحرة. ومع ذلك، فإن ضمان استمرارية هذه النزاهة يتطلب من الجميع العمل بروح من التعاون والشراكة، دون تدخلات تشوه صورة البرلمان أو تؤثر على اختيار قيادته. من المهم أن يُترك للنواب حرية اختيار رئيسهم وتشكيل اللجان، بحيث يكون القرار نابعا من إرادتهم الحرة دون ضغوط أو تدخلات.
ولا شك أن محاولات التشكيك الموجهة نحو الإسلاميين في البرلمان تثير قلقًا كبيرًا، إذ تبرز بوادر ما يُعرف بـ”الإسلاموفوبيا” في المجتمع السياسي الأردني. هذه السياسات، الضيقة الأفق، تضر بمصلحة الوطن وتؤدي إلى إحداث فجوة قد تُضعف التماسك المجتمعي، خصوصًا في ظل الحاجة إلى العمل المشترك لتحقيق الأهداف الوطنية. إن مرحلة الإصلاح السياسي التي يقودها الملك عبد الله الثاني تحتاج إلى التعاون والتكاتف، وليس إلى خلق انقسامات أو تعزيز الشكوك.
الملك عبد الله الثاني، برؤيته السياسية الحكيمة، يعمل بجد على دفع عجلة الإصلاح والتحديث السياسي، وقد أكد مرارًا على ضرورة أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة، كدليل على عدم تراجع الدولة عن مشروعها الإصلاحي. وعلى هذا الأساس، يأمل الشعب الأردني أن يعكس البرلمان الجديد هذه التطلعات، ويكون مثالًا للنزاهة والشفافية في اختيار رئيسه وتشكيل لجانه.
في هذا السياق، لا بد من التأكيد على أن البرلمان الأردني يجب أن يكون حاضنًا لجميع الأطياف السياسية، يعبر عن تنوع المجتمع وثرائه، ويجسد مبادئ الوحدة الوطنية. فالتنوع ليس ضعفًا، بل هو مصدر قوة وإثراء للوطن، ووجود الإسلاميين داخل البرلمان يعكس هذا التنوع، ويمثل جزءًا من الهوية الأردنية المتجذرة في التسامح والتعايش.
إن التجربة البرلمانية الأردنية ليست مجرد مؤسسات أو مناصب؛ إنها تعكس قدرة الأردنيين على التعايش والعمل معًا لتحقيق أهداف مشتركة. ومن هنا، فإن إقصاء أي فئة أو تهميشها يعكس تراجعًا عن القيم التي قام عليها الوطن. الأردنيون يتطلعون إلى برلمان يمثل تطلعاتهم ويعبر عن إرادتهم الحرة، ويستطيع أن يؤدي دوره الرقابي والتشريعي بكل كفاءة واستقلالية.
وفي هذا الإطار، لا بد من توجيه نداء إلى كل من يسعى إلى تشويه صورة البرلمان أو نشر الفتن بين مكوناته. إن الأردن، بتاريخه الطويل وقيادته الحكيمة، يحتاج إلى مؤسسات قوية وفاعلة، تعبر عن إرادة الشعب وتحترم جميع الأطياف السياسية. فلا مصلحة في إقصاء الإسلاميين أو شيطنتهم، فهم جزء أصيل من الوطن، وقد أثبتوا دائمًا التزامهم بثوابت الأمة وحرصهم على خدمة الوطن بكل إخلاص.
ختامًا، إن الأردن اليوم بحاجة إلى جهود جميع أبنائه، دون استثناء. علينا أن ندرك أن في وحدتنا قوة، وفي تنوعنا ثراء. البرلمان، باعتباره ممثلًا لإرادة الأمة، يجب أن يكون نموذجًا للتعاون والوحدة الوطنية، وأن يتمتع بالهيبة والاحترام، بعيدًا عن أي سياسات تهميش أو إقصاء. لقد حان الوقت لأن نتجاوز الحسابات الضيقة، وأن نعمل من أجل مستقبل أفضل لأردن قوي ومزدهر، يعتز بتنوعه ويحتضن كل من يسعى إلى بنائه ورفعته.