رئيس جامعة الأزهر: الأمم السعيدة هي التي تطفئ نيران الحرب
تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT
قال رئيس جامعة الأزهر د. سلامة داوود خلال مؤتمر الحوار بين الأديان في بودابست عاصمة دولة المجر نائبا عن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إن الأمم السعيدة هي التي تطفئ نيران الحرب ولا تقحم نفسها فيها
وأضاف في بداية كلمتة اللهم لك الحمد حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرْضَى، اللهم صلِّ على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى سيدنا موسى كليم الله الذي صنعه على عينه، وعلى سيدنا عيسى كلمة الله ورُوْحُهُ التي ألقاها إلى مريم البتول، وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، الذين أمرنا الله تعالى أن نؤمن بهم جميعا وأن لا نفرق بين أحد منهم؛ فقال في محكم التنزيل: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} ( سورة البقرة آية 285) نيافة القس جيزا كوميناتز، رئيس جامعة بيتر بازماني الكاثوليكية، معالي السيد جيرجيلي ديلي، رئيس جامعة الخدمة العامة لودوفيكا، الحضور الكرام.
أحييكم بتحية الإسلام، وتحية الإسلام هي السلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأنقل لكم تحيات العالمِ الجليلِ الإمامِ الأكبرِ أ. دأحمد الطيب، شيخِ الأزهر الشريف، ناقلًا شكره الجزيل على أن وجهتم الدعوة لفضيلته لإلقاء كلمةٍ في هذا المؤتمر المتميز؛ تأكيدًا على عمق الصداقة المصرية المجرية التاريخية، وتقديركم الكبير لما يقوم به فضيلته من دور بارز في الحوار بين الأديان.
وعبر عن سعادته بوجوده بين الحضور لإلقاء هذه الكلمة نيابة شيخ الأزهر الشريف، وتابع أنقل إليكم تحياتِ أكثر من ثلاثة ملايين طالب وطالبة من مصر يدرسون في الأزهر الشريف جامعا وجامعة في أحد عشر ألف معهد في مرحلة التعليم قبل الجامعي، وفي تسعين كليةً في مرحلة التعليم الجامعي، وتحياتِ ستينَ ألفِ طالبٍ وافدٍ يَدْرُسُونَ في الأزهر الشريف جامعًا وجامعة، وفدوا إليه من نحو مائة وأربعين دولة من دول العالم تأكيدًا وإيمانًا من العالم كله بأن الأزهر الشريف كعبةُ العلم ومنارة الفكر الوسطي المعتدل الذي تحرص دول العالم على غرسه في نفوس أجيالها ليعودا إلى بلادهم هادين مهتدين.
كما يسعدني أن أنقِلَ لحضراتكم تحيات الجامع الأزهرِ الشريف الذي يَسْنِدُ ظَهْرَهُ لنحو ألفٍ وثلاثةٍ وثمانين عامًا مَضَتْ مِن عُمْرِ الزمان، ولو نَطَقَتْ جُدْرانُه لأَسْمَعَتْكَ أصواتَ العلم والعلماء من شتى بقاع العالم.
وأكد أن الحوار بين الأديان من أجل المحبة والتسامح والسلام من أولى اهتمامات فضيلة الإمام الأكبر الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، حفظه الله تعالى، ودلل على ذلك بسعيه الدؤوب مع أخيه قداسة البابا فرانسيس بابا الفاتيكان لإصدار وثيقة الأخوة الإنسانية التي تم توقيعها في دولة الإمارات العربية عام 2019م، وكذا ما يقوم به فضيلة الإمام من جهد كبير في المحافل الدولية لترسيخ دعائم الأخوة الإنسانية في العالم.
كما أوضح أن كلمته في هذا المؤتمر عن "القيم المشتركة بين المسيحية والإسلام"، وهذه القيم أكثر من أن تُحْصَى، وأوسع من أن تُسْتَقْصَى؛ مشيرا إلى أن هذه القيم ليست مشتركة بين الإسلام والمسيحية فحسب، بل هي قيم مشتركة بين جميع الأديان السماوية، بل بين جميع أصحاب الفطرة الإنسانية السوية، لافتا إلى أن تلك القيم الإنسانية العامة التي يشترك فيها البشر جميعا منها: حفظ النفس والدم والمال والعِرْض ونشر المحبة والتسامح والسلام والرحمة والصدق والأمانة والعدل والحرية والرفق بالصغير وتوقير الكبير واحترام خصوصية الآخر والنهي عن الظلم والعدوان والكذب والغش والخيانة والتجسس على خصوصية الآخرين، مبينُا أن القرآن الكريم ذكر ذلك وأكد عليه؛ حيث قال الله جل جلاله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} (سورة الحجرات آية 12)، مبينًا أنه على سبيل العموم فإن كل ما يحث على الخير والحق والعدل والصدق والمحبة هو مما يدعو إليه كل دين وكل عقل سليم وكل نفس بشرية رزقها الله تعالى فطرة سوية، وهذه القيم النبيلة محمودة في كل دين، وفي كل أمة، وفي كل زمان ومكان.
وأن كل ما يحث على الشر والباطل والظلم والكذب والكراهية هو مما ينهى عنه كل دين وكل عقل سليم وكل نفس بشرية رزقها الله تعالى فطرة سوية، وهذه القيم الذميمة مرفوضة ممقوتة في كل دين، وفي كل أمة، وفي كل زمان ومكان.
وبين أن الله _عز وجل_خلقنا جميعًا لغرض واحد وغاية واحدة هي عبادتُه فقال جل وعلا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ، مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} (سورة الذاريات آية 56، 57، 58) مشيرا إلى أن المولى _عز وجل _ أمرنا أن نتعارف ونتآلف على اختلاف شعوبنا وقبائلنا وألسنتنا وألواننا فقال جل جلاله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات آية 13).
واستأذن داوود الحضور في الوقوف عند قيمة دينية مشتركة وقيمة إنسانية مشتركة وهي قيمة "العدل"؛ لعظيم أهميتها، و"العدل" مما يدعو إليه كل دين سماوي، بل جعله سبحانه اسمًا من أسمائه الحُسْنَى، وأَمَرَ عبادَه جميعا بالقيام به، فقال الله جل جلاله في الكتاب العزيز: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}(سورة النساء آية 58 ) {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (سورة النحل آية 90).
وبين د. سلامة داوود أن المولى _عز وجل _ حذر الأنبياء جميعا من الظلم؛ لأنه كما قال خاتم الأنبياء والرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: (الظلمُ ظلماتٌ يوم القيامة)؛ وهذا يعني أن العدل نورٌ يوم القيامة، وأن الفرق بين العدل والظلم كالفرق بين النور والظلام؛ ويا بُعْدَ ما بينَ النور والظلام؛ ودل هذا الحديث النبوي الشريف أيضا على أن العالَمَ إذا حَقَّقَ العدلَ عاشَ في النورِ وسَعِدَ بالنور، وإذا عَمَّهُ الظلمُ عَمَّتْهُ الظلماتُ وعَلته وشَقِيَ بالظلمِ والظلمات.
موضحًا أنه علينا أن نعيش في أرض الواقع لا أن نعيش في أوهام الخيال أو في عالم افتراضي لا وجود له؛ لأن من أغمض عينيه عن واقع الحياة وعن همومها، فقد أغمض عينيه عن حياته هو وعن واقعه هو وقضى على نفسه بنفسه.
وأكد رئيس جامعة الأزهر على أن (السلام) من الأصول المشتركة بين جميع الأديان، ومن الهموم المشتركة التي تشغل العالم كله، والسلام العالمي يعني بمنطوقه أن يعم السلام أرجاء العالم؛ فلا نرى حربا ولا قتالا، ولا نرى أبواقا تعمل جادَّةً ليلَها ونهارَها لإيقاد نار الحرب؛ لأن الكلمة التي تُشْعِلُ الحرب حرب، والكلمةَ التي تبعث السلام سلام، قال الله جل وعلا في القرآن الكريم: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (سورة المائدة، آية 32).
كما أوضح أن الحروب المشتعلة في بلاد متفرقة من العالم، سواء في دول العالم الأول أو دول العالم الثاني أو دول العالم الثالث، قاطعةٌ كلُّها بأن مصطلح "السلام العالمي" لا يزال حلما يراود العقول؛ ولا يزال كالمدينة الفاضلة التي كان يحلم بها أفلاطون، فهل نعيش لنراه بعيوننا واقعا يتحقق في عالم يسعى إليه ويَحْفِد، وتقوم به مؤتمراته وتقعد، وتَنْحَلُّ به المجالس وتُعْقَدُ، وتنصرف إليه الهمم والعزائم والآمال كما تنصرف عنه، ويشدو به الفقير في كوخه، والغني في قصره، والفلاح في حقله، والصانع في مصنعه، هل نعيش لنراه بعيوننا أم أنه طيف خيال.
وقال: إن الأمم السعيدة الموفَّقَةَ هي التي تطفىء نيران الحرب، ولا تُقْحِمُ نفسَها فيها، مشيرًا إلى أن ما يشهده العالم من طغيان القوي المتكبر على الضعيف العاجز وما تعانيه الدول من ويلات هذا الطغيان في كساد اقتصادها وغلاء معيشتها - قاطعٌ بأن (السلام العالمي) لا يزال حلما كحلم أفلاطون بالمدينة الفاضلة، وأكد فضيلته على حرص الإسلام على إرساء السلام منذ اكثر من 14 قرنًا من الزمان، مستدلا بقول خليفة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ سيدنا أبي بكر الصديق _رضي الله عنه _ وهو صاحب رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ عَلَّمَنَا أن نبدأ بالضعيف ونُوْلِيَهُ العناية والرعاية فقال عندما تولى خلافة المسلمين بعد وفاة الرسول _صلى الله عليه وسلم_ وانتقاله للرفيق الأعلى، قال: "الضَّعِيفُ فِيكُمْ قَوِيٌّ عِنْدِي حَتَّى آخُذَ الحق لَهُ، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه"، عَلَّمَنَا _رضي الله عنه_ أن الضعيف ينبغي أن يكون موضع العناية؛ وأن تكون لحقوقه الأولوية، وأن كل مسئولٍ ينبغي أن يبدأ بالضعيف؛ وأن الأُمَّةَ التي يتقدم ضعفاؤها الأولوية في التعليم والاقتصاد والصحة وجميع وجوه الرعاية أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ تسعى نحو الأمن والاستقرار والتقدم والازدهار.
وأضاف: هل ننتظر أن يعم السلام العالم وهناك شعب ضعيف تم احتلال أرضه وقتلُ أبنائه وهَدْمُ مساجده وكنائسه على مرأى ومسمع من العالم كلِّه ج؛ منذ أكثر من سبعين سنة ولا يزال هذا العدوانُ عليه يتزايد يومًا بعد يوم؟ إنه الشعبُ الفلسطيني في محنته التي يعيشها ويصطلي بلظاها ليلا ونهارا؛ وهذا الظلمُ والعدوانُ استفزازٌ لمشاعر المسلمين في العالم كله، وعدوانٌ على المسلمين في العالم كله، وليس في فلسطين فحسب؛ لأن الاعتداء على المسجد الأقصى اعتداءٌ على مقدسات المسلمين جميعا.
وأوضح رئيس جامعة الأزهر أن حبر الأمة وتَرْجُمانُ القرآنِ سيدُنا عبدُ الله بنُ عباس _رضي الله عنهما _ قال: "البيتُ المُقَدَّسُ بَنَتْهُ الأنبياءُ، وسَكَنَتْهُ الملائكة، وما فيه موضعُ شِبْرٍ إلا وقد صَلَّى فيه نَبِيٌّ، أو قام فيه مَلَك" (معجم البلدان لياقوت الحموي 1/112).
وأوضح أن المسجد الأقصى المبارك هو أولى القبلتين، وثالثُ الحرمين، ومَسْرَى رسولنا المصطفى _صلى الله عليه وسلم_ هو مهد سيدنا عيسى المسيح _عليه السلام، ومعتكَفَ مريمَ البتول، إن مدينة القدس لم تشهد في تاريخها كلِّه قرونا أكثرَ عدلا وأمنا من القرون التي حكمها فيها المسلمون، منذ فُتِحَتْ في السنة السابعةَ عشرةَ من الهجرة على يد أبي عبيدة بن الجراح في خلافة سيدنا عمر بن الخطاب، وبين رئيس جامعة الأزهر أن سيدنا عمرُ بن الخطاب منح أهلَها من المسيحين وثيقةَ الأمان التي عُرِفَت بالعُهْدَةِ العُمَرِيَّةِ، ومن نصوص هذه الوثيقة أنه: "أعطاهم أمانا لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصُلْبَانِهم، أن لا تُهْدَمَ كنائسُهم ولا يُنْتَقَصَ منها ولا من حَيِّزِها، ولا من صُلُبِهم، ولا من شىء من أموالهم، ولا يُكْرَهونَ على دينهم، ولا يضارَّ أحدٌ منهم" مضيفًا أنه لما دخل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بيت المقدس صلى في قبلته، ثم بسط رداءه فكَنَسَ الكُناسةَ في ردائه، وكَنَسَ الناس، ونَعِمَتْ مدينةُ القدس بهذا الأمن، ولم يفرق المسلمون بين أصحاب الديانات السماوية، وتجاورت في القدس المساجد والكنائس والمعابد دون عدوان من أحد على أحد.
وقال داوود: إن القرآن الكريم أمرنا بالإيمان به وبجميع الكتب السماوية من التوراة والإنجيل والزبور، وأكرر على مسامع حضراتكم قول الله جل جلاله: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (سورة البقرة آية 285) كما أمرنا القرآن الكريم بالمحافظة على دور العبادة فقال جل وعلا: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} (سورة الحج آية 40)، وسمع سيدنا علي بن أبي طالب _رضي الله عنه _ رجلا يقول عن كنيسة: "هذا مكان ما دام عُصِيَ اللهُ فيه"، فنهاه سيدنا عليٌّ عن ذلك وصوب له فهمه المغلوط وقال له: " بل قل: هذا مكانٌ ما دام ذُكِرَ اسمُ الله تعالى فيه"، وهذا الفهم الصحيح هو ما نطقت به الآية الكريمة: {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا} (سورة الحج آية 40).
وأوضح أنه كما لا شك أن هذه المبادىء السامية التي دعا إليها الإسلام ودعت إليها جميع الأديان السماوية ترفض ما قام به بعض الأفراد في أوروبا من حرق المصحف الشريف؛ لأن هذا عدوان على كتاب من كتب الله المقدسة، التي أمرنا الله تعالى أن نؤمن بها ونحافظ عليها، أمرنا أن نحافظ على القرآن الكريم كما أمرنا أن نحافظ على التوراة والإنجيل وجميع كتب السماء، ولا شك أن هذا التصرف المُشِين يستفز مشاعر 2 مليار مسلم في العالم، ولا شك أيضا أن هذا يتنافى مع القيم المشتركة بين جميع الأديان ويتنافى مع القيم الإنسانية النبيلة والسلوك القويم.
واختتم رئيس جامعة الأزهر د. سلامة داوود كلمته بالدعوة إلى الصبر والإصرار على نشر القيم الإنسانية النبيلة التي تشترك فيها المسيحية والإسلام بل تشترك فيها جميع الأديان السماوية، وأن لا يصيبنا اليأس، ولنا في رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أسوة حسنة؛ فإنه _صلى الله عليه وسلم_ لم يُثْنِهِ عن الاستمرار في دعوته أكثرَ من عشرين سنة إعراضُ المعرضين ولا تكذيبُ المكذبين، بل ما زاده ذلك إلا عزيمة على الرشد وحرصًا على الدعوة والإصلاح، ولنا في سيدنا نوح _عليه السلام _ مَثَلٌ وقدوة حسنةٌ في إصراره على الدعوة رغم ما لَقِيَ من إعراض قومه واستكبارهم، قال الله _جل وعلا _ حكاية عن سيدنا نوح _عليه السلام _ في السورة التي سميت باسمه في القرآن الكريم، سورة نوح: {قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا، فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا، وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا، ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا، ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا}(سورة نوح من آية 5 – 9).
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: رئيس جامعة الازهر دور العبادة السلام عليكم الازهر الشريف جامعة الأزهر واقع شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب العالم الثالث الكاثوليكية صلى الله علیه وسلم رئیس جامعة الأزهر السلام العالم الأزهر الشریف القرآن الکریم رضی الله عنه العالم کله مشترکة بین دول العالم الله تعالى فی العالم هذه القیم العالم کل بین جمیع قال الله ا إلى أن الله جل لا یزال التی ت ة التی جمیع ا وفی کل
إقرأ أيضاً:
السلام على الأرض ومحبة تتجاوز الحدود .. الكنائس تحتفل بذكرى ميلاد السيد المسيح.. صلوات وقداسات في فلسطين وسوريا لوقف نزيف الحرب
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في ظل ما تمر به منطقة الشرق الأوسط من نزاعات وحروب مدمرة، تأتي ذكرى ميلاد السيد المسيح هذا العام كرمزٍ للأمل والسلام وسط الظلام الذي يكتنف العديد من البلدان.. فبينما تعيش المنطقة تحديات جسيمة من حرب وصراع، تظل رسالة الميلاد التي حملها المسيح، منذ أكثر من ألفي عام، دعوة للتسامح والمحبة والإيمان بقوة النور في أحلك الظروف.
تحتفل الكنائس في مختلف دول الشرق الأوسط، من فلسطين إلى سوريا، لبنان، العراق، واليمن وغيرها من المناطق التي تمزقها النزاعات، بميلاد المسيح في الوقت الذي يعاني فيه العديد من أبناء هذه البلدان من الألم والدمار. ورغم كل ما يحيط بالمنطقة من مآس، تظل رسالة الميلاد ماثلة في قلوب المؤمنين: "السلام على الأرض" و"المحبة التي تتجاوز الحدود".
تأخذ هذه الذكرى طابعًا خاصًا في هذا السياق، حيث تجد الكنائس نفسها في دورٍ عميقٍ من التأثير الروحي، من خلال دعوتها للسلام، وترسيخ الأمل في النفوس، وتأكيد أن الميلاد ليس فقط حدثًا تاريخيًا، بل هو تذكير دائم بأن المحبة والرحمة هما السلاح الأقوى في مواجهة التحديات.
قال البطريرك يوحنا العاشر، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، ورئيس مجلس كنائس الشرق الأوسط عن العائلة الأرثوذكسيّة، "الشعوب اكتتبوا بأمر قيصر وأما نحن المؤمنين فقد كُتبنا باسم لاهوتك"، بهذه الكلمات وبلسان ناظمة التسابيح كاسياني تدعونا الكنيسة المقدسة إلى تأمل ميلاد المسيح. تدعونا للتأمل في تلك الأيام التي جرى فيها اكتتاب أو إحصاء المسكونة. تضع ذلك أمام أعيننا وتدعونا أن نكتتب قلباً وقالباً لاسم المسيح. تدعونا أن نكون له وحده، شهوداً لمحبته، شهوداً لعظم تنازله، شهوداً لإنجيله، و التي ما أنفت أن تتنازل لتخاطب جبلةً أحبت وبشريةً تهاوت في كبريائها فهوت من مجدها فوافاها مخلصاً يعيدها إلى المجد الأول.
وتابع البطريرك يوحنا العاشر: في بيت لحم الهاجعة على أنغام الرعاة جاءنا الساهر على الدنى من علياء مجده. جاءنا من أمٍّ عذراء التحفت الخفر والوداعة. جاءنا وديعاً يناجي الإنسانية الهاجعة في مغاور قلوبها والمتطلعة إلى نور قيامة وفيض رجاء.
واستطرد “العاشر”، من مغارةٍ في باطن الأرض أطل على البشرية الملتحفة بضعفها دثاراً وبكبريائها برقعاً. جاءها طفلاً يناجي أطفالها. جاءها متوسداً في حشا العذراء حشا كل ذهن بشري. أراد أن يلاقيها ببشارة الخلاص وهي التائهة في براري العتو والصلف. جاءها متواضعاً وهي التي شمخت بزيف كبريائها. دخلها مقتدراً كاسراً الأسوار وهي التي تدرعت بأسوار تجبرها وزيف قدرتها.
وفي كل عام تتذكر البشرية ميلاد ذاك الطفل وسط قعقعة حروبها ووسط حروبها التي لا تنتهي. وهي تذكره اليوم وهي تغلي بالحروب ونار الصراعات. تذكره اليوم وفي الذكرى مناجاة لرب السلام. تذكره بعيون كل طفل يتوق إلى سلامه. تذكره في الأرض التي ولد فيها ومن الشرق الذي حضن تلاميذه وأطلق إنجيله إلى كل العالم. تذكره وهي تفتقد حضوره في نشيد الملائكة مجداً لله في علاه وسلاماً على الأرض ومسرةً لبني الأنام. تذكره اليوم وفي الذكرى تلتمع تلك الحروب الآثمة التي تحصد الأرواح وتخطف بهجة الناس. تذكره وهي تتخبط في أوحال السياسة وفي وهاد المصالح التي تدوس كرامة الإنسان وتسلّعها في سوق كبار هذا الدهر.
ورغم كل هذا يبقى لنا الرجاء النابع من عيون ذاك الطفل الإلهي، من عيون طفل المغارة الذي نسأله اليوم الرأفة بعالمه كما ونسأله أيضاً من أجل هذه البشرية التي تترنح من مرارة حروبها وتتوق إلى رحيق سلامه. نسأله أن يطفئ نار الحروب بعذوبة سلامه وأن يضع في النفوس شيئاً من رويّته.
كن معنا يا يسوع ولامس قلبنا بعذوبة قلبك. كن معنا، كما أنت دوماً، وأنعم على بلادنا بروح سلامك. تعهد هذا الشرق الذي ولدت فيه واحفظه بفيض رأفتك. كن، كما أنت دوماً، مع إنسانك المعذب الذي يقاسي ويلات الحرب قتلاً وترهيباً وجوعاً ودماراً وتهجيراً وخطفاً. سكن يا رب هياج هذا العالم وأخمده بجبروت صمتك. أرح نفوس من سبقونا إلى لقيا وجهك القدوس.
البطريرك يوحنا العاشرأما المطران الدكتور سني إبراهيم عازر؛ مطران الكنيسة الإنجيلية اللوثرية في الأردن والأراضي المقدسة قال: المولود هنا في بيت لحم، فلسطين، ليجلب النور لجميع البشر لاسيما في عالم تسوده النزاعات والاضطرابات.
ويأتي علينا عيد الميلاد المجيد مرة أخرى ونحن في حالة حداد وحزن على أهلنا في قطاع غزة الذين يواجهون الحرب والقتل والدمار حيث قُتل عشرات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال، وسجن آلاف آخرين ظلمًا، إضافة إلى الأعداد التي لا حصر لها من الجرحى والمفقودين تحت الأنقاض أو في أماكن مجهولة، وملايين المشردين والنازحين الذين يتعرضون للمجاعة والأوبئة والامراض، ويعانون برد شتاء قارس آخر بينما لا تلقى النداءات لوقف إطلاق النار أي استجابة، ولا نعلم كم من الأرواح ستُزهق قبل أن تنتهي هذا الحرب.
والحال في الضفة الغربية والقدس الشرقية ليس بالأفضل.. فنحن نعاني من فرض قيود مشددة على حرية الحركة، والعديد من عائلاتنا وأصدقائنا وجيراننا يعانون من الوضع الاقتصادي المتردي نتيجة تدهور القطاع السياحي حيث لا تزال العديد من الفنادق والمطاعم مغلقة ويبقى شعبنا محروم من فرص العمل والتعليم، ومحروم من حقهم في الوصول لأماكنهم المقدسة في القدس. ومع زيادة وتيرة وحدة المداهمات وهجمات المستوطنين، لا أحد منا يعلم ما ستؤول له الأمور.
وهنا في بيت لحم، سنحتفل مرة أخرى بميلاد مخلّصنا بدون الاحتفالات التقليدية، بدون إضاءة الأشجار، وبدون بهجة الاستعراضات الكشفية، وبدون الحجاج الذين يأتون بحثًا عن طفل المذود. ورغم أننا نحتفل بمجيء النور إلى عالمنا المتجسد بميلاد المسيح، إلا أننا نمر بأيام عصيبة ومظلمة. ولكننا نستمد الأمل في كلمات بولس الرسول في الرسالة إلى العبرانيين، الإصحاح 13 والآية 8:
"يسوع المسيح هو أمسًا واليوم وإلى الأبد."
وهنا تكمن رسالة كنيستنا منذ أكثر من 170 عامًا. وكجزء متأصل من مكونات المجتمع الفلسطيني، واجهت الكنيسة على مر العقود تحديات جمة مثلها مثل باقي اطياف الشعب الفلسطيني الذي عانى من الحروب والنزوح واللجوء وغياب الحريات الأساسية. من خلال كل هذا، نتمسك برسالة أن يسوع يبقى كما هو في كل الأوقات والمصاعب. لا يمكن لمصائب هذا العالم أن تغير محبة المسيح لنا، والأمل الذي يجلبه إلى العالم. هذا هو ما يجعلنا ثابتين وراسخين في أرضنا وفي إيماننا. ومن خلال خدمتنا الكنسية وبرامجنا المجتمعية، نسعى إلى نشر هذه الرسالة في مجتمعنا. شكل ميلاد يسوع المسيح ثورة. فقد غيّر العالم جاء يسوع إلى العالم في وقت كان شعبه في أمس الحاجة إليه. وهو يأتي إلينا في وقت حاجتنا وعوزنا أيضًا. على مدار خدمته، سواء عندما كان يدعو التلاميذ، أو يصنع المعجزات، أو يعلّم الجموع، لم ينتظر يسوع الناس ليأتوا إليه. بل ذهب إليهم.
مهمتنا ورسالتنا في هذه الأرض هي الاستمرار في هذا العمل الثوري، والذهاب إلى الناس حيثما تواجدوا. كل يوم نحاول أن نعيش ونختبر هذه الرسالة، على الرغم من العقبات الجمة التي تواجهنا. فمن خلال مدارسنا ورسالتنا التربوية، نجلب أمل التعليم لأطفالنا ونخلق جيلا متنورا ومثقفا، ومن خلال كنائسنا، نشارك وعد الإنجيل مع بعضنا البعض ومحبة الله لنا، ومن خلال مركز التعليم البيئي، نعزز صلتنا بأرضنا وبخليقة الله ونسعى لحماية البيئة التي أوكلها الله لنا، من خلال مركز الخدمة الاجتماعية، نقدم الطعام والمأوى والرعاية الطبية والدعم النفسي لمجتمعاتنا. ومن خلال مكتب العدالة بين الجنسين، نعمل معًا من أجل مستقبل أكثر عدالة ومساواة للجميع. لا نسعى من خلال خدمتنا الكنسية أن نكون يدَي المسيح وقدميه في عالمنا فحسب، بل نرى صورة المسيح في أولئك الذين نخدمهم ونتبارك بخدمتهم.
وطالما نحن باقون على هذه الأرض، يبقى يسوع معنا أيضًا. وُلد قبل 2000 عام في بيت لحم، ويولد من جديد في حياتنا اليوم وسيبقى معنا إلى الأبد. ورغم أننا نعرف جيدًا اليوم حقيقة قصة الميلاد: قصة نزوح وخوف والعيش تحت سطوة الإمبراطورية، فإننا نعلم أيضًا أنه اختار أن يأتي إلى العالم من خلال هذه القصة وبما أنه اختار أن يُولد في مغارة متواضعة لشعب يرضخ تحت سلطة الإمبراطورية فإننا على يقين بأنه لن يتركنا. هو الذي أرسل الأخبار السارة للرعاة يرسل الأخبار السارة لنا اليوم ويظهر لنا أنه حتى في أحلك الليالي، هناك نجمة تضيء طريقنا إلى المذود.
متّكلين على هذه الرسالة والأمل الذي تجلبه، نرفع قلوبنا إلى يسوع المسيح الذي هو أمسًا واليوم وإلى الأبد. نصلي أن يغير ميلاده العالم مرة أخرى ويجلب عدله المقدس وسلامه الدائم لشعبنا الفلسطيني ولشعوب الأرض كافة.
المطران الدكتور سني إبراهيم عازروقال الأنبا إبراهيم إسحق؛ يتميّز عيد الميلاد بمظاهر وعلامات خارجيّة عديدة، مثل المغارة وشجرة الميلاد وغيرها. هي لطيفة طالما أنّها لا تشتّت انتباهنا، بل تساعدنا على أن نعيش المعنى الحقيقيّ والمقدّس لعيد ميلاد يسوع، بحيث لا يكون فرحنا سطحيّا بل عميقًا.
عيد الميلاديأتي عيد ميلاد رب المجد يسوع المسيح، ليجـدّد الـيقين بـأنّ الله حـقّا حـاضـر لنا، يأتي كي يلتقي بنا: «ولد لكم اليوم مخلّص». لـم يـكتف ِ الخالق بـأن يُظهـر لنا آيـات رائـعة أو أن يكلّمنا ليـرشـدنا، بل شـاركـنا حدود إنـسانـيّتنا ووهـبنا آفاق محبته الإلـهيّة.
« أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له » كما نردّد في مدائح شهر كيهك. هذا هو سرّ التجسد الذي میّز وما زال يميّز تاريخ الإنسان «لأَنه هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.. .(يو ٣: ١٦-١٧)
اختار عمانوئيل (الله معنا) أن يحضر في تاريخنا البشريّ بحدوده ومآسيه، في عالم يعاني من شر الانقسامات والحروب، ليعلن، بطريقة لا مثيل لها، عن قلب رحيم ومحبٍ للبشر.
الميلاد هو لقاء
الميلاد قبل كلّ شيء هو لقاء. اللقاء بشخص عمانوئيل، الله معنا، مع كلّ واحد منّا. هو النور الحقيقيّ الذي يهزم الظلمة التي تحاول غمر حياتنا وحياة الإنسانيّة كلّها. «النور أضاء في الظلمة والظلمة لم تدركه» (يو ١، ٥).
من هنا تأتي هدية الميلاد متى قبلنا مولود بيت لحم بقلبنا وحياتنا وسمحنا له أن يدخل ويبارك حياتنا. فبالميلاد الثاني الفوقاني تعود الحياة ويتعافى الـقلب ويتجـدّد الـرجـاء. ويصير عيد المـيلاد فرصة للاحـتفال بـالـثقة التي تغلب اليأس، والرجاء الذي يهب المعنى، فالله معنا ومازال يثق بنا.
وفي الميلاد، نلتقي حنان ومحبّة الله الذي ينحني فوق محدوديّتنا وضعفنا وخطايانا.
الميلاد دعوة ورجاء
وقف الله مرّةً وإلى الأبد إلى جانب الإنسان ليخلّصه وينفض عنه غبار بؤسه ويمحو خطاياه.
ليلة الميلاد يولد رجاء للإنسانيّة بشكل عام وللكنسية بشكل خاصّ. فميلاد الرب يسوع هو مبادرة تجدّد فينا قدرة التغلّب عــلى القلق الــذي راح يــسيطر عــلى نفوس الكثيرين.
فإننا نشعر أن جزءاً منّا، وهو الأكرم، مهدور. وبالرغم من تعدّد وتقدّم تقنيات التواصل، صار كثيرون يميلون الي الـبقاء فـي عـزلـة أضعفت قدرتهم عـلى الـتواصـل! فظهرت معاناة فقدان التوازن واختلال الهوية.
في ليلة الميلاد تبيت البشرية، العطشى الي الله، خارج مغارة بيت لحم - مثل الـرعـاة البسطاء- الذين سيقودهـم الـروح الـقدس إلـى مـغارة بـيت لحم، ليلتقوا بمريم ويوسف والطفل تمامًا كما قيل لهم.وبـــعد أن رأى الـــرعـــاة "الله الظاهر في الجسد" أخـــبروا عـــنه بـــما قـــيل لـــهم
فـــصاروا شـــهودًا ومـــعلنين للبشـــرى الـسارّة.
"أَنتُمُ الَّذينَ اختارَهمُ اللهُ فقَدَّسَهم وأَحبَّهم، اِلبَسوا عَواطِفَ الحَنانِ واللُّطْفِ والتَّواضُع والوَداعةِ والصَّبْر". (كول 3: 12)
لنبتهج فـي الـرب يـا أحـبائـي، ولـنفتح قـلوبـنا عـلى احـتياجـات مـن يـنقصهم الـفرح. "فقد أَرادَ الله أَن يُظهِرَ لِلأَجْيالِ الآِتيَة نِعمَتَه الفائِقةَ السَّعة بِلُطفِه لَنا في المسيحِ يسوع" ( اف 2: 7).
لـتساعـدنـا نـعمة مـيلاد رب المجد على الانفتاح والخروج مـن ذواتـنا، لـنكون شـهودًا عـلى مـثال الـرعـاة، الذين لــم يحتفظوا لأنفسهم بفرحه اللقاء بالمخلّص، بل شاركوا آخرين بما اختبروا.
لـيــكن احــتفالــنا وتــبادلــنا الــتهانــي فــي هــذا الــيوم تــعبيرًا عــن فرحة إيماننا أنّ الله مــعنا ويريد أن يرافقنا طريق حياتنا.
محبة واتحاد
نرفع صلاتنا متّحدين مع قداسة البابا فرنسيس وأصحاب الغبطة بطاركة الشرق.
نــصلّي مــعا مــن أجــل الــبلاد التي تــعانــي ويــلات الحــرب والــدمــار والأزمــات خاصةً: ســوريــا، والسودان وأوكرانيا وفلسطين.
نـــصلّي مـــن أجـــل وطـــننا الـــغالـــي مـــصر، ومـــن أجـــل ســـيادة رئـــيس الجـــمهوريّـــة عـــبد الـــفتاح الـسيسي وكـل ّ معاونيه، سائلين الرب ان يلـهمهم الـحكمة والتدبير الحسن لمواجهة التحديات المحلية والأزمات الدوليّة.
يا ربنا محب البشر، هبنا أن نتعلم ألا نغلق قلوبنا، لنرى في كل شخص صورة لك
وأن نبني جسور المحبة والتفاهم بين جميع الناس
هبنا أن نرحّب بهدية سلامك ونشاركةُ القريبين
الأنبا إبراهيم اسحق