جاكرتا- حين الحديث عن التوتر في خليج تايوان، يطفو الاقتصاد على رأس مخاوف العديد من دول جنوب شرق آسيا المنضوية في رابطة آسيان، في ظل تصاعد علاقاتها الاقتصادية مع تايوان خلال العقود الثلاثة الماضية، ومدى تأثير ذلك على مئات الآف من الرعايا.

وبدأت تايوان الانفتاح بمستويات أكبر على العالم من زاوية العمالة والاقتصاد عام 2016، وذلك عندما وصلت الرئيسة الحالية "تساي إينغ وين" لسدة الحكم، حيث هدفت إلى تقليل الاعتماد على الصين، وتوثيق علاقاتها باتجاه الجنوب مع دول "آسيان" فضلا عن أستراليا ونيوزلندا، وهو ما سبق أن فعلته تيوان عام 1994 وحققت تقدما، لكنها تباطأت بعد عام 2002 مع تغير سياسي وقع في تايوان حينها.

وتدرك السلطات في تايوان أن وضعها الدولي مختلف عن دول العالم الأخرى، التي لا تريد الإضرار بعلاقاتها مع الصين، ولذلك لا تأسيس لعلاقات دبلوماسية من خلال سفارات، انطلاقا من الالتزام بسياسية "الصين الواحدة" و"أن تايوان جزء لا يتجزأ من الصين"، وهي سياسة تعود إلى سبعينيات القرن الماضي أو قبل ذلك.

وبديلا عن العلاقات الدبلوماسية والسياسية، ركزت الاستراتيجية التايوانية على تقوية العلاقات الاقتصادية مع دول العالم، وقد ازداد عدد الدول التي لتايوان مكاتب تمثيلية فيها تحت اسم "ممثليات أو مكاتب الاقتصادية والتجارية"، على غرار مكاتبها في إندونيسيا وسنغافورة، ومكاتب "اقتصادية وثقافية" في فيتنام والفليبين وبروناي دار السلام وماليزيا وميانمار، وكل دول آسيان لديها مكاتب مماثلة في تايبي، باستثناء لاوس وكمبوديا اللتان يرتبطان بعلاقات وثيقة مع بيجين.

في المقابل، فإن دول جنوب شرق آسيا في أغلبها تتبع سياسة الانفتاح والتوازن في علاقاتها الخارجية، فهي ذات علاقات اقتصادية ودفاعية بمستويات متفاوتة مع قوى كبرى مثل الصين والولايات المتحدة والهند واليابان وروسيا وكوريا الجنوبية، وكلهم ممثلون في اجتماعات منتدى آسيان الإقليمي على مستوى الوزراء، وكذلك "قمة شرق آسيا" على مستوى الزعماء والقادة.

وتحاول دول آسيان أن تكون علاقاتها منفتحة ومستفيدة اقتصاديا مع الجميع، وفي الوقت نفسه الحفاظ على استقرارها في ظل كل المتغيرات الجيواستراتيجية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.


دول آسيان وعلاقات مع الصين وتايوان

من اللافت أن سياسة الرئيسة التايوانية تساي إينغ وين "بالاتجاه جنوبا"، آتت أكلها سريعا معززة ما كان متبعا قبل عهدها، وذلك بإعادة توجيه ما نسبته 10% من استثماراتها في الصين نحو دول آسيان إثر تطبيقها في عام 2016.

وبعد ثلاث سنوات من ذلك، تم توجيه 47% من إنتاج واستثمارات تايوان نحو آسيان، منها 40% توجهت إلى فيتنام وماليزيا والفليبين وإندونيسيا، بالتوازي مع تزايد التبادل التجاري للصين مع دول آسيان الذي بلغ العام الماضي 970 مليار دولار، وهو ضعف ما كان عليه عندما أطلقت مبادرة الحزام والطريق قبل عشر سنوات، وهي ظاهرة لافتة في العلاقات الاقتصادية بين دول آسيان وطرفين متضادين سياسيا ومتنافسين اقتصاديا.

وحسب أرقام مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، فإن التبادل التجاري بين تايوان ودول آسيان قد نما بعشرة أضعاف خلال أقل من عقدين، حيث ارتفع من 11.02 مليار دولار عام 1990 إلى 110.62 مليار دولار عام 2017.

ويرى باحثون تايوانيون أن من بين العوامل التي ساعدت على تعزيز العلاقات بين دول آسيان وتايوان -كحال العلاقات مع الصين- وجود ذوي الأصول الصينية يتحدثون اللغة المندرينية، في عدد من دول جنوب شرق آسيا، ولهذا وحسب أرقام معهد دراسات آسيان وتايوان، فقد بلغ التبادل التجاري بين تايوان ودول آسيان العشرة عام 2022 نحو 134.605 مليار دولار.

في هذا السياق، تشيرالباحثة في مركز دراسات آسيان بمعهد يوسف إسحاق في سنغافورة ميليندا مارتينوس، في دراسة  منشورة من قبل المركز، إلى وجود فرص استثمارية هائلة في دول آسيان بالنسبة للصين وتايوان على حد سواء.

وتضيف مارتينوس، حسب المصدر ذاته، أنه في الحالة التايوانية،  إندونيسيا وماليزيا وفيتنام  تعتبر مصادر مهمة للمواد المعدنية الخام، مركزة على أهمية الأمر لصناعة أشباه الموصلات في تايوان التي تسيطر على 66% من سوقها في العالم من حيث الواردات، رغم محاولات الصين والولايات المتحدة زحزحتها عن هذه المكانة الصناعية الهامة، وهو ما سيستغرق وقتا لتغير المشهد.

وأسست تايوان نفسها كمركز لوجستي عالمي مهم لتقنيات السيارات والتحولات التقنية حول العالم، ما سيزيد من الحاجة لشبه الموصلات، وهو ما سيعزز العلاقات التجارية بين دول آسيان وتايوان ويجعلها أكثر إلحاحا، بحسب الباحثة.


 مواطنو آسيان في تايوان

وعن الوجه الآخر للعلاقة بين تايوان ودول آسيان، تفيد وكالة الهجرة التايوانية أن هناك 720 ألفا من رعايا دول آسيان يقيمون في تايوان، ويبلغ عدد سكان تايوان نحو 24 مليونا، أي أن واحدا من كل 33 شخصا تقريبا يعيش في تايوان من دول جنوب شرق آسيا، ومعظمهم من العمالة المهاجرة.

وتساءل صحفيون من دول آسيان عن مصير هؤلاء إذا ما توتر المشهد الجيوسياسي والأمني وحتى العسكري في تايوان مع الصين.

وحسب أرقام صادرة عن وزارة العمل التايوانية في 2018، يتوزع رعايا دول آسيان إلى حوالي  258 ألفا من إندونيسيا، ثم فيتنام ب 208 ألفا، والفليبين 149ألفا، فضلا عن تايلاند61 ألفا.

وتعمل نسبة من العمال الوافدين من دول آسيان  في المصانع، حيث تشغل الأعمال الصناعية التايوانية  420 ألف عامل مهاجر أغلبهم من دول آسيان، ويعود وجود العمالة من دول آسيان في تايوان إلى عقد الثمانينات حيث أسهموا جميعا في النهضة الصناعية التايوانية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: دول جنوب شرق آسیا ملیار دولار فی تایوان مع الصین

إقرأ أيضاً:

هرتسوغ يدعو لدراسة صفقة مع نتنياهو تخرجه من السياسة

دعا الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ لدراسة إمكانية إبرام صفقة إقرار ذنب في محاكمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بتهم الفساد، يخرج بموجبها من الحياة السياسية دون الزج به في السجن.

وقال هرتسوغ -في مقابلة مع صحيفة هآرتس- إنه ينبغي دراسة إمكانية إبرام صفقة إقرار ذنب في محاكمة نتنياهو.

وبرزت في الماضي فكرة إبرام صفقة إقرار بالذنب مع نتنياهو مقابل خروجه من الحياة السياسية وعدم دخوله السجن.

وكرر هرتسوغ الدعوة في مقابلة أخرى مع صحيفة يديعوت أحرونوت، الاثنين، بقوله: كجزء من الحاجة إلى تخفيف التوتر في المجتمع الإسرائيلي، سمعت بالفعل أهارون باراك (الرئيس الأسبق للمحكمة العليا) يتحدث عن صفقة الإقرار بالذنب.

وأضاف: إنها ليست فكرة سيئة على الإطلاق أن تدرس صفقة الإقرار بالذنب، أيضا لتقليل التوتر.

ويحاكم نتنياهو أمام المحكمة المركزية بتهم الرشوة والاحتيال وإساءة الأمانة، وهو ما يمكن أن يقوده إلى السجن إذا ثبتت وتم إقرارها من المحكمة العليا، في حين يرفض الاتهامات الموجهة له.

وعارض هرتسوغ دعوة المعارضة لإعلان نتنياهو عاجزا عن الحكم، وقال: بما أنني أؤمن بالديمقراطية، لا أعتقد أنه من الصواب الدعوة إلى إعلان رئيس الوزراء عاجزا.

إعلان

كما أوضح الرئيس أنه يحق للحكومة إقالة مستشارها القانوني ورئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، طالما أن هذه الخطوات تتم بشكل قانوني.

وينشغل الشارع الإسرائيلي منذ أسابيع بقرار الحكومة إقالة رئيس جهاز الأمن العام الشاباك رونين بار الذي عارض القرار، في حين تنظر المحكمة العليا في التماسات ضد إقالته.

كما أن الحكومة شرعت في خطوات لإقالة المستشارة القانونية للحكومة غالي بهاراف ميارا بسبب معارضتها للعديد من القرارات التي اتخذتها الحكومة.

ورفض هرتسوغ اتهامات قادة الحكومة بوجود دولة عميقة (لليسار) في إسرائيل، وقال لصحيفة هآرتس: لا توجد دولة عميقة ولا ديكتاتورية في إسرائيل، الديمقراطية قوية، لكنها مهددة.

ويعتبر وزير الأمن القومي زعيم حزب القوة اليهودية اليميني المتطرف إيتمار بن غفير الأكثر استخداما لتعبير الدولة العميقة في إشارة إلى معارضي الحكومة.

وكان نتنياهو نفسه وجه الاتهام بشأن وجود دولة عميقة في إسرائيل، في خطاب أدلى به أمام الكنيست في الرابع من مارس/آذار الماضي.

كما جدد الرئيس الإسرائيلي في المقابلة دعوته إلى إقامة لجنة تحقيق رسمية في إخفاق 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وفي 27 فبراير/شباط، نشر الجيش الإسرائيلي نتائج تحقيقاته حول هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 خلصت إلى وجود إخفاقات جسيمة في توقع الهجوم والتصدي له، بما في ذلك نجاح حماس بالسيطرة على فرقة غزة لساعات عدة.

ودائما ما تدعو المعارضة الإسرائيلية نتنياهو إلى تشكيل لجنة تحقيق رسمية في الهجوم، الأمر الذي يرفضه رئيس الوزراء.

وفي 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، هاجمت حماس، بعملية سمتها طوفان الأقصى، 11 قاعدة عسكرية و22 مستوطنة بمحاذاة القطاع، بهدف إنهاء الحصار الجائر على غزة (الذي استمر 18 عاما) وإفشال مخططات إسرائيل لتصفية القضية الفلسطينية وفرض سيادتها على المسجد الأقصى.

إعلان

ومنذ ذلك اليوم ترتكب إسرائيل بدعم أميركي إبادة جماعية في غزة خلّفت نحو 170 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.

مقالات مشابهة

  • الرئيس الفنزويلي: أمريكا تضرب الاقتصاد العالمي وتجر الدول للعداء مع الصين
  • السعودية للشحن توقع مذكرة تفاهم مع مجموعة الصين خنان لبناء جسر جوي عالمي يربط آسيا بالعالم
  • زيارة البرهان إلى مصر: محاولة لالتقاط أنفاس السياسة وسط ركام الحرب
  • المدينة الطبية تعزز شراكاتها الدولية باتفاقية مع الصين
  • هرتسوغ يدعو لدراسة صفقة مع نتنياهو تخرجه من السياسة
  • الصين تتعهد بدعم الوظائف والاقتصاد في ظل تأثير رسوم أمريكا الجمركية
  • الصين تتهم واشنطن بدعم استقلال تايوان
  • الصين تتهم أمريكا بتكثيف دعمها لطموحات تايوان الانفصالية
  • الصين وإفريقيا.. سباق الاقتصاد العالمي والمعادن النادرة
  • يد السياسة تمتد إلى كرة القدم في إقليم كوردستان.. فرصة رائدة لإظهار القوة الناعمة