لنحفظ بعض أسرارنا بمنأى عن الآخرين
تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT
د. قاسم بن محمد الصالحي
حين تنوي الكتابة في قضايا تهمك أو تخص مجتمعك تؤمن بأنها ستضيف لك شيئاً من الطمانينة والاستقرار، خاصة إن كنت تستشعر أن كتابتك رسالة تعكس حقيقة لا مجرد خوض مع الخائضين، وكانت تساؤلاتك ومشاركتك دعوة لمن يعيش في الوطن لرفع الهمة وزيادة النشاط والاجتهاد، وليست للتثبط والتخاذل او كشف لعورات الناس لان لهذه الاخيرة خطورة، ولخطورتها فان الله لم يتركها دون اي تحذير ووعيد لمن تسول له نفسه أن يأتيها! قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ [الحجرات: 12]، ولنا ان نتخيل حال مجتمع، كل فرد فيه مشغول بكل شيء، إلا ما ينبغي أن يقوم به اين يكون؟ وكيف يصبح أبناؤه.
لقد تعلمت من الحياة أن المثقف يقوم بطرح ومناقشة فكرة معينة من وجهة نظره الشخصية، لذا فإن كتابته لقضية ما تكون خاضعة للأحكام الشخصية، فمقاله لا يتعاطى الخيال، بل يطرح أفكارا تلمس صلب الحياة، ولكثرة ما قرأت في مثل ذلك، كدتُ أتخذ على نفسي عهدًا ألّا أقرأ مهما كان إلا ما يكون اصيلًا ورصينًا، لكني سرعان ما بدأت أفكر في أمر آخر، وهو ماذا عن باقي الكتابات الأخرى، هل يعني هذا أني إذا ما أردت القراءة يجب علي إتقان التنبوء بالمضمون قبل قراءة المقال، حينها أدركت أن عملية القراءة لا بد منها، لكن لا يعني ذلك قبولها مهما كان مستواها، ثم لم لا نجد موضوعات ترقى إلى المستوى المطلوب؟
وعندما كنت أعتقد أني لن اقرأ أي عمل إلا بحقائقه الأصلية، لم يكن يخطر ببالي وقتها سوى ما يُكتب في الشأن المحلي من قضايا وردود أفعال حولها، ولم أكن أجانب الصواب في اعتقادي ذاك؛ لأن الأساس في تلك الكتابات هو الفعل ورد الفعل، وذلك واضح، لعوامل كثيرة، أهما مسألة ملامسة حوائج شرائح المجتمع ومتطلبات اخرى؛ إذ إن لغة الحاجة دومًا يبقى لها ارتباط وثيق بالمجتمع، كما إنها ستظل على صلة به وتفرض عليه ثقافه متسرعة في الحكم او متعجلة في التنفيذ، وهذا دافع أساسي تدعم عملية الكتابة، علاوة على أن معظم المثقفين والمتعلمين يكون لهم ارتباط بمتطلبات مجتمعية واحتياجات الساكنة فيه، وهذا عامل أيضا تكثر الكتابات فيه وتتعدد.
لذا فان ما نكتبه ليس هو مطلق الحقيقة، ولكن مصداقيته تتحقق حينما ينطوي على عناصر الهدوء والسكينة والتفاؤل وتقصي الكاتب للحقيقة والاستطراد فيها، بحيث يقوم على توظيف الحقائق الدامغة دون إسفاف ولا تسويف كإطار لموضوعات يجري تناولها بعمق وباستشهادات وإحالات واستعراضات، يكرس ما كتبه لخدمة الرأي وليس تنفيره، في سياق تحليلي نافع ينحو منحى السرد الابداعي الرصين؛ لكون ان الكتابة في الشؤون المجتمعية وأحوال الناس، والنقْد في قضاياهم، هي وسيلة لإدراك غاية، ليس الخوض في أعراضهم؛ لذا يتوجب الالتزام بالاعتدال في بيان الأحوال، والوزن بالقسط في إصدار الأحكام، لان بعض المسائل لا تُلزم التطرُّق لها على عواهنها، وبعضها يُجب عدم الخوض فيها او الكلام عنها.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
بن بيّه: السلام جوهر الدين ولا يكون عبر سباق التسلّح
شارك العلّامة الشيخ عبد الله بن بيّه، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي رئيس منتدى أبوظبي للسِّلم، عبر كلمة مرئية مسجّلة، في النسخة الثالثة من «المائدة المستديرة للسلام» التي نظّمتها المنظمة الدولية «أديان من أجل السلام» و«منظمة أديان من أجل السلام - اليابان»، بالتعاون مع «تحالف الحضارات» التابع للأمم المتحدة.
ضم اللقاء المنعقد في العاصمة اليابانية طوكيو، خلال الفترة من 1 إلى 3 يوليو الحالي، نخبة من القادة من مختلف الأديان والفلسفات الإنسانية، وعدداً من صنّاع السياسات وخبراء بناء السلام، لمناقشة سبل تعزيز الحوار بين الأديان ومواجهة التحديات الإنسانية المشتركة.
وأكد، الشيخ عبد الله بن بيّه في كلمته أن الاجتماع ينعقد في وقت تزداد فيه الحاجة إلى السِّلم والعافية، لافتاً إلى تعدد التحديات التي تواجه البشرية اليوم من الحروب والنزاعات، إلى الأزمات البيئية، والأوبئة، والمجاعات، وصولاً إلى الحاجة الملحّة لإدماج الأطر الأخلاقية في تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وشدّد على أن الطريق إلى السلام لا يكون عبر سباق التسلّح، بل عبر استعادة الثقة وبناء جسور التعاون، وتخفيض التسلح الذي كان حلم البشرية إلى وقت قريب. وتناول الدور الحيوي الذي يمكن أن تنهض به القيادات الدينية من مختلف الأديان في تسخير الحوار والتعاون للحد من الصراعات، مؤكداً أن هذه القيادات، وإن لم تكن تملك أدوات وقف الحروب، فإن بإمكانها الإسهام في منع تحوّل النزاعات إلى أحقاد مزمنة وضغائن موروثة، من خلال ترسيخ قيم الصفح والعفو والتضامن ونصرة المظلومين دون تمييز.
وأضاف رئيس منتدى أبوظبي للسلم، أن المجتمعات الدينية قادرة على إشاعة قيم التسامح والرحمة، والحث على إغاثة الملهوف، معتبراً أن هذا هو الدور الجوهري للقيادات الدينية، وهو في الوقت ذاته لبُّ الرسالات ومبدؤها الأسمى.
وتحدث الشيخ عبد الله بن بيّه عن الجهود التي يقوم بها منتدى أبوظبي للسِّلم في هذا السياق، موضحاً أن المنتدى لا ينظر إلى السلام بوصفه خياراً ثانوياً، بل يعده ضرورة حضارية وقيمة أخلاقية عليا، تمثّل جوهر الدين وغايته النبيلة.
وختم بالتأكيد على أن كل عصر له قيَمَهُ التي توجبها عليه التحديات والاختلالات التي تطرأ فيه، مشدداً على أن عصرنا الراهن يتطلب إحياء قيم التعايش والتسامح والتضامن، في مواجهة خطاب الكراهية ومشاريع الإقصاء والعنف.(وام)