د. محمود البلوشي

تخضع كافة التعاملات المالية والمصرفية في السلطنة للقانون المصرفي واللوائح التنظيمية الصادرة من قبل محافظي البنك المركزي العماني تحت المادتين 14 و15 من القانون المصرفي؛ حيث ينظم البنك المركزي العماني إطار العمل الرقابي والتنظيمي للقطاع المصرفي والمالي في السلطنة الذي يطبق على المواطن والمقيم والشركات.

هذا التنظيم يستهدف مراعاة الاستقطاعات الناتجة من جراء تلك المعاملات والتي منها القروض البنكية الشخصية والقروض الإسكانية والقروض من شركات التمويل، ولا يخفى على الجميع أن كافة التعاملات المالية تتم بعدة طرق مثل الشيكات البنكية والعقود التجارية والسندات والصكوك وذلك لأجل حماية حقوق الطرفين. والمواطن العماني العامل في القطاع العام أو الخاص لديه التزامات مالية شهرية لا تقل عن خمسة التزامات مثل: قسط قرض البنك الشخصي وقسط قرض البنك الإسكاني وقسط المركبة لشركة التمويل وفاتورة الماء والكهرباء والهاتف، ناهيك عن الالتزامات الأسرية الأخرى، بالتالي يجد المواطن نفسه في آخر الشهر في دوامة من الالتزامات الواجب عليه قانونًا أن يسددها، وإن أغلب التعاملات المالية بين الشركات تتم بواسطة الشيكات كون أنها ضامن للحقوق وجرمت في قانون الجزاء العماني في حال عدم الالتزام بالوفاء، وفي حالة التعثر عن سداد أي قسط من تلك الأقساط تلجأ المؤسسة الممولة سواء بنك أو شركة تمويل الى القضاء لتحصيل حقوقها وتبدأ مرحلة التقاضي بين الطرفين.

وكون أن سلطنة عمان دولة مؤسسات وقانون أوجد قانون الإجراءات المدنية والتجارية الصادر بالمرسوم السلطاني 29/2002 ليعمل به في محاكم السلطنة وهو قانون متعلق بالمحاكم المدنية والتجارية ومعمول به إلى اليوم، ومن الطبيعي جدًا أن أصحاب الفضيلة القضاة في كافة المحاكم يطبقون القانون بما ورد فيه من مواد قانونية والعمل بما جاء في النظام الأساسي للدولة في مادته 26 "لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون"، وفي أغلب المواد الواردة يتم إلزام المقترض أو التاجر أو صاحب الشركة لأنَّ الجهة الممولة تقدم مستندات قانونية تؤكد بأن المدعي عليه وقع على تلك المستندات التي أشرنا إليها سابقاً بالتالي يتم إلزامه بسداد المبلغ كاملاً لأن أغلب العقود التجارية يوجد بين سطورها بأنه في حال تعثر المقترض عليه أن يسدد مبلغ القرض كاملا، وللعلم بأن المقترض على علم بتلك الفقرة من العقد ولكنه في تلك اللحظة لا تسعه الفرحة لأنه تحصل على القرض ولا ينظر للمستقبل؛ بل إنَّ همه الأول هو الاستفادة من القرض.

وللعلم بأن الحكم يصدر بسداد قيمة القرض كاملاً مع الفوائد، ومن منطلق أن أحكام النظام الأساسي للدولة هو الدين الإسلامي والشريعة الإسلامية التي توجب رد الحقوق لأصحابها وإلزام المحكوم عليه بذلك، إلا أن الإكراه البدني وفق ما جاء في المادة 420 من ذات القانون تنص على حبس المحكوم عليه من شهر إلى ستة أشهر ومن ثم يتم إخلاء سبيله بعد ستة أشهر لمدة ثلاثة أشهر على أن يتم حبسه مرة أخرى بعد الإخلاء إذا امتنع عن الوفاء. المشكلة أن الحبس لمدة ستة أشهر متتالية ينتج عنه العديد من الخسائر بالنسبة للمحكوم عليه؛ فمن الطبيعي أن يتم تسريحه من عمله وتتفاقم عليه الديون من قبل المؤسسات الأخرى التي أقترض منها ناهيك عن التشتت الأسري لأسرة المحكوم عليه والطلاق والنفقة الشهرية.

المشرع العماني أوجد حلًا آخرَ في ذات القانون في مادته رقم 427 وهي مادة تنص فقط على منع المحكوم عليه من السفر وإبقاء المحكوم عليه دون حبس حريته، وأعتقد- من وجهة نظر شخصية لا تعلو على وجهة نظر أصحاب الفضيلة القضاة- أنه في حالة منعه من السفر سيجد الفرصة المناسبة لسداد ديونه والتزاماته، ولن تكون هناك أية مشاكل أخرى كما ذكرت سابقًا؛ بل إن المحبوس أساسًا لا يُفكر في سداد دينه وهو مقيد الحرية؛ بل يفكر في كيفية توفير قوت يوم أسرته!

وقد صدر المرسوم السلطاني السامي رقم (125/ 2020) بإصدار قانون تبسيط إجراءات التقاضي في شأن بعض المنازعات، ونصت المادة 17 من هذا القانون على أنه: "لا يجوز لقاضي التنفيذ أن يأمر بالقبض تنفيذا لأمر قضائي أو حكم واجب النفاذ، متعلق بالوفاء بدين أو بمبلغ من المال تطبيقًا لحكم المادة (٤١٨) من قانون الإجراءات المدنية والتجارية، إلا إذا كان المحكوم عليه، أو المفوض بالإدارة والتوقيع عن الشخص الاعتباري المحكوم عليه، قد تم إعلانه بالسند التنفيذي بشخصه، وثبت امتناعه عن الحضور، كما لا يجوز لقاضي التنفيذ أن يأمر بحبسه ما لم يثبت امتناعه عن التنفيذ رغم قدرته على الوفاء". والجميع أيضًا يرى ما تقوم به السيدة الجليلة حرم جلالة السلطان- حفظها الله ورعاها- من الدعم المستمر للأسر المعسرة ودعمها للمشاريع الخيرية ومساعدة المعسرين.

وفي تصريح لمعالي السيد محمد بن سلطان البوسعيدي نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء خلال تدشين أحدث نسخة من مبادرة فك كربة، قال إن الإنسان يستحق فرصة ثانية وأن أصحاب الفضيلة قضاة التنفيذ في المحاكم يسعون جاهدين لحل النزاع بين المحكوم له والمحكوم عليه، ولكن يبقى القانون هو الفيصل.

لذا من الضروري أن تكون هناك ثقافة لدى المحكوم له بأن الحبس والزج بالمحكوم عليه في السجن لن تكون وسيلة لتحصيل حقه؛ بل إن إعطائه مساحة وحرية للسداد هو الحل الأفضل، وماذا سيفعل المحكوم عليه عند الإخلاء عنه لمدة ثلاثة أشهر غير أن أن ينجز شيئا خلال تلك المهلة وأن يلملم شمل أسرته ويبحث عن وظيفة أخرى.

وفي الختام، أعتقد أن المادة 420 لا تعاقب المحكوم عليه فقط؛ بل هي عقاب جماعي لأفراد أسرته ومن حوله، ونجد حاليا العديد من الدول لا تحبس المحكوم عليه في القضايا المالية؛ بل إنها تكتفي بمنعه من السفر أو توفير أسورة أمنية لمراقبة تحركاته؛ وهذا ما نتمنى أن نراه في السلطنة قريبًا، بإذن الله.. وللحديث بقية.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

سيارات الأحوال المدنية المتنقلة تستخرج 27 ألف وثيقة

واصل قطاع الأحوال المدنية إيفاد قوافل مُجهزة فنياً ولوجيستياً لتقديم كافة الخدمات التى يقدمها القطاع للمواطنين من (بطاقات الرقم القومى – المُصدرات المُميكنة) بنطاق محافظات (القاهرة – الجيزة – مطروح – المنوفية – القليوبية – البحيرة - المنيا – أسيوط– شمال سيناء – الدقهلية) .. حيث أسفرت تلك القوافل عن إستخراج عدد 5988 بطاقة رقم قومى، وعدد 27228 مصدراً مميكناً.


وفى ضوء الإقبال المتزايد من قِبل المواطنين على تلك المناطق.. فقد تقرر إستمرار عمل القوافل بالمحافظات المشار إليها، وذلك إعتباراً من يوم 22/2/2025.

كما واصل القطاع على مدار أيام الأسبوع تلقى الإتصالات الجماهيرية الواردة عبر الخطوط الساخنة لتلبية وتوصيل مختلف خدمات القطاع الجماهيرية الفورية بأماكن تواجدهم  على أرقام القطاع المختصرة (15340) لمختلف الطلبات الجماهيرية الفورية، (15341) لطلبات كبار السن وذوى الهمم والحالات المرضية وأسر الشهداء.. حيث تم تلبية مختلف الطلبات وتوصيلها فى ذات اليوم تيسيراً على المواطنين .. وقد أسفرت عن إستخراج وتوصيل عدد (1320) بطاقة رقم قومى وعدد (111) مصدراً مميكناً.  
             
كما واصل القطاع الإستجابة لإلتماسات الحالات الإنسانية (المرضى وكبار السن وذوى الهمم) وإيفاد مأموريات لعدد (62) حالة إنسانية بالمنازل والمستشفيات لتجديد بطاقات الرقم القومى لهم ، وتم إتخاذ الإجراءات اللازمة لإستخراجها وتسليمها لهم.   

كما يقوم القطاع بمواصلة إيفاد مأموريات لإستخراج وتجديد بطاقات الرقم القومى للعاملين والمترددين على العاصمة الإدراية وعدد من (الجهات الحكومية - النوادى الخاصة) وتم إتخاذ الإجراءات اللازمة لإستخراجها وتسليمها لعدد (228) مواطن ومواطنة بالإضافة إلى مواصلة إستقبال كبار السن وذوى الهمم "قادرون بإختلاف" بالمركز النموذجى لتلبية إحتياجاتهم من مصدرات القطاع وتم إستخراج وتجديد بطاقات الرقم القومى لعدد (293) مواطن ومواطنة.
     
وقد لاقت تلك الإجراءات قبول وإستحسان المواطنين لما لها من مردود إيجابى من خلال التيسير عليهم فى تلقيهم للخدمات بصورة مميزة وتوفيراً للوقت والجهد.. يأتى ذلك فى إطار حرص وزارة الداخلية على إعلاء قيم حقوق الإنسان والتيسير على المواطنين فى تقديم الخدمات الجماهيرية.







مشاركة

مقالات مشابهة

  • مجلس النواب يصدر بيانا حول مناقشات قانون الإجراءات الجنائية
  • النواب يوافق على المواد من 465 إلى 528 بمشروع قانون الإجراءات الجنائية
  • "النواب" يقر موادا تنظم كيفية الفصل في النزاع حول شخصية المحكوم عليه
  • البرلمان يقر سقوط العقوبة بمضي المدة وموت المحكوم عليه في قانون الإجراءات الجنائية
  • النواب يقر المواد المنظمة لكيفية الفصل في النزاع حول شخصية المحكوم عليه
  • تغريم المحكوم عليه عن رفض الاستشكال على الحكم يثير جدل بالجلسة العامة
  • «النواب» يناقش زيادة المقابل المادي لتشغيل المحكوم عليهم
  • «النواب» يوافق على إلزام المحكوم عليه بعمل للمنفعة العامة لتحصيل تعويضات الجرائم
  • سيارات الأحوال المدنية المتنقلة تستخرج 27 ألف وثيقة
  • الإجراءات الجنائية.. هل يؤثر مرض المحكوم عليه في تنفيذ العقوبات؟