ربط أمينه العام بين زلزال الحوز والمعاصي… هل عاد العدالة والتنمية المغربي للوعظ؟
تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT
الرباط – أثار البيان الأخير لحزب العدالة والتنمية المغربي الجدل والنقاش بشأن تحوّل خطاب الحزب الإسلامي الذي قاد الحكومة لـ10 سنوات قبل أن تطيح به انتخابات الثامن من سبتمبر/أيلول 2021 وتعيده إلى المرتبة الثامنة في ترتيب الأحزاب.
وتضمن البيان كلمة للأمين العام للحزب عبد الإله بنكيران، ربط فيها بين زلزال الحوز والمعاصي والذنوب، مما أثار حفيظة أعضاء وقيادات تاريخية في الحزب، وأثار جدلا في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام المحلية.
قال بنكيران في كلمته التي تم تفصيلها في بيان الحزب، "الصواب هو أن نرجع أمة، ونتبيّن هل الذي وقع قد يكون كذلك بسبب ذنوبنا ومعاصينا ومخالفاتنا ليس فقط بمعناها الفردي، ولكن بمعناها العام والسياسي".
وأضاف أن "السؤال المطروح ليس فقط عن المخالفات الفردية، وإنما عن الذنوب والمعاصي والمخالفات بالمعنى السياسي، وفي الحياة السياسية وغيرها".
تحول في الخطابربطُ بنكيران بين الزلزال والمعاصي والذنوب طرحَ أسئلة عن تغيّر خطاب حزب العدالة والتنمية، وما إذا كان ذلك يشير إلى عودته إلى الخطاب الديني الذي يستغل الدين في السياسة.
وواجه الحزب في التسعينيات وبداية الألفية الثالثة اتهامات باعتماد خطاب دعوي واستغلال الدين في السياسة، مما جعله يقوم بمراجعات فكرية، ويقدم نفسه بوصفه حزبا سياسيا بمرجعية إسلامية، وليس حزبا إسلاميا كما كان يُطلق عليه.
ودأب بنكيران على نشر مواعظ ودروس دينية أسبوعية في صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث كان الناشطون والرأي العام ينتظرون باهتمام الاستماع إلى مواقفه السياسية وآرائه في عدد من القضايا الحارقة والساخنة.
وينشر بنكيران بشكل دوري حلقات مصورة من سلسلة دينية عنوانها "آية استوقفتني" (بلغ عدد حلقاتها 82 حلقة)، وأخرى بعنوان "من دروس النبوة" (بلغ عدد حلقاتها 51 حلقة).
وفي العام الماضي، أعلن في لقاء حزبي أنه يفكر بجدية في المسألة التربوية داخل الحزب وفي إحداث لجنة تربوية موجهة للأعضاء، مما جعل كثيرين يؤكدون أن الحزب عاد إلى خطابه السابق الذي دخل به السياسة قادما من حركة التوحيد والإصلاح.
انتقادات داخلية
وأوضح بنكيران، في اتصال مع الجزيرة نت، أنه كان يتوقع مثل هذا النقاش لكن ليس بهذه الطريقة، وبخصوص ما ينشره على صفحاته في مواقع التواصل من دروس دينية، قال "تلك السلسلة أقول فيها تجربتي، وأبث للناس قناعاتي".
ونفى الأمين العام لحزب العدالة والتنمية أن يكون خطاب الحزب قد تغير، وقال "خطاب الحزب تحت قيادة بنكيران ما زال كما كان دائما"، وأضاف "هذه قناعاتي ولن أراجعها".
وأعلن عدد من أعضاء الحزب وقادته السابقين رفضهم لما جاء في هذا البيان عبر تدوينات في مواقع التواصل الاجتماعي.
وتزامن هذا الجدل مع إعلان أحد قادة الحزب وهو عبد القادر اعمارة -الذي شغل منصبا وزاريا مدة 10 أعوام- استقالته من الحزب عبر صفحته في فيسبوك.
وقال محمد يتيم، أحد القادة المؤسسين لحزب العدالة والتنمية وأحد أعضاء أمانته العامة السابقة، إن بلاغ الحزب "غير موفق وشارد وغير مناسب من عدة زوايا".
وأوضح يتيم، في تدوينة على صفحته في فيسبوك، أن حزب العدالة والتنمية حزب سياسي، وكان من المفروض أن يتناول الموضوع من زاوية سياسية واجتماعية بالأساس، وأن يبتعد عن إثارة قضايا جدلية وكلامية.
وأضاف أن التذكير بالابتعاد عن المعاصي لما قد يرتبط بها من مفاسد اجتماعية أو لاحتمال أن تجلب سخط الرب يمكن أن يكون خطاب الواعظ والخطيب، لكن دون أن يجزم بأن هذه الكارثة الطبيعية هي عقاب من الله.
من جهته أعلن البرلماني السابق عن حزب العدالة والتنمية عبد الصمد الإدريسي رفضه لتلك الفقرة في البيان والاختلاف مع مضمونها، وقال في تدوينة "هاته الفقرة الواردة في بلاغ الأمانة العامة الأخير لا أرى سبيلا لعدم إعلان رفضها والاختلاف مع مضمونها، سواء من حيث مدلولها وفهمها دينيا، بل حتى سياسيا".
في حين انبرى قادة سابقون، مثل رئيس الحكومة السابق والأمين العام السابق للحزب سعد الدين العثماني ووزير التعليم السابق في حكومة الحزب الأولى خالد الصمدي، للرد على الفكرة التي جاءت في كلمة بنكيران، وقالوا إن الكوارث الطبيعية أقدار الله وابتلاءات لا يعرف أي إنسان مقصدها والحكمة من ورائها، لأنها من أمور الغيب.
من تسونامي إلى الزلزال
أعاد النقاش الدائر حول كلمة بنكيران، التي ربطت الزلزال بالذنوب والمعاصي، إلى الأذهان واقعة مماثلة تعود إلى عام 2005 حين أثار مقال نشرته جريدة التجديد المقربة من حزب العدالة والتنمية جدلا بشأن تسونامي الذي ضرب جنوبي شرقي آسيا.
وربط كاتب المقال بين تسونامي والسياحة الجنسية والشذوذ الجنسي في تلك المنطقة، مما أثار حينها انتقادات إعلامية وسياسية لاذعة للحزب والجريدة المقربة منه.
واعتبر أعضاء في الحزب أن كلمة بنكيران الأخيرة هي عودة إلى الوراء وانتكاسة في خطاب الحزب، الذي تقدم في أطروحته السياسية بعد عقود من النقاش الداخلي.
اجتماع الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية بالرباط (مواقع التواصل) اتجاه معاكسوقال الباحث في الحركات الإسلامية الدكتور بلال التليدي إن التفسير الديني المذكور في بيان الحزب بصورة احتمال "قد" يسير في اتجاه معاكس للمقترحات الفكرية التي تم التوصل إليها من قبل حزب العدالة والتنمية عام 2008.
وأوضح الباحث -للجزيرة نت- أن قيادات الحزب منهم بنكيران حددوا هوية الحزب بكونه حزبا سياسيا بمرجعية إسلامية بما يعزز قيم الاستقامة والنزاهة والتضحية من أجل الإصلاح وخدمة الوطن ومحاربة الفساد والرشوة التي تعرقل مسار التنمية وغير ذلك من المفاهيم ذات الارتباط بالسياسات العمومية.
وأضاف المتحدث ذاته "مع تولي عبد الإله بنكيران المسؤولية بعد الفشل الانتخابي الذريع، طُرحت إشكالية استعادة الحزب دوره، واختلف أعضاء الحزب بشأن الخيارات التي يمكن اللجوء إليها، وبدأ الأعضاء ينتظرون القراءة التي سيقدمها بنكيران من أجل استعادة الموقف، غير أنه خلال تتبع المؤشرات لوحظ أنه تبنى الأطروحة التقليدية نفسها".
وأشار إلى أن هذه الأطروحة ترى أن الحزب ينبغي أن يبدأ من حيث انطلق أول لحظة أي من الخطاب الدعوي، مما يفسر -بحسبه- النشر الدوري لدروس دينية ومواعظ من قبل بنكيران على صفحاته في مواقع التواصل.
ووصف التليدي هذا الأمر بأنه "تحول مفصلي" و"انتكاسة فكرية" في أطروحة الحزب وخطابه ومسلكه السياسي، لافتا إلى أنه لم يسبق للأمين العام للحزب تصدر مواقع التفسير والتوجيه الديني.
ورجح أن يكون بنكيران قد عاش تحولات فكرية ونفسية أثرت في رؤيته السياسية، وأنه ربما يستشعر أهمية استعادة الخطاب الديني داخل الخطاب السياسي بما يخالف بشكل مطلق أطروحة النضال الديمقراطي، التي حددت الخيارات الفكرية والعلاقات المفترضة بين الدعوي والسياسي.
وذهب الباحث في الحركات الإسلامية إلى أن الفقرة التي أثارت الجدل في بيان الأمانة العامة تعبّر عن هذا المنحى الذي يحاول الربط بين الديني والسياسي، وهو ليس محل اتفاق، بل هو محل امتعاض من كثير من القيادات، بل من الجمهور العام داخل الحزب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: لحزب العدالة والتنمیة حزب العدالة والتنمیة فی مواقع التواصل
إقرأ أيضاً:
خطاب السيد جعفر الميرغني ؟: من وراء رسالة الختمية!
(1)
قرأت أكثر من مرة خطاب السيد جعفر الميرغني نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل ، ونادرا ما أفعل ، لان بيانات زعيم الختمية ذات طابع واحد ، وهدف واحد ومفردات متقاربة ، ولكن الخطاب جاء هذه المرة بصورة مختلفة وسرد مختلف مما استدعى الوقوف عنده ، وليس البيان ولغته ومحتواه وإنما بعض مواقف وتصرفات السيد جعفر الميرغني وهو رئيس الكتلة الديمقراطية..
جاء الخطاب حاويا كما اشار ثلاث مناسبات (ذكرى 19 ديسمبر 1955م ، واعلان الاستقلال من داخل البرلمان) و (ذكرى الاستقلال) و ذكرى (ثورة ديسمبر) ، ومنذ العام 2019م ، فهذه اول مرة يحتفي فيها الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بثورة ديسمبر من خلال بيان مكتوب ومنشور..
والنقطة الثانية الجديرة بالملاحظة : هى تأسيس البيان لحيثيات ومراجعات ، ومن النادر كذلك حديث الاتحاديين عن المراجعات ، واستخلاص العبر ، فالاتحادى لا يتعجل المواقف وانما ينتظر إلى أن تستبين الوقائع ، ولكن ثمة خيط آخر ، أو طرف آخر بدأ فى تحريك شرايين الحزب الواهن ، وظهر ذلك فى بيان احتمل نقاط اولا وثانيا وثالثا ، وتضمن اشارات ومقترحات..
والنقطة الثالثة: أن بيان الحزب جاء مقرونا بمواقف اخرى ، ومنها مشاركة السيد جعفر الميرغني ودون موافقة كتلته فى لقاء المنظمة الفرنسية بالسويد للحوار مع (تقدم) .. وتزامن مع زيارات خاطفة للسيد جعفر إلى بورتسودان ولقاءات مع أطراف السلطة دون غيره من القوى السياسية ، كانت الأبواب مفتوحة له..
والنقطة الرابعة: هى الحديث الكثيف عن اتفاقية السلام ما بين مولانا الميرغني وجون قرنق عام 1989م ، وهى محاولة لإضفاء قيمة سياسية للحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل ولمولانا الميرغني ، وهو فعل علاقات عامة لا أكثر ، فهذه اتفاقية لم تدم لايام ، ولم تكن تتضمن سوى نوايا لا أكثر ، وكانت قيادات الحزب الاتحادي الديمقراطي حينها تتنازع حول وزارة الشؤون الانسانية للحصول على أكثر حصة من الاغاثة ، وبالتالي فإن الحديث عنها واعادة تسويقها لا يمكن أن تصبح قاعدة للتصالح بعد ما يقرب 40 عاما..
وعليه ، فإن مرامي البيان ومجمل الاشارات والتحركات هو توفير بيئة وخلق مناسبة..
(2)
جاء فى خاتمة البيان – وهى النقطة المهمة – (كيف سنستثمر هذا الانتصار ؟) ، كيف سنتحضر لسؤال اليوم التالي فى الخرطوم ؟ هل سيحاول البعض مرة اخري إقصاء الآخرين ومزاحمة الجيش والدولة بإسم المدنيين والثوار والمقاومين وغيرها ؟ام سننفتح نحو سؤال البناء وسؤال المواطنة وقبل هذا كله الوطنية الراشدة ؟)..وهنا مربط الفرس..
والحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل جزء من الفعل السياسي وجزء من الكتلة الديمقراطية ، وهو ليس (ألفة) ، ومطلوب منه بالاجابة على هذا السؤال ، ومقتضى ذلك تأسيس قاعدة تراضى وطنى تتحاور فيه القوى السياسية والمجتمعية ، لأن ما بعد التحرير معركة اخرى للبناء ولرتق النسيج الإجتماعي وأشد مرارة من المقاتلة بالسنان واللسان ، ويقتضى ذلك ترك خيارات التشكل السياسي للمواطن ، ولا داعى لفرض اجندة أو تحديد مسارات..
فقد تلاحظ – عن مقربين – من السلطة محاولاتهم تأسيس منابر سياسية ، ومؤتمرات ، وتيارات ، ولدرجة تبني بعض الولاة تعيين (امين عام تنسيقية سياسية) قبل أن يتم التراجع عنها لاحقا ، هذا العمل لا يخدم القضية الوطنية ولن يوفر قاعدة جماهيرية..
وخلاصة القول ، أن هناك من يحاول تحريك بعض الأطراف السياسية لتشكيل غطاء مستقبلي أو لعب دور محورى ، وهذا تصرف يفتقر للرشد السياسي ، ففى اوقات التناصر الوطنى الواسع من الأفضل التعامل مع الجميع على قاعدة المساواة وتوفير المناخ الملائم وفتح الافق للحوار ، ولا يمكن الدعوة لعدم المحاصصة بينما السلطة توفر مسالك العودة إلى أطراف بعينها وتراسل آخرين وتخطب ودهم..
لقد التف الشعب السوداني حول قضايا الوطن ، فأجعلوا تلك القضايا اهدافكم وليس الاشخاص والكيانات..
ومرحبا بعودة الاتحادي..
د.ابراهيم الصديق على
إنضم لقناة النيلين على واتساب