حمد بن سالم العلوي
أكثر كلمة شاملة وجامعة لموضوع هذا المقال؛ هي كلمة "السَّراب"؛ فالعطشان أو الظمآن الذي يسير في الصحراء، إذا نظر إلى السَّراب ظنه ماءً، والباحث عن فرصة عمل، إذا سمع كلامًا كالسَّراب، ظنَّه حقيقة صادقة، وأعوان الشيطان الرجيم، لديهم مجامع للدراسة والبحوث والخطط للغدر بالنَّاس، كما فعل الشيطان الرجيم مع سيدنا آدم عليه السلام، فقد عرَّف إبليسُ عنه أنه ينظر إلى الخلد، وحكم أبدي لا ينتهي، لذلك أغراه بالأكل من الشجرة المنهي عنها، فكانت الخطيئة التي أخرجته من الجنة هو وزوجه وإبليس معهما، فتاب آدم لربه واستغفره فغفر له، ولكن الشيطان أصر على فسقه وإغوائه للناس، وهكذا حال شياطين الإنس اليوم، فأنهم يصرون على الغواية، والتمادي في الطغيان، وقد أصبحوا أكثر مكرًا ودهاء من شياطين الجن.
لقد دندن شياطين الإنس على النَّاس بدندنة الغنى والمال، وهذه غاية مرادهم من الحياة، فصدَّقوا الغواية والكذب، وبعض هؤلاء المدندن عليهم، ليسوا كلهم من بسطاء الناس، فذهبوا إلى المشعوذين والدجالين، وكان في قناعتهم، أنه بمقدور أولئك الأشرار إغنائهم، وأن يحولوا لهم الريال إلى عشرة ريالات، والمئة إلى ألف ريال، فوقع الكثير منهم في شر سذاجتهم وطمعهم، وخسر عشرات الآلاف من الريالات.
ثم جاء الدور على الاستثمار في البورصات المحلية والعالمية، ولما كان الحال لا يسمح بفعل ذلك بسهولة في عُمان، فقد سافروا إلى ما وراء الحدود، فرأوا ما يبهرهم هناك، ويجعلهم يصدّقون ويقعون في المقالب، فقد خدعتهم تلك البهرجة التي تبدأ من واجهة الشركة، فإذا دخلوا إلى المكاتب وجدوا بهرجة مبهرة تطير لها الألباب.. فبصموا بالعشر على الموافقة، وسلموا ما توفر لديهم من مال بإطمئنان وأمان، وإذا نقص نصف المبلغ أو شيء منه، استقرضوه من البنوك، وذلك لتتم عملية النصب والاحتيال بسرعة ودون تردد، وقد تم إغراء الضحايا بالأرباح الكبيرة فصدقوا اللعبة، ولما تمت عملية النصب والاحتيال بنجاح، توقف الاتصال بهم، فذهبوا ليستطلعوا الأمر، فلم يجدوا لتلك الشركات أي أثر يذكر، فذهبوا لتقديم بلاغ بالحالة، فقيل لهم قدموا بلاغكم من باب الاحتياط، أما الشركة فقد تلاشت واختفت، ولا يعرف عن مالكيها أو أماكن تواجدهم أي خبر، وتتكرر الحالة وراء الحالة، ويتكرر النصب والاحتيال، ويقع هذا الإنسان في مقلب آخر، وكأنه لم يتعظ بالذي وقع عليه سابقًا، أو لم يعتبر بما وقع على غيره كذلك، رغم علمه بالذي وقع على الآخرين.
وتدور الدائرة؛ ويبدأ الشياطين الجدد يعزفون على وتر التوظيف، وهو وتر حساس جدًا هذه الأيام، وانتشر أداء الشياطين الجدد في الداخل والخارج، فبعض خطوات الاحتيال تتخذ طرقاً مركبة، فيُعطي الضحية الجواز والبطاقة لإتمام إجراءات التوظيف، فيلبّس تهمة بأخذ مديونية، وهنا إما أن تدفع ما لُبِّستَ إياه، وإما أن تتعرض للمحاكمة، وهذه مسألة أخطر من لو أنك أعطيت مبلغاً بسيطاً لإجراءات التسجيل، فهنا ستفقد فقط ذلك المبلغ المحدود، ولكن في المديونية التي وقعت فيها، سيحدد المحتال القيمة التي يحتاجها، وهنا تنزل الصاملة على الضحية.
قد أبلغني أحد الأصدقاء؛ أن هناك وسيلة نصب واحتيال جديدة، قد حلت في بلدنا، وقد أبلغ الجهات الرسمية بما علمه من معلومات ماكرة، بأن أحد الشياطين ابتكر طريقة يوهم فيها الباحثين عن عمل، بأنه على تواصل مع مجموعة من الشركات، وأن العمل مضمون، ولكن يحتاج إلى دراية وإتقان، وأنه فقط مطلوب من كل طالب عمل، أن يدفع مبلغاً معيناً، وذلك المبلغ يحدده النصاب نفسه، وهو لغرض التدريب والتأهيل قبل الذهاب إلى العمل الجديد، وإلّا سيكون مصيرهم الرفض، ويا ريت لو أنهم سيستفيدون من ذلك المبلغ، بدورة تدريبية تكسبهم بعض المعارف مقابل المال المدفوع، ولكن يظل هذا الشيطان يماطل السُّذج في عقد الدورة، حتى يتجمع لديه مبلغ كبير، ثم يقفل المكتب، ويذهب إلى مكان آخر، فيبدأ مشروع نصب واحتيال جديد، فإذا في المرة الأولى توظيف، فهنا يبدأ بمشاريع استثمارية.. وهكذا دواليك، والناس لا يخلصون من مصيبة، حتى يقعوا في مصيبة أخرى أشمل وأكثر تخسيرًا، وتدميرًا لأحلامهم، والغريق يتمسّك بالقشة والبعض يقول بالشبة "أي بالطحالب".
إن الحاجة للعمل تجعل الناس يتدافعون على أبواب النصابين، وهم لا يكادون يخرجون من سراب، حتى يقعوا في سراب آخر، وهم يفعلون ذلك بظنهم، أن الناس كلهم صادقون، وأنهم يقيسون الناس على أشخاصهم، ولا يظنون أن الجشع قد وصل بالبعض إلى هذا المستوى من الرذالة والانحطاط، وأن فئة الإناث تعد الأكثر تعرضًا لمثل هذه المقالب، وقد يصل الحال بالنصابين إلى الابتزاز والتحرش الجنسي بهن.
إذن على المؤسسات المعنية أن تكون سبَّاقة إلى كشف هذه الأوكار، ومنع انتشار النصب والاحتيال وكافة وسائله، وهذه الأفعال ليس بالصعب كشفها، طالما أن هناك إعلانات تنشر، فبتلك الإعلانات يرشدون على أنفسهم بأنفسهم، وإلا سينتشر النصب والاحتيال، وستشيع هذه الظواهر، وعندئذ سيفقد المجتمع ثقته فيما بين أفراده، وستذهب جدية الناس ومصداقيتهم مع الحذر من الشياطين، وقد تشجّع آخرين على نفس السلوك، والكسب السريع والحرام، مستغلين في ذلك صدق الناس وبساطتهم، وحاجتهم للعمل والمال.
والكلمة الأخيرة التي أقولها، إن قانون الجزاء العُماني، قد جرّم النصب والاحتيال منذ زمن بعيد، فإذا تلك المادة أو المواد لا تغطّي هذه الأفعال الحديثة، والتي أعجزت شياطين الجن عن السير فيها، فيجب تحديث التشريعات وجعلها مناسبة لهذا الزمان، وذلك حتى لا يفلت النصابون المحتالون من العقوبة الرادعة، والعقوبة التي نطمح إليها لا بد لها من أن تحمي المجتمع من شرور الأبالسة، الذين يعملون بمعزل من أي ضمير حي، أو أي وازع ديني وأخلاقي رصين.. وأن تنشأ مراكز خدمات بتراخيص حكومية، يرخص لها لتوفير التسويق للداخل.. وكذلك الخارج، وألا يسمح بالتواصل مع الناس إلا من خلالها.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
بالمصرى.. الوجه الآخر للتقدم التكنولوجى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
بالرغم من إنى من المهتمين بالتطور التكنولوجى والتقنيات الحديثة اللى ممكن تكون سهلت حاجات كتير فى حياتنا على كل المستويات سواء طبية وعلمية أو فى مجال الهندسة والمعمار وكل شئ حتى فى الفن وهندسة الصوت والسينما والمسرح إلا إنى بقيت بخاف.
زمان كان فيه حاجات حلوة ودافية وحميمية إبتدينا نفقدها بالوقت.
زمان كان فيه جوابات بنبعتها لبعض بخط إيدينا وبيبقى مكتوب فيها كلام م القلب وأحداث وتفاصيل وتاريخ وكنا بنكتب على الظرف شكراً لساعى البريد.. دلوقتى مابقاش فيه جوابات.. بقت رسايل واتسآب ممكن تكون مصنوعة ومطبوعة مافيهاش خصوصية وبتلف على الناس فى المناسبات كوبى بيست.
زمان كنا بنزور بعض.. دلوقتى بنكتفى بمكالمات فيديو كول مافيهاش لمسة إيد وحضن دافى.. زمان كان فيه أوتوجراف بيكتبلنا فيه أصدقاءنا وقرايبنا كلمات وأمنيات طيبة بنحتفظ بيه وبنفتحه كل فترة نصحى بيه ذكرياتنا الحلوة..
زمان كان فيه ألبوم صور موجود فى كل بيت، وعلشان نتصور بنجهز ونلبس وناخد صورة حلوة فى كل لقاء لو حد عنده كاميرا أو بنروح استوديو تصوير.. دلوقتى كاميرا الموبايل اللى لو ضاع أو باظ بتروح كل الصور والذكريات.
زمان كان فيه دفتر بنحتفظ فيه بأرقام التليفونات، ومن كتر مابنكتبها ونطلبها بنحفظها.. دلوقتى يمكن مش حافظين أرقام تليفونات أقرب الناس لينا ولو باظ الموبايل مانعرفش نتواصل.
زمان الأكل كان طازة بيتعمل يوم بيوم مافيهوش مواد حافظة ولا ألوان صناعية ولا بودرة بديلة مش عارفين مصدرها تدى طعم ونكهة، ولا كيماويات توجع المعدة ويبقى الشكل أحلى من الطعم.
زمان كان فيه مكالمات تليفون فى المناسبات نطمن على بعض ونهنى بعض ونواسى بعض ونعبر لبعض عن مشاعرنا.. دلوقتى بقت إيموشنز مرسومة نبعتها تعبر عن السعادة أو الحزن ولايك تعبر عن الإعجاب، وقلب يعبر عن الحب.. ومن كتر مابقى بيتحط لكل الناس فقد تميزه وخصوصيته وقيمته.
علشان كده بقيت بخاف.. أيوه بخاف إننا نبقى مش دم ولحم ونتحول لآلات مشاعرنا مصنوعة وباردة وأحاسيسنا مختصرة.. ومع الوقت نفقد أحلى مافينا ويضيع ويتوه جوانا الإنسان.
وللحديث بقية.