سلط المحلل سياسي والخبير في قضايا الأمن الإقليمي بجنوب القوقاز، فؤاد شهبازوف، الضوء على ما وصفها بـ "التوترات غير المرئية" بين إيران وتركيا، مشيرا إلى أن النفوذ في منطقة جنوب القوقاز هو خلفية تلك التوترات.

وذكر شهبازوف، في تحليل نشره موقع "منتدى الخليج الدولي"، وترجمه "الخليج الجديد"، أن التنافس القديم بين إيران وتركيا في جنوب القوقاز تصاعد بشكل حاد في الأشهر الأخيرة، لكن صراعات بمناطق أخرى من العالم هي التي استحوذت على الاهتمام الإعلامي، مثل الصراعات بين إسرائيل وفلسطين وبين السعودية وإيران، وبين قطر والإمارات، إضافة إلى الصراعات على السلطة داخل سوريا واليمن.

وأضاف أن لعبة القوة بين إيران وتركيا في القوقاز يمكن التعرف عليها من تاريخ الإمبراطوريتين العثمانية والصفوية، مشيرا إلى أن تركيا تحالفت مع أذربيجان، وهي دولة ناطقة بالتركية، وساعدتها على اكتساب الهيمنة العسكرية في المنطقة للتمكن من هزيمة أرمينيا وحلفائها الانفصاليين في إقليم، ناجورنو كاراباخ، بشكل حاسم في حرب استمرت 6 أسابيع في أواخر عام 2020 ومرة ​​أخرى في سبتمبر/أيلول 2023.

ولذا فإن التطورات في جنوب القوقاز تمهد الطريق لمزيد من توسع النفوذ التركي في منطقة آسيا الوسطى.

 وجاء هذا التقدم التركي على حساب إيران إلى حد كبير، التي كانت مقيدة في آسيا الوسطى والقوقاز بسبب عوامل عدة، بينها الهيمنة الروسية، ودورها كوسيط قوة إقليمي، ومحدودية أدوات القوة الناعمة التي تمتلكها.

ومع انتصارها العسكري في حرب ناغورنو كاراباخ الثانية عام 2020، عززت أذربيجان تحالفها السياسي العسكري مع تركيا في عام 2021، ما قلص بشكل حاد دور إيران في الشؤون الإقليمية.

ورغم ذلك، ظلت إيران لاعبًا إقليميًا رائدًا، مع وجود قوات وكيلة عنها في جميع أنحاء المنطقة، ولهذا السبب، اتخذت تركيا نهجا متوازنا تجاه إيران، وحافظت على علاقات ودية نسبيا وعلاقات تجارية معها.

وخلال زيارته الرسمية لإيران عام 2022، تعهد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بزيادة التجارة الثنائية بين البلدين إلى 30 مليار دولار سنويا.

شراكات مصلحة

ومع ذلك، فإن الوجود التركي المتزايد في القوقاز ليس مصدر القلق الوحيد لإيران، بل التحالف غير الرسمي بين أذربيجان وتركيا وإسرائيل، الذي كان ذات يوم مجرد "شراكة مصلحة"، وتحول إلى محور مناهض لإيران بشكل صريح، بحسب شهبازوف.

ورغم أن أنقرة وتل أبيب يُنظر إليهما في كثير من الأحيان على أنهما شريكان مترددان ولهما مصالح متباينة في القضايا الإقليمية، إلا أن كلا منهما شريك قوي لباكو.

لكن تركيا أكثر دبلوماسية بشكل ملحوظ في تعاملاتها مع إيران من إسرائيل؛ وفي الوقت الذي استخدمت فيه تركيا قدراً كبيراً من ضبط النفس تجاه جارتها الشرقية، أجرت إسرائيل عمليات تجسس ضد إيران من الأراضي الأذربيجانية، بموافقة باكو.

وأصبح محور تركيا نحو آسيا الوسطى وجنوب القوقاز الركيزة الأساسية لاستراتيجية السياسة الخارجية الطموحة للرئيس أردوغان، وتم تعزيزه بشكل أكبر بعد إعادة انتخابه في مايو/أيار 2023.

وبعد انتخابه لفترة ولاية أخرى، أجرى أردوغان تعديلاً في حكومته واتخذ خطوات ملموسة لتعزيز العلاقات مع جيران تركيا، بما في ذلك إيران، في إشارة إلى فلسفة "لا مشاكل مع الجيران".

وعلى هذا النحو، زار وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، إيران للمرة الأولى، في 3 سبتمبر/أيلول، وعقد اجتماعًا ثنائيًا مع الرئيس، إبراهيم رئيسي، الذي أكد مراراً على "العواقب الوخيمة لوجود أطراف أجنبية" في منطقة القوقاز، خاصة إسرائيل.

 ويرى شهبازوف أن تصريح رئيسي يبدو مفاجئاً بعض الشيء في ضوء تلاشي نفوذ إيران الإقليمي، على الرغم من استفادة طهران نسبيا من فقدان روسيا نفوذها في القوقاز بسبب المستنقع الذي جلبته على نفسها في أوكرانيا.

وأشار إلى أن زيارة فيدان إلى إيران كانت بمثابة بادرة حسن نية ومحاولة لتنسيق الجهود فيما يتعلق بالتطبيع الدبلوماسي مع سوريا، في حين تتطلع إيران إلى طرق جديدة لإعادة تشكيل توازن القوى الإقليمي والحد من نفوذ أنقرة.

ويلفت شهبازوف، في هذا الصدد، إلى أن وجود تركيا الإضافي في المنطقة المجاورة مباشرة لإيران مع سهولة الوصول إلى بحر قزوين ومنطقة آسيا الوسطى مع مجموعة من الدول التركية قد يعزز القومية التركية كأيديولوجية.

واعتبر أن انتصار أذربيجان في صراع ناجورنو كاراباخ الأخير مهد الطريق لسيطرة باكو الكاملة على المنطقة المتنازع عليها منذ فترة طويلة، وعزز بشكل واضح مخاوف إيران من إثارة المشاعر القومية التركية في كل من أذربيجان والمقاطعات الشمالية لإيران .

استراتيجية خاسرة

فأمن الحدود مع أذربيجان يمثل لإيران مسألة ذات أهمية أمنية قصوى، وتنظر إلى أي نوع من النشاط العسكري الأجنبي في هذه المنطقة على أنه تهديد كبير، خاصة إذا كان بمشاركة تركيا، العضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو).

ورغم أن إيران حاولت الحفاظ على الوضع الراهن في المنطقة من خلال تخويف أذربيجان بتدريبات عسكرية ضخمة في عامي 2021 و2022، إلا أن تأثير هذه الجهود تم تقويضه بسبب التزام تركيا القوي ودعمها الصريح لباكو طوال الوقت.

ومن أجل التصدي للتحدي الذي تفرضه أذربيجان، استخدمت إيران إحدى الأدوات القليلة المتبقية لديها: فقد عملت على تعميق شراكتها مع أرمينيا، العدو اللدود لأذربيجان، من أجل تفكيك الترادف القوي بين باكو وأنقرة.

 وكما يتضح من الاشتباكات العسكرية التي وقعت هذا الشهر، يبدو أن هذه الاستراتيجية قد فشلت فشلاً ذريعاً، فأذربيجان أقوى كثيراً من أرمينيا عسكرياً، كما أن يريفان غير راغبة في خوض معركة خاسرة بناء على طلب جيرانها الأكثر قوة.

ومن خلال التنازل عن ناجورنو كاراباخ لأذربيجان، أزالت أرمينيا عقبة رئيسية في علاقاتها مع جارتها الشرقية، ما سمح لباكو بتوجيه اهتمامها إلى أماكن أخرى، وهو تطور كارثي بالنسبة لطهران.

وإزاء ذلك، يرى شهبازوف أن صراع إيران مع تركيا وأذربيجان ناجم عن حقائق جيوسياسية في مناطق أخرى، وبسبب الخوف من الانعزالية الإقليمية تتطلع إيران إلى شراكة اقتصادية أوثق مع كلا البلدين، على أمل أن تسمح لها العلاقات الاقتصادية بمستوى معين من النفوذ في القوقاز.

وإضافة لذلك، لا شك أن صناع السياسات الإيرانيين سعداء لأن التنافس مع تركيا لم يتحول إلى مواجهة مفتوحة، على الأقل في الوقت الحالي.

فطهران ترى أن أنقرة شريكًا صالحًا لتخفيف انعزالتها الدولية والحفاظ على الاستقرار على حدودها وسط الفجوة الأمنية في القوقاز التي خلفها الغزو الروسي لأوكرانيا.

لذا، فمن المرجح أن تعتمد إيران على مهاراتها الدبلوماسية لإدارة تنافسها الضمني مع تركيا وتعزيز دورها "كوسيط" في أعقاب حالة عدم اليقين المستمرة في محادثات السلام بين أذربيجان وأرمينيا.

ويخلص شهبازوف إلى أن دور "وسيط السلام" سيمكن إيران من تهدئة التوترات مع أذربيجان، وإبقاء أرمينيا قريبة، والحفاظ على العلاقات الاقتصادية مع تركيا وتوسيعها، وبالتالي الحفاظ على ما يكفي من النفوذ في منطقة جنوب القوقاز ذات الأهمية الحيوية لحماية مصالحها الأساسية

اقرأ أيضاً

تحليل: إيران وتركيا تتطلعان إلى استراتيجية إقليمية جديدة

المصدر | فؤاد شهبازوف/منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: تركيا إيران جنوب القوقاز إسرائيل قطر السعودية الإمارات جنوب القوقاز إیران وترکیا آسیا الوسطى فی القوقاز إیران من فی منطقة مع ترکیا إلى أن

إقرأ أيضاً:

أخنوش: برنامج مدن بدون صفيح مكن من تحسين ظروف عيش أزيد من 347 ألف أسرة

زنقة 20 ا الرباط

أكد رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، اليوم بمجلس النواب، أن تنمية المجال الترابي تظل أحد التوجهات الكبرى للرؤية الملكية المتبصرة، مبرزا أن بلادنا عملت من هذا المنطلق على تدارك الخصاص في الولوج إلى البنيات التحتية الأساسية في الصحة والتعليم والكهرباء والماء.

وشدد خلال الجلسة الشهرية حول السياسة العامة في موضوع: “البنيات التحتية الأساسية رافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية”، على أن هذا التدارك تم سواء من خلال استثمارات قطاعية أو استثمارات من خلال برامج خاصة، من قبيل برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بالعالم القروي الذي خصصت له ميزانية 50 مليار درهم برسم الفترة 2023-2017، إلى جانب برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.

وسجل أخنوش، أنه بفضل هذه الرؤية الملكية المتبصرة في المجالات الاجتماعية وجهود تقليص الفوارق المجالية، انتقل عدد المستشفيات من 112 سنة 1999 إلى 177 سنة 2024، بزيادة قدرها 58 في المائة، كما انتقل عدد مؤسسات الرعاية الصحية الأولية من 2.138 إلى 3.066 خلال الفترة نفسها، أي بزيادة قدرها 143 في المائة.

هذا وارتفع عدد المؤسسات التعليمية، وفق رئيس الحكومة، من 7.455 مؤسسة سنة 1999 إلى 12.133 مؤسسة سنة 2024، أي بإحداث 4.678 مؤسسة خلال هذه الفترة، منها 62في المائة بالوسط القروي. وانتقل عدد المؤسسات الجامعية من 73 مؤسسة برسم السنة الجامعية 1999-2000 إلى 162 مؤسسة برسم السنة الجامعية 2024-2025.

ولفت أخنوش إلى تزايد عدد المؤسسات التابعة لمكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل من 185 مؤسسة سنة 1999 إلى 474 مؤسسة سنة 2024، كما تم افتتاح 7 مدن للمهن والكفاءات حاليا على مستوى 7 جهات. كما مكن برنامج “مدن بدون صفيح”، من تحسين ظروف عيش ما يناهز 347.277 أسرة، ومن إعلان 61 مدينة بدون صفيح من أصل 85 مدينة.

وبشأن البنيات التحتية المجالية، أورد رئيس الحكومة، أن تدخلات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية مكنت من تأهيل 8.200 كيلومتر من المسالك والطرق، واستفادة 230.000 أسرة من الماء الصالح للشرب، مع ربط 60.000 مسكن بشبكة الكهرباء، وتأهيل 519 مركز صحي.

وأضاف في السياق ذاته، أن برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية الموجه أساسا لتنمية المناطق القروية والجبلية ساهم من إحداث وتهيئة 20.864 كيلومتر من الطرق والمسالك، و222 منشأة فنية 3.940 عملية تشييد وإعادة بناء وتوسعة للبنيات التحتية التعليمية، و713 عملية صيانة وتأهيل للبنيات التحتية التعليمية، و194 عملية تجهيز للمؤسسات التعليمية.

“وذلك إلى جانب 921 عملية بناء وإعادة بناء وتوسعة وصيانة للبنيات التحتية الصحية، و867 عملية تجهيز للمؤسسات الصحية، وإطلاق 734 منظومة للتزويد بالماء الشروب، تم إنجاز 683 منها؛ وإطلاق 38.403 عملية للربط الفردي والمختلط وعبر النافورات، أنجزت منها 30.722، وتوسيع شبكة الماء الصالح للشرب بحوالي 1.092 كيلومتر، وكهربة 1.135 قرية، وتمديد الشبكة الكهربائية على طول 1.070 كلم.”يقول رئيس الحكومة.

مقالات مشابهة

  • مدن الموتى الغامضة منحوتة بالجبل في جنوب عرب تركيا.. ما قصتها؟
  • رئيسا تركيا وإيران يشاركان في قمة منظمة الدول الثماني الإسلامية بالقاهرة
  • إبراهيم عيسى: تركيا وإيران تتنازعان للسيطرة على الحكم في سوريا
  • بمشاركة رئيس تركيا وإيران.. تفاصيل استضافة مصر لـ قمة منظمة الدول الثماني الإسلامية
  • أخنوش: برنامج مدن بدون صفيح مكن من تحسين ظروف عيش أزيد من 347 ألف أسرة
  • مصدر عسكري ينفي انسحاب القوات الإسرائيلية بشكل كامل من الخيام جنوب لبنان
  • الضفة على صفيح ساخن.. إسرائيل تتوقعها الجبهة الرئيسة للحرب
  • طهران تستضيف اجتماع اللجنة الاقتصادية المشتركة بين تركيا وإيران
  • إسرائيل على صفيح ساخن.. عصيان مدني وضغوط متصاعدة
  • من تركيا وإيران إلى الخليج: العراق يعيد تشكيل علاقاته التجارية بعد سقوط الأسد