جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-28@23:28:10 GMT

السَّراب؟!

تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT

السَّراب؟!

 

حمد بن سالم العلوي

أكثر كلمة شاملة وجامعة لموضوع هذا المقال؛ هي كلمة "السَّراب"؛ فالعطشان أو الظمآن الذي يسير في الصحراء، إذا نظر إلى السَّراب ظنه ماءً، والباحث عن فرصة عمل، إذا سمع كلامًا كالسَّراب، ظنَّه حقيقة صادقة، وأعوان الشيطان الرجيم، لديهم مجامع للدراسة والبحوث والخطط للغدر بالنَّاس، كما فعل الشيطان الرجيم مع سيدنا آدم عليه السلام، فقد عرَّف إبليسُ عنه أنه ينظر إلى الخلد، وحكم أبدي لا ينتهي، لذلك أغراه بالأكل من الشجرة المنهي عنها، فكانت الخطيئة التي أخرجته من الجنة هو وزوجه وإبليس معهما، فتاب آدم لربه واستغفره فغفر له، ولكن الشيطان أصر على فسقه وإغوائه للناس، وهكذا حال شياطين الإنس اليوم، فأنهم يصرون على الغواية، والتمادي في الطغيان، وقد أصبحوا أكثر مكرًا ودهاء من شياطين الجن.

لقد دندن شياطين الإنس على النَّاس بدندنة الغنى والمال، وهذه غاية مرادهم من الحياة، فصدَّقوا الغواية والكذب، وبعض هؤلاء المدندن عليهم، ليسوا كلهم من بسطاء الناس، فذهبوا إلى المشعوذين والدجالين، وكان في قناعتهم، أنه بمقدور أولئك الأشرار إغنائهم، وأن يحولوا لهم الريال إلى عشرة ريالات، والمئة إلى ألف ريال، فوقع الكثير منهم في شر سذاجتهم وطمعهم، وخسر عشرات الآلاف من الريالات.

ثم جاء الدور على الاستثمار في البورصات المحلية والعالمية، ولما كان الحال لا يسمح بفعل ذلك بسهولة في عُمان، فقد سافروا إلى ما وراء الحدود، فرأوا ما يبهرهم هناك، ويجعلهم يصدّقون ويقعون في المقالب، فقد خدعتهم تلك البهرجة التي تبدأ من واجهة الشركة، فإذا دخلوا إلى المكاتب وجدوا بهرجة مبهرة تطير لها الألباب.. فبصموا بالعشر على الموافقة، وسلموا ما توفر لديهم من مال بإطمئنان وأمان، وإذا نقص نصف المبلغ أو شيء منه، استقرضوه من البنوك، وذلك لتتم عملية النصب والاحتيال بسرعة ودون تردد، وقد تم إغراء الضحايا بالأرباح الكبيرة فصدقوا اللعبة، ولما تمت عملية النصب والاحتيال بنجاح، توقف الاتصال بهم، فذهبوا ليستطلعوا الأمر، فلم يجدوا لتلك الشركات أي أثر يذكر، فذهبوا لتقديم بلاغ بالحالة، فقيل لهم قدموا بلاغكم من باب الاحتياط، أما الشركة فقد تلاشت واختفت، ولا يعرف عن مالكيها أو أماكن تواجدهم أي خبر، وتتكرر الحالة وراء الحالة، ويتكرر النصب والاحتيال، ويقع هذا الإنسان في مقلب آخر، وكأنه لم يتعظ بالذي وقع عليه سابقًا، أو لم يعتبر بما وقع على غيره كذلك، رغم علمه بالذي وقع على الآخرين.

وتدور الدائرة؛ ويبدأ الشياطين الجدد يعزفون على وتر التوظيف، وهو وتر حساس جدًا هذه الأيام، وانتشر أداء الشياطين الجدد في الداخل والخارج، فبعض خطوات الاحتيال تتخذ طرقاً مركبة، فيُعطي الضحية الجواز والبطاقة لإتمام إجراءات التوظيف، فيلبّس تهمة بأخذ مديونية، وهنا إما أن تدفع ما لُبِّستَ إياه، وإما أن تتعرض للمحاكمة، وهذه مسألة أخطر من لو أنك أعطيت مبلغاً بسيطاً لإجراءات التسجيل، فهنا ستفقد فقط ذلك المبلغ المحدود، ولكن في المديونية التي وقعت فيها، سيحدد المحتال القيمة التي يحتاجها، وهنا تنزل الصاملة على الضحية.

قد أبلغني أحد الأصدقاء؛ أن هناك وسيلة نصب واحتيال جديدة، قد حلت في بلدنا، وقد أبلغ الجهات الرسمية بما علمه من معلومات ماكرة، بأن أحد الشياطين ابتكر طريقة يوهم فيها الباحثين عن عمل، بأنه على تواصل مع مجموعة من الشركات، وأن العمل مضمون، ولكن يحتاج إلى دراية وإتقان، وأنه فقط مطلوب من كل طالب عمل، أن يدفع مبلغاً معيناً، وذلك المبلغ يحدده النصاب نفسه، وهو لغرض التدريب والتأهيل قبل الذهاب إلى العمل الجديد، وإلّا سيكون مصيرهم الرفض، ويا ريت لو أنهم سيستفيدون من ذلك المبلغ، بدورة تدريبية تكسبهم بعض المعارف مقابل المال المدفوع، ولكن يظل هذا الشيطان يماطل السُّذج في عقد الدورة، حتى يتجمع لديه مبلغ كبير، ثم يقفل المكتب، ويذهب إلى مكان آخر، فيبدأ مشروع نصب واحتيال جديد، فإذا في المرة الأولى توظيف، فهنا يبدأ بمشاريع استثمارية.. وهكذا دواليك، والناس لا يخلصون من مصيبة، حتى يقعوا في مصيبة أخرى أشمل وأكثر تخسيرًا، وتدميرًا لأحلامهم، والغريق يتمسّك بالقشة والبعض يقول بالشبة "أي بالطحالب".

إن الحاجة للعمل تجعل الناس يتدافعون على أبواب النصابين، وهم لا يكادون يخرجون من سراب، حتى يقعوا في سراب آخر، وهم يفعلون ذلك بظنهم، أن الناس كلهم صادقون، وأنهم يقيسون الناس على أشخاصهم، ولا يظنون أن الجشع قد وصل بالبعض إلى هذا المستوى من الرذالة والانحطاط، وأن فئة الإناث تعد الأكثر تعرضًا لمثل هذه المقالب، وقد يصل الحال بالنصابين إلى الابتزاز والتحرش الجنسي بهن.

إذن على المؤسسات المعنية أن تكون سبَّاقة إلى كشف هذه الأوكار، ومنع انتشار النصب والاحتيال وكافة وسائله، وهذه الأفعال ليس بالصعب كشفها، طالما أن هناك إعلانات تنشر، فبتلك الإعلانات يرشدون على أنفسهم بأنفسهم، وإلا سينتشر النصب والاحتيال، وستشيع هذه الظواهر، وعندئذ سيفقد المجتمع ثقته فيما بين أفراده، وستذهب جدية الناس ومصداقيتهم مع الحذر من الشياطين، وقد تشجّع آخرين على نفس السلوك، والكسب السريع والحرام، مستغلين في ذلك صدق الناس وبساطتهم، وحاجتهم للعمل والمال.

والكلمة الأخيرة التي أقولها، إن قانون الجزاء العُماني، قد جرّم النصب والاحتيال منذ زمن بعيد، فإذا تلك المادة أو المواد لا تغطّي هذه الأفعال الحديثة، والتي أعجزت شياطين الجن عن السير فيها، فيجب تحديث التشريعات وجعلها مناسبة لهذا الزمان، وذلك حتى لا يفلت النصابون المحتالون من العقوبة الرادعة، والعقوبة التي نطمح إليها لا بد لها من أن تحمي المجتمع من شرور الأبالسة، الذين يعملون بمعزل من أي ضمير حي، أو أي وازع ديني وأخلاقي رصين.. وأن تنشأ مراكز خدمات بتراخيص حكومية، يرخص لها لتوفير التسويق للداخل.. وكذلك الخارج، وألا يسمح بالتواصل مع الناس إلا من خلالها.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الآية اليمانية

 

 

أخطأت أمريكا خطأها الاستراتيجي حين قررت الدخول في الحرب المباشرة على اليمن…لماذا؟
شطر قوة أمريكا يتمثل في هيبتها وفي قوة ردعها النفسي الذي نجحت في إسقاط قوى كبرى في حبائله فسحرت أعين الناس واسترهبتهم.. وانطلى ذلك الوهم على الناس، فكان يكفي أمريكا أن تلوح بالقوة لهذا البلد أو ذاك فيذعن ذلك البلد ويستجيب وهو يبرر لنفسه بأنه يواجه القوة التي لا يمكن لأحد دفعها..
وكم سمعنا من هذا الحاكم أو ذاك مقولة ” هذه أمريكا” وكأنها الإله الذي لا راد لقضائه…
وكما سقط حكام الهزائم تحت تأثير هذا الوهم فقد سقطت شعوب…
وهذا لا يعني أبدا أن أمريكا ليست قوية.. بل هي قوية وقادرة على القتل والتدمير وتمتلك أكبر ترسانة لذلك في تاريخ البشرية…
لكنه يعني أكثر أن أمريكا وظفت عنصر الوهم لإرهاب الشعوب القابلة والمستعدة للإيمان بهذا الوهم ونجحت في ذلك…
الصدمة الكبرى لأمريكا كانت في حربها المباشرة على اليمن والتي سبقها الحروب الفاشلة لوكلائها في المنطقة وآخرهم إسرائيل ظنا منها أنها قادرة على تحقيق ما لم تحققه كل تلك الحروب..
وهنا كانت الآية الكبرى ” المعجزة” كثمرة للإلتجاء والتوكل الحق على الله وثمرة الانتصار لله وثمرة الاعداد الصادق والجدي والدؤوب.. وثمرة الصبر واليقين…وثمرة الولاية الحلقة.. وثمرة المعية الإلهية….
وكانت المفاجأة الصدمة وهي أن أمريكا ليست أحسن حالا ممن سبقها من مسعري الحروب وأنها في طريقها لفشل جديد وخيبة وهزيمة تهون أمامها هزيمتها في فيتنام وأفغانستان….
غطرسة القوة أعمت الأمريكي وحالت بينه وبين التعلم وأخذ العبرة مما مضى..
وهوان الحكام والشعوب أغراها للتمادي والاستكبار والفرعنة وقادها إلى خطأ التقدير والحساب.. والله لا يصلح عمل المفسدين..
هو الله الذي استدرج أمريكا من حيث لا تعلم للمستنقع اليمني، بل لجحيم اليمن الذي أعده الله لكل متكبر جبار…
وحدهم العملاء الخونة والمرتزقة لا يريدون رؤية هذه الحقيقة رغم أن إلههم الأمريكي بات يتحدث عنها ويحذر من تبعاتها على مكانة أمريكا وهيمنتها …
أربعون يوما من القصف المتواصل على اليمن كانت كفيلة بفضح السوبرمان الأمريكي وتهشيم صورته وإسقاط هيبته…
وللعلم فإن هناك عواصم عربية سقطت في أيام معدودة أمام الوحش الأمريكي. وعواصم تأهبت واستعدت للسقوط لمجرد تغريدة، كما رأينا بعد حادثة ١١ سبتمبر…
فرعون المستكبر وجنوده أصروا على اتباع موسى – عليه السلام – ومعه المستضعفين من بني إسرائيل واستدرجه الله إلى هلاكه ومن معه.. ولو أنه استبصر واتعظ لما فعل ذلك.. وكان يكفيه أن يظل على عرشه موهما الناس بأنه ربهم الأعلى وأنهم لا إله لهم غيره ..
هكذا هي أمريكا كان يكفيها أن تظل بعيدة عن اليمن لتظل محتفظة بكذبتها وسطوتها وهنجمتها على الآخرين…
أما وقد أقبلت بخيلائها لتطفئ نور الله في اليمن، فذلك ما لن يكون …
“ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون” …
هو الله الذي بيده مقاليد السموات والأرض.. الذي جعل تدمير الطغاة في تدبيرهم.. ورد كيدهم إلى نحورهم ..وكفى عباده المجاهدين.. ونصر جنده وجعلهم الغالبين….

مقالات مشابهة

  • الآية اليمانية
  • الإسلام.. يجرّد الدين من الكهنوت
  • الميديا فضحته.. حبس المتهم بالنصب والاحتيال على المواطنين بروض الفرج
  • بمستغانم : توقيف مسبوق قضائيا يحترف النصب والإحتيال عبر “market place”
  • النصب والإحتيال يشوه السياحة بالعاصمة العلمية فاس دون حسيب ولا رقيب
  • 6 مايو.. محاكمة متهمَين بتزوير مستندات رسمية في عين شمس
  • البرهان: الناس ما تبقى زي أخونا حمّاد صدره ضاق
  • نصب على راغبي السفر لأداء الحج.. مدير شركة سياحة يُواجه غرامة 50 ألف جنيه
  • رحلات حج مزيفة.. ضبط شركة سياحة تخصصت في النصب على المواطنين
  • 5 طرق للحفاظ على مرونة جسمك مع تقدمك في العمر.. ما هي؟