المولد النبوي.. نهج المحبة والرحمة
تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT
منذ فجر الدعوة الإسلامية، نشأ غرض شعري ذو قيمة إبداعية وأخلاقية، وهو غرض "المديح النبوي"، فإذا تتبعنا تاريخ المديح النبوي، سنجد أن أوله ما قاله عبد المطلب إبان ولادة محمد صلى الله عليه وسلم، إذ شبه ولادته (ص) بالنور والإشراق، حين يقول: وأنت لما ولدت أشرقت ** الأرض وضاءت بنورك الأفقُ فنحن في ذلك الضياء وفي ** النور وسبل الرشاد نختــرقُ
الاحتفاء بذكرى المولد رسالة ذات مغزى تربوي وأخلاقي وروحي
ثم ها هو أبو طالب يمدح النبي (ص) في صغره، عندما استسقى به في أيام القحط.
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ** ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يلوذ به الـهُلَّاك من آل هاشم ** فهم عنده في نعمة وفواضل
ومع ذلك فهذا الفن الشعري الذي ازدهر وتنامى مع الدعوة النبوية والفتوحات الإسلامية، كان هذا وهو حي عليه الصلاة والسلام قائم بين ظهراني أصحابه، وممن اشتهروا بهذا مجموعة من الشعراء الصحابة رضوان الله عليهم الذين كانوا يُعرفون بالفصاحة والبلاغة، ومنهم "حسان بن ثابت"، و"كعب بن مالك"، و"كعب بن زهير"، و"عبد الله بن رواحة"، فقد كانوا يكتبون الشعر في مدح الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكان هذا فناً من فنون المحبة والشوق، والشغف بمدح خصائصه وخصائله.
فمابالكم بنا نحن الذين أحببناه ولم نره! لماذا حين نحتفل به نقع تحت طائلة الضلالة، ونواجه بوابل الإنكار والذم من بعض المتشددين الذين يرون ذلك بدعة سيئة، أو يعدونه كبيرة من الكبائر أو ذنباً عظيماً، هل يتناسى هؤلاء أنه احتفاء يُعبّر عن المحبة له صلى الله عليه وسلم، وهل ينكرون أنه كان يعظّم يوم مولده، ويشكر الله تعالى فيه على نعمته، وكان يعبّر عن ذلك التعظيم بالصيام، هل ينكرون أن محبته أصل من أصول الإيمان، وقال: لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أجمعين)؟! هل ينكرون المفارقة المهمة فى حديث -البخاري- قيل أن الله يخفّف عن أبي لهب كل يوم اثنين بسبب عتقه لثويبة جاريته لما بشرته بولادة النبي صلى الله وعليه وسلم؟!
إن محبته صلى الله عليه وسلم تتغلغل في قلوب المؤمنين، وإن التعبير عنها ليس على درجة واحدة، ولا بشكل واحد، بل لها عدة سبل وطرائق في التنفيس عنها.
وقد أجازت دار الإفتاء المصرية احتفال المسلمين بالمولد النبوي الشريف، وأوضحت الدار في فتواها حول ذلك، أن المولد النبوي الشريف إطلالة للرحمة الإلهية، كما أخبر عنها في القرآن بالنسبة للتاريخ البشري جميعه.
وأشارت الفتوى إلى أن جماهير العلماء سلفاً وخلفاً أجمعوا على مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، بل ألف في استحباب ذلك جماعة من العلماء والفقهاء، بيّنوا بالأدلة الصحيحة استحباب هذا العمل، وأكدوا أن الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف فعل لا مخالفة فيه لسنة، ولا إحياء فيه لبدعة غير حسنة، غير تلك التي شهد الشرع باعتبارها، ويكفي ما قاله عمر رضي الله عنه "نعم البدعة هذه".
مشروعية الاحتفال بذكرى المولد النبوي صدرت عن علماء الأمة الإسلامية المعتدلين، وأقربهم إلى الصواب والوسطية والتسامح، كما أن المولد النبوي الشريف، يعد فسحة كبيرة لإدخال البهجة، وتعطير المجالس بذكره وبذكراه، والاقتداء بسيرته صلى الله عليه وسلم، وترسيخ معاني الإنسانية والمحبة والسلام والتسامح، متخلقين بأخلاقه وبمنهجه صلى الله عليه وسلم.
كما أن الاحتفاء بذكرى المولد رسالة ذات مغزى تربوي وأخلاقي وروحي، وهو أمر محمود، وعمل مبرور، يكفي أنه توقير للرسول صلى الله عليه، شريطة أن يكون ذلك بقراءة السيرة ومدارستها من باب الأسوة الحسنة، فهي فضيلة في هذا الشهر، فنحن أحوج ما نكون إلى هديه في هذا العصر الذي كثرت فيه الفتن، وانتشر التطرف، والتكفير، وتم اختطاف الدين، وبدأ يعيش المسلم في غربة، وكثر أعداؤه، فلا طريق إلى الخلاص من كل ذلك إلا باتباع "نهج المحبة" التي تلطف الأجواء، وترسخ الاعتدال والتسامح، وتعزز من أدبيات التدين الصحيح.
كما يعتبر المولد من الفرص السانحة لنرتقي بأخلاقنا، وإظهار الاستئناس والابتهاج بهذه الذكرى، فحياته كلها أسوة لنا، ولذا فإن تأصيل محبة الرسول عليه الصلاة والسلام واجب شرعي.
وتختلف الاحتفالات الشعبية والرسمية من بلد لآخر ومن منطقة لغيرها، مثل إقامة مجالس لذكر الله وقراءة القرآن والابتهالات، ومدح النبي، وتدارس سيرته، وذِكر شمائله، ويُقدّم فيها الصدقات والطعام والحلوى وغيرها.. وهو يوم إجازة رسمية في معظم الدول العربية والإسلامية.
من الثوابت الوطنية في دولتنا والنابعة من حكمة قيادتنا، أن المناسبات الدينية يجب استثمارها في إعادة الإرث التاريخي والمنهج الحضاري، لكون الإمارات منبعاً ثرياً للمحبة، وموطناً أصيلاً للاعتدال، ومحجّة للتعايش السلمي بين الناس.
ندعو الله أن يعيد هذه الذكرى على دولتنا وعلى العالم الإسلامي والإنسانية جمعاء بالخير والبركة والرخاء، وكل عام والجميع بخير ومحبة وسلام.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: زلزال المغرب التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الملف النووي الإيراني المولد النبوی الشریف صلى الله علیه وسلم بذکرى المولد
إقرأ أيضاً:
دعاء لفك الكرب.. الإفتاء توضح: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن»
دعاء فك الكرب أحد أسلحة المؤمن للتقرب إلى الله وطلب العون والتيسيرات، لاسيما أن الأزمات والشدائد تُعدّ جزءًا من حياة الإنسان، وقد أرشدتنا الشريعة الإسلامية إلى وسائل للتخفيف من هذه الكروب، أبرزها الدعاء ومنها دعاء لفك الكرب.
أدعية فك الكربوأشارت دار الإفتاء المصرية إلى عدة أدعية واردة في السنة النبوية تُستحب عند مواجهة الكرب والهم وأبرزها دعاء لفك الكرب، منها من هذه أدعية لفك الكرب ما رواه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب، دعاء لفك الكرب: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم».
دعاء لفك الكربوأضافت دار الإفتاء حول دعاء لفك الكرب، أنَّه كما نُقل عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء لتفريج الهموم: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال»، مؤكّدة أنَّ هذا الدعاء يُظهر استعاذة المسلم بالله من المشاعر السلبية والضغوط النفسية.
بالإضافة إلى ذلك، في دعاء لفك الكرب يُستحب ترديد دعاء سيدنا يونس عليه السلام عندما كان في بطن الحوت: «لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين». فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «دعوة ذي النون، إذ دعا بها وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين؛ لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له».
الاستغفار والصلاة على النبي لفك الكربوأشارت دار الإفتاء إلى أنه بخلاف دعاء لفك الكرب ثبت أن الاستغفار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من الوسائل المهمة لتفريج الكروب، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب».
واختتم دار الإفتاء حول دعاء لفك الكرب يُنصح المسلم باللجوء إلى الله في أوقات الشدة والرخاء، والمواظبة على الأذكار والأدعية المأثورة، مع اليقين بأن الفرج من عند الله وحده.