جريدة الرؤية العمانية:
2024-06-27@12:21:19 GMT

الرفق ثم الرفق

تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT

الرفق ثم الرفق

 

د. خالد بن حمد بن سالم الغيلاني

khalid.algailni@gmail.com

@khaledalgailani

 

 

التعامل مع الناس بالحسنى، ولين الجانب، من الأمور التي أكد عليها ديننا الحنيف، والسعي لقضاء حوائج الناس ومساعدتهم وتسهيل أمورهم، من فضائل التصرفات، وأنبل الأعمال، التي ترضي المولى تبارك وتعالى، وتسعد الناس.

والمسؤولية الحقة لمن تولى أمرًا من أمور الناس تكمن في الرفق بهم، وتيسير أمورهم، وتبسيط الإجراءات؛ باعتبار هذا التصرف نهجًا إداريًا قويمًا، وتصرفًا مدنيًا راقيًا، وتحقيقًا لمبادئ الشريعة السمحة، والقانون بروحه المنصفة، والوصول إلى درجات عالية من رضا المستفيدين، وتحقيق متطلبات الحوكمة على نحو من الالتزام الأخلاقي من ناحية، والمهني من ناحية أخرى.

والأصل في تولِّي الوظائف العامة، والمسؤوليات المجتمعية؛ تحقيق مصالح العباد، الذين من خلالهم تتحقق مصالح البلاد، وهو مبدأ راسخ يؤكد عليه سلطاننا المعظم الذي يسدي توجيهاته بضرورة قيام كل المسؤولين بواجب تقديم الخدمة لأبناء هذا الوطن كل من موقعه ومسؤولياته.

وبعد هذه الحقائق، فإنه من المستغرب ما يحدث في بعض القطاعات من تصرفات تثير المجتمع، وتدفع به نحو طرق مسدودة من الصعب فهمها، وإدراك أسبابها. وهنا أود الحديث عن الارتفاع الذي لا يخفى على حد في كلفة استهلاك الكهرباء والمياه؛ وخاصة الكهرباء التي قضت مراقد الناس، وأثرت في وتيرة حياة الكثيرين الذين بالكاد يستطيعون تحمل تكلفة المعيشة أو بدقة أكثر تحمل أدنى تكلفة ممكنة للمعيشة.

ثم تأتي تصريحات المسؤولين فترمي الأعذار يمينًا وشمالًا دون حقيقة واضحة، ومبررات مقنعة، مع لوم المواطن على عدم تحديث بياناته، رغم أن هذا المواطن ما أنفك يحدِّث بياناته على كل شاردة وواردة.

وهنا لا بُد أن يُدرك كل مسؤول عن ملف الكهرباء والمياه أن الحديث إلى المجتمع ما لم يكن حديثًا واضحًا صريحًا شفافًا، فهو أشبه بمن يسكب البنزين على الجمر؛ فيثير المجتمع، ويستفز هدوءه.

فكيف نرمي ارتفاع الكلفة على أسباب غير مُقنعة، ولماذا ارتفعت الكلفة هذا العام؟! وفي كل السنوات الماضية كانت طبيعية وفي حدود الاستهلاك المتعارف عليه.

أما من ينسب ارتفاع الكلفة العالية إلى عدم تحديث البيانات؛ فهذا الأمر أكثر استغرابًا، ذلك أن الأصل أن صاحب العقار عُماني وهو ما عليه أكثر الناس، وبالتالي تكون الشريحة هي الشريحة الخاصة بالمواطن، وهنا الأمر لا يتطلب تحديثًا للبيانات التي يمكن الحصول عليها من جهات الاختصاص في إطار تبادل البيانات المتعارف عليه بين مؤسسات الدولة المختلفة، وبحسب الحاجة، ثم إن أهمل صاحب العقار في تفعيل الشرائح الأخرى لتعرفة الاستهلاك في حال تأجيره لغير العماني، أو امتلاكه لعقارات متعددة، فالقانون حدد الإجراء المناسب الذي يلزم اتخاذه وتحصيل الفارق وتطبيق الغرامات.

كما إنَّ التصريحات والبيانات الصحفية غير الواضحة، والمُبهة يجب الابتعاد عنها، ومخاطبة المجتمع بالحقيقة ليفهم ويدرك ويعلم ما له وما عليه، فيكون الأمر في موضعه ونصابه. ويبتعد الجميع عن التأويلات، إنها أمانة وهي عظيمة، ومولانا السلطان كلفكم بها، فعليكم الرفق كل الرفق بهذا المواطن خاصة صاحب الحاجة والفاقة وهم كثر.

أما الأمر الثاني فإنه لا يقل إشكالية عن الأمر الأول؛ فمع صباح يوم ما من أسبوع قد انصرم، ومن خلال أسطر معدودة، طريق الجبل سيُغلق في اتجاه العامرات بوشر، ولمدة أربعة أشهر، واستدرك الخبر المقتضب سيُفتح مسار فيه في ساعة الذروة الصباحية، وكأنَّ الأمر لا ضرر منه والحل موجود.

العامرات هذه الولاية التي تحرسها جبالها الشم من كل مكان، فتخيل الكثيرون أنهم يتحملون كل الصعاب، ويتأقلمون مع كل الشدايد، فكثرت الإشكالات حتى غدت جزءًا من حياتهم.

طريق الجبل أو العقبة، التي هي بالفعل عقبة كؤود، كثيرا ما تسبب قلقا لسالكيها نتيجة ما يحدث فيها من حوادث متكررة، وتساقط للصخور من وقت لآخر، ناهيكم عن غلقها عند كل سحابة ممطرة، ولا غرو في ذلك فالغاية محمودة، وهي حفظ الناس، وسلامة الأرواح.

عمومًا بدأ الغلق للطريق للصيانة، وبدأت المعاناة، ليست معاناة فحسب؛ بل مشكلة كبيرة، والأكبر منها عدم إيصال الخبر للناس بطريقة مناسبة تتسق مع أهمية الحدث وحجم الطارئ الذي سيستمر أربعة أشهر كاملة.

العامرات ولاية تنمو وكثافتها السكانية تزيد، ويقطنها عشرات الآلاف ففيها ما يزيد على 120 ألف نسمة، منهم ما يزيد على 90 ألف عماني، هذه الكثافة تظهر وقت الصباح في شكل موجات بشرية عبر السيارات في توقيت متقارب كل متجه إلى عمله ومدرسته وجامعته وكليته، أو إلى عمله الخاص، أو لأي غرض كان، ولكم أن تتخيلوا حجم تراص السيارات في الطريق، فلا مجال إلى داخل مسقط إلا عبر طريقين، أو سلوك طريق وعرة تتخلها الأودية، ثم يأتي إغلاق واحد من هذين الطريقين في وقت الذروة من الصباح ووقت الذروة من العام في أشهر سبتمر إلى ديسمبر وربما يناير وهي أوقات العمل والدراسة، لكم أن تتخيلوا حجم الضرر والمشكلة وتعطل المصالح، وصرف الأموال، وخلل السيارات، كل ذلك والحلول المتخذة دون الطموح، ودون مستوى الحدث.

ففي هذه الظروف إما أن تخرج عند الخامسة فجرًا في هذه الأيام ثم قبل الفجر في قادم الوقت، أو تتأخر خمس دقائق لمواجهة ازدحام رهيب ومزعج لا يقل عن ساعة، ويزداد كلما تأخرت في الخروج.

فأيُ ضرر هذا؟ وأي وضع يعشيه سكان ولاية كاملة ويتأثر به كل قادم عبر طريق الشرقية صور قريات؟ وحتى مُرتادي طرق الداخل في روي ووادي عدي والوطية وبوشر والغبرة والأنصب والعذيبة.. إنها مشكلة تنم عن عدم الاستفادة من علم السياسات العامة في هكذا إشكالات، وفردية القرار لدى بعض المؤسسات، وعدم دراسة المتوقع من أحداث، وإيجاد حلول ناجعة لها، للوصول للحد الأدنى من الضرر.

مثل هذه القرارات وإن كانت ضرورة حفاظًا لأرواح العباد، فكذلك مراعاة الوضع ووضع الحل ضرورة أخرى، والسؤال قبل اتخاذ قرار كهذا ما هي الجهات التي شاركت في اتخاذه؟ وأين مؤسسات المجتمع منه؟ وما الحلول التي من الممكن تفعيلها؟ ثم ألا يستحق الناس من يتحدث إليهم؟ ألا يوجد متحدث رسمي يظهر ويبين للناس الوضع؟ والمسار المرسوم لعلاج كل تبعاته؟

إنَّ الرفق بأبناء المجتمع، والتعامل مع مثل هذه التطورات، وعلاج الأزمات، وتخفيف الأضرار، كل ذلك مهارات في العمل يجب أن يتحلى بها المسؤولون، خاصة الذين ترتبط أعمالهم بمصالح العباد، وعلينا الاستفادة من مختلف التجارب في مثل هكذا حالات ليكون الأداء بشكل مرضي لجميع أصحاب المصلحة والعلاقة، فالرفق ثم الرفق، وأهمس في أذن كل مسؤول: إن من تقدم له الخدمة أكثر الناس حكمًا على جودة عملك وإنجازك.

حفظ الله تعالى هذا الوطن الغالي، وسلطانه المعظم وأبناءه الكرام.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

إرضاء الناس غاية قد تدرك

عندما تُطرح علينا قضية ما للوهلة الأولى، اعتدنا النظر إليها من (خرم الإبرة) على الرغم من مساعي محفزي التنمية البشرية في حثّنا على النظر للأمور باتساع أكبر، والخروج من صندوق أفكارنا الذي لم نره بالعين المجردة حتى هذه اللحظة، إلا أننا لازلنا نقاوم أي فكرة للتغيير أو التطوير قبل أن نتحمّل عناء رؤية الأبعاد المحيطة بالأمر، رفض منبعه عدم القدرة على تقبّل المتغير، لأن المتغيّر يحتاج لمجهود ما بين الاستيعاب والفهم والتأقلم.

لا أقصد بقولي هذا أنني خارجة من إطار عدم التأقلم السريع، إلا أنني أحاول أن أفكر بمنطلق الطرف الآخر، وهنا أقصد بالطرف الآخر وزارة التعليم وقراراتها التي لم تأتِ على مزاجنا نحن كأولياء أمور أو منسوبين للتعليم، ولا أعلم من منّا على صواب، وسواءً أدركنا الصائب من بيننا أم لم ندرك، فالأمر واقع لا محالة، لذا من الأفضل أن نوسّع دائرة النظر، ونبحث عن ما وراء الأمر من خفايا إيجابية تكون لصالح القرار.

في البداية حتى نكون أكثر واقعية ، لازالت بعض المباني لمدارسنا تحوي أعداداً تفوق المتوقع، يصاحبها نظام تكييف ضعيف، ممّا يجعل تواجد الطلاب والطالبات في فصل الصيف الذي لا يتوافق قدومه مع مناسكنا الدينية ،أمر في غاية الإزعاج، وبالتالي نكون بين خيارين: إما أن نترك أبناءنا في أجواء شديدة الحرارة داخل تلك المباني، أو أن نسمح للسنة الدراسية أن تتخللها مناسباتنا الدينية على الرغم من تفرّدنا بالقيمة لتلك المناسبات لتكريمنا بوجود الحرمين الشريفين.

من نظرة أكثر أمومة وإنسانية ، أرى أن القرار ببقاء الدراسة وفقاً للنظام العالمي في التعليم ،أمر جيّد.
أما من جهة أخرى، ننظر لحال الفترة الزمنية الطويلة التي تمرّ على الطلاب والمعلمين ما بين أيام دراسية واختبارات باختلاف أشكالها، لأطرح سؤالاً مهماً:هل نحتاج إلى هذا الكم من الإجازات المطوّلة التي تتخلّل العام الدراسي لنشعر الطالب أننا نخفف عنه وطأة الفصول الثلاثة؟ أم أنها آلية تُتبع لفترة زمنية معينة إلى أن يعتاد الجميع على نظام الثلاثة فصول؟

أعود لنظرتي كأم تعيش هذه الأحداث من التذبذب في الاستقرار التعليمي لأبنائها: هناك فجوات من الخمول ناتجة من كثرة الإجازات المطوّلة التي تفصل الطلاب عن المنهج الدراسي، بالإضافة إلى تلك الظاهرة التي استحدثت بين الطلاب وبعض المعلمين والتي لا يمكن غضّ النظر عنها ،ألا وهي ظاهرة الاستخفاف بالحضور أيام الخميس والأحد التي تسبق أو تعقب الإجازة المطوّلة.

كم أرجو أن يكون هناك وجهة نظر حقيقية تردّ على هذا التساؤل، أو على الأقل رقابة حقيقية وملزمة لتتوقف تلك الظاهرة، هذا إذا وضعنا في الاعتبار الأسبوع الأخير قبل الإجازة لعيد الفطر المبارك والذي أصبح في نظر الطلاب وبعض المعلمين (مع التأكيد على كلمة البعض) حقاً مكتسباً للغياب.

قضية القرارات التعليمية ،تحتاج لصولات وجولات من النقاش والتداول، وفي النهاية كان الله في عون أصحاب القرار في هذا القطاع، على الرغم من أنهم استطاعوا وبجدارة من جعل إرضاء الناس غاية تدرك، من خلال الصمت وعدم الردّ على المعارضين إلى أن تحدث حالة التعايش مع قراراتهم وتصبح نظاماً معتمداً.

eman_bajunaid@

مقالات مشابهة

  • تصريح سعودي : مفاوضات مسقط هدفها هذا الأمر
  • هذا ما جرى في أنفاق الناعمة.. وقاتلعين الحلوة يسلّم خلال ساعات
  • بالفيديو.. أمين الفتوى: العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة عليها أجر وثواب
  • حكم السير المخالف في الطرق العامة
  • الولاية بمفهومها القرآني ودلالات معانيها السامية
  • إرضاء الناس غاية قد تدرك
  • أمين الفتوى بدار الإفتاء: من يغش ويحتكر السلع.. ملعون
  • حكم شراء مصادرات الجمارك.. الإفتاء توضح
  • خالد الجندي: افعلوا هذا الأمر يصلح الله لكم الأحوال
  • صيدلية "الناس لبعضهم" في أسوان: عام من العطاء وإنجازات متميزة