غابات في قلب المدينة.. كيف تغزو الطبيعة المدن الحديثة؟
تاريخ النشر: 26th, September 2023 GMT
في خضم ما نعانيه اليوم في المدينة من وتيرة حياة متسارعة ومشوبة بالقلق، تبدو الطبيعة الملجأ المثالي للتخلص من أمراض العصر وعلى رأسها الاكتئاب، لذلك تستدعي أحدث اتجاهات الديكور عناصر الطبيعة لتصنع في المدن والمنازل "غابات حضرية" (Urban Jungle)، وهنا نخبرك المزيد عن هذا الاتجاه، وبما يمكنك فعله ليتحول منزلك إلى قطعة من الطبيعة (1).
"الغابة الحضرية" هو اتجاه لاستخدام النباتات في المنازل للحصول على فائدتها في إعادة التوازن إلى عقولنا وأجسامنا، إلى جانب الأغراض الجمالية (2)، على أنه لا ينبع فقط من الحرص على تأثير اللون الأخضر على المستوى الإبداعي والنفسي والمعرفي، ولكنه رد فعل حديث على تناقص مساحات الغطاء النباتي وقلة الهواء النقي داخل البيئة الحضرية، وفي جزء منه هو التزام بالعناية بالبيئة الطبيعية وإعادة التوازن إلى مدننا بإفساح مساحة منها للطبيعة (3).
يعني هذا الاتجاه تحويل منزلك إلى بيئة طبيعية صغيرة، مليئة بالنباتات النضرة، إنه لا يتبع نظاما ما مثل غيره من أنظمة الديكور، فقط الكثير من النباتات (4). يمكنك مثلا استغلال مساحات صغيرة في أحد الأرفف الخشبية في منزلك، لتضع عليها نبتة صبار صغيرة أو نبتة عصارة، هذه النبتات على صغرها ستجعل أركان منزلك أكثر انتعاشا، كل الأسطح الخالية والأرفف وحتى سطح الثلاجة مساحات مثالية لوضع إصيص من نبات البوتس أو اللبلاب بأشكال وأحجام مختلفة (5).
السجاد المصنوع من الألياف الطبيعية والطاولات المصنوعة من الخوص ستبدو رائعة عند دمجها مع كثير من النباتات. (شترستوك)النباتات طريقة سحرية غير مكلفة لإضفاء الحيوية على كل أركان منزلك، مع إضفاء لمسة جميلة مثل تعليقها في السقف أو وضعها في أصيص من النحاس، يمكن البدء بنبتة واحدة والانتظار لتنمو أوراقها وزراعة جزء منها في إصيص جديد، ستُضفي أي نبتة في الأركان والمساحات الفارغة حياة جديدة، جرب المزج بين درجات الأخضر في النباتات المختلفة، واختر أنواعا تتفاوت أحجام أوراقها (6).
أما عن القطع الأخرى فالسجاد المصنوع من الألياف الطبيعية والطاولات المصنوعة من الخوص ستبدو رائعة عند دمجها مع كثير من النباتات، وكذلك أوراق الحائط التي يسود فيها اللون الأخضر، والنقوش الطبيعية في المنسوجات، قطع الأثاث والزينة والزخارف رفيق جيد لأسلوب الغابة الحضرية، لكن العنصر الطاغي هنا هو المزيد من الأوراق الخضراء، لذا فالأرفف الخشبية والأواني المعلقة أو خيوط المكرمية المغزولة هي كل ما نحتاج إليه (7).
هناك بعض النباتات التي لا تحتاج إلى كثير من الخبرة يمكنك البدء بها، وستزيد مساحة اللون الأخضر في منزلك، أبرزها البوتس إلى جانب نبات الجبن السويسري واللبلاب ونبات العنكبوت، حيث تتميز كلها بسرعة النمو، ويمكن مشاركة الأصدقاء شتلات منها لتمتد المساحة الخضراء (8).
نبات لكل غرفة في الغرف المشمسة أو شديدة الحرارة يمكن تلطيف الأجواء ببعض النباتات مثل السرخس والصبار، النباتات العصارية المزهرة اختيار مثالي أيضا لغرفة المعيشة. (شترستوك)أما عن النباتات التي يمكنك اختيارها فيخصص إيغور يوسيفوفيتش وجوديث دي غراف فصلا من كتابهما "قبيلة النبات" للحديث عن الاختيارات المتاحة لوضعها في كل غرفة، وهو يرى أن كل غرفة يدخلها الضوء الطبيعي تستحق أن نضع فيها نباتا واحدا على الأقل، ومهما كانت المساحة المتوفرة في الغرفة، ففي اللحظة التي تضع فيها نباتا واحدا تتحول مساحتها لتصبح أكبر، ربما لأن عقولنا تكمل المشهد وتتخيل مشاهد طبيعية أكبر (9).
عند اختيار النباتات الخاصة بكل غرفة سيكون علينا وضع الضوء والهواء والرطوبة وعوامل أخرى في اعتبارنا، لكن عموما تبدو النباتات ذات الأوراق الكبيرة هي الاختيار الأفضل لمدخل المنزل وغرفة المعيشة، فهي تُضفي جاذبية على المكان وتمنحنا انطباعا باتساع المكان، وتعزز هذا الشعور النباتات المتسلقة مثل اللبلاب وشجرة الحب (Philodendrons)، يمكنك أيضا زراعة نباتات السرخس والبوتس، فهي تبدو جميلة أيضا ومثالية لتنقية الهواء.
في الغرف المشمسة أو شديدة الحرارة يمكن تلطيف الأجواء ببعض النباتات مثل السرخس والصبار، النباتات العصارية المزهرة اختيار مثالي أيضا لغرفة المعيشة، فهي صغيرة ويسهل العناية بها، كما تُضفي ألوانها بهجة مميزة على الغرفة، الخيزران أو البامبو، ونبات القراص أو نبات المال الصيني كما يُطلق عليه خيارات رائعة أيضا (10).
في المطبخ تُعد الأعشاب والنباتات التي يمكن الاستفادة منها في إعداد الأطباق الاختيار الأمثل لوضعها على حافة النافذة حين يتوفر الضوء (شترستوك)في المطبخ تُعد الأعشاب والنباتات التي يمكن الاستفادة منها في إعداد الأطباق الاختيار الأمثل لوضعها على حافة النافذة حين يتوفر الضوء، ولا ينقصنا سوى الاهتمام بريها بانتظام لتزدهر أعشاب الروزماري والنعناع والزعتر والريحان وغيرها من النباتات صغيرة الحجم وعظيمة الفائدة.
كما يمكن وضع الصبار والاستفادة من جل الألوفيرا في الإسعافات الأولية عند الحاجة؛ الجل الشفاف غني بالخصائص المضادة للبكتيريا والفيروسات التي تفيد في حالات الحروق والطفح الجلدي البسيط، ولا يحتاج الصبار إلى الكثير من العناية، وإذا ما توفرت مساحة أكبر فيمكن أيضا إنشاء حديقة صغيرة وزراعة بعض الخضراوات مثل الطماطم والفلفل التي تبدو رائعة فضلا عن فائدتها (11).
النباتات العصاريةالمعروف أن النباتات تطلق الأكسجين خلال ساعات النهار، لكن أغلبها مع حلول الليل وتوقف عملية التمثيل الضوئي تطلق ثاني أكسيد الكربون، إذا كنت تخشى من أن تحد النباتات في غرفة النوم من كمية الأكسجين فيمكنك اختيار نباتات تفعل العكس، وتطلق الأكسجين خلال الليل مثل النباتات العصارية ونباتات الثعبان والبروميليا، لتهيئ الغرفة أجواء مثالية لنوم أفضل، كما يمكنك اختيار نباتات ذات أوراق صغيرة تتطلب كمية أقل من الأكسجين (12).
مع الوقت ستعرف النباتات المناسبة لكل غرفة، وسيمكنك أن تلاحظ كيف تكافئك النباتات كثيرا عندما تعتني بها جيدا.
تأثير اللون الأخضر النباتات الداخلية قادرة على تعزيز جودة البيئة الداخلية والتخفيف من حِدّة التأثيرات الصحية والعقلية السلبية، كما أن لها تأثيرات في الصحة العامة. (شترستوك)لدينا نحن البشر ارتباط متأصل بالطبيعة واللون الأخضر، فهي تزيد المشاعر الإيجابية وتساعدنا في التعافي من التوتر والقلق. ووفق الدراسة التي نشرتها مجلة "سستينابيليتي" (Sustainability) عام 2019، فإننا نحتاج لأقل من 20 دقيقة من الوجود بالقرب من النباتات ليغمرنا الشعور بالراحة والتحسن، في إحدى التجارب، شعر المشاركون الذين قضوا نحو 10 دقائق في غرفة بها عدد قليل من النباتات المنزلية بسعادة ورضا أكثر ممن قضوا هذا الوقت في غرفة خالية من النباتات (13).
تشعرنا النباتات الداخلية بالتواصل مع الطبيعة، مع وجودنا داخل بيئات مغلقة لمعظم أوقاتنا فإننا نصبح عُرضة للمركبات العضوية المتطايرة (VOC)، الذي تزيد احتمالات الشعور بالتوتر، لكن النباتات الداخلية قادرة على تعزيز جودة البيئة الداخلية والتخفيف من حِدّة التأثيرات الصحية والعقلية السلبية، كما أن لها تأثيرات في الصحة العامة مثل خفض ضغط الدم والإجهاد، وتؤثر أيضا في قدرة المريض على تحمل الألم (14).
في دراسة نشرتها مجلة "ثينكينج سكيلز آند كرياتيفيتي" (Thinking Skills and Creativity) عام 2016 جرى اختبار تأثير المشاهد الطبيعية واللون الأخضر على عدد من طلاب الجامعة، بعد تقسيمهم لمجموعات تعرض بعضها للمشاهد الطبيعية عبر نوافذ الفصل الدراسي وبقيت مجموعة أخرى في فصل دراسي خالٍ من النباتات وغُطيت نوافذه بالستائر لحجب الرؤية، كشفت النتائج قدرات أعلى للمجموعة الأولى، كان القرب من المناظر الطبيعية والنباتات واللون الأخضر يزيد من قدرة الطلاب على الإبداع البصري (15).
أعمال البستنة وحدها قادرة على منحنا الشعور بالسعادة والراحة، التفاعل مع النباتات أثناء الري، لمسها وترتيبها يقلل الشعور بالتوتر ويخفض ضغط الدم، وجودنا بالقرب من النباتات يتيح لنا استعادة مواردنا العقلية والجسدية فيما يشبه الترميم، أو إعادة شحن طاقتنا باستمرار، وعلى ما يبدو فإن الطبيعة في حاجة أيضا إلى عالم المدن اليوم (16).
الطبيعة تلجأ إلى المدنربما بوسعنا اليوم القول إن التنوع البيولوجي لا يوجد فقط في الأراضي الزراعية والمحميات الطبيعية. يحكي بن ويلسون صاحب كتاب "الغابة الحضرية: تاريخ ومستقبل الطبيعة في المدينة" كيف تزدهر حياة الطيور والحيوانات في عالم المدينة اليوم، ويشير إلى أن حيوانات الراكون تعيش بكثافة أكبر في المدن بالمقارنة بالريف، وتمتلك تلك التي تعيش في شيكاغو ذرية أكثر صحة من مثيلاتها التي تعيش في الريف.
كتاب "الغابة الحضرية: تاريخ ومستقبل الطبيعة في المدينة" لـ "بن ويلسون" (مواقع التواصل)أما عن النباتات فيحكي بن ويلسون كيف ظلت معزولة عنا، فدخلت إلى المدن في شكل حدائق محاطة بالأسوار ومقصوصة بشكل يجعلها تبدو مصنوعة تماما، إلى أن حاصرتنا مشكلات التغير المناخي لنعرف أن الهندسة البشرية ليست كافية لحمايتنا، هكذا يجري في عدد من المدن دمج الطبيعة في الحضر، على رأسها أمستردام التي تتجه للاكتفاء الذاتي من الطاقة الخالية من النفايات واستهلاك الطعام من خلال حزام حول مركز المدينة بحلول عام 2050 (17).
بدأت الطبيعة في التسلل إلى الحياة الحضرية في المدن إذن، يمكن اعتبار بعض الحيوانات البرية من النازحين إلينا في المدن بحثا عن غذاء ومأوى، بعد أن أصابتها كوارث التغير المناخي، الطيور والنباتات تفسح لنفسها مكانا بيننا، من ناحية فإن النمو الحضري يواصل التقدم على حساب البيئة الطبيعية، ومن ناحية أخرى فالمبيدات الكيماوية تجعل حياة الطيور والحشرات وحتى النباتات أكثر صعوبة.
بعد أن دمرت الحرب العالمية الثانية المدن، كان علماء البيئة يتتبعون شيئا رائعا يحدث على أنقاض المدن؛ نباتات نادرة تنمو على أكوام الركام في أطراف برلين، ورصدوا في المدينة تزايد أعداد النباتات التي تنمو وحدها، وبدا أن لدى النباتات تلك القدرة على الصمود (18).
يرى ويلسون أن الطبيعة تزدهر بالفعل في العديد من المدن، ويؤكد أن فصلا جديدا في علاقة الإنسان بالطبيعة بدأ في العقود الأخيرة، تستقر فيه حيوانات الكوالا في مدينة بريسبان الأسترالية، فيما تتجول أصناف من الحيوانات البرية في المدينة ليُمكن للمتجول في نزهة في برلين رؤيتها وسط المظلات الخضراء والأزهار البرية (19).
_________________________________
المصادر
Cities are teeming with wildlife. It’s time we paid attention. Estilo Urban Jungle ‘Urban Jungle’, el último grito en decoración con efecto terapéutico que tiñe de verde la vida urbana Estilo Urban Jungle: Dale frescor a tu hogar con muchas plantas Estilo Urban Jungle Why Indoor Plants Make You Feel Better Estilo Urban Jungle: Dale frescor a tu hogar con muchas plantas Why Indoor Plants Make You Feel Better Urban Jungle’, el último grito en decoración con efecto terapéutico que tiñe de verde la vida urbana Which Plant for Which Room | Best Indoor Plants for Every Room المصدر السابق Why Indoor Plants Make You Feel Better Effects of Indoor Plants on Self-Reported Perceptions: A Systemic Reviewh Psychological And Physiological Benefits Of Plants In The Indoor Environment: A Mini And In-Depth Review Facilitating creative thinking in the classroom: Investigating the effects of plants and the color green on visual and verbal creativity What science tells us about the mood-boosting effects of indoor plants Cities are teeming with wildlife. It’s time we paid attention. Urban Jungle: The History and Future of Nature in the Cityالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: النباتات التی اللون الأخضر من النباتات فی المدینة الطبیعة فی فی المدن
إقرأ أيضاً:
شؤون البلاط السلطاني يعزز جهود التثقيف العلمي بمهرجان عُمان للعلوم
مسقط- الرؤية
يُشارك شؤون البلاط السلطاني مُمثلاً بالحدائق والمزارع السلطانية والمديرية العامة للخدمات البيطرية في مهرجان عُمان للعلوم في نسخته الرابعة، والذي يحمل شعار "مواردنا المستدامة"، وذلك بمركز عُمان للمؤتمرات والمعارض، والذي يقام خلال الفترة من 4 إلى 11 من نوفمبر الجاري.
وتأتي مشاركة شؤون البلاط السلطاني للمرة الثانية في المهرجان بهدف تعريف زوّار المعرض بمختلف الجوانب الزراعية والبيطرية، وتعريفهم بالدور العِلمي والعملي الذي تقوم به الحدائق والمزارع السلطانية والمديرية العامة للخدمات البيطرية. وتشارك الحدائق والمزارع السلطانية بالعديد من الأنشطة والفعاليات في مجالات التنوع البيئي، والثروات الطبيعية، والغذاء المستدام، حيث يضم الركن تصميم الحدائق الخضراء والتي تتيح للزائر التعرف على كيفية تصميم الحدائق الهندسية والطبيعية وأحواض الأكوابونيك، وطرق تصميم النباتات النادرة في الحدائق الطبيعية، وعرض المعدات والآلات الزراعية المستخدمة في صيانة الحدائق.
كما يستعرض الركن الآفات الزراعية وطرق مكافحتها من خلال عرض نموذج وحدة إكثار الأعداء الحيوية والحشرات المفيدة في البيئة العُمانية، بالإضافة إلى وعرض مرئي لاستراتيجيات المكافحة الحيوية لأهم الآفات التي تُصيب الأشجار في سلطنة عُمان، وطرق إكثار النباتات والعناية بها وأنواع النباتات في البيئات المختلفة. كما اشتمل الركن على قسم الإنتاج الحيواني وصناعة الألبان، وعرض بعض المنتجات الحيوانية، إضافة إلى عددٍ من المعدات والآلات الزراعية الصديقة للبيئة، التي تساهم في تقليل الانبعاثات الكربونية والضوضائية.