صاحب العمل والمقاول (2)
تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT
حمود بن سيف السلماني **
في مقالنا السابق تم التحدث عن بعض المشكلات التي تواجه صاحب العمل مع المقاول وذلك في مسألة الاختيار والتأخر في استلام العقار وغيرها، وفي مقالنا هذا اليوم سنتكلم عن المشكلات التي تحصل بعد إتمام البناء وكيفية الحيلولة دون تفاقمها والمطالبة بإصلاحها.
البناء في مفهومه العام هو الصناعة؛ أي صناعة منزل أو جدار أو أي شيء من العدم، بالتالي فصاحب العمل يرغب في الحصول على بناء متكامل خالٍ من العيوب، ولكن نادرًا ما يتحقق له ذلك بحيث يعتمد ذلك على المقاول الذي يختاره لبناء منزله، وعلى خبرة الأيدي العاملة الماهرة في الموقع؛ حيث إنه لا يمكن أن يتم تسليم البناء لعمال لا دراية لهم بالبناء إلا فقط وضع الطابوق على بعضه؛ وحيث إن كل مرحلة من مراحل البناء يتوجب عملها بإتقان كبير، لأن المرحلة اللاحقة تعتمد اعتمادا كبيرا على المرحلة السابقة، من حيث قوة ومتانة العمل فيها، بمعنى في حالة أن حفر القاعدة كان بطريقة صحيحة وسليمة ووفق الأصول الفنية لأعمال المقاولة، بحيث يجب أن تكون الحفرة وضعت بمقاييس معينة بالإضافة إلى تسويتها بشكل مستقيم ليس بها أي تعرجات؛ وأصحاب الخبرة لديهم المعرفة بذلك أكثر.
لكن قد يحدث أن يقوم المقاول ببناء القواعد بشكل سيئ وعدم وضع الأسمنت بشكل جيد أو عدم استخدامه للمعدات اللازمة والصحيحة في بناء القواعد؛ الأمر الذي يشكل عيبًا بها لم يتم الانتباه له في تلك اللحظة، وتم البناء على القواعد ورفع الجدران، والانتهاء من الأعمال في الموقع بشكل كامل، وبعد فترة من الزمن بدت تظهر بعض التشققات في الموقع، ونزول في جهة معينة، وبالفحص عن طريق الشركات المتخصصة تبين بأنَّ المشكلة في القواعد، وبالرجوع للمقاول رفض إصلاح المشكلة بحجة أن العقد لم يتضمن الضمان العشري به، وأن الضمان كان لمدة سنة فقط على الأعمال التي قام بها.
في هذه الحالة يتوجب على صاحب العمل، أن يتوجه للاستشاري المشرف على البناء أو أي استشاري آخر من أجل الحصول على تقرير فني عن حالة المنزل، بالإضافة الى التقارير الفنية الصادرة من الشركات المختصة، ومحاولة حل الموضوع وديًا مع المقاول لإصلاح العيوب التي بالمنزل، وفي حالة عدم التمكن من حل الموضوع وديًا بإمكانه التقدم بدعوى قضائية ضد المقاول والاستشاري المشرف على البناء بالمطالبة بإصلاح العيوب التي حصلت بالمنزل وفق الضمان العشري بقوة القانون، ولا يحتاج ذلك إلى اتفاق بين الأطراف على الضمان العشري.
ونص قانون المعاملات المدنية على أن المقاول يضمن الأعمال التي قام بها وما يتولد عنها من خسارة أو ضرر جراء صنعته التي يقوم بها، ويكون الاستشاري والمقاول مسؤولين بالتضامن عن العيوب التي تظهر في العقار خلال عشر سنوات من تاريخ تسليم العقار، وحتى إن كان سبب الضرر يرجع إلى التربة المقام عليها العقار والتي رفض صاحب العمل القيام بفحصها قبل إقامة المنشأة عليها، لأن فحص التربة يقع على عاتق المقاول والاستشاري معًا، وذلك لأنهما المختصان والخبيران في معرفة الأضرار الناجمة عن إقامة البناء على تربة طينية وغير ثابتة.
ولا يمكن أن يحتج المقاول بأن صاحب العمل قد أعفاه من الضمان العشري بموجب العقد الموقع بينهما؛ لأن ذلك يعد باطلًا؛ حيث إن القانون اعتبر أي شرط أو اتفاق على إعفاء المقاول من المسؤولية باطلًا بالتالي فيكون المقاول مسؤولًا عن أية أضرار تقع في العقار سواء الضرر جزئيا أو كليا، بشرط ألا يكون صاحب العمل سبب في تهدم المنزل الكلي أو الجزئي، بالإضافة في حالة وقوع قوة قاهرة كهزة أرضية فلا يكون المقاول مسؤولا عن الضمان في ذلك، لأن التهدم الكلي أو الجزئي لا يرجع له.
المهم من ذلك كله، أن يتقدم صاحب العمل بالدعوى بالقضاء أو الجهات المختصة خلال ثلاث سنوات من ظهور العيب، فإذا انتهت هذه المدة ولم يتقدم صاحب العمل بدعوى فيسقط حقه في المطالبة بإلزام المقاول أو الاستشاري بإصلاح العيوب بحجة الضمان العشري، فالحكمة من تحديد المدة هي حماية للأطراف سواء صاحب العمل أو المقاول، وخوفًا من تفاقم المشكلة في حالة عدم الإسراع في إصلاح العيوب التي ظهرت في العقار، فبعض العيوب تحتاج إلى معالجة سريعة جدًا حتى لا تتفاقم وتزيد المشكلة وتظهر عيوب أخرى بسبب عدم إصلاح هذه العيب بشكل سريع.
قد يقول البعض إن صاحب العمل إذا توجه للمحاكم للمطالبة بإلزام المقاول بإصلاح العيوب، ستتأخر المحكمة في الفصل في الدعوى، ونرد بالقول إنه بعد صدور قانون تبسيط إجراءات التقاضي، والذي يُوجب على المحكمة الفصل في الدعاوى المختصة بالمقاولات في مدة لا تتجاوز 6 أشهر، فذلك قلل المدة الزمنية كثيرًا من حيث الفترة التي كانت تستغرقها الدعوى في المحكمة، والتي أولاها المشرع اهتمامًا كبيرًا؛ حيث إن صاحب العمل تحمل فترة ليست بالبسيطة في انتظار أن يجهز منزله وقد أخذ ذلك من وقته وجهده وماله.
وفي الختام.. يتوجب على المقاول عدم الاستعجال في البناء، وعليه اختيار العمال ذوي الخبرة الكافية في العمل، مع أهمية الحصول على نسخ من تقارير الزيارة التي يقوم بها الاستشاري المشرف على البناء، وذلك للاستعانة بتلك التقارير في حالة وجود خلاف مع صاحب العمل مستقبلًا حول العمل الذي قام به، والأهم من ذلك فحص التربة قبل البدء في البناء، حتى يتجنب هدم المنزل مستقبلًا في حالة وجود عيب جسيم يهدد متانة المنزل، بسبب النزول والتشققات التي يحدثها عيب النزول بسبب التربة.
** محامٍ ومستشار قانوني
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
القضاء الفرنسي يطالب بسجن القنصل الليبي السابق بمرسيليا بتهمة تلقي رشاوي
طالبت المدعية العامة الفرنسية، بالحكم بالسجن على القنصل الليبي السابق في مرسيليا سمير الطويل، 18 شهرًا، وغرامة قدرها 10 آلاف يورو، ومنعه من دخول الأراضي الفرنسية لمدة 10 سنوات في اتهامه بتلقي رشاوي من مقاول سوري.
وبحسب صحيفة «لابروفنس» الفرنسية، قالت المدعية: «كان كل شيء يسير على ما يرام، إلى أن تقدم رجل الأعمال بشكوى بشأن التهديدات التي وجهها إليه القنصل مطالبا، وفقا له، بدفع عمولة».
يذكر أن سمير الطويل، القنصل الفخري الليبي بالإنابة في عام 2021، ويخضع للمحاكمة غيابيًا، في محكمة الجنايات بمرسيليا، بتهمة الفساد؛ حيث يشتبه في تلقيه رشاوي من مقاول لاجئ سوري، كجزء من أعمال التجديد في القنصلية الواقعة في الدائرة الثامنة في مرسيليا.
واعترف المقاول أمام المحكمة، قائلاً: «لقد أعطيته 5700 يورو نقدًا، كنت أعلم أن هذا غير قانوني، لكن لم يكن أمامي خيار آخر، وإلا لكان قد قتلني».
وبحسب تصريحات المقاول، فإن الضغوطات استمرت بعد تقديمه الشكوى، مضيفا «عندما علم القنصل بالأمر، أخبرني أنه سيدفع لشخص ما مليون يورو لقتلي» وأنه اضطر أيضا إلى تقديم 3 شيكات بقيمة إجمالية بلغت 40 ألف يورو، وقام بحجبها».
وأوضح المقاول من خلال مترجمه: «غادرت الموقع ثم عدت، وقال إنه سيقاضيني لعدم تنفيذ العقد، وأنه لا يمكن المساس به لأنه يتمتع بالحصانة الدبلوماسية».
الوسومالقضاء الفرنسي القنصل الليبي بمرسيليا