صرخة.. صرختان.. ثلاث صرخات!
تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT
د. مجدي العفيفي
عازف الناي وجوهرة الأفعى
يخرج الرجل البسيط عصر كل يوم ليعزف لحنه الجميل إلى الأفعى فيطربها، لتلقي إليه بالجوهرة الثمينة، فيأخذها ويذهب ليبيعها، ويضبط على ذلك إيقاع حياته ومعيشته.
وذات يوم مرض الرجل فأرسل ابنه ليعزف للأفعى، ولم يكن ماهرا ولا مقتنعا بذلك فكانت الأفعى ترفض أن تلقي إليه بالجوهرة، فلم تكن منسجمة معه، فاغتاظ الابن، فكل محاولاته تفشل معها، فإذا به ينقض على الأفعى بفأسه فيقطع ذيلها، فما كان منها إلا أن هجمت عليه وقتلته.
وبعد حين.. عاد الرجل الأب ليعزف لحنه للأفعى. لكنها خرجت إليه لتقول له: «لا أنا ح أنسى قطع ذيلي، ولا أنت ح تنسى موت ابنك»(!!!).
أيها "الثأر".. إلى متى؟
والى متى ستظل الأفعى تقول لعازفها "لا أنا ح أنسى قطع ذيلي، ولا أنت ح تنسى موت ابنك".
أيتها "الجوهرة" أنت سر الانشطار..
أيتها "الجوهرة" كم من الجرائم ترتكب باسمك..
أيتها "الجوهرة" اطفئي بريقك..
فالبريق حريق.. وكفانا احتراقا واختراقا.
أيتها "الأفعى" عودي إلى جحرك..
أيها "العازف» احتطب وأشعل نورك لا نارك.. وكفاك كسلا.. وموتًا.
إن في الموت حياة !!
هذه القصة بدلالتها الحكيمة، الرابضة في أعماق المأثور الشعبي، تصور- في تصوري- ما يحدث في المشهد الراهن حولنا.. حين أنظر إليه وأراه- وغيري كثيرون- بالصورة الأعم: ثأر.. انتقام.. انتقاص.. ضغينة.. حقد.. دين وديناميت.. فقر فكر.. وفكر فقر..قبح أكثر من جمال.. عذاب يطغى على عذوبة.. ألم يخنق أملا.. حلم لا يتم ولا يتحقق.. وإن تحقق فهو خادع.. حقيقة تائهة في واقع مخادع.. أيام أطول من ساعاتها.. كوابيس تجهض النواميس.. مصابيح تطفئها الخفافيش.. زحام مرعب في كل شيء وفي الزحام لا أحد يسمع أحدا.. نميمة وشك ويقين مراوغ - إن وجد - فتن من حيث لا نحتسب.. بقرات عجاف أكثر من السمان.. التهام.. وعدم التئام.. جوع فكري.. وجمهور سياسي متوحش فكيف نطعمه قطعة شيكولاتة؟! كيف لقرص إسبرين أن يعالج السرطان..؟! لا فواصل للتواصل.. وليس الذئب يأكل لحم ذئب ويأكل بعضنا بعضا عيانا!.. انفجار.. انشطار.. انهيار.. أنهار من التهديد والوعيد.. مربعات متناحرة.. ومرايا غير متجاورة.. حرف«الراء» سيظل يشطر كلمة «حب» مع أنها حرفين فقط!
هل من لحظة إفاقة؟
***
ثلاثية هدم المجتمعات
يقول أحد المستشرقين- ومعظمهم مغرضون كانوا يقومون بعمليات تدمير المجتمعات الشرقية بأسلحة القوة الناعمة- إذا أردت أن تهدم حضارة أمة فهناك وسائل ثلاث هي:
- اهدم الأسرة.
- اهدم التعليم.
- اسقط القدوات والمرجعيات.
نعم، لكي تهدم اﻷسرة؛ عليك بتغييب دور (الأسرة وخاصة دوراﻷم) اجعلها تخجل من وصفها بـ"ربة بيت" إنَّ تدمير الأسرة يعتبر أحد العوامل الرئيسية في هدم حضارة الأمة؛ فالأسرة هي الخلية الأساسية في المجتمع، وعندما تتعرض الأسرة للتفكك والانهيار، فإن ذلك يؤثر سلبًا على القيم والمبادئ التي تنشأ عليها الحضارة. ومن أمثلة هذا التدمير تفكك العلاقات العائلية وارتفاع معدلات الطلاق وانتشار ظاهرة الأسر غير المكتملة. لذا، يجب العمل على تعزيز دور الأسرة وتعميق الروابط الأسرية للحفاظ على استقرار الحضارة.
ولكي تهدم التعليم؛ عليك بـ"المعلم" لا تجعل له أهمية في المجتمع وقلل من مكانته حتى يحتقره طلابه؛ إذ يعتبر تدمير التعليم واحدًا من الوسائل الرئيسية لهدم حضارة الأمة. فالتعليم هو السبيل لنقل المعرفة وتطوير الأفراد والمجتمع، وعندما يتعرض التعليم للإهمال والتدهور، فإن ذلك يعرض الحضارة للتخلف والركود. ومن أمثلة هذا التدمير تراجع جودة التعليم ونقص التمويل وتفشي الأمية. لذا، يجب العمل على تعزيز النظام التعليمي وتطويره للارتقاء بحضارة الأمة.
ولكي تسقط القدوات؛ عليك بـ"العلماء"، اطعن فيهم قلل من شأنهم، شكك فيهم حتى لا يسمع لهم ولا يقتدي بهم أحد، ذلكم أن إسقاط النماذج القدوة والمراجع يعد وسيلة فعَّالة لهدم حضارة الأمة. فهي التي تلهم وتحفز الأفراد وتوجههم نحو الإيجابية والتقدم، وعندما يتم إسقاط هذه النماذج وتشويهها، فإن ذلك يؤثر سلبًا على روح الحضارة وقدرتها على التطور. ومن أمثلة هذا التدمير هو تشويه صورة القادة والعلماء والشخصيات المؤثرة في المجتمع. لذا، يجب العمل على بناء نماذج قدوة قوية وموثوقة وتعزيز قيم الأخلاق والنزاهة في المجتمع.
وهكذا، إذا اختفت (الأسرة الواعية) واختفى (المعلم المخلص) وسقطت(القدوة والمرجعية) فمن يربي النشء على القيم؟
وسلام قولا من رب رحيم. ولا عزاء في الميديا التي تصيغ وتصبغ سلوكيات الأجيال الجديدة المتحركة على الساحة الآن وغدا.
والقادم مرعب.
فهل من مدكر؟
***
مفارقات.. ونفحات.. ولفحات
- سقطت شجرة فسمع الكل صوت سقوطها.. بينما تنمو غابة كاملة ولا يسمع لها أي ضجيج ! ( الناس لا يلتفتون لتميزك بل لسقوطك)..!
- الورد لا يبوح باحتياجه للماء .. إما أن يسقى أو يموت بهدوء .
- بعض المنعطفات قاسية! لكنّها إجبارية لمواصلة الطريق..!
- ﻣﺎ ﺃﺟﻤﻞ ﺍﻟﻐﺮﺑﺎﺀ ﺣﻴﻦ ﻳﺼﺒﺤﻮن ﺃﺻﺪﻗﺎءﻨﺎ ﻗﺪﺭًﺍ! ﻭﻣﺎ ﺃﺻﻌﺐ ﺍﻷﺻﺪﻗﺎﺀ ﺣﻴﻦ ﻳﺼﺒﺤﻮن ﻏﺮﺑﺎﺀ ﻓﺠﺄﺓ!
- ﺗﺒﻴﺾ ﺍﻟﺪﺟﺎﺟﺔ ﺑﻴﻀﺔ ﺯﻫﻴﺪﺓ ﺍﻟﺜﻤﻦ ﻓﺘﻤﻸ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺑﻘﻴﻖ، ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﻀﻊ ﺍﻟﺴﻤﻜﺔ ﺍﻵﻻﻑ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺎﻓﻴﺎﺭ ﻏﺎﻟﻲ ﺍﻟﺜﻤﻦ ﻭﻫﻲ ﺻﺎﻣﺘﺔ. (ﺃﺻﻤﺖ ﻭﺩﻉ ﺇﻧﺠﺎﺯﺍﺗﻚ ﺗﺘﺤﺪﺙ).
- السؤال: ﻟﻤﺎﺫﺍ يرفع ﺍﻟﻤﺘﺨﺎﺻﻤﻮﻥ ﺃﺻﻮﺍﺗﻬﻢ ﻭﻳﺼﺮﺧﻮﻥ ﻓﻲ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﻭﻫﻢ ﻗﺮﻳبون ﻣﻦ ﺑﻌﺾ؟ ﺍﻟﺠﻮﺍﺏ:لأﻥ ﺍﻟﻤﺴﺎﻓﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﺍﺑﺘﻌﺪﺕ، ﻓﻴﺤﺘﺎﺟﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺼﺮﺍﺥ ﻹﻳﺼﺎﻝ ﺃﺻﻮﺍﺗﻬﻢ.. ﻭﺍﻟﺪﻟﻴﻞ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺘﺤﺎﺑﻴﻦ ﺗﺠﺪﻫﻢ ﻳﻬﻤﺴﻮﻥ ﺃﻭ ﺗﻜﻔﻴﻬﻢ ﺍﻟﻨﻈﺮﺍﺕ ﻷﻥ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺴﻤﻊ !!.
- اللسان ليس له عظام: فعجبا كيف يكسر بعض القلوب.. وكيف يجبر بعض القلوب.. وكيف يقتل بعض القلوب..وكيف ينير الله به الدروب..
- صدم شاب امرأة عجوزا بدراجته، وبدل أن يعتذر لها ويساعدها على النهوض أخذ يضحك عليها، ثم استأنف سيره، لكن العجوز نادته قائلة : لقد سقط منك شيء ؟ فعاد الشاب مسرعًا وأخذ يبحث فلم يجد شيئًا ، فقالت له العجوز: لا تبحث كثيرًا. لقد سقطت «رجولتك» ولن تجدها أبدًا ( نعم الحَياة لا قيمَة لهَا إذا تَجرّدت من الأدب والذوق والأخلاق).
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الأمة وأهداف قوى الهيمنة والاستعمار
في وطننا العربي الكبير كان هناك نوعان من الأنظمة، (أنظمة جمهورية) تحررت شعوبها من براثن الاستعمار والقهر الاجتماعي وسيطرة الأنظمة الرجعية والإقطاع، وهناك نوع آخر من الأنظمة هي (الأنظمة الملكية) التي قامت برعايتها قوى الاستعمار، وقد مُنحت هذه الأنظمة لنفسها حق الوصايا المطلقة على شعوبها، ومنحت نفسها حق تطويع شعوبها وتحويلهم إلى أتباع لدرجة ان هناك أنظمة ملكية صادرت هوية مواطنيها وحقهم في الانتماء الوطني وأطلقت على وطن بكل ما فيه من قدرات بشرية وإمكانيات مادية ومعنوية مسمى يكرس هيمنة الأسرة الحاكمة نموذج (السعودية) التي اسمها يخلد (أسرة آل سعود) وكأن البلاد ملكية خاصة لهذه الأسرة وأن لا وجود للشعب ولا هوية له..
في ذات السياق نرى أنظمة ملكية أخرى يقف فيها الجنرالات وقادة الجيش والأمن والوزراء محني الهامات أمام أطفال ونساء الأسرة المالكة التي تفرض قدسيتها على الشعب مع أن هناك علماء وقادة عظاماً ومفكرين وفلاسفة ينتمون للشعب يجدون أنفسهم مجبرين على (الركوع والانحناء) أمام الملك وأفراد الأسرة المالكة مع ان السجود لله وحده ولم يحدث أن ركع أو انحنى مسلم أمام خير خلق الله ورسوله الخاتم محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام وعلى آله..
يمكن القول أن وطننا العربي الكبير انقسم إلى قسمين قسم (جمهوري) تطلعت شعوبه للحرية والانعتاق من براثن العبودية للحاكم الفرد، وحلمت بالحرية والتقدم الاجتماعي، وأسقطت صفة (الألوهية) عن حكامها، بغض النظر عن محاولة البعض من الحكام تخليد أنفسهم من خلال السيطرة على السلطة، ولكن هذه السيطرة رغم كل عيوبها إلا أنها منحت شعوبها قدرا من الاستقرار والتقدم والتطور، بغض النظر عما آلت إليه الأوضاع في هذه الأنظمة التي واجهت المخططات الاستعمارية واستهدفت من قبل محاور التأثير الإقليمية والدولية، التي راحت تضع هذه الأنظمة تحت مجهر الاستهداف رغبة في تطويعها وفرض الوصاية عليها ، فيما القسم الآخر يتصل بأنظمة الحكم (الملكية) التي فرضت سيطرتها وسطوتها على شعوبها وصادرت حق شعوبها في التعبير عن قناعتهم وحقهم في ممارسة الحرية في كل ما يتصل بشؤون أوطانهم وقضاياهم الاجتماعية والحياتية، ومارست وتمارس بحق شعوبها كل صنوف القهر والقمع والاستبداد وأن جعلت من أوطانها (بازارات) تعرض فيها كل منتجات العالم وأحدثها متخذة من حياة الرفاهية والانفتاح أداة لتطويع وإخضاع شعوبها في ذات الوقت الذي منحت فيه قرارها السيادي للآخر الحضاري الذي منحها حمايته وجعلها تحت وصايته من خلال قواعده العسكرية وتحالفاته المقدسة معها..
على خلفية هذا الواقع العربي كان من الطبيعي أن تصطدم الأنظمة الجمهورية بالقوى الاستعمارية وقوى الهيمنة الباحثة عن مصالحها والحريصة على تطويع هذه الأنظمة وتطويع شعوبها أو تدجين تطلعاتهم في التقدم والتطور وصناعة مستقبل أوطانها وشعوبها، في ذات الوقت الذي فرضت فيه قوى الهيمنة والاستعمار وجودها وسيطرتها على الأنظمة الملكية العربية والتحكم بقدراتها وثرواتها ومصيرها ومستقبلها وجعلها في خدمة أهدافها الاستعمارية.
بيد أن أزمة أمتنا كامنة فيما لدى هذه الأمة من قدرات وإمكانيات بدءا من موقعها الجغرافي وسيطرتها على طرق الملاحة الدولية، إلى ما لديها من ثروات طبيعية منها ما اكتشف ومنها ما لايزل كامن في جوف الأرض، وبين الأنظمة الجمهورية والملكية يقف (الكيان الصهيوني) المزروع في قلب الجغرافية العربية والذي تستدعي حمايته حضور متواصل ويقظ للقوي الاستعمارية التي أوجدت هذا الكيان ليس لأنه ملكية قديمة لما يسمى (شعب الله المختار، وليس لأن فلسطين هي (أرض الميعاد) وفق الأساطير الصهيونية التي اتخذت من البعد التاريخي والديني مجرد شعارات الهدف منها السيطرة والتحكم بقدرات وإمكانيات الأمة التي خرجت منها رسالات السماء حاملة تعاليم الله وقوانينه وتشريعاته ومنها اختار الله رسله وأنبيائه وحملها رسائل التوحيد ونشرها على العالمين.
ويمكن القول أن المكانة التي منحها الله سبحانه وتعالى للأمة العربية وكرمها بأن اختار منها خاتم الأنبياء والمرسلين وأنزل القرآن الكريم بلغتها وجعلها (أمة وسطاء لتكون شاهدة على الناس ويكون الرسول عليها شهيدا).. هذا التكريم الرباني هو دافع قوى الشر والهيمنة لاستهداف الأمة وتمزيق قدراتها المادية والمعنوية والجغرافية، فما لدى الأمة من مقومات روحية ومادية جعلها هدفا لقوى الهيمنة والاستعمار التي تفتقد القدرات والمقومات المادية والروحية والمعنوية التي تمتلكها الأمة العربية والتي تخشاها قوى الهيمنة التي ترى في نهوض الأمة وتوحيد قدراتها خطرا يهددها ويهدد نفوذها ومكانتها الوجودية وعلى مختلف الصعد.
نعلم جيدا أن أمتنا وبعد انتشار راية التوحيد لتعم كل اصقاع الأرض، برزت (الحملات الصليبية التسع) التي قادتها الامبراطوريات الاستعمارية الغربية تحت راية (السيد المسيح عليه السلام) والهدف ليس الدفاع عن (المسيح) وقيمه وتعاليمه، بل كان الهدف هو ضرب العلاقة بين العرب مسلمين -ومسيحيين، ومحاولة استعمارية هدفها المتاجرة بمسيحيي الشرق من العرب وتوظيفهم ضد إخوانهم من المسلمين العرب بما يحقق أهدافها الاستعمارية، وحين فشلت هذه المحاولة وانتصرت إرادة الأمة وترسخت وحدة أبنائها في مقاومة الأطماع الاستعمارية، وكانت الحرب العالمية الثانية فاتحة الانطلاق نحو أمة عربية حرة مستقلة بعد تضحيات جسام قدمها أبناء الأمة، كان من الطبيعي أن تعيد قوى الهيمنة ترتيب أوراقها والبدء في مرحلة استعمارية أكثر تحضرا وأشد خطورة من سابقتها ومع بداية أحداث مرحلة منتصف القرن الماضي وانقسام الأمة بين أنظمة جمهورية وأخرى ملكية، قامت الأولى بإرادة ومباركة الشعوب، وقامت الثانية برعاية استعمارية وحماية دولية، عملت قوى الاستعمار والهيمنة على (شيطنة الأنظمة الجمهورية) والسعي لإفشال مشاريعها الوطنية والقومية وضرب كل محاولتها التقدم والارتقاء بشعوبها مستغلة الكثير من التناقضات الاجتماعية والسياسية داخل الأنظمة الجمهورية، في ذات الوقت راحت فيها قوى الهيمنة ترسخ وجود الأنظمة الملكية الدائرة في فلكها والمحمية من قبلها والتي وجدت لخدمتها وخدمة كيانها اللقيط في فلسطين..