الإكراه البدني وفق قانون الإجراءات المدنية والتجارية
تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT
د. محمود البلوشي
تخضع كافة التعاملات المالية والمصرفية في السلطنة للقانون المصرفي واللوائح التنظيمية الصادرة من قبل محافظي البنك المركزي العماني تحت المادتين 14 و15 من القانون المصرفي؛ حيث ينظم البنك المركزي العماني إطار العمل الرقابي والتنظيمي للقطاع المصرفي والمالي في السلطنة الذي يطبق على المواطن والمقيم والشركات.
هذا التنظيم يستهدف مراعاة الاستقطاعات الناتجة من جراء تلك المعاملات والتي منها القروض البنكية الشخصية والقروض الإسكانية والقروض من شركات التمويل، ولا يخفى على الجميع أن كافة التعاملات المالية تتم بعدة طرق مثل الشيكات البنكية والعقود التجارية والسندات والصكوك وذلك لأجل حماية حقوق الطرفين. والمواطن العماني العامل في القطاع العام أو الخاص لديه التزامات مالية شهرية لا تقل عن خمسة التزامات مثل: قسط قرض البنك الشخصي وقسط قرض البنك الإسكاني وقسط المركبة لشركة التمويل وفاتورة الماء والكهرباء والهاتف، ناهيك عن الالتزامات الأسرية الأخرى، بالتالي يجد المواطن نفسه في آخر الشهر في دوامة من الالتزامات الواجب عليه قانونًا أن يسددها، وإن أغلب التعاملات المالية بين الشركات تتم بواسطة الشيكات كون أنها ضامن للحقوق وجرمت في قانون الجزاء العماني في حال عدم الالتزام بالوفاء، وفي حالة التعثر عن سداد أي قسط من تلك الأقساط تلجأ المؤسسة الممولة سواء بنك أو شركة تمويل الى القضاء لتحصيل حقوقها وتبدأ مرحلة التقاضي بين الطرفين.
وكون أن سلطنة عمان دولة مؤسسات وقانون أوجد قانون الإجراءات المدنية والتجارية الصادر بالمرسوم السلطاني 29/2002 ليعمل به في محاكم السلطنة وهو قانون متعلق بالمحاكم المدنية والتجارية ومعمول به إلى اليوم، ومن الطبيعي جدًا أن أصحاب الفضيلة القضاة في كافة المحاكم يطبقون القانون بما ورد فيه من مواد قانونية والعمل بما جاء في النظام الأساسي للدولة في مادته 26 "لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون"، وفي أغلب المواد الواردة يتم إلزام المقترض أو التاجر أو صاحب الشركة لأنَّ الجهة الممولة تقدم مستندات قانونية تؤكد بأن المدعي عليه وقع على تلك المستندات التي أشرنا إليها سابقاً بالتالي يتم إلزامه بسداد المبلغ كاملاً لأن أغلب العقود التجارية يوجد بين سطورها بأنه في حال تعثر المقترض عليه أن يسدد مبلغ القرض كاملا، وللعلم بأن المقترض على علم بتلك الفقرة من العقد ولكنه في تلك اللحظة لا تسعه الفرحة لأنه تحصل على القرض ولا ينظر للمستقبل؛ بل إنَّ همه الأول هو الاستفادة من القرض.
وللعلم بأن الحكم يصدر بسداد قيمة القرض كاملاً مع الفوائد، ومن منطلق أن أحكام النظام الأساسي للدولة هو الدين الإسلامي والشريعة الإسلامية التي توجب رد الحقوق لأصحابها وإلزام المحكوم عليه بذلك، إلا أن الإكراه البدني وفق ما جاء في المادة 420 من ذات القانون تنص على حبس المحكوم عليه من شهر إلى ستة أشهر ومن ثم يتم إخلاء سبيله بعد ستة أشهر لمدة ثلاثة أشهر على أن يتم حبسه مرة أخرى بعد الإخلاء إذا امتنع عن الوفاء. المشكلة أن الحبس لمدة ستة أشهر متتالية ينتج عنه العديد من الخسائر بالنسبة للمحكوم عليه؛ فمن الطبيعي أن يتم تسريحه من عمله وتتفاقم عليه الديون من قبل المؤسسات الأخرى التي أقترض منها ناهيك عن التشتت الأسري لأسرة المحكوم عليه والطلاق والنفقة الشهرية.
المشرع العماني أوجد حلًا آخرَ في ذات القانون في مادته رقم 427 وهي مادة تنص فقط على منع المحكوم عليه من السفر وإبقاء المحكوم عليه دون حبس حريته، وأعتقد- من وجهة نظر شخصية لا تعلو على وجهة نظر أصحاب الفضيلة القضاة- أنه في حالة منعه من السفر سيجد الفرصة المناسبة لسداد ديونه والتزاماته، ولن تكون هناك أية مشاكل أخرى كما ذكرت سابقًا؛ بل إن المحبوس أساسًا لا يُفكر في سداد دينه وهو مقيد الحرية؛ بل يفكر في كيفية توفير قوت يوم أسرته!
وقد صدر المرسوم السلطاني السامي رقم (125/ 2020) بإصدار قانون تبسيط إجراءات التقاضي في شأن بعض المنازعات، ونصت المادة 17 من هذا القانون على أنه: "لا يجوز لقاضي التنفيذ أن يأمر بالقبض تنفيذا لأمر قضائي أو حكم واجب النفاذ، متعلق بالوفاء بدين أو بمبلغ من المال تطبيقًا لحكم المادة (٤١٨) من قانون الإجراءات المدنية والتجارية، إلا إذا كان المحكوم عليه، أو المفوض بالإدارة والتوقيع عن الشخص الاعتباري المحكوم عليه، قد تم إعلانه بالسند التنفيذي بشخصه، وثبت امتناعه عن الحضور، كما لا يجوز لقاضي التنفيذ أن يأمر بحبسه ما لم يثبت امتناعه عن التنفيذ رغم قدرته على الوفاء". والجميع أيضًا يرى ما تقوم به السيدة الجليلة حرم جلالة السلطان- حفظها الله ورعاها- من الدعم المستمر للأسر المعسرة ودعمها للمشاريع الخيرية ومساعدة المعسرين.
وفي تصريح لمعالي السيد محمد بن سلطان البوسعيدي نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء خلال تدشين أحدث نسخة من مبادرة فك كربة، قال إن الإنسان يستحق فرصة ثانية وأن أصحاب الفضيلة قضاة التنفيذ في المحاكم يسعون جاهدين لحل النزاع بين المحكوم له والمحكوم عليه، ولكن يبقى القانون هو الفيصل.
لذا من الضروري أن تكون هناك ثقافة لدى المحكوم له بأن الحبس والزج بالمحكوم عليه في السجن لن تكون وسيلة لتحصيل حقه؛ بل إن إعطائه مساحة وحرية للسداد هو الحل الأفضل، وماذا سيفعل المحكوم عليه عند الإخلاء عنه لمدة ثلاثة أشهر غير أن أن ينجز شيئا خلال تلك المهلة وأن يلملم شمل أسرته ويبحث عن وظيفة أخرى.
وفي الختام، أعتقد أن المادة 420 لا تعاقب المحكوم عليه فقط؛ بل هي عقاب جماعي لأفراد أسرته ومن حوله، ونجد حاليا العديد من الدول لا تحبس المحكوم عليه في القضايا المالية؛ بل إنها تكتفي بمنعه من السفر أو توفير أسورة أمنية لمراقبة تحركاته؛ وهذا ما نتمنى أن نراه في السلطنة قريبًا، بإذن الله.. وللحديث بقية.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
عدالة غائبة
بقلم : باقر أحمد ..
قانون العفو العام الذي أقر مؤخرا وصوت عليه مجلس النواب يبين لنا مدى سذاجة السياسة داخل العراق لأن القوانين باتت تقر على أساس التفاهمات السياسية
“هذا إلي وهذا إلك” وليس على أساس تشريع قوانين مدروسة تنصب في صالح المجتمع العراقي ككل وتنصف المظلوم، على الرغم من وجود أفراد مظلومين داخل السجون إلا أن هناك الكثير والكثير جدا من السفاحين الذين امتصوا دماء العراقيين وتركوا خلفهم أيتاما وأمهات ثكالى تعاني الأمرين، ونهبوا المال العراقي، هذا القانون يفتح الأبواب على علامات استفهام وتعجب كثيرة، أولها أن هذا القانون شرع على أساس أن هناك الكثير من المظلومين الذين دخلوا السجن بسبب “المخبر السري والدعاوى الكيدية” كيف لحكومة تعتمد على مخبر سري لكي تحكم على شخص ليس له علاقة بالدعوة المقامة ضده، والسبب الآخر الذي شرع القانون عليه هو “أن بعض الذين تم الحكم عليهم قد انتزعت اعترافاتهم بالإكراه عن طريق التعذيب” والسؤال هنا، في حال خرج بعض السجناء تحت ظل هذا الادعاء هل سوف يحاسب بعض المسؤولين على التحقيق والذين انتزعوا اعترافات المحكوم بالتعذيب؟! إن المرحلة التي يمر بها العراق حاليا على مستوى الاستقرار الأمني هي الأفضل بالنسبة له منذ سقوط نظام الطاغية 2003، وأمل أن لا يكون خروج بعض الإرهابيين والمجرمين وتجار المخدرات أن يؤثر سلبا على استقرار وأمن البلد، خصوصا وأن السجون العراقية هي ليست سجون إصلاحية بل على العكس تماما. ودعوا أن تكون القوانين المشرعة هي على أساس مصلحة عراق واحد بعيدا عن الطوائف والأعراق والانقسامات، وأيضا بعيدا عن المساومات مثل ما حصل قانون العفو العام مقابل قانون الأحوال الشخصية.