سوق الدولار يشتد في العراق.. من المستفيد من تضارب الأسعار؟
تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT
قلق يسود الشارع العراقي، ومخاوف تثار مع انعكاسات سلبية قد تطال الوضع الاقتصادي للمواطنين؛ نتيجة غياب السيطرة على أسعار الدولار الأمريكي مقابل الدينار العراقي، خاصة وأن الإجراءات المتخذة حكومياً لم تستطع حتى اللحظة بسط السيطرة على السوق، وسط تساؤلات عن هوية المستفيدين من تضارب الأسعار. *عجز
وعلى مدار الأزمة، اتخذت الحكومة قرارات عدة كان القصد منها خفض قيمة الدولار مقابل الدينار، لكن عجزت تلك القرارات عن إيجاد الحلول، والأزمة ما تزال مستمرة.
يرى الخبير الاقتصادي، ضياء المحسن، أن البنك المركزي العراقي "عاجز" عن إيجاد الآلية الحقيقية للسيطرة على ارتفاع أسعار الدولار، لافتاً إلى أن "المركزي يعمل بآلية تتيح عملية التهرب وتهريب العملة، مثلاً توزيع البنك المركزي عبر نافذة العملة نحو 30 مليون دولار يومياً لمكاتب الصيرفة لكن لا يعلم هذه المكاتب اين تصرف المبالغ، بالإضافة إلى تعزيز الاعتمادات الخارجية بملايين الدولارات دون أن يعلم هل فعلاً دخلت بضائع بهذه المبالغ، ناهيك عن التهريب يومياً بنحو 70 مليون دولار الى الخارج منها عبر اربيل الى تركيا".
ويضيف، "نحتاج معرفة المشكلة الحقيقية حتى نجد الحل"، مبيناً أن "الحل يكمن بقيام البنك المركزي بإلغاء نافذة بيع العملة وغلقها ويكون هو المتصدي عن طريق دائرة التحويلات الخارجية لتسديد مستحقات التجار الى نظرائهم خارج العراق".
أما فيما يتعلق بالدول "المعاقبة"، يرى المحسن، أن "التعامل معهم يكون عبر العملات المحلية، من اجل التخلص من تبعات الفيدرالي الأمريكي الذي يمنع التعاملات الدولارية مع هذه الدول".
*حصر التعاملات
ويشدد الخبير الاقتصادي، على ضرورة "تفعيل دور دائرة التحويلات الخارجية في البنك المركزي، اما حصر تعاملات الدولار بمصرف واحد فذلك غير مقبول؛ كون ستكون هناك جهة تفرض سيطرتها وتكون المستفيدة من هذا الموضوع" وربما يقف وراء ذلك المضاربين بالأسعار.
ويضيف، أن "المصارف الخاصة تتعامل مع المصارف الموضوعة على اللائحة السوداء مقابل عمولات"، مردفاً: "أفضل حل هو حصر التعاملات بدائرة التحويلات الخارجية".
*مسارات غير صحيحة
ويواصل مسلسل ارتفاع سعر الصرف الدولار في الاسواق العراقية، وسط تضارب الآراء الاقتصادية والحكومية حول الاسباب الحقيقية الواقفة وراء هذا الارتفاع، حيث يشتد الصراع ما بين السوقين الموازي (السوداء) والرسمي (الحكومي)، والفرق بينهما يجتاز الـ28 نمرة!،
رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب، عطوان العطواني، يؤكد أنه "لا يوجد مصطلح سوق موازي، فالسوق الموازي هو الذي يتبناه القطاع الخاص أي مصدر تمويل الدولار يكون من القطاع الخاص"، مبيناً أن "ما يحصل في العراق هو سوق سوداء على اعتبار ان ما يتداول فيما يسمى السوق الموازي هو أصلاً من أموال الدولة وتحديداً من البنك المركزي ويأتي ضمن مسارات غير صحيحة".
وحتى نقلص الفرق بين أسعار الرسمي والسوداء، رسم البنك المركزي آلية لشراء الدولار من خلال المنصة الالكترونية؛ من أجل تجفيف منابع التهريب والفساد على اعتبار ان هناك "يوز" لمستلم الدولار النهائي، وفق العطواني.
ويرى، أن "الشيء الإيجابي في المنصات انه لا توجد محددات لشركة معينة ان تقتني الدولار دون غيرها، وانما الساحة مفتوحة لكل الشركات"، مضيفاً "كل شركة لها حق اقتناء الدولار حسب الحاجة لكن يجب أن تلبي المتطلبات التي رسمها القانون البنك المركزي".
وينوه العطواني، بأن "بعض الشركات لسبب التهرب الضريبي ومن أجل عدم الكشف عن مصادر تمويلها ترفض التعامل مع نظام المنصة فتذهب الى السوق السوداء، ما يؤدي ذلك إلى وجود التفاوت في أسعار الصرف"، داعياً الشركات، إلى "الإفصاح عن طبيعة عملها ومصادر تمويلها واقتناء الدولار من البنك المركزي".
ومنذ بدء عمل البنك المركزي بالمنصة الإلكترونية ونظام التحويل المالي الدولي "سويفت" (SWIFT)، لم تشهد أسعار صرف الدولار في العراق استقراراً رغم محاولات الحكومة والبنك المركزي السيطرة على سعر الصرف في الأسواق الموازية (السوداء).
وفي شباط الماضي، ألزم البنك المركزي العراقي، المصارف المجازة وشركات الصرافة، وشركات التوسط ببيع وشراء العملة الاجنبية، التقديم عبر المنصة الالكترونية للحصول على حصتهم المقررة من العملة الاجنبية "الدولار".
وجاء في وثيقة صادرة عن المركزي العراقي: "توجب اعتماد المنصة الإلكترونية للبيع النقدي للعملة الأجنبية (FITR) اعتباراً من يوم الاثنين الموافق 20 شباط 2023". وأضافت الوثيقة، أنه "سيتم حرمان المصرف أو الشركة التي لا تستخدم المنصة المذكورة من الحصول على حصتها الأسبوعية من النقد (الدولار)".
*سيطرة تدريجية
يقول الخبير الاقتصادي، حازم هادي، إن "السوق محكوم بالعرض والطلب، إذا كان الطلب فوق العرض سيؤدي ذلك لارتفاع الدولار، لكن البنك المركزي سيحاول بالتدريج وبكل الوسائل والطرق الحد من الارتفاع غير المبرر".
ويشدد على، أهمية "حصر التعامل بالدينار كونه العملة الوطنية"، معتبراً التعامل بالدولار داخلياً "حالة شاذة، كون أن أغلب الدول تتعامل بعملتها المحلية في الداخل، على أن تكون التعاملات الخارجية والحوالات بالدولار او اليورو او غيرها".
ويلفت هادي، إلى أن "اجراءات حصر التعامل بالدينار داخلياً ستؤدي إلى تقليل الطلب على الدولار، وطالما انخفض الطلب سيؤثر على العرض. لكن المشكلة الرئيسية، ليست بالطلب الداخلي وانما بالطلب الخارجي فالدول المجاورة تحاول ان تستثمر الحصول على الدولار من خلال السوق الموازي".
ويستدرك، بالقول: "غياب السيطرة على الكمارك والحدود وغيرها سيؤدي الى استمرار الأزمة"، مشدداً على ضرورة "الحد من عمليات الاستيراد العشوائية التي لا مبرر لها فالسوق العراقية اصبحت سوق "بالة" واغلب المعروض من السلع والخدمات ليس لها جدوى اقتصادية".
وحول كثرة إجراءات المركزي دون السيطرة على سوق العملة، يبين الخبير الاقتصادي، أن "هناك تعاملات لم يسيطر عليها البنك العراقي وهي خارج صلاحياته، كما هناك مصارف كانت تستخدم محال صرافة تتولى هذه العملية والمركزي متراخٍ باتخاذ الاجراءات المناسبة للحد منها".
ولكن المتغيرات الدولية وإجراءات الخزانة الامريكية، بحسب هادي، "بدأت تشدد على العراق لذلك نرى ان أكثر من مصرف عراقي منع من استخدام الدولار وهذه مؤشرات بوجود تعاملات مع الخارج لتهريب العملة".
*مؤشرات
ويتوقع هادي، أنه "خلال الفترة القصيرة المقبلة سيستمر سعر الدولار الواحد على وفق ما يتراوح حالياً من 1500 الى 1590 ديناراً، لكن في المستقبل بالتأكيد سينخفض؛ كون التعاملات بالدولار ستقتصر على الحوالات والاعتمادات المستندية".
وقبل يومين، أعلن محافظ البنك المركزي علي العلاق، المضي "للاستغناء عن التحويلات الخارجية السنة القادمة واعتماد المصارف المجازة في العراق على بنوك مراسلة في عمليات التحويل الخارجي، إذ بلغت الحوالات عن طريق البنوك المراسلة 60% من إجمالي الحوالات (خارج المنصة الإلكترونية الخاصة بالبنك المركزي)، فيما وصلت نسبة تنفيذ الحوالات المحقّقة إلى أكثر من 95%"، مبينا أن "ذلك جاء بعد اتفاق بين البنك المركزي العراقي والبنك الفيدرالي الأمريكي، اُسوة بدول العالم، حيث لا تمارس البنوك المركزية أعمالاً تنفيذية، ويتركز دورها في الإشراف والرقابة".
كما كشف العلاق عن سعي البنك لفتح قنوات تواصل مباشر للمصارف العراقية مع نظيرتها الأجنبية في المراسلات والتبادل التجاري، وفتح قنوات التحويل بعملات مختلفة منها (الدرهم الإماراتي، الليرة التركية، الروبية الهندية، اليورو)، فضلا عن تشديده على أن السّنة المقبلة ستشهد حصر كافة التعاملات التجارية الداخلية وغيرها بالدينار العراقي، بدلاً من الدولار، عدا تلك التي تسلّم للمسافرين.
المصدر: السومرية العراقية
كلمات دلالية: التحویلات الخارجیة الخبیر الاقتصادی المرکزی العراقی البنک المرکزی السیطرة على فی العراق
إقرأ أيضاً:
العملة الرقمية في العراق: أزمة الثقة.. العائق الأكبر
9 مارس، 2025
بغداد/المسلة.. كتب زكي الساعدي:
في خطوة مميزة جدا تهدف إلى تحديث النظام المالي، تبحث بغداد إمكانية إصدار عملة رقمية وطنية، سعياً لتقليل الاعتماد على النقد الورقي وتعزيز الشمول المالي. لكن رغم الآفاق الواعدة لهذه الخطوة ، يواجه المشروع تحدياً أساسياً يتمثل في انعدام ثقة المواطنين بالمصارف العراقية، نتيجة تراكم الأزمات المالية، والفساد الإداري، وضعف الخدمات المصرفية. فهل يمكن لمثل هذه الخطوة أن تنجح في بيئة تُصنَّف من بين الأعلى عالمياً في تداول النقد خارج القطاع المصرفي؟
أزمة الثقة: العائق الأكبر أمام التحول الرقمي
تشير بيانات مؤسسة عراق المستقبل إلى أن 93 تريليون دينار عراقي، أي نحو 87% من إجمالي الكتلة النقدية، كانت متداولة خارج النظام المصرفي بنهاية عام 2023، بزيادة 30% عن عام 2022. هذه الأرقام تعكس ثقافة مالية متمسكة بالنقد، تعززها مخاوف المواطنين من تعقيدات التعامل المصرفي، وتجارب سابقة من تجميد الحسابات، والبيروقراطية المرهقة، بل وحتى حالات اختلاس وفساد داخل بعض المؤسسات المالية.
وهذا ما يبرز جليا بان الموظفين الموطنة رواتبهم في شركات الكي كارد والمصارف الاهلية يحاولون سحب رواتبهم من الحساب البنكي ساعة إطلاقه .. وهذا يعني ان المواطن فاقد ثقته بالنظام المصرفي بصورة كبيرة.
وقد يكون البعض غير مؤمن بتاتا بالتحولات الرقمية او النظام المصرفي كون التعامل فيه يكون بالأرقام وليس عينيا
لذا إن إقناع المواطن العراقي بالتخلي عن أمواله الورقية لصالح عملة رقمية، تديرها جهات لا تزال الثقة بها محل شك، يُعد تحدياً جوهرياً أمام نجاح المشروع.
ومما يجدر بالذكر ان هيكل القطاع المصرفي يعاني من التأخر الكبير من مواكبة تكنلوجيا إدارة المال العالميه اي ان : كثرة المصارف لا تعني الكفاءة
وفقاً لأحدث البيانات، يضم العراق 81 مصرفاً، موزعة كما يلي:
7 مصارف حكومية (بينها مصرف إسلامي واحد)
74 مصرفاً أهلياً، منها 29 مصرفاً إسلامياً.
ورغم هذا التنوع الكمي، فإن الخدمات المصرفية لا تزال غير كافية لاستيعاب الاحتياجات المالية للمجتمع، حيث يعتمد معظم العراقيين على النقد حتى في المعاملات الكبيرة. كما أن تضارب الأرقام حول أعداد المصارف، وضعف الشفافية في تحديث البيانات، يعمّقان أزمة الثقة بين المواطن والقطاع المصرفي.
شروط النجاح: من النظرية إلى التطبيق
لضمان نجاح العملة الرقمية، لا بد من تهيئة بيئة داعمة عبر مجموعة من الإجراءات الجوهرية:
1. تعزيز الشفافية: من خلال آلية رقابة صارمة تضمن تتبع العمليات المالية دون المساس بخصوصية المستخدمين.
2. استقلالية الجهة المشرفة: تفادي التداخل السياسي وإنشاء هيئة رقابية مستقلة ذات صلاحيات واسعة.
3. حوافز اقتصادية: مثل تقديم مزايا ضريبية، أو تحفيزات مالية للمستخدمين الأوائل.
4. بنية تحتية تقنية متينة: تشمل شبكة إنترنت موثوقة، ومنصات مصرفية آمنة وسهلة الاستخدام.
بدون هذه الأسس، قد يتحول المشروع إلى مجرد تجربة نظرية تفتقر إلى التطبيق العملي الفعّال.
المخاطر المحتملة: هل يكرر العراق أخطاء الماضي؟
لا يمكن تجاهل إخفاقات سابقة في السياسات المالية، مثل الاعتماد غير المنظم على الدولار، وما تبعه من فوضى في السوق السوداء. وإذا لم تُدار العملة الرقمية بحكمة، فقد تواجه تحديات خطيرة مثل:
• زيادة التضخم إذا لم يتم التحكم في إصدارها وضبط المعروض النقدي.
• استبعاد شرائح من المجتمع غير قادرة على التعامل مع التكنولوجيا المالية.
• مخاطر الاختراقات الإلكترونية في ظل البنية التحتية السيبرانية الضعيفة.
بين الأزمة والفرصة
رغم العقبات، فإن العملة الرقمية قد تمثل نقطة تحول عملاقة نحو نظام مالي أكثر تطوراً في العراق، من خلال تقليل الفساد، وتعزيز الشمول المالي، وتحسين آليات تحصيل الضرائب. لكن نجاحها مرهون بإصلاح جذري للقطاع المصرفي، وتنفيذ حملة توعوية واسعة، مع إرادة سياسية حقيقية لضمان الشفافية والعدالة المالية.
إن تحويل هذه المبادرة إلى واقع ملموس لن يكون سهلاً، لكنه قد يكون خطوة ضرورية نحو اقتصاد رقمي أكثر استقراراً وموثوقية.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author زينSee author's posts